ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي عيد الفطر المبارك من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بعدما أم حشود المصلين الغفيرة الذين غصت بهم ساحات المسجد الداخلية والخارجية. وقال السيد في خطبته “يطل علينا عيد الفطر المبارك والعالم العربي على حاله من الانقسام الداخلي الذي تحول حروبا وفتنا نرى آثارها في سوريا والعراق واليمن والبحرين وليبيا وغيرها. هذا الانقسام الذي أضعف العالم وجعله في مهب رياح الآخرين، الذين عملوا على تعميقه وصب الزيت على ناره. والهدف لم يعد خافيا، فهو استنزاف قدراته وإمكاناته، حيث رأينا كيف صرفت وتصرف مئات المليارات لاستجداء هذه الدولة الكبرى أو تلك، أو لشراء صفقات الأسلحة منها في مواجهة الآخر العربي والإسلامي”.
وتابع السيد علي فضل الله “بالطبع، من غير المسموح أن يستخدم هذا السلاح في مواجهة العدو الصهيوني، بل على النقيض من ذلك، يستخدم السلاح، ومختلف أنواع الأسلحة الأميركية الصنع، في مواجهة المدنيين العزل، كما يحصل في اليمن مثلا، وفي تسعير الفتن في العديد من الدول الأخرى، بدلا من أن تستثمر كل هذه الأموال والمقدرات من أجل التنمية والنهوض بالمجال الاقتصادي والعلمي، وفي دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المصيري”، مضيفاً “وقد سمح كل ذلك للدول الكبرى بأن تجد لها موطئ قدم، حتى أصبحت صاحبة القرار الحقيقي في هذه المنطقة من العالم وصاحبة النفوذ فيه. ونحن لا نحتاج إلى التأكيد على أنها عندما تتحرك، فهي تسعى إلى مصالحها ومصالحها فقط. وقد استفاد العدو الصهيوني من ذلك بمد نفوذه واستمرار اعتداءاته على الدول العربية، من دون أن يحرك هذا العالم العربي والإسلامي ساكنا، بل يصفق البعض منه لذلك.”
كما أشار السيد فضل الله الى أنه “في الوقت نفسه، هو يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها بمزيد من الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وهو يستعد لصفقة القرن التي لن يحصل من خلالها الفلسطينيون على شيء من أرضهم المسلوبة ومن أبسط حقوق العيش”.
هذا ودعا السيد فضل الله “الشعوب العربية والإسلامية، لا الدول، إلى توحيد صفوفها، وإزالة كل الالتباسات والأوهام والمخاوف التي زرعت ويسعرها الإعلام، وأن تعتبر استهداف أي مكون منها استهدافا للآخرين، ولتتذكر الحكمة القائلة: أكلت عندما أكل الثور الأبيض”، متابعاً “إننا نصر على صوت الوحدة ومد الجسور، وإن كنا لا نجد الكثير من الأمل ممن يصرون على الانقسام وبعثرة الجهود والإمكانات، وسوف نرى أن هؤلاء سيكتشفون أخيرا كم أنهم كانوا مخطئين، وكم أسهموا في إضعاف بلدانهم، وحتى في إضعاف أنفسهم”.
وأضاف السيد “سنبقى نراهن على الذين لا تزال لديهم حمية عربية وإسلامية وإنسانية، ممن يرفضون منطق الإذلال والاستضعاف، ويصرون على بناء مواقع القوة، ويقفون عقبة كأداء في وجه المشاريع الاستكبارية. نراهن على الوحدويين والمصلحين والصامدين والمقاومين والمجاهدين. سنتسلح دائما بالأمل، لا الأمل الطوباوي، بل الأمل الذي يستند إلى الواقع، الأمل الذي يتحقق، والذي أصحبنا نرى له نماذج في أكثر من بلد، نرى في صوره أبرز الانتصارات التي تحققت في لبنان أو في فلسطين أو أكثر من موقع لمقاومة هذا العدو. لقد أثبتت هذه القوى الحية أن الدول الكبرى ليست قدرا محتوما، وأنها قادرة على أن تخرب الكثير من مشاريعها وخططها ووسائلها.”
وفي ما يتعلق بلبنان، دعا السيد فضل الله الى “الوحدة في مواجهة الفساد المستشري، وفي النهوض بهذا البلد الذي يعاني أزمات حادة على كل الصعد، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ما يهدده بالانهيار”. وتابع السيد فضل الله “من هنا، دعونا، ولا نزال ندعو، القوى السياسية إلى أن تكون أمينة على وعودها التي أطلقتها قبل الانتخابات، بإخراج الناس من أزماتهم، ومعالجة كل ما يفقدهم ثقتهم بوطنهم وثقة العالم به. وأول الطريق إلى ذلك بعد اكتمال عقد المجلس النيابي، تأليف حكومة قادرة على القيام بالمسؤوليات وتلبية حاجات مواطنيها”. وأضاف “إننا نخشى أن نكون في هذا البلد أدمنا سياسة الانتظار، لعل في الأفق تغيرا في موازين القوى يستفيد منها هذا الفريق أو ذاك. لقد جربنا هذه السياسة طويلا، ولم تنتج لنا شيئا، أو أنتجت خرابا، فلا ينبغي أن نجرب المجرب، ما يؤدي إلى تعميق أزماتنا بدلا من تلمس الطريق للخروج منها، ولن ينتج ذلك إلا بالوحدة الوطنية وتضافر كل الجهود في خدمة مصلحة البلد العليا”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام