نبارك للمسلمين جميعا ذكرى ولادة الامام الحسن العسكري (ع) في مثل هذه الأيام من العام 232 هجري.
الإمام الحسن بن علي العسكري هو الامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(ع) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أبوه: الإمام علي الهادي عليه السلام، وأمه: أم ولد يقال لها: حديثة، او سليل.
ولد في المدينة المنورة في الثامن من ربيع الثاني سنة 232 هـ.
جاء إلى سر من رأى مع أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) وبقي بها حتى وفاته.
لقب بالعسكري (عليه السلام) نسبة الى المنطقة التي كان يقيم فيها في سامراء حيث كانت تسمى بالعسكر.
عاش مدة من عمره في سجون الظالمين، بعدما تم اعتقاله من قبل السلطة الحاكمة.
واستشهد (عليه السلام) يوم الجمعة في الثامن من ربيع الأول سنة 260 هـ متأثراً بالسم على يد المعتمد العباس، وكان عمره الشريف ثمانية وعشرين سنة، وقد دفن بالقرب من أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) في داره بسر من رأى.
ونريد في هذه المناسبة أن نستقيد من كلمات هذا الامام العظيم وتوجيهاته فيما يتعلق بالمزاح حيث روي عنه أنه قال: لا تُمَارِ فَيَذْهَبَ بَهَاؤُكَ وَ لَا تُمَازِحْ فَيُجْتَرَأَ عَلَيْكَ.
وبنفس هذه الألفاظ وهذا المعنى ورد ايضا عن الامام الصادق(ع).
والمقصود بالمزاح عموماً المداعبة التي هي نقيض الجد، وله ألفاظ مترادفة تلتقي بـه إجمـالاً في الدلالات والضوابط والأحكام الشرعية، منها الدعابة، والفكاهة ، والملاعبة، والهزل، وغيرها.
والمزاح من حيث المبدأ لا إشكال فيه خصوصا إذا كان بهدف إدخال الفرح والسرور والبهجة في قلوب المؤمنين، وقد جاء في الروايات أن من خصائص المؤمن مداعبة اخوانه المؤمنين فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: ما من مؤمن إلا وفيه دعابة، قلت: وما الدعابة؟ قال: المزاح.
وعن يونس الشيباني: أن الامام الصادق(عليه السلام) سأله: كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليل، قال: فلا تفعلوا، فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يداعب الرجل يريد أن يسره.
فرسول الله (ص) لم يكن عبوسا او متزمتا او صاحب شخصية جامدة بل كان بشوشا يداعب أصحابه ويدخل السرور على قلوبهم، وهكذا كان أئمة أهل البيت (ع).. من دون أن يدخلهم ذلك في باطل او كذب او أمر لا يتناسب مع مكانتهم وهيبتهم.
وحتى يكون المزاح مباحا وجائزا وخاليا من الاشكالات الشرعية لا بد من مراعاة مجموعة من الضوابط والشروط، فمن الشروط:
1-أن يكون يكون المزاح حقا وألا يتضمن كذباً او او افتراءا او باطلا اوكلاما قبيحا او فحشاً.
2- ان يكون هادفا فلا يؤتَ به الا لأمر راجح كإدخال السرور الى قلوب المؤمنين ..
3- أن يكون يسيراً وقليلا ، اي كالملح في الطعام، فكثيره مذموم.
والشرط الأول: اكدته العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه واله) وعن ائمة اهل البيت(ع) فعن النبي(ص): إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً
وورد ” أنهم قالوا له (صلى الله عليه و آله): يا رسول الله، انك تداعبنا! فقال: إني وإن داعبتكم، فلا أقول إلا حقاً “.
وقال الامام الباقر (عليه السلام): (ان الله يحب المداعب في الجماعة بلا رفث). الرفث الكلام القبيح والفحش.
وجاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه واله ) وقالت: ” إن زوجي يدعوك. فقال (صلى الله عليه و آله): زوجك هو الذي بعينه بياض؟ قالت: والله ما بعينه بياض؟ فقال: بلى، إن بعينه بياضاً. فقالت: لا والله؟ فقال: ما من أحد إلا بعينه بياض “. وأراد به البياض المحيط بالحدقة.
وجاءته امرأة أخرى، وقالت: ” احملني يا رسول الله على بعير. فقال: بل نحملك على ابن البعير. فقالت: ما أصنع به، انه لا يحملني، فقال (صلى الله عليه و آله): هل من بعير إلا وهو ابن بعير؟ “.
عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون فقال: لا بأس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش.
الى غير ذلك من الروايات التي تدل على ان النبي كان يلاطف اصحابه من أجل ادخال السرور على قلوبهم من غير ميل إلى هزل ولا كذب ولا باطل.
وبناء على ذلك اذا كان الهدف هو ادخال السرور عن طريق الملاطفة بالحق فلا مانع من المزاح، اما اذا كان هم الانسان وهدفه اضحاك الاخرين باي وسيلة، ويسعى للشهرة بين الناس بانه ( فكاهي) او (انه يضحك الناس) فانه سوف يلجأ الى أي وسيلة تضحك الناس حتى لو كانت فاسدة وباطلة ومحرمة، وقد نهت الروايات الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام)عن المزاح الباطل، ومن صور المزاح الباطل:
-الغيبة : فالبعض يمزح عن طريق التكلم على شخص غائب بالشكل الذي يضحك الاخرين فيتحدث عن عيوبه وسلبياته واخطاءه بطريقة مضحكة ، ولا خلاف في ان مثل هذا من الكبائر ، بل احد أسباب ودوافع الغيبة هو السعي لاضحاك الاخرين بالمزاح .
-الكذب : والكذب حرام سواء بالجد او بالهزل والمزاح، فالمازح الذي يختلق مواقف وقصص وأحداث غير واقعية يصورها بالشكل الذي يضحك الاخرين يرتكب حراما، وهذا نراه كثيرا فيمن يكثرون من المزاح ويشتهرون بالمزاح كي لا تخلو كلماتهم من مواقف الاضحاك !
-السخرية والاستهزاء : فأحيانا يمزح الانسان فيتضمن مزحه استهزاءا بالاخرين كأن يمزح بالحديث عن شخص فقير او مريض او ضعيف او صاحب عاهة فيقوم المازح بالاستهزاء به والاستخفاف به لكي يضحك الاخرين وهذا الامر يكاد ان يكون شائعا في الكثير من المجالس ومثل هذا المزاح باطل ومن المحرمات فضلا عما يفرز من كراهية وضغينة وحقد وتحطيم لنفسية هذا الانسان البريء .
-التخويف والترويع : قد يمزح البعض من خلال اخافة الاخرين وترويعهم كان يمزح برفع االسلاح في وجههم فيرعبهم او ان يخيف الاخرين بالاختباء ليلا ورمي شيء على انسان او اسماعه أصوات غريبة او ان يمزح بالنار او بالماء او بإخفاء اشياءه الخاصة مثل الهوية الشخصية اومفاتيحبيته او سيارته او الهاتف، وهذا هو ما يؤذي الاخرين ولا اشكال في بطلانه.
-الاستهزاء بالمقدسات : قد يحلو للبعض ان يمزح بالمقدسات وهذا من اشنع أنواع الباطل فلا يكتفي بالمزاح عند حد حتى تصل النوبة ان يمزح في الله تعالى سبحانه وجل وعلا وفي احكامه او في انبيائه عليهم الصلاة والسلام او في الائمة عليهم السلام والرموز كالمراجع والشخصيات المحترمة وكل مقدس ..
-الالفاظ البذيئة والقبيحة: ومن المزاح الباطل الذي يحوي الفاظ سوقية بذيئة يستقبح ذكرها او مواقف كذلك فيسعى البعض ان يضحك الاخرين من خلال هذا النوع من المزاح ولا يخلو من مفاسد ..
