رأى السيد علي فضل الله، في خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور شخصيات علمائية وسياسية واجتماعية وحشد من المؤمنين، أن حديث الانتخابات لا يزال يطغى في لبنان، وتتصاعد وتيرته مع اقتراب موعدها، حيث المشهد هو تصاعد وتيرة التنافس بين القوى السياسية الفاعلة والممسكة بالقرار، والتي تسعى إلى الحفاظ على مكتسباتها وتعزيز وجودها، والقوى التي تعمد لاختراق هذا الجدار الكبير وحجز مكان لها في الندوة البرلمانية، بعد أن أتاح القانون لها هذه الفرصة، وهذا يسجل إيجابية للقانون الجديد الذي يسمح بإدخال دم جديد إلى الساحة السياسية، وإن بنسبة ليست مرتفعة، رغم أن الساحة هي أحوج ما تكون إلى هذا الدم، فلا حياة سياسية من دون تجديد الدم في عروقها، أو من دون معارضة فاعلة تراقب وتحاسب وتكشف الحقائق للناس، ليعملوا معا في مواجهة المشكلات”.
وقال: “في لبنان لم نعد نجد حدودا بين الموالاة والمعارضة، بل قد تزايد الموالاة على المعارضة في انتقاداتها. ونحن في هذا المجال، نؤكد أهمية هذا التنافس، ولكننا نبقى ندعو إلى عدم تحوله إلى صراع تستخدم فيه كل الأسلحة المحرمة دينيا وأخلاقيا، بحيث تستنفر فيه الغرائز الطائفية والمذهبية والعشائرية والمناطقية، بل ينبغي أن يكون تنافسا بين المشاريع لتقديم الحلول لمشاكل البلد المستعصية، وهو الذي يعاني أيضا تحديات الخارج، حيث التهديدات المستمرة للعدو الصهيوني، أو تحدي المحيط من حوله، أو تحدي الوضع الاقتصادي المتأزم والفساد والهدر”.
أضاف: “آن الأوان لأن تخرج كل القوى السياسية من خطاب الهدم الذي نراه الآن في المهرجانات، وعلى الشاشات، وفي مواقع التواصل؛ وهو هدم للوحدة الإسلامية وللتعايش الإسلامي والمسيحي والوحدة الوطنية، للوصول إلى خطاب التوحيد والبناء. لكن نبقى نؤكد على الذين يعدون الناس بوعود، سواء بتغيير أدائهم السياسي أو بتحقيق أمان وأحلام لهم، أن يكونوا صادقين، لأن ما سيقولونه سيحل في ذاكرة الناس، وهم لن يلدغوا مرة أخرى بعد مرات، فلا بد لمن يعد أن يفي، ومن ليس قادرا فلا يكلف نفسه عناء الحساب”.
وتابع: “في هذه الأجواء، ينعقد مؤتمر سيدر لدعم لبنان. ونحن في الوقت الذي نرى فيه إيجابية في أي مؤتمر يساهم في إخراج لبنان من أزماته وحل مشكلاته الاقتصادية، ولكن ما خشيناه سابقا، وما نخشاه الآن، أن لا يؤدي هذا المؤتمر كبقية المؤتمرات إلى دعم لبنان، بل قد يزيد من معاناته من خلال فرض شروط سياسية لا يستطيع أحد تحملها أو من خلال تحميله أعباء مالية إضافية، هو غير قادر على تحملها عندما تضخ فيه أموال تزيد من أعباء الدين، من دون أن تحسن الاستفادة منها. وقد تضيع كما ضاع غيرها في جيوب الفاسدين. إننا إذ كنا نستبق نتائج هذا المؤتمر، إلا أنه يجب النظر بحذر شديد إلى أي التزام قد يزيد معاناة هذا البلد أو يكون الهدف منه هو التشديد على بقاء النازحين السوريين فيه، وإن كان هناك ضرورة لدعم لبنان ومساعدته على تحمل أعباء هؤلاء”.
وقال: “في هذا الوقت، وفي موقع آخر، يواصل أكثر من مسؤول عربي وخليجي إبداء استعداده لتقديم المزيد من التنازلات عن الحقوق الفلسطينية للكيان الصهيوني، والتأكيد أن للإسرائيليين الحق في أن يكون لهم وطن، وهو ما رأت فيه قيادات صهيونية أنه يساوي وعد بلفور، وأن ثمة مصالح كثيرة تجمع بين العرب والإسرائيليين، من دون أن نسمع في المقابل أي استعداد صهيوني لتقديم الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. لقد بات من الواضح أن كل هذا السخاء العربي السياسي والمالي على الولايات المتحدة هو لاسترضاء الإدارة الأميركية التي لن ترضى إلا بمزيد من الابتزاز من مليارات الدولارات الخليجية. فلا تنظر الإدارة الأمريكية إلى الخليج إلا من هذا الباب. ألم يقل الرئيس ترامب أنه سوف ينسحب من سوريا؟ وحين تم الاعتراض عليه بالقول إن ذلك يخدم إيران، وافق على البقاء فيها، وقال: يجب عليهم دفع تكاليف ذلك؟ ما يوحي بأن تهديده كان يهدف أساسا إلى كسب المزيد من المال”.
أضاف: “نصل إلى فلسطين، لنقف مع غزة التي ودعت شهداءها الستة عشر، وهي تستكمل بلسمة جراح المئات من المجاهدين والمناضلين الذين تصدروا مسيرات العودة إلى فلسطين. إننا نحيي الشعب الفلسطيني على هذه الوقفة البطولية في يوم الأرض، وعلى التضحيات التي قدمها، وابتكاره أساليب جديدة تخيف العدو، كما يحدث الآن، من خلال الزحف الشعبي على الحدود الذي يريد العدو له ألا يتكرر. لقد فضحت مسيرات يوم الأرض سياسات إسرائيل، بعد إصرارها على مواجهة الحق الفلسطيني باستخدام القتل. ويأتي عنوان حق العودة لهذه المسيرات، الذي يؤكده القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ليمنح الشرعية القانونية الكاملة لهذه المسيرات أمام العالم، وهو ما يتيح فرصة أكبر لدول العالم وللرأي العام الدولي للوقوف مع الشعب الفلسطيني وتشديد الحصار على إسرائيل، إذ إنه من الصعب أن نجد دولة غير الكيان الصهيوني تجادل في حق العودة”.
وختم فضل الله: “إننا نريد لكل مناطق فلسطين المحتلة أن تقف إلى جانب غزة، لتحمل معها عبء هذه المواجهة، ليشعر العدو بأنه محاط بالمواجهات من كل الجهات، وبذلك يؤدي الجميع واجبهم، ونتقدم خطوات مهمة نحو تحقيق الوحدة الفلسطينية التي عجز السياسيون عن صناعتها، ونسقط صفقة القرن التي يهاب الكثير من السياسيين مواجهتها. إننا على ثقة بأن فلسطين قوية بصمود شعبها وتضحيات أبنائها. وهي قادرة بالتخطيط والصبر والصمود على تحقيق الكثير من الإنجازات”.