ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة صباح اليوم السبت في 5 كانون الثاني 2019 على مواضيع عديدة، كان ابرزها استمرار انسداد الافق في تأليف الحكومة وتقاذق كرة الاتهام اضافة الى اضراب الاتحاد العمالي العام.
* الاخبار
«ماكنزي»: خفض الرواتب وزيادة الـ TVA!
لم تأتِ دراسة شركة ماكنزي بنتائج واقتراحات جديدة غير متوقّعة، بل أتت لتؤكّد المؤكّد. إذ يبدو واضحاً أنها تضع أمامها مهمّة إنقاذ النموذج الاقتصادي القائم لا تغييره كما زُعم في سياق التسويق لها. عملياً، تأتي الدراسة العتيدة المنتظرة منسجمة مع شروط «سيدر» ومطابقة للصورة التي لطالما رسمت للاقتصاد اللبناني، فهي تقدّم الوصفة المُعتادة: المزيد من تحرير رأس المال، الخصخصة، خفض أجور القطاع العام، رفع الدعم، النموّ بالدين… وطبعاً القليل القليل من الدولة، مع التمسّك بغلبة قطاع الخدمات وزيادة التخصّص بالهجرة وخدمة الاقتصاد الإقليمي.
«حتى عام 2025، من المتوقّع أن يولّد الاقتصاد اللبناني 370 ألف فرصة عمل جديدة، مع تخفيض معدّل البطالة من 15 ــ 25% إلى 8%، وتحقيق نموّ بنسبة 6%، مقارنة مع 1% حالياً، فضلاً عن تخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي من 145% إلى 110%، وتخفيض عجز الميزان المالي من 8% إلى 3%، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات بنسبة 10% من الناتج. بالإضافة إلى تحسين معدّلات لبنان في المؤشّرات العالمية للبنية التحتية والفساد وجودة المعيشة».
هذه الأرقام الطموحة جدّاً والتوقّعات الوردية، تستعرضها خطّة ماكنزي التي أصدرتها وزارة الاقتصاد والتجارة أخيراً، وهي تفترض أن تنشيط العمل التشريعي وتحسين بيئة الأعمال وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتحفيز الخصخصة ومكافحة الفساد كفيلة بالوصول إلى الأهداف المنشودة.
هوية جديدة أم دعامة للنموذج القائم؟
بعد أكثر من عام من موافقة الحكومة على إجراء دراسة حول مستقبل لبنان الاقتصادي وتكليف شركة ماكنزي بإعدادها، صدرت الدراسة المُنتظرة والمفترض أن تتبناها الدولة اللبنانية باعتبارها “الرؤية الاقتصادية للبلاد خلال السنوات الخمس المقبلة». وكما كان متوقّعاً، لم تأتِ الدراسة التي كبّدت الحكومة اللبنانية نحو 1.3 مليون دولار، وكان من المفترض الانتهاء منها قبل انعقاد مؤتمر “سيدر” في نيسان/ أبريل الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، بأي جديد حول تشخيص سمات الاقتصاد اللبناني أو اقتراح الحلول لها.
تدّعي الدراسة وضع رؤية جديدة للاقتصاد اللبناني، إلّا أن توصياتها لا تختلف كثيراً عن التصوّرات التي لطالما رسمت لطبيعة الاقتصاد اللبناني منذ ما قبل الحرب والتي تجذّرت أكثر وأكثر في مرحلة إعادة الإعمار.
بصورة أكثر وضوحاً، تعيد الدراسة التذكير بأن الاقتصاد اللبناني «يدور في حلقة مفرغة نتيجة فترات الاضطرابات والتقلّبات التي يشهدها ويقودها الاعتماد الكبير على تدفّقات المهاجرين بدلاً من القطاعات الإنتاجية». وكعلاج، تقترح الدراسة التخصّص في الهجرة “عبر إدارة العرض والطلب في أسواق العمل الخارجية وتدريب اليد العاملة المحلّية لتلبية متطلبات هذه الأسواق». كما تقترح تحويل لبنان إلى “مركز حضري وتجاري وسياحي، يستقطب طالبي التعليم والخدمات الاستشفائية والباحثين عن الترفيه»، وهي القطاعات التي تتسم بكونها الأكثر عرضة لتقلّبات الأسواق الخارجية كسوق النفط، والأكثر تأثّراً بالأوضاع الجيوسياسية. وعلى الرغم من تشديد الدراسة على «ضرورة مضاعفة التركيز على القطاعات المُنتجة ذات القيمة الإضافية العالية (الزراعة والصناعة والتكنولوجيا) وبناء رأس مال بشري يلبّي الاحتياجات الاقتصادية المستقبلية»، إلّا أنها لا تقدّم أي توصيات لتصحيح النظام الضريبي أو خفض الفوائد المرتفعة ورفع تنافسية الإنتاج اللبناني لتحفيز هذه القطاعات وتشجيع الاستثمار فيها، بل تعيد تقديمها مع سلّة توصيات بسياسات وإجراءات وحوافز للقطاع الخاص.
انسجاماً مع «سيدر»: خفض الأجور ورفع الدعم!
تنطلق الدراسة من تحليل الوضع الراهن، وتحدّد مجموعة من الإجراءات تراها ضرورية لمواكبة «الرؤية الجديدة والخطّة الوطنية» المقترحة. وبعد “الرتوش” الذي أجرته ماكنزي على دراسة قديمة سبق أن أعدّتها شركة “بوز أند كومباني” لمصلحة الدولة اللبنانية عام 2010، ركّزت في مقترحاتها الجديدة على 6 قطاعات، رأت أنها “ذات إمكانيات عالية كفيلة بإخراج الاقتصاد اللبناني من دوّامته، وهي: الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات المالية واقتصاد المعرفة والمنتشرون».
في الواقع، تنسجم ماكنزي مع شروط مؤتمر «سيدر»، وهي تشترط تنفيذ ما يسمّى «إصلاحات سيدر» لحسن تنفيذ خطّتها. فهي تتناول «العمل على إصلاح البنية التحتية، ولا سيّما المشاريع المخطّط لها مسبقاً (المقدّمة في سيدر)، وهي مشروع الباص السريع لبيروت، وإعادة تأهيل مطار بيروت، والطريق السريع رأس بعلبك ــــ الحدود السورية، وشبكة الألياف الضوئية، ومشاريع إدارة النفايات والمناطق الصناعية، بالإضافة إلى إصلاح قطاع الكهرباء من خلال خطة 2010 وتعديل التعرفة. فضلاً عن إطلاق مشاريع جديدة غير مشمولة بسيدر وهي منطقة لتكنولوجيا البناء تركّز على التصدير إلى سوريا والعراق، وبناء مركز المعرفة في بيروت، وتحسين الأرصفة في صور وجبيل وبيروت المقترح تحويلها إلى مدن سياحية».
بحلول 2025، تتوقّع خطّة ماكنزي أن يولّد الاقتصاد اللبناني 370 ألف فرصة عمل جديدة وأن تنخفض البطالة إلى 8%
وفي هذا الإطار، تقترح الدراسة العمل على تفعيل 3 ممكنات لتحفيز النمو الاقتصادي بوتيرة أعلى، وهي تطاول الإدارة العامّة من خلال استقرار و/أو خفض الرواتب والأجور وتجميد التوظيف في القطاع العام، والسياسة المالية عبر خفض التحويلات السنوية لمؤسسة كهرباء لبنان بنحو 1 إلى 2 مليار دولار، وخفض العجز بنسبة 1% سنوياً، وتحديد سقف مالي للحكومة، وفرض ضرائب جديدة على التبغ وضريبة القيمة المضافة ورسوم التسجيل العقاري، وتكثيف الجباية من 40% إلى 70%. بالإضافة إلى تطوير إنتاجية البرلمان وإقرار 11 قانوناً متعلّقاً ببيئة الأعمال؛ منها القانون التجاري كأولوية قصوى وقوانين إنهاء العمل والوساطة القضائية والإفلاس والإقراض الآمن كأولوية عالية، وإنفاذ قانون المياه 221 وتعديل المرسوم الوزاري 1660 المتعلّق بحوكمة المناطق الصناعية».
التوصيات القطاعية:
الزراعة: تهدف الخطّة إلى زيادة مساهمة الزراعة في الناتج المحلّي من 1.6 مليار دولار عام 2017 إلى 2.2 مليار عام 2025، فضلاً عن رفع عدد الوظائف في هذا القطاع من 210 آلاف إلى 214 ألفاً. بالإضافة إلى استحداث أراضٍ زراعية للمحاصيل ذات القيمة العالية بحدود 10 آلاف هكتار، ورفع قيمة الصادرات الزراعية من 175 مليوناً إلى 750 مليون دولار. ولتحقيق أهداف رؤية 2025، تفترض الدراسة التركيز على المحاصيل ذات القيمة العالية، مثل الأفوكا والبندورة وتربية المواشي، والحدّ من زراعة التبغ والمحاصيل ذات القيمة المتدنية، مثل الزيتون والحبوب، ورفع مستويات إنتاجية المحاصيل من خلال تحسين الأساليب المعتمدة وتطبيق التكنولوجيات الحديثة وتعزيز نطاق البحث الزراعي، فضلاً عن تعزيز شفافية السوق المحلية وزيادة القبول العالمي للمنتجات اللبنانية عبر الحدّ من الاستخدام المفرط للأسمدة وتكييف الممارسات الزراعية مع تفضيلات الأسواق الخارجية، وإنشاء مناطق خاضعة للرقابة تزرع فيها الحشيشة الموجّهة إلى التصدير بطريقة مشروعة وللأغراض الطبية.
الصناعة: تتوقّع الخطّة رفع حصة الصناعة من الناتج المحلي من 4.6 مليارات دولار عام 2017 إلى 8 مليارات دولار عام 2025، ورفع عدد الوظائف من 185 ألفاً إلى 240 ألفاً، ورفع قيمة صادرات المجموعات الفرعية من 828 مليون دولار إلى 1.8 مليار دولار. تشترط الخطّة لتحقيق الأهداف المنشودة إنشاء قطاعات النمو الفرعية المتخصّصة التي تحقّق مستويات عالية من التنافسية من خلال الدعم الحكومي الموجّه، مثل الصناعات الدوائية والغذائية والعطور والمنتجات الاستهلاكية التي تعتمد على التصميم والابتكار مثل المجوهرات ومستحضرات التجميل، وإنشاء 6 مناطق صناعية (بما في ذلك منطقة خاصّة بإعادة إعمار سوريا، والمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، و3 مناطق صناعية مقترحة من وزارة الصناعة وUNIDO، ومنطقة صناعية تكنولوجية)، فضلاً عن توفير البنية التحتية العالية المستوى.
السياحة: تتوقّع الدراسة رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي من 1.6 مليار دولار إلى 3.7 مليارات دولار حتى عام 2025، ورفع عدد الوظائف من 89 ألفاً إلى 185 ألفاً، وكذلك عدد السياح من 1.9 مليون إلى 4.2 ملايين سائح (4 ملايين سائح ترفيه و0.2 مليون سائح أعمال). وتقترح الدراسة استقطاب مروحة جديدة من السيّاح من 15 دولة أوروبية وخليجية، وحيث ينتشر المغتربون اللبنانيون (أي كندا وأميركا وأوستراليا)، وذلك عبر التركيز على السياحة المدينية والثقافية وتحويل كلّ من صور وجبيل وبيروت إلى وجهات سياحية لقاصدي المدن، وتطوير الخدمات فيها وبناء مراكز ترفيهية ومراكز ألعاب وكازينوات، فضلاً عن التركيز على السياحة البيئية والسياحة الاستشفائية في جبل لبنان والشمال وسياحة الأعمال في بيروت.
الخدمات المالية: تتوقّع الدراسة أن تؤدّي توصياتها للقطاع المالي إلى رفع حصته من الناتج المحلّي من 4.8 مليارات دولار عام 2017 إلى 7.8 مليارات دولار عام 2025، لكن من دون زيادة فرص العمل فيه، بل استقرارها عند 50 ألف وظيفة، لكن مع زيادة إجمالي أصول الخدمات المالية نسبة إلى الناتج المحلي (المصارف والمؤسسات المالية وشركات التأمين) من 433% إلى 490%، وزيادة إجمالي الأصول المدارة خارج الميزانية العمومية إلى الناتج المحلي (الأوراق المالية باستثناء الودائع) من 14% إلى 30%. ولتحقيق ذلك، تقترح الخطّة تطوير الخدمات المالية والمصرفية الرقمية، وإشراكها في برنامج التنمية الاقتصادية وتمويل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إذ تهدف الخطّة إلى خفض حصة المصارف من الديون السيادية من 50 إلى 37% في مقابل رفع معدّل اختراق القروض الفردية إلى الناتج المحلي من 30 إلى 50%، وكذلك رفع حصة القروض إلى القطاعات ذات الأولوية من 19 إلى 30%. فضلاً عن استحداث خدمات مالية غير مصرفية وتنويعها وتطويرها مثل شركات التأمين وإدارة الصناديق والأسهم وأسواق رأس المال وصناديق رأس المال والثروات، وذلك عبر رفع الأقساط المكتتبة للتأمين على الأصول المادية وعلى الحياة، وزيادة عدد الشركات المدرجة في البورصة من 10 إلى 25 شركة، وزيادة ثروات أصحاب الثروات الضخمة الموجودة في لبنان من 40 إلى 55%.
تنسجم ماكنزي مع شروط «سيدر»، وهي تشترط تنفيذ ما يسمّى «إصلاحات سيدر» لحسن تنفيذ خطّتها
اقتصاد المعرفة: تقترح الدراسة التحوّل إلى اقتصاد رقمي عالي الإنتاجية ورائد في مجال الابتكار، بما يؤدّي إلى رفع مساهمة هذا القطاع من الناتج المحلي من 1.4 مليار دولار إلى 3.8 مليارات دولار، ورفع عدد الوظائف فيه من 44 ألفاً إلى 105 آلاف وظيفة، ورفع عدد الشركات الناشئة من 200 إلى ألفي شركة. وتهدف الدراسة إلى تحويل لبنان مركزاً إقليمياً في مجال التكنولوجيا المالية والإبداعية والتعليمية والصحية، وتقترح الاستثمار في رأس المال البشري المتوافر فيه، وتعزيز خدمات التعاقد الخارجي والإبداع الإقليمي وتوجيهها نحو الخليج، فضلاً عن جذب الطلاب الإقليميين من مختلف الاختصاصات بعد تحويل لبنان إلى مركز تعليمي متخصّص.
الانتشار اللبناني: تنطلق الدراسة من كون العلاقات مع الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين ضعيفة جدّاً، ومن أن نسبة تدفق أموال المهاجرين غير المنتجة مرتفعة جدّاً، وغالبيتها تصبّ في العقارات وتمويل الاستهلاك، ومن أن هجرة اليد العاملة غير منظّمة. لذا، تقترح تفعيل سياسة الهجرة وتفعيل نظام لتتبع المهاجرين ونسج علاقات متينة معهم عبر تنظيم رحلات تعريفية إلى لبنان، والاستثمار في الهجرة وتنظيمها لتلبي أسواق العمل الخارجية عبر تدريب اليد العاملة المحلية لدخول الاقتصاد العالمي وإدارة العرض والطلب على اليد العاملة، وتخصيص تحويلات المهاجرين في استثمارات التنمية المناطقية والاستثمارات المنتجة.
النموذج اللبناني عالق في حلقة مفرغة
وفقاً لدراسة ماكينزي، لم يحقّق الاقتصاد اللبناني أي زيادة في ثروته خلال السنوات الأربعين الماضية، ولم يستطع مجاراة البلدان الأخرى في السنوات السبع الماضية، بحيث نما نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 30% خلال الأربعين سنة الماضية، في مقابل متوسّط عالمي بنسبة 120%، وبنسبة 8% خلال السنوات السبع الماضية، في مقابل متوسّط عالمي بنسبة 14%.
وتشير الدراسة إلى أن النموّ كان مدفوعاً بتدفّقات مالية إقليمية من اللبنانيين المهاجرين والتمويل المتقطّع من المانحين. إذ نمت تدفّقات ميزان المدفوعات بنسبة 40% بين عامي 2005 و2010 في مقابل 3% بين عامي 2010 و2015. علماً أن 70% من هذه التدفّقات (72 مليار دولار) موّلت، أساساً، القطاعات الأقل إنتاجية، وتحديداً الاستهلاك والعقارات، و21% منها (22 ملياراً وظّفت في القطاع المصرفي). كذلك خُصّص جزء منها لتمويل الدين العام.
هذا الواقع أفسح مجالاً محدوداً للنفقات الرأسمالية التي لا تشكّل سوى 4% من الموازنة خلال السنوات العشر الماضية مقابل 10-20% كمعيار مرجعي، وبالتالي ساهم بتراجع البنية التحتية، وبات لبنان يحتل المرتبة 113 بين 137 دولة في هذا المؤشر، وهو ما ولّد بيئة أعمال غير مواتية، فتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 30% بين عامي 2010 و2017، وانخفضت مساهمة القطاعات المُنتجة في الناتج المحلّي، بحيث شكّلت 14% بين عامي 2010 و2016، في مقابل 20% كمعيار مرجعي، وبالتالي تراجعت فرص العمل والإنتاجية. وهي عوامل تطيل أمد هذه الحلقة المفرغة.
موازنة 1969 أم 1970 أم لا سابقة أبداً؟
بحسب المواعيد التقليدية والمهل الدستورية، من المفترض احالة الموازنة الى البرلمان في ايلول، كي يباشر مناقشتها في بدء العقد العادي الثاني الذي انتهى مطلع السنة الجديدة، على ان يذهب الى عقد استثنائي خلال كانون الثاني حتى انجازها قبل نهايته
بسبب تعثر تأليف الحكومة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري في ايار، ودخوله الشهر الثامن، لم يحدث اي من المواعيد الدستورية الخاصة بإقرار الموازنة. اكثر من مرة، منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2013، اكد رئيس المجلس نبيه برّي اصراره على التئام المجلس في ظل حكومة مستقيلة، كي لا تنتقل عدوى الفراغ من السلطة الاجرائية الى السلطة التشريعية. طرح على الدوام ما سمّاه «تشريع الضرورة»، وعمّمه كذلك على مرحلة الشغور الرئاسي ما بين عامي 2014 و2016. بعدما اصبح تعّذر تأليف الحكومات يطول الى اشهر، تخلّص من نظرية «تشريع الضرورة»، وبات يؤكد ان للمجلس ان يجتمع في اي وقت، وتمثل امامه الحكومة كما لو انها لا تزال تحكم، رافضاً تعطيل دور البرلمان. وهو ما ابرزته الجلستان الاخيرتان في ايلول وتشرين الثاني.
اما ما لم يقله قبلاً، فهو دعوة الحكومة المستقيلة الى الالتئام، والاصرار عليها اقرار الموازنة، آخذاً بما شاع عن سابقة 1969. المقصود بها الحكومة المستقيلة للرئيس رشيد كرامي، عندما قيل انها في فترة استقالتها التأمت واقرّت «مشروع موازنة 1969». لم يكن الدستور السابق ينصّ على تصريف الاعمال الذي غدا عرفاً قبل ذلك بوقت طويل، اعتمده الرؤساء المتعاقبون عندما يستقيل رؤساء الحكومات، فيطلب منهم رئيس الجمهورية «تصريف الاعمال» الى حين تأليف حكومة جديدة.
يعزو رئيس المجلس موقفه الجديد الى رغبته في استعجال اقرار الموازنة، اذ «ربما طال تأليف الحكومة بينما نحن محكومون بمهل دستورية ملزمة. اريد منها ان تجتمع وتُدخِل اصلاحات مؤتمر سيدر في متن الموازنة، وترسلها إليّ، فاعكف على انجازها في المجلس الى حين الوصول الى حكومة جديدة. لا نضيع عندئذ الكثير من الوقت كما فعلنا حتى الآن».
يضيف: «انا لا اعطي الحكومة مخرجاً ولا اعوّمها، ولا اطلب من اجتماعها الا الموازنة فقط لا غير. لأن المهمة الاولى للحكومة الجديدة هي الموازنة وستنكب عليها في جلسات، ولأن احداً لا يعرف متى تتألف، استعجلها ارسال الموازنة اليّ. للضرورة احكام».
قبل برّي، كان سلفه الرئيس حسين الحسيني اول مَن ذكّر بسابقة «موازنة 1969». في 3 ايار 1988 توجّه الى الدكتور ادمون رباط يسأله رأيه بشأن جدل سياسي ودستوري نشب آنذاك حيال صواب التئام مجلس النواب للتشريع في ظل حكومة مستقيلة، رغم ان المجلس – بحسب الحسيني – سار «على عقد جلسات تشريعية في ظل حكومات مستقيلة، لاسيما خلال عام 1969 عندما اجتمعت الحكومة وهي مستقيلة، واقرت مشروع قانون الموازنة الذي ناقشه واقره المجلس مع وجود حكومة مستقيلة».
رد الدكتور رباط في 15 ايار ان اعاد طرح سؤال الحسيني، قائلاً انه اجاب عنه بنفسه، مؤيداً ملاحظته أنها «في محلها الدستوري بشكل لا ريب فيه، وذلك لأن السلطة التشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية، ويتوجب عليها ان تستمر في ممارسة صلاحياتها الدستورية بقدر ما تسمح لها الظروف السياسية. واذا كانت السلطة التنفيذية في حال من الشلل والانقسام، فلا تؤلف هذه الحالة ولا يجوز ان تؤلف عائقاً او عذراً كي تسير السلطة التشريعية على منوالها».
في حصيلة رأي رباط ان للبرلمان ان يجتمع مع حكومة مستقيلة، وله ان يجتمع وإن مع حكومة منقسمة على نفسها، وليس ثمة ما يحول دون ادائه صلاحياته الدستورية. بيد ان الجواب لم يتطرّق الى شق الحكومة، وصواب اجتماعها هي المستقيلة، ولا الى سابقة موازنة 1969، بانياً الجواب على السؤال الرئيسي للحسيني حيال انعقاد المجلس للتشريع.
لكن، هل حصل حقاً اقرار الحكومة المستقيلة عام 1969 موازنة تلك السنة؟
في العودة الى محاضر مجلس النواب، فإن موازنة 1969 اقرها المجلس في اربع جلسات عقدها ما بين 18 شباط 1969 و24 منه، ابان وجود الرئيس صبري حمادة على رأسه. ما يعني ان احالة حكومة كرامي عليه مشروع القانون سبق هذا التاريخ. على ان استقالة رئيس الحكومة اتت بعد شهرين. في 24 نيسان تقدّم بها في جلسة مجلس النواب ثم سلمها الى رئيس الجمهورية شارل حلو في الغداة. اعيد تكليفه تأليف حكومة جديدة الا انه جمّد مهمته، واقعاً بين ناري الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية في انحاء شتى من البلاد الى حين التوصل الى اتفاق القاهرة في 3 تشرين الثاني. عندئذ، بانقضاء ثلاثة اسابيع صدرت مراسيم الحكومة الجديدة في 25 تشرين الثاني، ومثلت ببيانها الوزاري امام مجلس النواب في 4 كانون الاول، وحازت ثقته في 6 كانون الاول.
منذ 24 نيسان الى 18 كانون الاول، موعد الجلسة الاولى التي تلت جلسة الثقة بحكومة كرامي، لم يلتئم مجلس النواب يوماً جراء الاحداث والاعمال العسكرية آنذاك. ما يعني ان موازنة 1969 كانت قد انجزت سلفاً، لدى السلطتين الاجرائية والتشريعية، قبل ولوج الازمة الحكومية – الاولى في تاريخ لبنان حتى ذلك الوقت – باستمرارها سبعة اشهر بالكمال والتمام.
موازنة 1969 اقرها المجلس قبل شهرين من استقالة الحكومة
مفارقة ذلك الحدث ان كرامي كان رئيس حكومة مستقيلاً، ورئيساً مكلفاً، ورئيساً مكلفاً معتكفاً يمتنع عن تأليف الحكومة بعدما ربطه بتسوية النزاع اللبناني – الفلسطيني.
بعيداً من اي مقارنة، او تشبيه حتماً، هي الآن حال الحريري: رئيساً مستقيلاً ومكلفاً ومعتكفاً ممتنعاً. انتظر كرامي اتفاق العماد اميل بستاني وياسر عرفات لتأليفها، وينتظر الحريري اليوم الوزير جبران باسيل.
منذ 6 كانون الاول 1969 باشرت حكومة كرامي ممارسة صلاحياتها. الا ان محاضر مجلس النواب تورد انه التأم في ثلاث جلسات في 26 كانون الثاني 1970 وفي 27 و28 منه، في عقد استثنائي، برئاسة حمادة وناقش موازنة 1970 واقرها في الجلسة الثالثة.
هنا يُطرح السؤال الذي لا يعثر احد على جواب عنه: هل هي موازنة 1970 وليس 1969، اذا صحّ الافتراض ان حكومة كرامي اقرتها في مجلس وزراء حكومته المستقيلة ما بين نيسان وتشرين الثاني؟ مع تأكيد الانقسام الذي ساد الحكومة المستقيلة حينذاك، جراء الاشتباكات بين الجيش والمقاومة الفلسطينية المتزامنة مع تظاهرات وصدامات في الشارع اوقعت قتلى وتنديد الفصائل والاحزاب اليسارية بحكومته، وهو ما عبّرت عنه مناقشات مجلس النواب في جلسة استقالته في 24 نيسان، وبالذات مداخلات اقطاب ورؤساء كتل لها وزراؤها في الحكومة كادوار حنين وادمون رزق وكمال جنبلاط وكميل شمعون وعبدالله اليافي وصائب سلام وعادل عسيران وبهيج تقي الدين وكامل الاسعد، قبل ان يفاجئ كرامي الجميع باستقالته في السطر الاخير من بيانه.
ما بين 6 كانون الاول 1969 و26 كانون الثاني 1970 يكون انقضى شهر على حكومة كرامي. هل تراها انجزت موازنة 1970 خلال هذه المدة وارسلتها الى المجلس – ما يُسقط «سابقة 1969» – ام كانت تحتفظ بالموازنة في جوارير الحكومة السابقة طوال تسعة اشهر اذا صح انها اقرت في حقبة الاستقالة؟
حزب الله يدعم باسيل… لحكومة من 32 وزيراً
لم يُكتب لموجة التفاؤل، التي بثّتها معظم القوى السياسية، الاستمرار طويلاً. تطورات المسألة الحكومية لا تزال مُبهمة، من دون أن يكون أفق مشاورات جبران باسيل واضحاً. إلا أنّ أمرين يلفتان النظر: تعامل سعد الحريري مع الملف بحيادية، وكأنّه ليس الرئيس المُكلّف. وتهميش «اللقاء التشاوري»
أغدق المسؤولون المعنيون بتأليف الحكومة الوعود الإيجابية في ما خصّ حلحلة العِقَد. وعود بُنيت على إعادة تكليف الرئيس ميشال عون المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إحياء المبادرة، وقبول عون التنازل عن مقعد من حصته لـ«اللقاء التشاوري». حتى يوم الثلاثاء الماضي، كانت الأمور موضوعة على السكّة الصحيحة للحلّ، على الرغم من استمرار حالة الاعتذار عن الواجب والمهمة المُكلّف بها، التي يعيشها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. ولكنّ دخول الوزير جبران باسيل على الخطّ، وقوله إنّه قدّم خمس أفكار جديدة، أوحى بأنّ المبادرة السابقة انتهت، وعاد البحث عن مخرجٍ جديد، وبالتالي تبديد جميع المؤشرات الإيجابية، ولا سيّما أنّ حراك «الوزير المُكلّف» ظلّ ناقصاً مع تهميش نواب «اللقاء التشاوري» عن جولة مفاوضاته الجديدة، وكأنّهم ليسوا فريقاً معنياً بإيجاد أي مخرج.
بناءً عليه، يُختتم أسبوعٌ آخر من دون أن يظهر في الأفق أي أمل بقرب إعلان حكومة جديدة، مع اقتراب عقد أعمال القمة الاقتصادية في 19 و20 الشهر الجاري. وكان عون قد أكد أمس، أنّ «خلافات في الخيارات السياسية لا تزال تُعرقل تشكيل الحكومة الجديدة»، داعياً جميع القوى المعنية إلى «تحمل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل».
أفكارٌ عدّة طرحها باسيل، واحدة منها هي أن «يقترح رئيس الجمهورية ثلاثة أسماء، يختار نواب اللقاء التشاوري من بينها الوزير»، كما تقول مصادر في فريق 8 آذار. يسعى باسيل إلى هذا المخرج، كونه «مُعترضاً على تسمية كلّ من مستشار النائب فيصل كرامي عثمان مجذوب ومرشح جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية طه ناجي». إلا أنّ النجاح ليس مكتوباً لهذا الاقتراح، لغياب إمكانية تسويقه بين القوى المعنية، وتحديداً «اللقاء التشاوري». وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد اجتمع النواب الستة، أول من أمس، وخلصوا إلى وجود ثلاثة حلول يقبلون بها:
ــــ أن يكون الوزير واحداً منهم.
ــــ الاختيار بين الأسماء الثلاثة المقترحة مسبقاً، أي، طه ناجي وعثمان مجذوب وحسن مراد.
ــــ في حال عدم القبول بالأسماء الثلاثة، يتمّ التوافق على تسمية عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد هشام طبارة. المشكلة في هذا الطرح، أنّه لم يلق تأييد سوى النواب عبد الرحيم مراد والوليد سكرية وجهاد الصمد.
يُحاول باسيل الضغط على الحريري، ليقبل بصيغة الـ 32 وزيراً
يوم أمس، قال وزير الخارجية والمغتربين من بكركي إنّه يتفهم وجود «معادلات جديدة بعد قانون الانتخاب، لكنّ اللبنانيين لا يستطيعون أن يفهموا أن تكون هذه لحظة تسجيل مكتسبات سياسية معينة أو تغيير في النظام، فهذا ليس توقيته ولا مناسبته». ورأى باسيل أنّ «ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي عيب في حقّ ذكاء اللبنانيين، فكيف نعرقل الأفكار التي نقدمها؟». وردّاً على سؤال عن رفض إعطاء «تكتل لبنان القوي» الثلث المعطّل، أجاب باسيل أنّ «حزب الله عبّر عن رأيه مباشرة على لسان السيد نصر الله، وكرّر الأمر أكثر من مسؤول، والصيغ التي يوافق عليها الحزب تؤكّد أن لا مشكلة لديه حول هذا الموضوع». تكرار باسيل بأنّ حزب الله لا يقف عثرةً بوجه حصول «لبنان القوي» على الثلث المعطّل، مردّه بحسب مصادر معنية بتأليف الحكومة، إلى أنّ «الحزب يدعم اقتراح باسيل تشكيل حكومة من 32 وزيراً». وحالياً، يُحاول وزير الخارجية «الضغط على الحريري، ليقبل بصيغة الـ 32». وفي السياق نفسه، قال عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق إنّ صيغة الـ 32 وزيراً تضمن أن لا يتنازل أحد عن حصّته، «وتضمن تمثيل اللقاء التشاوري. ولكنّ الصيغة تعرقلت بسبب رفض الحريري لها لأنّه لا يريد أن يعترف بهم». وأوضح أنّ المشكلة ليست عند التيار الوطني الحرّ، بل «عند الرئيس المُكلّف الذي يرفض أن يعترف بتمثيل اللقاء التشاوري. الانتخابات النيابية الأخيرة غيّرت المعادلات السياسية، وجعلت من النواب الستة المستقلين حقيقة واقعية، وهناك من يتنكر لحقّهم، ولا يريد أن يعترف بتمثيلهم ودورهم في المعادلة السياسية اللبنانية».
ولكن، من وجهة نظر الوزير نهاد المشنوق، العرقلة في مكانٍ آخر. «يوجد صراعٌ خفي، جدّي جدّاً وعميق، حول المسألة الرئاسية، وهذا ما فتح الباب وأخرج العفاريت السياسية دفعة واحدة. أعتقد أنّ فتح الملف الرئاسي هو الذي يعطل بشكل أو بآخر، ومن أكثر من فريق».
* اللواء
ماذا وراء عرقلة التأليف: حزب الله يرمي المسؤولية بالكامل على الحريري؟
إتصالات إسلامية – مسيحية لتطويق محاولات النفخ بالفتنة على خلفية قدّاس أنطلياس
جمود يكاد يكون قاتلاً، يطفو على السطح السياسي، المسطح اصلاً: فلا ضربة، كما يقال، في ميدان تأليف الحكومة.. عودة إلى الوراء، وإلى ما وراء المشكلة: لم تعد القضية قضية اعداد ووزراء وحقائب، انها أبعد، العرقلة سببها تباعد في الخيارات السياسية.. والكلام للرئيس العماد ميشال عون. أما «حزب الله» وعلى لسان أحد قيادييه، الشيخ نبيل قاووق، فيعتبر المشكلة في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، «فالمشكلة عنوانها من البداية إلى النهاية عند الرئيس المكلف».. والكلام لقاووق الذي أيد صيغة 32 وزيراً، لكن «الصيغة التي وافقت عليها غالبية الأطراف يرفضها الرئيس المكلف، لأنه لا يريدهم، ولا يريد ان يجلس معهم، ولا ان يعترف بهم، ولا بدو يرحمهم ولا بدو يخلي رحمة الله تنزل عليهم».
وعليه، يغدو السؤال مشروعاً: ماذا وراء عرقلة التأليف، التي يتناوب عليها التيار الوطني الحر وحزب الله، وفقاً لمصادر معنية بقوة بالتأليف، هل لابعاد الرئيس المكلف عن رئاسة الحكومة، أم لابتزاز أطراف في ما يتعلق بدعوة دمشق إلى قمّة بيروت الاقتصادية التي يتجه الوزير جبران باسيل لتوجيه الدعوة لها، لكن القرار لجامعة الدول العربية..
وكشف مصدر دبلوماسي ان التحضيرات على قدم وساق لانعقاده، وهناك دول أكدت حضورها، وفي مقدمها دولة الكويت، وجمهورية موريتانيا، فيما لم يعرف بعد ما إذا كانت مصر ستشارك على مستوى رفيع، وكذلك الأردن.
وقال المصدر لـ«اللواء» ان عودة سوريا إلى الجامعة تحتاج إلى قمّة عربية على مستوى الرؤساء والأمراء العرب، لاتخاذ قرار، وهذا الأمر غير متوافر قبل القمة المقررة في آذار المقبل..
خلاف الخيارات والمناطحات
في غضون ذلك، بدا ان أزمة تأليف الحكومة تراوح من دون ان يسجل أي خرق في جدارها، أو ان تفتح أبوابها المغلقة، على حدّ تعبير رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي عزا استمرار اقفال الأبواب إلى ان «الضوء الأخضر لم يأت بعد»، في حين أكّد رئيس الجمهورية ميشال عون، خلال استقباله مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي جان فهد، ان «خلافات في الخيارات السياسية لا تزال تُعرّقل تشكيل الحكومة الجديدة، داعياً «جميع الأطراف المعنيين إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل»، في وقت أعلن فيه عضو «اللقاء التشاوري» الذي يجمع نواب 8 آذار، العودة إلى المربع الأوّل والمطالبة بوزير من نواب اللقاء مع حقيبة، وليس ممثلاً عنه، معتبراً ان كل ما يجري حول تشكيل الحكومة ولا يمر عبر اللقاء هو «طبخة بحص».
وإذا كان الرئيس عون لم يشأ ان يُحدّد أو يوضح طبيعة الخيارات السياسية والتي ما يزال الخلاف حولها يُعرقل تشكيل الحكومة، فإن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، تحدث من بكركي، عمّا وصفه بمناطحة سياسية أبعد من تأليف الحكومة، الا انه استبعد ان تكون مرتبطة بالانتخابات الرئاسية، مثلما ذهب وزير الداخلية نهاد المشنوق، ومن بكركي أيضاً، حيث كرّر ما سبق واعلنه منذ شهور بأن الصراع الخفي ولكن الجدي والعميق حول المسألة الرئاسية، هو ما اخرج «العفاريت السياسية»، وان «فتح هذا الملف هو ما عطل تشكيل الحكومة».
وقال باسيل، في ردّ غير مباشر على المشنوق، انه «يضحك على هذا القول، لأنه إذا فشل هذا العهد فهل ستبقى هناك رئاسة تليق بنا؟ وشدّد على ان المشكلة الأساسية مرتبطة بتأليف الحكومة، موضحاً بأن هذه الحكومة لا تنتخب رئيساً وإنما ستجري انتخابات نيابية وبعدها تكون انتخابات رئاسة الجمهورية، فلنبق في حدّ أدنى من المنطق ومن تسلسل الامور».
لكن باسيل لم يشأ بدوره ان يوضح طبيعة «المناطحة السياسية» والتي هي أبعد من تأليف الحكومة، على الرغم من تأكيده بأن المشكلة الأساسية مرتبطة بالحكومة، أو ان يكشف عن الجهات التي تدور بين أطرافها رحى هذه المناطحة، وعما إذا كانت مرتبطة باستحقاق استضافة لبنان للقمة الاقتصادية التنموية على أرضه، والخلاف القائم حول دعوة سوريا إلى هذه القمة، حيث يعتقد كثيرون ان التجاذب السياسي الحاصل في هذا الشأن هو من العوامل الرئيسية التي تحول دون التفاهم على تأليف الحكومة، رغم ان باسيل أوضح ان «لبنان ليس هو الجهة الصالحة لتوجيه الدعوة، وإنما يمكنه المبادرة والعمل لكي تكون سوريا في الجامعة العربية، وان من مصلحة لبنان، بغض النظر عن أي أمر آخر ان تكون سوريا في الجامعة، وان تكون علاقات لبنان المميزة مع سوريا قائمة».
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ«اللواء» انه على الرغم من تحرك الوزير باسيل في الملف الحكومي فإن ما شيء عملي بعد ولفتت إلى أن عقدة اللقاء التشاوري باتت هي العقدة الوحيدة التي تحول دون تأليف الحكومة وان ما اقترحه باسيل في توسيع الحكومة يصب في سياق الحل وتجاوز ما بحكى عن ازمة الثلث المعطل او الضامن. اما عن مطلب الحكومة المصغرة فهو وفق المصادر مجرد مطلب وقد لا يلقى التأييد المطلوب.
واكدت المصادر انه لا يمكن الربط بين دعوة سوريا للمشاركة في القمة وتشكيل الحكومة مشيرة الى ان لبنان وهو الدولة المضيفة للقمة ليس هو المخول لتحديد الدول التي سيتم دعوتها والقرار يعود للجامعة العربية صاحبة الدعوة في هذا المجال.
لكن مصادر محطة «الجديد» التلفزيونية، كشفت ان المقترحات الخمسة التي قدمها باسيل إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تضمنت جميعها ضمان فريق رئيس الجمهورية والتيار للثلث المعطل في الحكومة.
وأوضحت المصادر أن «المقترح الأول هو حكومة من 32 وزيراً يكون لفريق رئيس الجمهورية فيها 12 وزيراً وقد رفضه الحريري رفضاً قاطعاً لتمسكه بالحكومة الثلاثينية ولعدم استيلاد وزراء دولة لا عمل لهم»، مشيرة إلى أن «المقترح الثاني هو إعادة تعويم إسم جواد عدرة كإسم توافقي وهو ما رفض «اللقاء التشاوري« العودة إليه».
اما «المقترح الثالث لباسيل فهو إضافة «اللقاء التشاوري» لإسمين أو ثلاثة لتمثيل النواب السنّة الستة ويقوم رئيس الجمهورية باختيار إسم من بينهم»، موضحة أن «المقترح الرابع هو تقديم رئيس الجمهورية بعض الأسماء للقاء التشاوري ليختار النواب الستة واحداً منهم وقد رفض اللقاء المقترحين الثالث والرابع خوفاً من أن يتضمن أرنباً مخفياً على غرار إسم عدرة».
وأشارت المصادر إلى أن «المقترح الخامس هو حكومة من 18 وزيراً أو من 24 وزيراً يضمن خلالها فريق رئيس الجمهورية الثلث الضامن، فيحصل رئيس الجمهورية وتكتل «لبنان القوي» في حكومة من 24 وزيراً على تسعة وزراء في مقابل اثنين لـ «القوات اللبنانية» وواحد لتيار «المردة» وهو ما رفضه الحريري لما يشكل من إجحاف للقوات ومحاولة حشرها من جديد».
وشددت المصادر على أن «الفرقاء السياسيين يجمعون على عدم منح فريق سياسي واحد الثلث الضامن باعتبار أنه لا تفسير لتمسك باسيل بالثلث الضامن وتفكيره حول طريقة استخدامه وأين».
تطويق محاولات النفخ بالفتنة
وعلى وقع الاحتقان السياسي، وإن كان بارداً، والتناتش على مقعد في حكومة يفترض أن تكون بدأت تمارس عملها بعد تأليفها، وإقرار البيان الوزاري ونيل الثقة، برزت إلى الواجهة قضية تبدو مفتعلة، أو خاضعة للتلاعب بإثارة الفتنة..
وتمثلت هذه القضية بمشاركة نائب بيروت رلى الطبش، بما يمكن وصفه بـ«طقس مسيحي»، خلال حضورها قدّاساً لجمعية العمل من أجل السعادة في كنيسة في انطلياس.
والمسألة لا تتعلق بدخول الطبش الكنيسة والمشاركة في القدّاس، ولكن ما تمّ تناقله من شريط مصوّر عن «تقدم الطبش إلى الكاهن، لكن الكاهن لم يناولها القربان، بل اكتفى برفع الكأس فوق رأسها»، حسب الطقوس المتبعة في مثل هذه المناسبة.
وبصرف النظر عن الحملات المتبادلة، على خلفية هذا الحادث، على مواقع التواصل الاجتماعي، والحدود الشرعية والفقهية لما حصل، لجهة أن المشاركة ممكنة، والتناول محرّم، أو هو غير «جائز في الاسلام»، وفقاً لما يرى القاضي الشيخ خلدون عريمط، الذي اعتبر أن التناول مرفوض، لو كان عن قناعة أو إيمان أو عقيدة، ولكنه أمر آخر، لو كان من «باب الجهل وعدم العلم الأمر بالشيء».
واستند القاضي عريمط بموقفه هذا، إلى حديث للنبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) قال فيه: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه»..
ونفى أن تكون النائب الطبش مرتدة، ولم تخرج من الإسلام، وهي تمثل الشعب، ومن حقها المشاركة في مثل هذه المناسبات، لكن ضمن الحفاظ الكامل على عقيدتها الإسلامية..
بصرف النظر عن كل ذلك، وفي محاولة لتطويق عمليات النفخ بالفتنة، جرت اتصالات سريعة بين فعاليات إسلامية ومسيحية للحدّ من الحملات المتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي،وطي صفحة هذا الحادث بعدما خرجت ردود الفعل عن المألوف، وتناولت المس بمرجعيات إسلامية ومسيحية.
وترمي المساعي إلى إصدار بيان مشترك عن مرجعيات إسلامية ومسيحية تضع حداً للسجالات العقيمة والدينية والفتنوية، والتي تتلاعب بمشاعر الرأي العام، وتعمل على إثارة الفتن والبغضاء بين اللبنانيين..
وكانت النائب الطبش بعد الحملة التي طاولتها على مواقع التواصل، شرحت ما جرى حول الحادثة المتداول فيها، مؤكدّة بأنها لم تقم بما يتعارض مع إيمانها بالدين الحنيف، مكررة اعتزازها بإيمانها وبمرجعية دار الفتوى.
إضراب باهت
على صعيد الإضراب الذي نفذه الاتحاد العمالي العام أمس، وتفاوت التجاوب معه بين منطقة وأخرى، في ظل اعتراض قوي من فريق التيار الوطني الحر..
ووجهت انتقادات قوية لقيادة الاتحاد، بسبب ان الإضراب، بدا باهتاً، ويمكن وصفه بالفئوي، مع ان الشعار الذي نفذ من أجله يتعلق بتأليف الحكومة..
ومع ان المواطنين لم يلازموا منازلهم، الا ان العمل توقف في غالبية الإدارات التابعة للمصالح العامة والمؤسسات الخاصة، مع التزام الهيئات الاقتصادية قرار عدم المشاركة وتوقفت الحركة كلياً في مرفأ بيروت، وفي مؤسسة كهرباء لبنان والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومؤسسات المياه وغيرها، في المقابل استمر العمل في العديد من المؤسسات التي لم تلتزم الإضراب.
