أمين أبوراشد
بذلت وكالة رويترز جهوداً كبيرة، للتعرُّف الى المُغرِّد السعودي الشهير المعروف بإسم “مُجتهِد”، ووافق أخيراً على التواصل معها عبر “التويتير” في دردشةٍ قصيرة، أجاب خلالها على ثلاثة أسئلة طرحتها الوكالة عليه، ورفض الإجابة عن السؤال الرابع.
عرَّف مُجتهِد عن نفسه أنه إسلاميّ التوجُّه، وأن غايته محاربة الفساد في السلطة السعودية، وأن لديه مصادره من داخل الأسرة المالكة السعودية وكذلك في أجهزة الإستخبارات ومُعظم الدوائر المدنية والعسكرية، لكن السؤال الرابع: هل أنت تنتمي للعائلة المالكة؟ أعلن أنه يرفض الإجابة عليه، وانتهت الدردشة.
التركيز على “مُجتهد” من قِبَل رويترز أو سواها من وكالات الأنباء العالمية، مردُّه الى كونه الوحيد الذي يدَّعي معرفة أسرار “الدولة العميقة” في السعودية، الدولة العميقة، التي ترقُد خلف جدران قُصُور أمراء آل سعود، من أصحاب السمو الملكي أي أبناء عبد العزيز وأحفاده وأبناء الأحفاد وصولاً الى أصغر أمير يحمل لقب صاحب السمو الملكي، وهؤلاء متى اتَّخَذَت مجالسهم قراراً، يتمّ الإعلان عنه عبر بيان “هيئة البيعة”، التي لها وحدها الحق بأن تُسمِّي الملك، ووحدها القادرة على لفظ عبارة “كِشّ مَلَك”.
وتعليقاً على الفيديو الذي ظهر فيه ولي العهد السعودي مُغادراً بإنفعالٍ وغَضَب مجلس عمِّه أحمد بن عبد العزيز، يقول مُجتهد، أن القرار في الداخل كان يقضي بإقصاء بن سلمان عن ولاية العهد والإبقاء على مهامه الأخرى في الدفاع والإستخبارات، وأن يتولَّى الأمير أحمد بن عبد العزيز العرش لفترة مؤقتة مُدَّتها سنة بهدف ترتيب البيت السعودي، وهو حَضَر الى السعودية من منفاه الإختياري في لندن لهذه الغاية، وبضمانة بريطانية أميركية لسلامته من غدر بن سلمان.
وبما أن الأمير أحمد هو ثاني أصغر أبناء المؤسس عبد العزيز، فإن مجلسه حالياً هو مركز “الدولة العميقة” الذي تُدار من خلاله الأمور في المملكة السعودية بعد أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، في محاولةٍ لإستيعاب التداعيات، ليس حمايةً للملك سلمان ولا لنجله محمد، بل للعرش العائلي السعودي الذي يُوشك على الإنهيار ما لم يتمّ تدارُك الوضع نتيجة ضيق الوقت بسبب اعتلال صحة الملك سلمان، الذي قَطَع جولته على المناطق السعودية النائية وتم إدخاله الى المستشفى، والذي في حال موته سوف تنشأ الصراعات داخل “الدولة العميقة”، لأن اعتلاء ولي العهد محمد بن سلمان العرش يعني الكارثة القاضية على تماسك النظام، وعلى الأمن الداخلي والإجتماعي والإقتصادي، وعلى العلاقات الدولية للملكة مع أوروبا بشكلٍ خاص، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن يستطيع حماية شريك صفقاته وتسويقه في البازار الدولي كَمَلِك مُقبِل للسعودية، خاصة أن الكونغرس ينتظر المزيد من التسجيلات التي ما زالت في جُعبة الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان عن قتل خاشقجي وتذويبه بالأحماض، وصحيفة “الواشنطن بوست” لن ترحم ترامب في حال استمرّ بالمراوغة في نوعية وحجم العقوبات على المملكة.
وإذا كان العالم يترقَّب ما سوف تؤول اليه الأمور في ترتيب البيت السعودي، نتيجة محاولة لفلفة قتل خاشقجي، فإن الوقت لا يسمح بلفلفة الوضع الصحي للملك سلمان، وكيفية مواجهة أمراء “الدولة العميقة” للذئب المجروح محمد بن سلمان.
ويقول المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه المُقِيم في لندن ومؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح، أنه الى جانب “الدولة العميقة” التي ترعى العرش العائلي السعودي، هناك “دولة عميقة” أخرى داخل دائرة القرار في الدولة، وهي الآن تحت سيطرة محمد بن سلمان، وكان قوامها بضعة أشخاصٍ في مكتبه الخاص من أشدّ المُقرَّبين منه، ومن بينهم مدير مكتبه بدر العساكر ومستشاره الخاص سعود القحطاني، وهؤلاء المقرَّبون – قبل مقتل خاشقجي- كانوا هُم أهل القرار في الدولة السعودية، وباقي الأشخاص من الوزراء والمدراء ليسوا سوى واجهة لتنفيذ أوامر بن سلمان وفريق عمله.
وفي الخلاصة، ليست هناك شخصية سعودية من العائلة المالكة، قادرة على تشكيل توازن قوَّة مع محمد بن سلمان سوى الأمير أحمد بن عبد العزيز، بالنظر الى التأييد والمُبايعة له من معظم أمراء العائلة المالكة وشيوخ العشائر والعائلات الكبرى المؤيدة لعرش آل سعود، وهنا ستكمُن المواجهة في حال حصول موت مُفاجىء للملك سلمان، بين “الدولة العميقة” على مستوى سلامة العرش والمُمَثَّلة بأحمد بن عبد العزيز، و”الدولة العميقة” التي تُمسِك بالإستخبارات والجيش والحرس الوطني والمُمَثلة بمحمد بن سلمان، وهنا الكباش الذي قد يُلامس الدموية في المواجهة، والنصر لمن يستطيع النُطق بعبارة “كِشّ مَلَك” …
المصدر: موقع المنار