بدأت التسريبات منذ نحو ستة أشهر، أن المصارف الكبيرة استهلكت “الكوتا” المخصصة لها كقروض إسكانية للعام 2018 خلال العام الماضي 2017، بالنظر الى إقبال المواطنين عليها بشكلٍ غير مسبوق، وبالتالي، لن تتمكن من منح قروض خلال العام الحالي، لكن المصارف الصغيرة ما زالت تستقبل طلبات الإسكان بالنظر الى توفُّر السيولة تحت سقف “الكوتا” السنوية المخصصة لها.
وتوضَّحت الأمور لاحقاً، أن المشكلة الأساسية هي بين مصرف لبنان والمصارف المُقرِضة لجهة الدعم المطلوب من “المركزي” للفوائد على هذه القروض، لكن الحقيقة البائنة، أن لبنان ومصارفه يدفعون ثمن التضييق على الحركة المصرفية اللبنانية وانسيابية السيولة، نتيجة بعض الأوضاع الحرِجة والظالمة الناتجة عن العقوبات الأميركية، الى أن تمّ حلّ المُعضِلة بأن يتمّ تمويل القروض من وزارة المال مباشرة، على أن تُوضع آليات التنفيذ خلال بضعة أشهر لإستئناف منح هذه القروض، وما زال الشباب اللبناني ينتظر التطبيق، وسط مشكلة إجتماعية غير مسبوقة تمثَّلت مطلع هذا الصيف بإلغاء أو تأجيل ثلث الأعراس المُقرَّرة، وتخلِّي الكثيرين عن شراء شققهم رغم الدفعات الأولى التي سدَّدوها للمالك، لدرجة أن بناية من ثماني شقق تخلَّى ثلاثة من طالبي الشراء فيها عن الإستمرار في العملية، ودخلوا مع المالك في نزاعات قانونية لإسترداد أموالهم، والسبب، توقُّف طلبات قروضهم الإسكانية على أبواب المصارف.
كل ذلك مقبول، طالما هناك عدالة حتى في الظُلم، الى أن تكشَّفت فضيحة فسادٍ من نوعٍ جديد في لبنان، وطلب مدير عام المؤسسة العامة للإسكان من المصارف عدم استقبال أية طلبات جديدة حتى إشعارِ آخر، نتيجة تمرير بعض هذه المصارف طلبات مَن لديه “واسطة”، ورفض أو إهمال كل طلب لا واسطة لصاحبه سوى الله، ليحلم بسقفٍ تحت سماء وطن، والمؤلم في الأمر أن غالبية طالبي القروض هم من الشباب اللبناني المُغترب الذي هاجر من وطن لا يؤمِّن له لقمة عيشه، كي يشقى ويتعب في غربته ليشتري شقَّة أو يبني بيتاً في هذا الوطن!
إن أزمة القروض الإسكانية هي جزءٌ من كل، لأن قرار “الحرب المالية” على لبنان قد اتُّخذ دولياً وخليجياً على لبنان منذ انتخاب “حليف حزب الله”، “أول حرفين من إسمه ميشال عون” لرئاسة الجمهورية، نتيجة موقفٍ لبنانيٍّ كريم وغير مسبوق في تاريخ السياسة اللبنانية لسماحة السيد حسن نصرالله، دام سنتين ونصف من المواجهة السياسية مع مَن اعتادوا فرض رئيسٍ على لبنان، واستُكملت هذه الحرب على لبنان لمواجهة إعادة بناء دولة “حزب الله شريكٌ فيها”، لتبلغ شراسة الحرب ذروتها خلال الإنتخابات النيابية الماضية التي حققت فيها المقاومة وحلفاؤها فوزاً كبيراً، وأعلن سماحة السيد أن الحزب سيكون شريكاً في بناء الدولة ومكافحة الفساد، وبإشراف شخصي من سماحته.
وإذا كان كل من “حجَّ” الى السعودية سيعود إلينا بلهجة عدائية للعهد، فإن الرسالة قد وصلت للعهد من زمان، ورغم أن المملكة تُعلِن أنها لا تتدخَّل في الشأن الداخلي اللبناني – وهذا الإعلان مدعاة فكاهة فعلية- فإن القرار اللبناني الذي يُعززه التفاهم العميق والمستمر بين صاحبيّ الفخامة والسماحة، قادر بإذن الله على المواجهة والسير في تطبيق خُطط بناء الدولة، خاصة أن الوضعَين الإقتصادي والإجتماعي لا يحتملان المزيد من عذابات اللبنانيين.
هنا، نأخذ مثالاً واحداً عن هذه العذابات، نضعه ونحن واثقون بين يديّ فخامة الرئيس وسماحة السيد، ومن وحي أزمة الإسكان، عن شابٍ لبناني سافر الى أوستراليا واشترى شقة في لبنان بالتقسيط عبر والدته، ودفع من أصل ثمنها 70 ألف دولار، وحصلت أزمة القروض الإسكانية وبات عاجزاً عن استكمال عملية شرائها، فاتصلت والدته بإحدى الإذاعات وقالت: إبني كان مسافراً الى أوستراليا، واليوم جعلتم منه مُهاجراً لأنكم منعتم عنه شراء سقفٍ ليعود الى الوطن والى أحضاني…
المصدر: موقع المنار