حجزت غرفة العمليات لمدة سبع ساعات، لكن العملية لم تستغرق في نهاية المطاف سوى 45 دقيقة، وذلك بفضل نظام محاكاة لجسم المريض بالأبعاد الثلاثة مصمم في ستراسبورغ (شرق فرنسا) يسهل كثيرا بعض الجراحات.وكانت العملية تقضي بمعالجة رضيع في أشهره الأولى يعاني من ورم كبير أصاب بطنه بالكامل تقريباً. وسمح تجسيد جسم الطفل بالأبعاد الثلاثية بواسطة هذه التقنية المعروفة بـ”فيزيبل بايشنت” بتحديد النقطة التي يتصل بها الورم الكبد.
وقد فتحت شركة “فيزيبل بايشنت” الناشئة التابعة لمعهد الأبحاث في سرطانات الجهاز الهضمي (إيركاد) في ستراسبورغ مكاتبها في مضمار سابق للخيول يعود للقرن الثامن عشر.
ويعمل موظفوها على صور ثنائية الأبعاد لأعضاء وأوعية دموية وعظام مأخوذة من عمليات التصوير الإشعاعي التي خضع لها المريض تحول إلى مجسمات ثلاثية الأبعاد عبر تقنية استغرق تطويرها حوالى 15 سنة.
واوضح لوك سوليه أحد مؤسسي الشركة أنّ تقنية الأبعاد الثلاثية “تسمح بإيجاد حلول علاجية معقدة لحالات قد تبدو مستعصية”، مضيفاً أنه “كان يتعذر في السابق إجراء عمليات لبعض المرضى، لكن هذه التقنية حلت مشاكلهم”.
وأضاف: “تعدُّ الجراحة الوسيلة الأنجح للقضاء على سرطان في الجهاز الهضمي، لكن حالة الكثير من المرضى لا تسمح بإجراء العلميات لهم، مثلاً عندما يكون الورم منتشراً في الجسم أو عندما يتعذر استئصال العضو المتضرر كالكبد”.وقال الطبيب جان جاك هوبين رئيس قسم الجراحات الاحشائية في المركز الاستشفائي الجامعي في شارلروا في بلجيكا، الذي يعتمد هذه التقنية خصوصا لإجراء عمليات جراحية في الكبد، أننا “كنا لنرفض إجراء عمليات للكثير من المرضى، إما بسبب قرب الورم من نسيج أوعية مهم أو لأن الورم قضى على مساحة كبيرة من الكبد”.
وتابع: “بناء على المجسم الثلاثي الأبعاد، يحدّد الجراح استراتيجيته قبل العملية، ما يسمح له بتفادي الصعوبات التي قد تطرأ بسبب حالات خاصة عند المريض. وخلال العملية، يبقي نظره على جهاز لوحي أو هاتف ذكي حمل عليه “المجسم المستنتسخ” لجسم المريض، وبالإضافة إلى المنافع التي تقدمها للجراحين، تسمح هذه التقنية باطلاع المريض على الخطوات المزمع اتخاذها، لتكون موافقته عليها كاملة”.
ويلفت الطبيب هوبين إلى أنه “خلافا للصور الإشعاعية التي يتعذر على أي كان قراءتها، تقدّم المجسمات الملونة الثلاثية الأبعاد نهجاً مختلفاً لاطلاع المريض على وضعه”.
وسمحت “فيزيبل بايشنت”، التي تعد الآلية الطبية الوحيدة التي تقوم اليوم بصنع نماذج ثلاثية الابعاد من أعضاء الجسم كلها، بمعالجة 3 آلاف شخص من أنحاء العالم أجمع، وتعتمد هذه الآلية تدريجاً في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.
ويقول المتخصص بتقنية الأبعاد الثلاثة في الشركة يان لانبلي: “كنت أفتقد بداية إلى التواصل مع المريض، لكنني أدركت في نهاية المطاف أن التكنولوجيات الحديثة تفيده بعد أكثر”.
ويأمل مؤسسو الشركة أن يغطي صندوق الضمان الاجتماعي في فرنسا تكاليف العمليات التي تجرى بواسطة “فيزيبل بايشنت” وهم يبذلون جهدهم لإقناع السلطات بفعالية كلفة هذه التقنية التي تكلف مجسماتها 300 اورو على أقل تقدير وقد ترتفع الكلفة إلى 800 اورو في بعض الأحيان.
ويعرب لوك سوليه عن تفاؤله، مشيراً إلى أنّ هذه التقنية “قد تسمح بالحد من تكاليف العلاجات الكيميائية التي تجرى لمرضى اعتبرت حالاتهم غير مناسبة لإجراء جراحات.