هي مُصادفة، أننا مع بداية شهر رمضان المبارك بلغنا الصيام عن الكلام، الذي شاء البعض تسميته بالخطاب الإنتخابي، ومرَّت على خير جزئياً مرحلة صعبة من تاريخ وطن، كانت كافية لنتلقَّن خلالها دروساً في الثقافات الخطابية على اختلافها، ونترك للبنانيين المشهود لهم بالقراءات الواعية، الحُكم، على مَن خطابهم يرقى على الدوام الى مستوى وطن لأنهم بحجم وطن، ومَن يتمترسون في زواريب ضيِّقة شهِدت على مدى شهور طويلة شحناً غير مسبوق من الحماوة الإنتخابية على وقعِ خطابات شخصانية مشحونة بكل ما هو باطل لتجييش الشوارع عبر رمي الحرام على كل من هو آخر.
انتهت الإنتخابات، ولو أننا في أكثر من منطقة نحتاج الى تضميد جراح مسؤولٌ عنها كل من استخدم التحريض سلاحاً في ميدان المعركة الإنتخابية، وليست هناك أية حجَّة للتظلُّم لدى أحد، لأن قانون الإنتخاب أعطى الجميع وفق أحجامهم، ومن الطبيعي ضُمور كتلة نيابية لصالح كتلة أخرى، لكن المطلوب ممَّن تضخَّمت أحجامهم نيابياً عبر بضعة آلافٍ من الأصوات، عدم تضخيم الحُلم قياساً الى عدد النواب، لأن لبنان قائم على ديموقراطية توافقية تُراعي الأحجام الشعبية، ولا نرغب المقارنة بين نواب فازوا بأصوات آلافٍ مؤلَّفة من قواعدهم مع آخرين فازوا ببضع مئاتٍ من الأصوات أو حتى عشرات، كذلك لا نرغب العودة الى نِسَب الإقتراع المتدنِّية في بعض المناطق، لأن الخطاب الإنتخابي الأشبه بالفحيح لدى البعض، انعكس ما يُشبه النأي بالنفس لدى الناخبين، سيما وأن الوعود الإنتخابية التي اعتادها اللبنانيون لا تُصرف في صناديق الإقتراع ما لم تكُن “وعوداُ صادقة” وبرامج عمل يتعهد بها أهل “الوعد الصادق”.
قبل الإنتخابات وخلالها وبعدها، كنا نضمن النتائج للكُتل النيابية التي هي بحجم وطن، وللمرَّة الأولى في تاريخ لبنان المُعاصر، سَكَنتنا الثقة أننا نسمع وعوداً نُصدِّقها وبكل إيمان، وأننا على عتبة قيام دولة، وأن سياسة إدارة شؤون الناس هي أنبل الرسالات ومنهجية تطبيقها في لبنان باتت مضمونة لا بل مكفولة، والخُطط التنفيذية للعمل على تحقيقها واضحة، ووصلت الأمور بسماحة السيد حسن نصرالله في جدِّية تعاطيه مع الأمور، الى اعتبار كل نائب يتقاعس عن أداء دوره بجُهدٍ وجدية وبشفافية مُطلقة أنه خائن!
نعم نحن واثقون أننا قادمون على بناء دولة تليق بوطن السيادة، ومع عودة نوابٍ مشهودٍ لهم بنظافة الكفّ ونقاء السيرة، إضافة الى مجموعة وازنة من نواب جُدد يُراهَن عليهم ويُبنى على جدوى اختيارهم.
ولأن الأحزاب هي الخيار العصري المُتطوِّر لنهضة الدول، سواء كانت هذه الأحزاب موالية أو مُعارِضَة، ولأننا قادمون على استحقاقات انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتب المجلس، يليها استحقاق حكومي في التكليف والتأليف، فإننا نُطالب البعض بالتواضع والإرتقاء بخطابهم من الزاروب الى الوطن، ولتكُن الحصص الوزارية بحجم الكُتل البرلمانية ولا بأس لو ذهبت بعض الكُتل الى ممارسة المُعارَضة التي هي مطلوبة ومشروعة في الأنظمة البرلمانية الراقية.
وإننا إذ ندخل في صمت ما بعد الإنتخابات، نصومُ عن سماع بقايا “الفحيح” على خلفية استعراض كُتلة العضلات النيابية لدى البعض، للحصول على وزارة من هنا وأُخرى من هناك، نخرج بثقة الى ساحة الوطن ونُقِيم فيها حفلات الإفطار على دولةٍ واعدة نحن واثقون من انطلاق ورشة قيامها وقيامتها، وحسبُنا أننا مؤمنون بوطنيتنا وأن وطناً حرَّرته ودافعت عن حدوده سواعد رجال الوعود الصادقة، قادمٌ على إحياء حفلِ زفافه ولو بعد طول انتظار على دولةٍ تليق بوطن الجيش والشعب والمقاومة…
رمضان كريم وصيام مقبول، والى إفطارات النصر الحقيقي في ساحة وطن.
المصدر: موقع المنار