-المزاح في الوقت والمكان غير المناسبين:فاحيانا وان كان المزاح حقا ولإدخال السرور على قلب المؤمن إلا أنه لا ينبغي أن يكون في زمان أو مكان غير مناسبين كأن يكون المزاح في المسجد الي هو مكان للعبادة او خلال درس او في صف مدرسي او جامعي او خلال محاضرة او موعظة أو مجلس عزاء او تشييع جنازة، او يكون المزح والضحك في حرم مقدس كضريح المعصومين عليهم السلام ، حيث نجد بعض الحملات والمجموعات التي تذهب للحج او الزيارة لا تتورع عن المزاح والضحك والتصرف بما لا يليق بأخلاق المؤمن ولا بقدسية المكان التي هي فيه مما تعكس انطبعا سيئا عن المؤمنين ،وهكذا. فلا يصح هنا المزاح ولا ينسجم مع اتزان ووقار المؤمن في مثل هذه الأماكن المشرفة ..
وهكذا كل مزاح يحتوي على محرم فهو باطل وكذا كل مزاح يخالف الآداب الإسلامية فهو مذموم، فينبغي للمزاح ان يخلو من كلام الفحش وان لا يخرج من دائرة الصدق.
أما الشرط الثاني: وهو ان يكون لأمر راجح وهدف مشروع، فقد دلت عليه الروايات ايضا ففي مدرسة اهل البيت (ع) لا يؤتى بشيء بلا فائدة وبلا نفع بل لغرض ولهدف، ولابد من ثمرة، والمزاح كذلك لا بد له من فائدة كإدخال السرور على قلوب المؤمنين او إزالة همومهم واحزانهم ، وهذه الأمور مستحبة بنفسها، فاذا كانت غاية المزاح صحيحة كغاية ادخال السرور او تفريج الهموم وإزالة الحزن والكروب فلا مانع منه بل هقد يكون مستحبا لأن ادخال السرور على المؤمنين مستحب. ففي الحديث: (من أدخل على مؤمن سروراً فرح قلبه يوم القيامة)، فعندما يكون المزاح ليس فقط لازالة التوتر واشاعة المرح في الدنيا فحسب، بل لكسب الثواب في الآخرة ايضا يصبح مستحبا ولا يتحقق مثل هذا المزاح من اجل المزاح بل لغاية ارقى واسمى .. ومن أرقى أنواع المزاح، ذاك المزاح الذي يكون ظاهره مزاحاً؛ ولكن باطنه أعلى صور الجد، وهو الذي يُذهب هماً وغماً عن قلب مؤمن.. كأن يرى الزوح زوجته مهمومة حزينة: إما لأذى الناس، أو لأذى أولادها، أو لأي شيء؛ فيمزح معها مزحة؛ وإذا بها تنسى ما فيها من الهموم!.. هذا السرور الذي أدخله على قلب زوجته، قد يكون عند الله عز وجل؛ أفضل بكثير من الجد!.. (الْمُؤْمِنُ: دَعِبٌ، لَعِبٌ.. وَالْمُنَافِقُ: قَطِبٌ، وَغَضِبٌ)؛ ليس بمعنى الدعابة واللعب الباطل، ولكن بمعنى خفة الدم: فإن سافر مع قوم -مثلاً- لا يزعجهم، وينساق معهم، ويساعدهم.. وإن حلّ ضيفاً على أحد؛ يكون ضيفاً محبوباً!.. وليس ثقيلا.
وهذه الاهداف الصحيحة هي ما اشار اليها الامام الصادق عليه السلام عندما سال احد اصحابه: كيف مداعبة بعضكم بعضا ؟ فقال الرجل : قليل ، فقال الامام عليه السلام : “فلا تفعلوا ، فان المداعبة من حسن الخلق وانك لتدخل بها السرور على اخيك ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يداعب الرجل يريد ان يسره.