وفي هذا الإطار، حضر رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر منذ صباح الأمس، الى مكتبه في الاتحاد وتابع مجريات تنفيذ الاضراب في مختلف المناطق اللبنانية.
وحيّا الأسمر جميع الاتحادات النقابية الأعضاء في الاتحاد ونقاباتهم، وتوجه «بتحية خاصة إلى كل القوى السياسية والمجتمع الأهلي التي أعلنت تأييدها لإضرابنا السلمي سواء بحضورها إلى مقر الاتحاد أو عبر الإعلان في وسائل الإعلام».
كذلك حيّا موقف تجمع رجال الأعمال وجمعية تجار جونيه والنبطية والقطاعات التي شاركت كليا أو جزئيا في هذا الإضراب كل بحسب وضعه سواء في القطاع الخاص أو الإدارات العامة متوجهاً ايضا بالشكر لكل عامل وعاملة اضطر للنزول إلى العمل تحت ضغوط أو لأسباب قاهرة.
الدعاوى المعادية ضد المصارف
اقتصادياً، انشغلت الأوساط الاقتصادية وجمعية المصارف، والمصرف المركزي بالخبر المتعلق باقدام مجموعات من المحامين برفع شكاوى على 11 مصرفاً لبنانياً، لتحصيل تعويضات لإسرائيليين بسبب الحروب مع لبنان، لا سيما حرب تموز 2006، والمصارف المقامة الدعوى ضدها، عرف منها السوسيتيه جنرال، وفرنسبنك، وبنك شمال افريقيا، وبلوم بنك، وبنك عودة وبنك بيروت، وبنك لبنان والخليج والبنك العربي وبنك جمال.
وتشمل الدعوى حزب الله، وعدداً من قياداته ومؤسساته من المجلس الجهادي ومجلس الشورى واعضائه في مجلس النواب..
وقللت جمعية المصارف من هذه الخطوة، وأكدت ثقتها بالقضاء الأميركي، وكلفت المحامين التصدّي لهذه الدعاوى والتي سبق وأقيمت ضد بعض المصارف من قبل «متضررين مزعومين من العراق، وكذلك دعوى ثانية عائدة إلى حرب تموز 2006»، وفقاً لجمعية المصارف اللبنانية.
* البناء
جبهة النصرة تسيطر على مناطق «الجماعات التركية» في ريف حلب… و1000 قتيل وجريح
نجاح نسبي للإضراب التحذيري… وتعاون مصرفي… مستقبلي قواتي لإفشاله
عضّ أصابع بين الحريري وباسيل بين وزير للقاء التشاوري أو حكومة الـ32
كتب المحرّر السياسيّ
تتسارع التطورات الميدانية في أرياف حلب وإدلب وتتسع الاشتباكات بين جبهة النصرة والجماعات التي تتبع للقيادة التركية، والحصيلة تخطت الألف إصابة بين قتيل وجريح، وتخللت الاشتباكات عمليات اغتيال متبادلة لقادة من الطرفين. بينما نجحت جبهة النصرة باكتساح مواقع الجماعات التابعة لتركيا في ريف حلب الشمالي الغربي، شهدت مناطق ريف إدلب عمليات كر وفر بين الفريقين، وبدت الحصيلة الميدانية تأكيداً جديداً على هشاشة البنى التي تتبع لتركيا في مواجهة جبهة النصرة ما يجعل الترجمة الوحيدة لتوافقات أستانة بالحل العسكري للحسم مع جبهة النصرة مشروطاً بدخول الجيش السوري إلى المناطق التي تسيطر عليها، وحسم تركيا والجماعات التابعة لها لأمرهم بين تسهيل مهمة الجيش السوري والانكفاء أمامه، أو العودة إلى نقطة الانطلاق التي كانوا عليها سابقاً، وفق معادلة التساكن مع جبهة النصرة أفضل من التسليم للجيش السوري، لتصير العملية العسكرية السورية عندها أوسع وأشمل وفقاً لقرار القيادة السورية باستعادة كامل الجغرافيا التي تقع خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، بالوسائل السياسية حيث يتاح ذلك، وإلا فبالقوة العسكرية.
في لبنان نجحت دعوة الاتحاد العمالي العام وهيئات نقابية وشعبية في تحقيق درجة جيدة من التجاوب مع الدعوة للإضراب التحذيري تحت عنوان المطالبة بتسريع ولادة الحكومة، وبالرغم من العنوان الجامع لعنوان الإضراب استنفرت جمعية المصارف وتيار المستقبل والقوات اللبنانية لإفشال الإضراب، وكان كافياً لمعرفة ذلك رؤية المصارف تبذل كل جهدها لعدم مشاركة موظفيها في الإضراب، وبالمقابل الاستماع للتوصيفات التي أطلقتها القنوات التلفزيونية المتأثرة بخيارات تيار المستقبل والقوات للإضراب، ووصفه بالفاشل واتهام القيمين عليه بخدمة أهداف سياسية.
على المستوى الحكومي تصاعد التعقيد من المراوحة التي كان عليها إلى التأزم، حيث قالت مصادر متابعة إن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري متمسك برفض كل الصيغ التي عرضها عليه وزير الخارجية جبران باسيل، ولن يقبل بحل عقدة تمثيل اللقاء التشاوري إلا بصيغة واحدة، وهي مقعد وزاري من حصة رئيس الجمهورية، يمنح لشخصية لا تزعج الحريري ويرتضيها كل من اللقاء التشاوري ورئيس الجمهورية بتفاهم بينهما، لا يعتبر الحريري أنه معني بمضمونه، بينما يتمسك الوزير باسيل بصيغة حكومة الـ 32 وزيراً ويراها مخرجاً مناسباً لجميع الأطراف فينال اللقاء التشاوري وزيراً يمثله، ويحتفظ رئيس الجمهورية بحصته الوزارية، وفيما يراهن الحريري على اضطرار باسيل للتراجع عن صيغة حكومة الـ 32 التي يرفضها الحريري ويقول إنه لن يكرس عرف منح الطائفة العلوية مقعداً وزارياً، يراهن باسيل على تراجع الحريري، وتستمر الأزمة ويدفع اللبنانيون المزيد من الأثمان في ظل عض الأصابع الذي يوجعهم ويدفعهم هم وحدهم للصراخ وليس هناك مَن يسمع الصراخ.
تراجعت الأجواء التفاؤلية بتأليف الحكومة خلال الأيام المقبلة وقد عكست تغريدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، أجواء تشاؤمية مردّها إلى أنّ الخلافات في الخيارات السياسية، كما غرّد الرئيس عون لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة، معتبراً أنه لا تجوز إضاعة ما تحقق من أمن واستقرار خلال الحروب الداخلية الباردة، داعياً جميع المعنيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ»البناء» أنّ رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وضع ثلاث لاءات خلال اتصالاته الحكومية وتتمثل بأنّ الوزير السني يجب أن يكون من حصة رئيس الجمهورية، وعدم الفصل بين حصة الرئيس وتكتل لبنان القوي، فضلاً عن إصراره على حصة من 11 وزيراً، وتلفت المصادر الى أنّ ما تقدّم أعاد الأمور الى نقطة الصفر، لا سيما انّ الوزير الذي سيختاره اللقاء التشاوري من خارج النواب الستة، من المنطقي أن يمثل اللقاء داخل مجلس الوزراء.
وكان باسيل أكد في تصريح من الصرح البطريركي أنه قدّم خمسة أفكار جديدة وأنه يقوم بالاتصالات وينتظر الأجوبة وكلي أمل بنتيجة إيجابية ولا مشكلة عند حزب الله بإعطائنا الثلث المعطل، وأشار إلى أنّ الحلّ يقوم به من يوافق عليه ولسنا في سباق صنع مبادرات ولا نربط هذا الاستحقاق بأيّ استحقاق آخر ولا يمكن رفض كلّ هذه الأفكار والحلول القائمة. ورأى أنّ «ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي عيب في حق ذكاء اللبنانيين، فكيف نعرقل الأفكار التي نقدّمها؟»
وبعيداً عن هذه الأجواء السلبية، رشحت أمس أجواء إيجابية عكستها مصادر حزب الله التي أكدت لـ «البناء» أنّ المسعى القائم ينطلق من ثوابت حزب الله تجاه علاقاته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر واللقاء التشاوري، مشدّدة على انّ ايّ حلّ لن يكون على حساب النواب السنة المستقلين، ولفتت المصادر إلى أنّ الحلّ ينطلق من أن يكون الوزير الذي يختاره النواب السنة المستقلون ممثلاً لهم في مجلس الوزراء، وفي الوقت عينه من ضمن حصة رئيس الجمهورية، فيمكن على سبيل المثال لممثل اللقاء التشاوري أن يحضر إذا رغب في حضور اجتماعات تكتل لبنان القوي على غرار ممثل حزب الطاشناق في الحكومة، او ممثل الوزير طلال أرسلان، شرط أن يكون ممثلاً للقاء التشاوري. وأشارت المصادر الى انّ الأمور لا تخلو من ممانعة بعض المعنيين غير أنّ الحراك مستمرّ لإنضاج الحلّ الذي سيحترم مطلب اللقاء التشاوري وحقه بالتمثيل من دون منّة من أحد. وشدّدت المصادر على انّ المسعى أساسه حكومة من 30 وزيراً بعيداً عن أيّ صيغ أخرى لا سيما صيغة الـ 32 التي رفضت من الرئيس المكلف سعد الحريري.
وفي هذا الإطار، لفت عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق خلال احتفال تأبيني في بلدة عبا الجنوبية «إلى وجود صيغة تضمن أن لا يتنازل أحد عن حصته وتضمن تمثيل اللقاء التشاوري، صيغة لا تكسر ولا تستفز أحداً وتمثل السنة المستقلين وهي صيغة 32 وزيراً لتبقى حصة رئيس الجمهورية وبتزيد وحصة الرئيس المكلف وبتزيد ، ولكن هذه الصيغة التي وافقت عليها غالبية الأطراف تعرقلت برفض الرئيس المكلف، لأنه لا يريدهم ولا يريد أن يجلس معهم ولا أن يعترف بهم ولا بدو يرحمهم ولا بدو يخلي رحمة الله تنزل عليهم .
إلى ذلك، غمز وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق من قناة الوزير جبران باسيل، حيث أكد من بكركي بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، أنّ «هناك صراعاً خفياً وجدياً وعميقاً حول المسألة الرئاسية، ما أخرج العفاريت السياسية، وفتح ملف الرئاسة هو الذي عطل الحكومة».
رأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «أنّ أبواب تشكيل الوزارة مقفلة أو أنّ الضوء الأخضر لم يأت بعد». وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «يبدو أنّ أبواب تشكيل الوزارة مقفلة او انّ الضوء الأخضر لم يأت بعد. إنه مجرد تحليل ولا أملك معلومات. لكن اقتراح بري بعقد جلسة استثنائية لإقرار الموازنة أكثر من ضروري لمحاولة ضبط الإنفاق. السؤال لماذا البعض متردّد»؟ إلى ذلك، ينشغل لبنان الرسمي بالإعداد للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة بعد نحو 14 يوماً، وفي هذا الإطار تردّدت معلومات مفادها أنّ الدول العربية تتجه الى تخفيض مستوى تمثيلها في حال لم تتشكل الحكومة قبل القمة. أما في ما خصّ دعوة سورية فإنّ الأخيرة تدرك أنّ الدعوة لن تحصل لاعتبارات لبنانية لم تعد مقبولة عند الدولة السورية، وفق ما تؤكد مصادر سورية لـ «البناء» فلا يجوز بحسب المصادر، أن يبقى لبنان أسير مواقف بعض أفرقائه المحليين الذين يكابرون أكثر من أقرب حلفائهم الخليجيين الذين أعاد بعضهم فتح سفاراتهم في دمشق ويمهّدون لعودة سفارات دول خليجية أخرى، قائلة من المفترض بلبنان ان يستلحق نفسه قبل فوات الأوان.
قال الوزير جبران باسيل ليس لبنان من يدعو بل يتقيّد بقرار الجامعة العربية، لكن لبنان يستطيع أن يبادر ويعمل لعودة سورية الى الجامعة ورأينا واضح كفريق سياسي وخارجية لبنانية.
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس من بكركي «انّ لبنان ليس هو المخوّل في الدعوة، إنما الجامعة العربية»، متوقعاً أن «لا تتمّ إعادة سورية الى الجامعة في الوقت الحاضر»، مضيفاً «أنا أصف طبيعة الدعوة ولكن ليس كجهة سياسية».
من ناحية أخرى أوضحت جمعية مصارف لبنان أنّ «بعض وسائل الإعلام تناقلت موضوع دعوى مدنية ضدّ عدد من المصارف اللبنانية أمام القضاء الأميركي من قبل متضرّرين مزعومين في العراق، ونسب التسبّب بالضرر جزئياً إلى حزب الله، كما لحقتها دعوى ثانية مماثلة عائدة إلى حرب تموز 2006». ولفتت الى أنه «سبق أن أقيمت دعوى مماثلة عام 2007 ضدّ خمسة مصارف لبنانية ورفضتها المحاكم الأميركية المعنية في نيويورك».
وأكدت الجمعية أنّ يقينها «ثابت بعدم صحة وجدية دعاوى كهذه وبعدالة القضاء الأميركي كما أثبته سابقاً»، مشدّدة على أنه «ليس لهاتين الدعويين أية أسس واقعية وقانونية، وستتخذ المصارف مع محاميها الخطوات اللازمة لمتابعة هذا الموضوع».
وسط هذه الأجواء، لبّى عمال لبنان، بنسب متفاوتة، دعوة المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام واتحادي المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة وحزب «سبعة» ومجموعات ناشطة، إلى إضراب عام شامل في كلّ المناطق اللبنانية تحت شعار «تأليف الحكومة»، مع التزام الهيئات الاقتصادية قرار عدم المشاركة…
وأكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في مؤتمر صحافي عن الإضراب العام، أنهم دعاة حوار وليسوا هواة إقفال مؤسسات، موضحاً أنه لم تتمّ الدعوة الى إقفال الأفران او الصيدليات أو المستشفيات الحكومية. وقال: «نحن لا نبتغي الخسارة في الاقتصاد الوطني». وأوضح أنّ الإضراب اليوم هو خطوة أولى وصرخة متجدّدة في وجه الظلم الاقتصادي والاجتماعي. وشدّد الأمين العام لحزب «سبعة» جاد داغر من جهته، على انّ الإضراب كان موجهاً للكلّ وليس ضدّ أحد، محذراً من انه سيكون هناك تصعيد في حال عدم تشكيل حكومة.
معيشياً أيضاً، رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اجتماعاً للجنة الخاصة للمدارس الكاثوليكية، حيث أكد «انّ القانون 46 كما هو غير قابل للتنفيذ، إذا كانت الدولة لا تستطيع الدفع والتنفيذ»، معتبراً أنّ «القانون يمرّ بمشاكل أكثر وأكثر».
المصدر: صحف