اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان الاستقلال ليس فقط احتفالا ولا يختزل بتاريخ او يختصر بعيد، وان يكون الوطن مستقلا يعني القدرة على قول “نعم” كما الـ”لا” في كل ما يعنيه ويخصه، مشددا على “ان صون الاستقلال مسؤوليتنا جميعا وأولى حماية له هي في المحافظة على وحدتنا الوطنية وارادة العيش معا”.
ولفت الرئيس عون الى ان “دخول العنصر الخارجي يفقدنا حرية القرار”، موجها دعوة لكل المسؤولين والاحزاب والتيارات والمذاهب لـ”نبذ خلافاتنا، ونضع مصالحنا الشخصية جانبا، ونبرز حس المسؤولية تجاه من اوكلنا مصيره”. واعتبر ان اللبناني “سئم الوعود ويكاد ييأس من تناتش المصالح، ومل عدم اكتراث اصحاب القرار بمخاوفه وبطالته وحقوقه واحلامه المكسورة. من واجبنا ان نطمئنه الى غده، ان نتآلف في المجلس النيابي والحكومة وننكب ليلا ونهارا على التخطيط والعمل لانقاذ وطننا اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا واخلاقيا”.
وتطرق الرئيس عون الى الوضع الحكومي، فقال ان لبنان يعيش اليوم ازمة تشكيل حكومة سبق ان عاشها في السنوات الماضية، وتحصل في دول عريقة في الديمقراطية والحضارة، ولكنها تخسرنا الوقت الذي لا رجعة فيه، و”اذا كنتم تريدون قيام الدولة، تذكروا ان لبنان لم يعد يملك ترف اهدار الوقت”. واكد رئيس الجمهورية على وجوب الانصراف الى معالجة الوضع الاقتصادي الضاغط، ” فقوة الاوطان الحقيقية لا تقاس فقط بامكاناتها العسكرية بل باقتصادها الحقيقي ونموه المستدام ومدى تأقلمه مع التطور والتحديث”.
وقال الرئيس عون: ” لن ندع البلاد تئن اكثر، ولن نتراخى في مواجهة الفساد والفاسدين، ولن نتراجع عن وعود الاصلاح والتنمية المستدامة، وايجاد فرص العمل لشبابنا، وسأعمل شخصيا بكل ما اوتيت من قوة، وبكامل الصلاحيات المعطاة لي كرئيس للجمهورية، وبالتعاون مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء، على دفع عجلة الاقتصاد قدما، وترشيد النفقات، وسد مزاريب الهدر، وتحسين الخدمات والبنى التحتية، كما اعتزم متابعة الانكباب على ملاحقة ملفات الفساد، الصغيرة منها والكبيرة، مع الجهات المعنية في القضاء واجهزة الرقابة والاجهزة الامنية والادارية، ليشعر المواطن ان شيئا ما يتغير في حياته اليومية، وان محاربة الفساد والفاسدين ليست شعارا انما عمل متواصل، ولو كان مضنيا ولكنه سيصبح ملموسا”.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال كلمة وجهها الى اللبنانيين مساء اليوم، لمناسبة العيد الماسي الـ75 لاستقلال لبنان، في ما يلي نصها:
” أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، خمسة وسبعون عاما عمر الاستقلال في وطننا، خمسة وسبعون عاما مر فيها لبنان بحقب عصيبة، وعاش حروبا واحتلالات ووصايات وتعرض استقلالنا لكبوات كادت تفقدنا إياه، ولكنه أيضا عاش أوقاتا مجيدة نفخر بها فقدم شعبنا وجيشنا التضحيات الجسام لحفظ سيادته وحريته واستقلاله. خمسة وسبعون عاما ولبنان يحتفل في كل ثانٍ وعشرين من تشرين الثاني بالاستقلال،ولكن الاستقلال ليس فقط احتفالا، ولا هو يختزل بتاريخ، أو يختصر بعيد، وإن كنا نحتفل ونعيد ونفرح. فأن يكون الوطن مستقلا يعني أن يكون سيد قراره. أن يكون الوطن مستقلا يعني أن يكون سيدا على أرضه.
أن يكون الوطن مستقلا يعني أنه قادر على قول الـ”نعم” كما الـ “لا” في كل ما يعنيه ويخصه. لذلك، أتوجه اليكم أيها اللبنانيون وأقول: لقد دفعتم الكثير ليتحقق لكم الاستقلال الحقيقي، وليكون وطنكم سيد قراره، وصون هذا الاستقلال هو مسؤوليتنا جميعا، وأولى حماية له هي في المحافظة على وحدتنا الوطنية، وإرادة العيش معا، وإطارهما القيم الانسانية والمجتمعية والتي هي أقوى من كل القوانين، وهي التي تجمعنا وتلحمنا، وكل خلل هنا يفتح الطريق أمام خلل هناك.
تذكروا دوما أن دخول العنصر الخارجي يفقدنا حرية القرار، فيضيع جوهر الاستقلال وتصبح السيادة أيضا في دائرة الخطر. تذكروا أيضا أن استقلال الوطن وسيادته يجب أن يبقيا خارج معادلة المعارضة والموالاة، وخارج نطاق الصراع على السلطة، فالخلافات لا يجب أن تكون على الوطن بل في السياسة، وهي مقبولة ما دام سقفها لا يطال حد الوطن ومصلحته العليا.
فدعوتي اليوم لكل المسؤولين والأحزاب والتيارات والمذاهب، في هذه المناسبة الوطنية المشتعلة عزة وفخرا في قلوبنا، أن ننبذ خلافاتنا، ونضع مصالحنا الشخصية جانبا ونبرز حسَّ المسؤولية تجاه من أوكلنا مصيره، وشؤون حياته، وكرامة وجوده، وخير عائلته. تجاه الشعب اللبناني الذي سئم الوعود، ويكاد ييأس من تناتش المصالح، وملَّ عدم اكتراث اصحاب القرار بمخاوفه، وبطالته، وحقوقه، وأحلامه المكسورة.
من واجبنا أن نطمئنه إلى غده. أن نتآلف في المجلس النيابي والحكومة وننكب ليلا ونهارا على التخطيط والعمل لإنقاذ وطننا، اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا، وأخلاقيا. نعم، أخلاقيا، لأن الكلمات المسمومة التي تنطلق كالسهام في الاعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تجاه بعضنا البعض، تدل بوضوح إلى الدرك الذي انحدرت إليه الأخلاق، وغياب الأصالة والانسانية اللتين لطالما ميزتا شعبنا. ومع هذا الانحدار، لا قيامة للوطن.
أيها اللبنانيون،
يعيش لبنان اليوم أزمة تشكيل الحكومة، صحيح أنها ليست فريدة من نوعها، إذ سبق أن عاشها في السنوات الماضية، كما أنها حصلت وتحصل في دول عريقة في الديمقراطية والحضارة، ولكنها تخسرنا الوقت الذي لا رجعة فيه، وتحول دون امكانات الانتاج ومتابعة مصالح وشؤون البلد والمواطنين وخصوصا معالجة الوضع الاقتصادي. فإذا كنتم تريدون قيام الدولة، تذكروا أن لبنان لم يعد يملك ترف إهدارِ الوقت.
لقد كانت الأولوية خلال الحقبة المنصرمة لتأمين الاستقرار الأمني وإبعاد لبنان عن نار المحيط، واليوم وبعد أن تحقق ذلك لا بد من الانصراف الى معالجة الوضع الاقتصادي الضاغط، وهواجس المواطنين وشجونهم المعيشية. فلم يعد ممكنا الاكتفاء بمعالجاتٍ موضعية آنية وتأجيلِ الإصلاح المنشود على كل المستويات، لا سيما أن “الخطة الاقتصادية الوطنية” قد توضحت معالمها وتنتظر إقرار خططها وقراراتها في مجلس الوزراء ومجلس النواب؛ فقوة الأوطان الحقيقية لا تقاس فقط بإمكاناتها العسكرية بل باقتصادها الحقيقي ونموه المستدام ومدى تأقلمه مع التطور والتحديث.
إن الإستقلال لا يستكمل والسيادة الوطنية لا تأخذ كامل أبعادها إلا عند تحرّرِ الاقتصاد الوطني وتحوله من اقتصاد استلحاقي إلى اقتصاد منتج، عبر تنشيط حركةِ الإنتاج في مختلف القطاعات وعلى مساحة الوطن؛ فالاقتصاد اللبناني يعاني من مشكلات بنيوية ومالية تفاقمت خلال 28عاما مضت وأسفرت عن النتائج التي نواجهها اليوم حيث أن النموَّ الحقيقي بقي ضعيفا وعاجزا عن استيلاد فرص العمل الكافية للشباب، عمالا ورواد أعمال. والاستهلاك الخاص والعام يتجاوز بمجملِه حجم دخلنا المحلي.. “والويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصُر.
إن لبنان بلد صغير بمساحته، ولكنه كبير بقدراته، والاستثمار بهذه القدرات والطاقات بشكل صحيح يستوجب مقاربة جدية للاقتصاد الوطني ونظرة حديثة للانتاج في مختلف قطاعاته والتزاما كاملا بهذا التوجه مجتمعا ودولة؛ فيصبح قادرا على بناءِ اقتصاد منتِج يلبّي طموحاتِ شعبنا ويشجع شبابنا على العمل في وطنهم وتحقيق قيَمٍ مضافة تغني الثروة الوطنية وتؤمّنُ الازدهار الدائم والراسخ ما يُدَعِّمُ ركائز الاستقلال ويوطِّدُ السيادة ويعطي الحريةَ، حرية المواطن مضافة الى حرية الوطن، معناها الحقيقي الذي يتّصل اتصالاً وثيقاً بالكرامة الانسانية والرفاهية والرخاء. وبرغم كل الصعوبات الحالية، واحساس بعضنا بأن الأمور مغلقة والمستقبل غائم وقاتم، أقولها بكل ثقة ومسؤولية، لن ندع البلاد تئن أكثر، ولن نتراخى في مواجهة الفساد والفاسدين، ولن نتراجع عن وعود الإصلاح، والتنمية المستدامة، وايجاد فرص العمل لشبابنا؛ وسأعمل شخصيا بكل ما أوتيت من قوة، وبكامل الصلاحيات المعطاة لي كرئيس للجمهورية، وبالتعاون مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء ، على دفع عجلة الاقتصاد قدما، وترشيد النفقات، وسد مزاريب الهدر، وتحسين الخدمات والبنى التحتية التي هي من أبسط حقوق المواطن. كما أعتزم، متابعة الانكباب على ملاحقة ملفات الفساد، الصغيرة منها والكبيرة، مع الجهات المعنية في القضاء وفي أجهزة الرقابة والأجهزة الأمنية والإدارية، ليشعر المواطن أن شيئاً ما يتغير في حياته اليومية، وإن محاربة الفساد والفاسدين ليست شعارا إنما عمل متواصل، ولو كان مضنيا ولكنه سيصبح ملموسا.
أيها اللبنانيون،
معضلة أخرى تواجهنا، فرضتها علينا حرب الجوار، وتضغط علينا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، هي وضع النازحين السوريين، فهؤلاء يعيشون في مخيمات البؤس في خيم لا تقيهم لا البرد ولا الحر، ومن أبسط حقوقهم العودة الى بلادهم وأرضهم خصوصا بعد انحسار الحرب والخطر عن معظم المناطق السورية. ولكن، نجد في المقابل من يعرقل هذه العودة لأسباب مبيتة، سواء بالحديث عن العودة الطوعية مع استعمال كل وسائل الترغيب والتخويف لدفع النازح الى اختيار البقاء حيث هو، أو بمحاولة ربطها بالحل السياسي، وفي هذا وذاك ضرر كبير على لبنان الذي يجهد لحل مشكلاته المتراكمة ولا يمكنه أبدا حمل أعباء إضافية، فالحرب وإن تكن قد اندلعت في جوارنا ولكننا تلقينا القسم الاكبر من تداعياتها لسنوات، واليوم بات الأمر يفوق قدراتنا في كل المجالات. لذلك، نعمل يوميا على تشجيع السوريين النازحين على العودة، وعلى تسهيلها وتأمين مستلزماتها.
أيها اللبنانيون،
علمتنا التجارب أن نيل الاستقلال مهما يكن شاقا ومكلفا، يبقى أسهل من المحافظة عليه، خصوصا في عالم تحكمه المصالح والقوة وتغيب عنه الأخلاق والعدالة ونحن الأعلم بذلك. وعلمتنا التجارب أيضا أن الاستقلال يمكن أن يتحول ذكرى واحتفالات شكلية فولكلورية من دون مضمون ولا جوهر، فلنجعل من المحافظة على استقلالنا الحقيقي والتمسك به أولوية لنا لأنه حجر الأساس الذي يبنى عليه استقرار الوطن وحريته وأمنه وسلامه وأيضا ازدهاره. عشتم، عاش لبنان.”
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام