قبل أيام مرت علينا ذكرى ولادة السيدة الجليلة السيدة فاطمة المعصومة (ع) بنت الإمام موسى الكاظم(ع) , وشقيقة الإمام علي الرضا(ع) .
ولدت السيدة المعصومة (ع) في المدينة المنوّرة في أول شهر ذي القعدة سنة 171 للهجرة، وتربت في حجر أبيها الكاظم(ع)، وخلال تواجد أبيها في سجون العباسيين وكذلك بعد وفاة أبيها سنة 183 ، كان أخوها الإمام الرضا(ع) هو الذي يتكفل رعايتها والعناية بها، ولذلك تعلقت به تعلقاً شديداً, ولذلك لما انتقل الإمام(ع) الى خراسان بأمر من المأمون العباسي، لم تستطع العيش بدونه فاشتاقت اليه وقررت اللحاق به، وبينما كانت في الطريق اليه الى خراسان مرضت فأقامت في مدينة قم سبعة عشر يوماً وتوفيت قبل أن ترى أخيها، حيث كانت وفاتها في قمّ في العاشر من ربيع الثاني سنة 201 للهجرة، ودفنت في مدينة قم المشرفة، ومقامها في هذه المدينة المقدّسة شامخ ومشهور يقصده الزوار والموالون والمسلمون من كافة أنحاء العالم بهدف الزيارة واكتساب الأجر والثواب والفضل.
وسبب تسميتها بفاطمة، هو أن الأئمّة (عليهم السلام) اهتموا اهتماماً شديداً باسم فاطمة لأنّه اسم جدّتهم الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) ولذلك نراهم سمّوا بناتهم بهذا الاسم وأوصوا بالتسمية به:
فعن سليمان الجعفريّ: قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء.
وعن السكونيّ قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا مغموم مكروب، فقال لي: “يا سكونيّ ممّ غمّك؟” قلت: ولدت لي ابنة فقال: “يا سكونيّ على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك”. فسُرى والله عنّي فقال لي: “ما سمّيتها؟” قلت: فاطمة، قال:”آه آه” ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) “أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها”.
ومن هنا فقد سمى الإمام الكاظم (ع) أربعة من بناته بإسم فاطمة.
ولفاطمة(ع) ألقابها وصفاتها الجليلة والعظيمة, فقد عُرفت هذه السيّدة الجليلة بالمعصومة, والمحدّثة, والعالمة، والعابدة، والشفيعة، وكريمة أهل البيت (ع).
قال الشاعر في ألقابها وصفاتها :
يا بِنْتَ مُوسَى وَابْنَـةَ الأَطْهــارِ أُخْتَ الرِّضـا وَحَبِيبَةَ الجَبَّــار
يـــا دُرَّةً مِنْ بَحْرِ عِلْمٍ قَدْ بَدَت ْ لِلَّهِ دَرُّكِ وَالعُــلُوِّ السَّــــارِي
أَنْتِ الوَدِيعَةُ لِلإمامِ عَلَى الوَرَى فَخْرِ الكَرِيمِ وَصَاحِبِ الأَسْرارِ
لا زِلْتِ يا بِنْتَ الهُدى مَعْصُومَةً مِنْ كُلِّ ما يَرْتَضيــهِ البـــارِي
مَنْ زَارَ قَبْرَكِ في الجِنــانِ جَزاؤُهُ هَذا هُوَ المَنْصُوصُ في الأَخْبار
لقد كانت فاطمة وفي غاية الورع والتقوى والزهد، وكيف لا تكون كذلك؟ وأبوها الإمام الكبير العظيم المشهور بالعبادة والطاعة لله, وهو الذي كان يبيت الليل ساجداً وقائماً, ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً, ولشدة حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً..لأنه كان يكظم ويمنع غيظه, وكان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه, ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح، ويُعرف بباب الحوائج إلى الله.
اما لقب المعصومة :فقد اشتهرت (ع) بهذا اللقب حتّى باتت تُعرف به، والسبب في وصفها بالمعصومةيعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة على قسمين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين (ع)، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله تعالى وللعلماء المقدّسين المطهّرين عن الذنوب. ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين (ع) يؤيّد هذا الوجه, كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة أو وجبت له الجنّة أونحو ذلك..
وقد نسب للإمام الرضا (ع)أنّه قال: “من زار المعصومة بقمّ كمن زارني”.
أما المحدّثة والعالمة: فقد كانت السيّدة فاطمة عالمة محدّثة راوية، حدّثت عن آبائها الطاهرين (ع)، وحدّث عنها جماعة من كبار رواة العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب كتب الحديث روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين السنة والشيعة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.
ونقل بعضهم عن المرحوم السيّد نصر الله المستنبط عن كتاب كشف اللآلي لابن العرندس الحلّي (المتوفّى حدود سنة 830 هـ)، أنّ جمعاً من الشيعة دخلوا المدينة ولديهم العديد من الأسئلة المكتوبة كانوا يريدون أن يوجهوها لأحد من أهل البيت (ع) وصادف أنّ الإمام موسى بن جعفر(ع) والإمام الرضا (ع)كانا خارج المدينة. وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة تأثّروا وأصابهم الغمّ لعدم رؤية الإمام (ع) وعودتهم إلى وطنهم من دون أن يلتقوا به.
ولمّا شاهدت السيّدة المعصومة(ع) غمّ هؤلاء وتأثّرهم- وهي لم تكن قد وصلت إلى سنّ البلوغ آنذاك- قامت بكتابة الأجوبة على أسئلتهم وقدّمتها لهم. وغادر أولئك الشيعة المدينة فرحين مسرورين والتقوا بالإمام الكاظم(ع) خارج المدينة، فقصّوا على الإمام (ع) ما جرى معهم وأروه ما كتبته السيّدة المعصومة (سلام الله عليها) فسرّ الإمام (ع) بذلك وقال: “فداها أبوها”.
وأما لقب العابدة: فيظهر من الروايات أنّ فاطمة كانت كثيرة العبادة وعابدة مقدّسة مباركة , كانت شبيهة جدّتها الزهراء (ع)في العبادة والطاعة لله, ومن الطبيعيّ أن تكون هذه السيّدة الجليلة من العابدات القانتات، حيث تربّت في أجواء العبادة والطاعة في رعاية أبيها العبد الصالح الإمام موسى الكاظم(ع) وأمّها الطاهرة (رضوان الله عليه) وأخيها الإمام الرضا (ع).
وأما لقب الشفيعة: فلمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى فقد أُعطيت الشفاعة.
فقد روي عن الإمام الصادق (ع)أنّه قال: “إنّ لله حرماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة, ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم” .
أما لقب كريمة أهل البيت (ع): فهو لقب اشتهرت به (سلام الله عليها) ويبدو أن الإمام الحجة القائم (عج) هو الذي أطلق عليها هذا اللقب كما يظهر من قصّة منقولة عن السيّد محمود المرعشيّ والد المرجع المعروف السيّد شهاب الدّين المرعشيّ قدّس سرّهما ورد فيها: أنّ السيد محمود كان يريد معرفة مكان قبر الصدّيقة الزهراء (ع), فتوسّل إلى الله تعالى لأجل ذلك ، حتّى أنّه واظب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام الحجة(ع)، فقال له الإمام (ع): “عليك بكريمة أهل البيت”، فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المقصود بكريمة أهل البيت (ع)هي الصدّيقة الزهراء (ع)فقال للإمام (ع): جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الهدف، لأعلم بموضع قبر الزهراء، وأتشرّف بزيارتها، فقال (ع): “مقصودي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة (ع)في قمّ..” ولذلك قرر السيّد محمود المرعشيّ الإنتقال من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت (ع).
وفي كل الاحوال فان كريمة اهل البيت فاطمة شكلت بصفاتها وخصائصها وقيمها واخلاقها نموذجا للفتاة التقية العفيفة والشريفة، هذا النموذج الذي يجب ان نربط به بناتنا ليقتدوا به ويأخذوا عنه القيم والأخلاق.
مسؤولية الآباء والأمهات تجاه بناتهم تحديدا هي تعريفهم على هذه النماذج المضيئة ليتعلموا منها ومن قيمها وسلوكها ليكونوا صورة مصغرة عنها في الايمان والعبادة والاتزان والعفة والحجاب والاخلاق والسلوك السليم.
ولذلك ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “من عال واحدة أو اثنتين من البنات جاء معي يوم القيامة كهاتين” وضمّ إصبعيه. يعني كان مع النبي في نفس الموقع وفي نفس الموقف يوم القيامة.
اليوم مسألة رعاية وتربية الأبناء ولا سيما البنات والفتيات هي مسألة ملحة خصوصا في هذه المرحلة التي تتوافد فيها ثقافات وعادات وتقاليد غريبة عن مجتمعنا يراد من خلالها سلب عفة الفتيات وحرفهم عن دينهم وجذورهم الأصيلة.
اليوم المشهد العام للصراع في المنطقة يتغير لمصلحة محور المقاومة وهناك انقلاب واضح في المشهد الميداني والسياسي في سوريا.
فميدانياً كان العدوان العسكري الإرهابي المتعدد الأطراف على سوريا قد حقق مكاسب مهمة وانجازات مهمة عندما سيطر على العديد من المدن والأرياف السورية, لكن بفعل صمود وثبات وتضحيات الجيش السوري وحلفائه على امتداد السنوات الماضية استطاعت الدولة السورية ان تستعيد السيطرة على مجمل الاراضي السورية وآخرها على الجنوب السوري وصولا الى الحدود الاردنية وحدود الجولان وهذا انجاز كبير .
اليوم هناك تبدل نوعي في موازين القوى الميدانية لمصلحة النظام وحلفائه تقابله خسارات وهزائم ميدانية كبيرة للجماعات المسلحة الإرهابية ولداعميهم، وأبرز المتضررين من الانجاز الكبير في الجنوب السوري هو العدو الصهيوني والنظام السعودي اللذان راهنا على هذه الجماعات الارهابية المهزومة لتحقيق اهدافهما في سوريا، ولكنهما فشلا وهزما وباتا اليوم يفتشان عن مخارج.
أما المشهد السياسي فهو لا يختلف عن المشهد الميداني، إذا أجرينا مقارنة بين المطالب التي كانت مطروحة في السابق وبين المطالب المطروحة اليوم.
فبعد أن كان التفاوض يجري في السابق حول حكومة انتقالية وبعد أن كان هناك إصرار امريكي على رحيل الرئيس الأسد وأنه لا مكان له في مستقبل سوريا، بات اليوم موضوع بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة امرا مسلما به ،ولذلك تجاوز الامريكي هذه المسالة في مباحثات هلسنكي مع الرئيس الروسي ولم يأتي على ذكرها ولا على ذكر جنيف والانتقال السياسي في سوريا ، وتركز البحث على حضور ايران وأمن الكيان الصهيوني وحصة اميركا وحلفائها في التسوية، وهذا يعني ان اميركا باتت تسلم بهزيمة مشروعها في سوريا، وببقاء النظام والرئيس الاسد على راس السلطة ، وهذا انجاز سياسي يضاف الى الإنجازات الميدانية.
إذن نحن أمام مرحلة جديدة ومشهد جديد في سوريا, نحن أمام مسار جديد فرضته المقاومة والمواجهة والتضحيات والإنجازات الميدانية.
ويجب أن يعرف اللبنانيون أن أي تقدم ميداني وسياسي للنظام وحلفائه في مواجهة العصابات الإرهابية في سوريا سيكون في مصلحة لبنان وأمنه واستقراره. وفي مصلحة النازحين السوريين وعودتهم الآمنة الى بلدهم.
المصدر: بريد الموقع