هل شرب القهوة يؤدي إلى الإصابة بالسرطان؟ ولماذا هذا الجدل القائم حاليا؟ وهل حان الوقت للتوقف عن تناول هذا المشروب الأسود اللذيذ؟
قبل أيام أصدر القاضي في ولاية كاليفورنيا الأميركية إليو بيرل حكما مقترحا مفاده أن “ستاربكس” وغيرها من سلاسل القهوة أخفقت في إثبات أن مادة الأكريلاميد الكيميائية الموجودة في القهوة لا تلحق ضررا كبيرا، وقال أيضا إن حجة الشركات بأن القهوة تتمتع بفوائد صحية “لم تكن مقنعة”، وفقا لتقرير أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، مما يجعل تلك الشركات عرضة لغرامات محتملة بملايين الدولارات.
والحكم ليس نهائيا بعد، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتغير.
وكان “مجلس التعليم والبحوث حول المواد السامة”، وهو منظمة غير ربحية، أقام دعوى ضد تجار تجزئة القهوة عام 2010، بحجة أن القهوة يجب أن تحمل علامات التحذير بموجب قانون الولاية المعروف باسم “اقتراح 65″، الذي يتطلب وضع تحذيرات على المنتجات التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة.
من جهتها، ردت الجمعية الوطنية للقهوة في الولايات المتحدة وقالت إن حكما بضرورة وضع علامات تحذير من السرطان على أغلفة أكياس البن “لن يفعل شيئا لتحسين الصحة العامة”، وقال رئيس الجمعية ويليام موراي إن القهوة مشروب صحي، وإن الدعوى أربكت المستهلكين ولا علاقة لها بتحسين الصحة العامة.
والأكريلاميد -المادة التي تُتهم القهوة بالتسبب بالسرطان بسبب احتوائها عليها- هي مادة كيميائية تستخدم لصناعة مواد البولي أكريلاميد وكوبوليمرات الأكريلاميد، التي تستخدم في العديد من الصناعات مثل صناعة الورق والأصباغ والبلاستيك، ومعالجة مياه الشرب والصرف الصحي، كما أن الأكريلاميد موجودة في أغلفة الأغذية وبعض المواد اللاصقة.
واكتشف علماء سويديون وجود الأكريلاميد لأول مرة في بعض الأطعمة عام 2002، وتتشكل عندما يتم طهو بعض الأطعمة النشوية عند درجات حرارة عالية (فوق 121 درجة مئوية/ 250 درجة فهرنهايت).
وتوجد مادة الأكريلاميد في بعض الأطعمة، إذ يتم إنتاجها عندما يتم تسخين الخضراوات التي تحتوي على الحمض الأميني أسباراجين (asparagine) مثل البطاطا إلى درجات حرارة عالية في وجود بعض السكريات، كما توجد الأكريلاميد في دخان التبغ، وترتفع مستوياتها عند الطهو لمدد أطول أو في درجات حرارة أعلى، وتتكوّن مادة الأكريلاميد في القهوة عندما يتم تحميص حبوب القهوة.
ويعتبر الطعام ودخان السجائر المصدرين الرئيسيين للتعرض للأكريلاميد، وتشمل مصادر الأكريلاميد في الطعام البطاطا المقلية ورقائق البطاطس والمقرمشات والخبز والكعك وحبوب الإفطار والزيتون الأسود المعلب والقهوة. ويتم تحويل مادة الأكريلاميد في الجسم إلى مركب يدعى”غلايسيداميد” (glycidamide)، الذي يسبب طفرات في الحمض النووي ويقود لتلفه، والطفرات في الحمض النووي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
وفقا للدراسات على القوارض، تبين أن التعرض للأكريلاميد يزيد من خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطانات.
في المقابل، لم يجد عدد كبير من الدراسات الوبائية في البشر أي دليل ثابت على أن التعرض للأكريلاميد من الطعام يرتبط بمخاطر أي نوع من أنواع السرطان.
الجواب ليس واضحا حتى اللحظة، إذ وفقا للمعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة، فصحيح أن القهوة -من بين الأطعمة- هي مصدر رئيسي للأكريلاميد، إلى جانب رقائق البطاطا والخبز وحبوب الإفطار والزيتون الأسود المعلب، لكن مستويات الأكريلاميد في الغذاء تختلف على نطاق واسع، حيث إن الأشخاص يتعرضون لأكريلاميد من دخان التبغ أكثر بكثير من الطعام.
فالأشخاص الذين يدخنون لديهم ثلاثة إلى خمسة أضعاف المستويات من علامات التعرض الأكريلاميد في دمائهم مقارنة مع غير المدخنين.
وهذا يعني أنه إذا كان الأكريلاميد لدى البشر مرتبطا بالإصابة بالسرطان، فهناك مصادر أهم من القهوة تؤدي إلى حصول الشخص على هذه المادة مثل التدخين وأغذية أخرى كالبطاطا المقلية والخبز.
الأمر المهم الآخر هو أنه لم تجد الدراسات على البشر حتى الآن أي دليل ثابت على أن التعرض للأكريلاميد من الطعام يرتبط بمخاطر أي نوع من أنواع السرطانات.
ولذلك قد يكون الجواب حتى اللحظة: شرب القهوة آمن ولكن باعتدال؛ فالتوسط في كل شيء هو الأفضل، وللتأكد من الكمية التي تلائم صحتك ووضعك الطبي الخاص استشر الطبيب.
المصدر: نيويورك تايمز