يبدو أن الخلط بين مفردات لغتين أهون من نسيان إحداهما، وستجد نفسك في نهاية الأمر متذبذبا بين اللغتين، فلا يمكنك الاستقرار على لغة واحدة.
وقال خبراء “ليس من المستبعد أن ينسى الناس لغتهم الأولى، سواء أكانوا أطفالا أم بالغين، لكن فقدان اللغة الأم تحكمه عوامل معقدة وغير متوقعة، إذ تبين أن اللغة قد لا تتأثر أحياناً بطول البقاء في الخارج، وأن مخالطة مواطني البلد الذي يتم الانتقال إليه بلغتهم قد يساهم في تآكل اللغة الأصلية، أو العوامل الوجدانية، مثل التعرض لصدمة، قد تكون الأكثر تأثيرا فيها، وأوضحوا أن مشكلة تآكل اللغة الأصلية لا تقتصر على المهاجرين فحسب، بل قد يعاني منها أيضاً أي شخص يتعلم لغة ثانية.
وكشفت أبحاث أن المهارات اللغوية للأطفال حتى سن 12 عاما أكثر تأثراً بالعوامل الخارجية، وخلصت دراسات أجريت على أطفال تبنتهم عائلات في الخارج إلى أن الأطفال في التاسعة من عمرهم يكادون ينسون لغتهم الأم كلياً بعد الانتقال إلى البيئة الجديدة، إلا أنه ليس من المرجح أن تُمحى اللغة الأولى كليا من ذاكرة البالغين إلا في حالات استثنائية.
كما توصّلت دراسات أجريت على المسنين المهاجرين إلى أن هجران اللغة كان بسبب الصدمة، فاللغة الأصلية ارتبطت في ذهنهم بذكريات مؤلمة، رغم أنها كانت لغة عائلتهم وطفولتهم ووطنهم.
وتضيف الأبحاث أن نسيان اللغة بهذا الشكل هو استثناء، إذ إن أغلب المهاجرين يتحدثون اللغتين الأصلية والمكتسبة معا، وإن تفاوتت درجات إتقانهم للغتين، إلا أن رسوخ اللغة الأم في الذاكرة يتوقف على الملكة اللغوية، أي أن الناس الذين لديهم استعداد فطري لإجادة اللغات لن تتأثر لغتهم الأم في أغلب الأحيان مهما طالت غيبتهم عن وطنهم، كما أن إتقان اللغة الأم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطريقة التي تتعامل بها أدمغتنا مع اللغات المختلفة.
وتقول الخبيرة اللغوية “مونيكا شميت”: “عندما تصبح ثنائي اللغة، فعليك أن تضيف ما يشبه وحدة التحكم التي تتيح لك الانتقال بسلاسة من لغة إلى أخرى، وهذا ما يميز دماغ أحادي اللغة من آخر ثنائي اللغة، فإذا ضعفت آلية التحكم في اللغات لدى المتحدث، فسيتلعثم ويعجز عن إيجاد الكلمة المناسبة أو سيكثر من استخدام مفردات من اللغة الثانية.”
وهكذا لا يمكن أن تتضاءل القدرة على التعبير باللغة الأصلية، ومهما ضعفت واضمحلت، فإن زيارة الوطن بين الحين والآخر تساعد دائما في استرجاعها واستعادة مفرداتها.
المصدر: وكالة تسنيم