23 كيلومترا ما بين بلدتي الرحيبة والناصرية في القلمون الشرقي باتت مسافة آمان بعد أن كانت قبل 48 ساعة بؤرا إرهابية… دون قلق يسأل السائق رجلا مسنا يجلس على كرسي امام احد المحلات في بلدة جيرود.. “يعطيك العافية عم.. الناصرية من وين ؟ يشير الرجل باتجاه الأمام.. تابع.
يطوى القلمون الشرقي سبع سنوات من إرهاب عزل بلداته “الرحيبة وجيرود والعطنة والناصرية” التي تتبع منطقة القطيفة بريف دمشق الشمالي الشرقي عن محيطها واحتجز الالاف من ابنائها وعطل حياة نشطة في الزراعة والتجارة والاقتصاد إضافة إلى مضاعفة معاناة منطقة عرفت بالبيت المفتوح للضيف.
في بلدة الرحيبة 10 كم عن مدينة القطيفة التي بقيت بمنأى عن الاعتداءات الارهابية يحتفل الاهالي في تجمعات بعدة ساحات امام جامع النور وقرب البلدية كما نظموا احتفالا ليلا بوجود فرقة موسيقية من أبناء البلدة وقبل اليوم الاخير من انتهاء عملية ترحيل الإرهابيين إلى شمال البلاد استبق اهالي الرحيبة استكمال عملية خروج الارهابيين واحتشدوا في مدخل البلدة ورفعوا العلم العربي السوري.
تتلهف البلدة الجميلة التي تكثر فيها البيوت الحجرية البيضاء للعودة إلى حياتها الطبيعية وغداة اعلان خروج كامل الارهابيين الرافضين للتسوية إلى شمال البلاد ينادى في الجامع على المسلحين الذين فضلوا البقاء في البلدة للتوجه سريعا الى خيمة نصبت في محطة السلام للمحروقات لتسليم ما لديهم من سلاح وتسوية أوضاعهم. ويقطن الرحيبة نحو 40 ألف نسمة واستقبلت الالاف خلال السنوات الماضية قدموا اليها من حمص ودير الزور والغوطة الشرقية.
ويقول محمد قطة من محل صغير أمام منزله فيه آلة لتصوير الأوراق والوثائق بعد ان كانت لديه ورشة في احد مقالع الرخام.. ان “خروج الإرهابيين من البلدة سيتيح عودة حياة نشطة للرحيبة اقتصاديا وتجاريا لما تشتهر به من مقالع الرخام المسمى باسمها الرحيباني وصناعة السجاد وتربية المواشي وتجارة الطير الحر الصقر”.
يمر الطريق من الرحيبة إلى الناصرية في قلب جيرود وعند الظهر لبست المدينة رداء السكينة والهدوء وكانت الحركة هادئة في المحلات والأسواق بعد يوم صاخب من ترحيل الارهابيين واحتفال الأهالي ابتهاجا بعودة المدينة إلى كنف الدولة.
ينتشي الربيع بمساحات خضراء من القمح واشجار الزيتون والكرمة تبدد الصورة المسبقة بان المنطقة جرداء وبعد عدة كيلومترات من الرحيبة فاجأتنا قرية العطنة.. بيوت تصطف على جانبي الطريق وخيمة بالعمق بباب مفتوح للوهلة الاولى تبدو القرية التي يعود تاريخها الى العصور الرومانية والبيزنطية كأن اهلها هجروها ولكن بعد أقل من دقيقة من التوقف للاستفسار إن كنا بالاتجاه الصحيح إلى الناصرية لاحظنا أن هناك مهرجانا ينتظر لحظة الصفر لاطلاق الفرح.
بصوت جهوري تصرخ كنانة عمار طالبة بكالوريا “انتصرنا” محاولة اسماعنا بعد أن ارتفعت عاليا أصوات أغان وطنية من قلب الخيمة التي أقيمت للاحتفال وتضيف.. “بدي أنجح وعمر بلدي” هنادي محمد إلى جانبها تحمل طفلها تحاول إضحاكه “الفرحة غير شكل بالانتصار”.
أبو محمود العلي 59 سنة لا يريد أن يفوت على الأهالي بهجتهم رغم ما تعرض له على يد الإرهابيين “خطفوني ليومين وعذبوني وبقيت ثلاثة أشهر لا استطيع المشي اتهموني أنني مخبر للجيش” لكن اليوم حياة جديدة طلاب وعمال وفلاحون تجمعوا في الساحة وراح الكلام يتدفق منهم في كل اتجاه كالعطر.
تركنا العطنة وحبات السكاكر والرز تتناثر فوق من تصدح حناجرهم بالروح نفدي الوطن والجيش.. وعلى بعد بضعة كيلومترات أخذ صوت المطرب فهد بلان يملأ فضاء البادية في أغنية كأنها كتبت لهذه اللحظة “تعيشي يا بلدي زهرة حرية تعيشي يا بلدي.. وجبال الحمرا ورمال الصحرا تشرب من دمي تشرب تتروى وتعيشي يا بلدي”.
وصلنا إلى الناصرية التي تزينت بالاعلام الوطنية وهي الاخرى متأهبة للاحتفال بالنصر في ساحة البلدة الواقعة بين نهاية المرتفعات الجبلية لسلسلة جبال القلمون وبداية المرتفعات الجبلية لسلسلة الجبال التدمرية في ريف حمص وقف الأهالي يهتفون للوطن وبعض الاسر المهجرة من سنوات حرصت للعودة سريعا.
بكرم وقفت غادة هلال ام جودت توزع العصير على المحتفلين تقول بشعور من الاعتزاز “استشهد زوجي.. فجروا سيارته.. من حرقة قلبي انتظرت هذه الساعة بفارغ الصبر حتى انتصرنا بعزيمة جيشنا” وتضيف الام.. “يوم جديد بعمر اهل الناصرية صبرنا وصمدنا وانتصرنا”.
من أمام مبنى البلدية المزين بعلم بعدة أمتار يقول محمد عبد الدايم محام “رغم ما تعرضنا له حافظنا على سلامة مؤءسسات الدولة وفي المدرسة حرصنا على ترديد النشيد الصباحي ورفع العلم وكذلك المستوصف والبلدية.. كنا متعلقين بالوطن لنشعر بقيمتنا”.. وعن انتشار الارهابيين بالمنطقة يؤكد أن “الموضوع خوف من الإرهابيين وليس بيئة حاضنة”.
هذه المنطقة كانت قبل أيام مرتعا للإرهابيين تحت مسميات مختلفة أصبحت اليوم سرابا والامان بات مغريا بالعودة الى طريق غير مكتشفة سابقا تصل ما بين الناصرية واوتستراد دمشق حمص بالقرب من مفرق مدينة يبرود.
الطريق معبد وأمامنا كان الجنود يرفعون أياديهم بالسلام ويهتفون “الله ييسر.. الله معك” يتناثرون في حواجز على التفافات الطريق كتناثر شقائق النعمان فاقعة الاحمرار في تلال البادية فتستمر البهجة في النفوس وأغنية فهد بلان تعود تصدح في الوجدان مجددا ” تعيشي يا بلدي تعيشي يا بلدي زهرة حرية تعيشي يابلدي”.
المصدر: وكالة سانا