أما الشرط الثالث: وهو ان يكون المزاح قليلا فلا يكثر منه، فلانه صحيح ان المؤمن كما في الحديث ( هش بش ) وليس بالعبوس ، وصحيح ان المداعبة جزء من حسن الخلق وتدخل السرور على الاخرين .. ولكن ورد التحذير من كثرتها ، فكثرة المزاح تذهب بهيبة المؤمن ووقاره واتزانه وتجلب له العداوات والكرهية والأحقاد والقطيعة .
فعن علي( عليه السلام ) : من كثر مزحه قل وقاره.
وعن حمران بن أعين قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقلت له: أوصني فقال: أوصيك بتقوى الله، وإياك والمزاح، فإنه يذهب هيبة الرجل، وماء وجهه.
عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) – فيوصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلى (عليه السلام) قال: يا علي لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك.
وعن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال في وصية له لبعض ولده أو قال: قال أبي لبعض ولده: إياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف بمروتك.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إياك والمزاح فإنه يجر السخيمة، ويورث الضغينة، وهو السب الأصغر.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إياكم والمزاح فإنه يذهب بماء الوجه ومهابة الرجال.
وكل هذه الأحاديث محمولة على كثرة المزاح وليس على مطلق المزاح.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: ما مزح الرجل مزحة إلا مج من عقله مجة.
وعنه ( عليه السلام ) : من جعل ديدنه الهزل لم يعرف جده
وعنه ( عليه السلام ) : من غلب عليه الهزل فسد عقله .
وعنه ( عليه السلام ) : من كثر مزاحه لم يخل من حاقد عليه ومستخف به .
ومن بوابة االحديث عن المزاح ندخل الى فلسطين لنقول ان القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ليست مزحة ولا يمكن لأحد أن يتلاعب بها أو أن يفرط فيها طالما هناك شعب حي وطالما هناك مقاومة لا صفقة القرن ولا مئة صفقة مشابهة يمكنها أن تفرض على الشعب الفلسطيني التخلي عن قضيته وحقوقه.
العمليات البطولية التي نفذتها المقاومة الفلسطينة في القدس ورام الله بالامس تثبت من جديد أن الشعب الفلسطيني شعب حي لا يموت رغم كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحقه وتظهر للعالم كله مدى إصراره على مواصلة المقاومة رغم الحصار والعقوبات والتطبيع والتخاذل ومحاولات انهاء القضية.
اختراق المقاومة لإجراءات العدو وتحصيناته وقيامها بأكثر من عملية بشكل متزامن يكشف عن مدى القدرة والقوة والبراعة والجهوزية التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال مما يجعلنا نثق بقدرة هذه المقاومة على ملاحقة الصهاينة والحاق الهزيمة بهم وصنع الانتصارات لفلسطين وللأمة.
اما في اليمنِ فالصبر والثبات والصمودِ الذي أبداه الشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي الامريكي وبطولاتُ الجيشِ واللجانِ في ساحات المواجهة فرضت على تحالف العدوانِ المضيَ في المفاوضات، والتخلي عن الشروط التي حاولوا فرضها لاستمرار المفاوضات. ولكن يبقى على العالم والشعوب والمؤسسات الدولية والإنسانية أن تمارس المزيد من الضغوط على السعودية والادارة الامريكية لوقف عدوانهما المستمر على الشعب اليمني ووضع حد نهائي لهذه الحرب الظالمة.
اما في لبنان فالحراك الذي قام به رئيس الجمهورية على الصعيد الحكومي خلال الايام الماضية أعطى أملا للبنانيين بإمكانية الخروج بحلول للتعقيدات القائمة ونحن نأمل أن تصل مساعي الرئيس الى نتيجة مرضية وان تحل العقدة السنية بما يحفظ للسنة المستقلين حيثيتهم وحقهم الطبيعي في التمثيل داخل الحكومة.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار