د.عقل صلاح*
لقد كانت العلاقة التي امتدت لحوالي ثمانية عقود بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية علاقة بترولية، لأنها قامت أساسًا على أطماع أمريكية في النفط السعودي.
في عام 1950 بعث الرئيس الأمريكي ترومان رسالة إلى الملك آل سعود يجدد فيها التطمينات التي قدمت للسعودية في الماضي، مؤكدًا على أن أمريكا مهتمة بالحفاظ على استقلال السعودية ووحدة أراضيها، وعندما تعرضت السعودية لمشاكل اقتصادية أثناء حكم الملك عبد العزيز، تدخلت أمريكا لحل الأزمة مقابل تعهد الملك بعدم مشاركة السعودية في أي حرب يشنها العرب على إسرائيل لتحرير فلسطين.
إلا أن أمريكا برئاسة باراك أوباما عدلت استراتيجيتها، حيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها للقتال والدفاع عن السعودية وغيرها، وذلك لأن قيمة النفط الخليجي قد انخفضت.
وتعود بداية العلاقات السعودية الإسرائيلية السرية لبداية الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت السعودية تضغط على منظمة التحرير لصالح إسرائيل، ولم يكن لديها تحفظ على سياسة إسرائيل في مواجهة العنف في المناطق المحتلة، ومن ثم تحولت العلاقة السعودية الإسرائيلية إلى علاقة تعاون على المستوى العسكري ضد الدول العربية الشقيقة.
في علم السياسة تبدأ العلاقات بشكل تدريجي، في البداية دبلوماسية، ومن ثم اقتصادية وثقافية، وفي النهاية تعاون عسكري، لكن أن تبدأ السعودية علاقات عسكرية مع إسرائيل يدل على أنها كانت تقيم علاقات سرية مع الكيان الصهيوني منذ عقود، وتوجت العلاقات بين الطرفين بالتعاون العسكري.
فهل السعودية الدولة الاسلامية تطبق الشرع فقط على مواطنيها ومن يعارض سياستها من دون العائلة الحاكمة من خلال الإعدامات والجلد والسجن و…. فقيادة المرأة للسيارة تخالف الشرع، أما العلاقة مع الكيان الصهيوني وبناء علاقات عسكرية معه هدفها تدمير الدول العربية لا تخالف الشرع، وإنما تعزز في تطبيق الشريعة الاسلامية!!!
فأين دور جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم إنها أيضًا مع التطبيع مع إسرائيل ضد المسلمين؟
إن هدف أمريكا وإسرائيل تدمير الدول العربية واحدة تلو الأخرى، من أجل بقاء إسرائيل القوة الوحيدة في الوطن العربي الذي يطلق عليه حاليًا الشرق الأوسط، وقد قامت أمريكا باحتلال العراق وتدميره تحت حجج واهية، ومن ثم سوريا واليمن وليبيا، وحاليًا الدور على السعودية من خلال انهاكها اقتصاديًا وعسكريًا عبر جرها للمعارك البرية في الدول العربية (سوريا واليمن )، وبعدها الهدف الأكبر مصر؛ حتى تكون الأرض خصبة لإسرائيل في بسط سياساتها على المنطقة، ورسم خارطة جديدة للوطن العربي في الريشة الإسرائيلية والحبر الأمريكي والورقة للأسف الشديد عربية (بقعة الأرض ).
فالسياسة السعودية تابعة للرغبات الإسرائيلية – الأمريكية، فالمتتبع للتصريحات السعودية من بداية الحرب على العراق، مرورًا بتدمير سوريا والحرب على اليمن، وأخيرًا وليس آخرًا قرار مجلس التعاون الخليجي المنعقد في الرياض للدورة 138 وقرار وزراء الداخلية العرب المنعقد في تونس للدورة 33، وقرار وزراء الخارجية العرب المنعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في الحادي عشر من الشهر الحالي باعتبار حزب الله منظمة ارهابية، يدرك أنها كانت مؤيدة وسباقة لكل خطوة تخدم الكيان الصهيوني في المنطقة.
لقد اعتبرت الدول العربية – بتحفظ كل من لبنان والعراق والجزائر- بضغط من السعودية حزب الله منظمة إرهابية لدورها في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية حسب ما تدعي تلك الدول، لكن الحقيقة أن السعودية ومن وافقها من الدول العربية ترى أن حزب الله تسبب في زعزعة الأمن الإسرائيلي وليس العربي.
بعد جملة الاجتماعات للدول العربية، ليس من المستغرب أن يقوم مجلس وزراء الصحة العرب باعتبار حزب الله منظمة ارهابية، لكون خطابات سماحة الشيخ حسن نصر الله تعتبر عامل خطورة “Risk factor” حيث تؤدي لارتفاع نسبة النوبات القلبية عند الحكومة الاسرائيلية وشعبها.
إن الانجراف الأعمى للسعودية وراء الرغبات الأمريكية والإسرائيلية يعود سلبًا على الشعب السعودي والحكومة السعودية؛ فالنخب السياسية الحاكمة في السعودية يمكن وصفها “بالجاهلة سياسيًا” وهي تنغلق نحو علاقاتها الطبيعية مع المحيط العربي وتتدخل في شؤونهم الداخلية وتحارب لإسقاطهم، وتتخلى عن الدور السياسي في مناصرة القضايا العربية وأهمها القضية الفلسطينية، وتنفتح في علاقاتها السياسية والعسكرية مع إسرائيل، وترفع شعار الحرب على سوريا واليمن وغيرها، وتتشدد في الحرب اكثر من أمريكا وإسرائيل وهذا يجعل النخبة الحاكمة أداة طوعية بيد إسرائيل.
سيكون للسعودية (شرف ) إدخال إسرائيل للمنطقة العربية عبر بوابتها ولكن هذه المرة ليس عبر السلام الوهمي، وإنما من خلال الطائرات والمدافع والدبابات.
فلأول مرة في تاريخ الوطن العربي تشترك دولة عربية مع إسرائيل بشكل علني في حربها ضد الدول العربية الاخرى.
فالسعودية تشارك في الحرب على سوريا تحت مبرر أنها مع حرية الشعب السوري، متناسية أن الأولى بها أن تكون مع حرية شعبها، ومن ثم مع تحرير الفلسطينيين من نير الاحتلال.
لقد لبست السعودية رداء الديمقراطية، ورفعت الشعارات الكاذبة في مناصرة الشعوب العربية؛ للحصول على حريتها كما تدعي، غير أن أداءها وديمقراطيتها كانتا ومازالتا دائمًا مغيبتين، ولا مجال لها في الحياة السياسية والاجتماعية، وكما يقول المثل “الأقربون أولى بالمعروف”.
يمكن فهم هدف إسرائيل من وراء تدمير سوريا وبقية الدول العربية، ومحاربة حزب الله، ولكن لا يمكن فهم وتفسير الهدف من تحالف بلد الكعبة البلد المسلم على هدم الدول العربية. فمن باب المصالح، مصلحة السعودية مع العرب والمسلمين. وأما من باب الشرع، فالشرع يحرم التحالف مع اليهود ضد الأمة الإسلامية.
فلأول مرة تلجأ السعودية للاقتراض لتغطية العجز في ميزانيتها،حيث إن طريق السعودية يسير في خطى متسارعة نحو الهلاك، وتبدو المعادلة سوداوية للسعودية كما هي لسوريا، ولكن بيضاء ناصعة لإسرائيل. فقوة ونفوذ السعودية ضد العرب انقلب عليها، وهنا ينطبق عليها القول المأثور : أُكلت يوم أكل الثور الأبيض، ولكن السكينة والذبح والسلخ كله على الطريقة الإسلامية السعودية .
في المحصلة النهائية السعودية غير قادرة على مواصلة الحرب على إيران وحلفائها،فهي أضعف من أن تسجل أي انتصار يذكر في المنطقة، وأكبر هزيمة للسعودية جاءت من قبل حليفتها الأولى أمريكا، التي عقدت اتفاقية مع إيران، ولم تعط أي اهتمام لرغبات السعودية في ضرب إيران، ولكن الكارثة أنها لم تتعلم من هذا الدرس القاسي، وذهبت تتوغل في الاستحمار والتبعية العلنية للتحالف مع الاحتلال، وإقامة الاتفاقيات السرية والعلنية معه للوصول إلى أهدافها، ولكن بطريقة مذلة وغير مفهومة بعلم العلاقات الدولية والنظم السياسية الداخلية.وارتهنت للقرار الإسرائيلي الذي يستغلها ويستنزف قدراتها ومن ثم سوف يرميها مدمرة ومنهكة وغير صالحة للخدمة. فالدمار الحاصل في الوطن العربي وراءه مكتب هندسي أمريكي-إسرائيلي، وممولون ومقاولو حروب وعمالٌ عرب. وقد أنفقت السعودية مليارات الدولارات لتدمير سوريا، إضافة للإنفاق السخي من قطر لنفس الهدف.
نخلص مما سبق إلى أن السعودية تسير في طريق سريع لمؤشرات الدولة الفاشلة “Failed State” ومنها:
1. التدهور الاقتصادي، حيث تعاني السعودية من أزمة اقتصادية حادة، فهي تطلب الاقتراض لأول مرة في تاريخها، إضافة لبروز توجه لخصخصة العديد من القطاعات العامة مثل المستشفيات وغيرها مما سينعكس، بدوره، سلبًا على مواطنيها.
2. سيطرة العائلة المالكة على موارد وخيرات النظام السياسي على حساب الشعب السعودي.
3. بروز الخلافات والانشقاقات داخل النخبة السياسية السعودية الحاكمة الجديدة للعلن.
4. الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان والذي وصل لحد الإعدامات بحق المعارضين لها كما حصل مع الشيخ نمر النمر وغيره،حيث احتلت السعودية المرتبة الرابعة في الاستبداد. إضافة إلى عدم التطبيق العادل للقانون، فأفراد العائلة المالكة فوق القانون على الرغم من فسادهم، وهذا مؤشر على غياب الشفافية والمحاسبة، وانعدام الثقة بالقانون.
5. فقدان هيبتها الخارجية بعد فشلها في الحرب على سوريا واليمن،وتدخلها في شؤون الدول العربية سياسيًا وعسكريًا، مما يدلل على أن سياساتها الخارجية قائمة على العشوائية، والاعتباطية، والمغامرة.
6. حقوق المرأة السعودية معدومة وتوصف بالمتخلفة، فالمرأة السعودية ممنوعة من المشاركة في الانتخابات، وممنوعة من قيادة السيارة.
7. دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح، وتدريبهم من أجل تدمير سوريا، بالإضافة إلى الإنفاق العسكري الضخم على التسلح.
8. وتعاني السعودية حاليًا من أزمة دبلوماسية بسبب سياستها العسكرية تجاه اليمن. لقد قامت منظمة اتحاد دول أمريكا اللاتينية – باستثناء كولومبيا- بطرد سفراء السعودية من أراضيها وسحب سفرائهم من السعودية احتجاجًا على الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن.
9 إن قوة السعودية لم تكن مستندة على مواردها النفطية فقط كإيران، وإنما كانت مستندة على الدعم الأمريكي لها، وعندما تخلت أمريكا عنها بسبب انخفاض أسعار النفط بدأت بالانهيار.
كل ماسبق يطرح العديد من الأسئلة التي يتطلب من النخب السياسية السعودية الإجابة عنها ولو على المستوى الداخلي :
ماهي أهداف السعودية من تدمير سوريا واليمن ؟؟؟
ماهي مصلحة السعودية من التقارب مع إسرائيل ؟؟؟
هل تملك السعودية قرار الحرب والسلم،أم أصبح قرارها مرهوناً بيد إسرائيل ؟؟؟
بعد الحرب على سوريا واليمن والتقارب مع إسرائيل، هل مازالت السعودية دولة إسلامية، وهل يحق لها تطبيق الشريعة الإسلامية ؟؟؟
هل يمكن إطلاق اسم الدولة الفاشلة بعد كل ذلك على السعودية ؟؟؟
هل سيرفرف العلم الإسرائيلي في السعودية قريبًا، وعلى مقربة من الكعبة، ويرفرف العلم السعودي في إسرائيل وعلى مقربة من المسجد الأقصى ؟؟؟
*دكتوراة النظم السياسية المقارنة – كاتب فلسطيني