جريت مؤخراً دراسة عالمية عن حالة العلم في دول مختلفة حول العالم، ووصلت لاكتشافات مختلفة، فمعظم الناس لا يفهمون العلوم بشكل كافٍ، ويمارسون ضغوطاً على أبنائهم ليفهموها، لكن الأبناء الأصغر عمراً يبدون مشككين في العلوم أكثر، وغير مبالين، وربما غير واثقين مما يقوله العلماء.
أجرت شركة “ثري إم” أبحاثاً في 14 دولة مختلفة ونشرها موقع arstechnica المختص بالعلوم، والبلدان المستطلعة مزيج من اقتصادات متقدمة وأخرى نامية، ويبدو أن النتائج مشجعة للغاية. فرغم الاختلافات الثقافية العديدة، يشعر الناس باطراد أن للعلم تأثيراً إيجابياً عاماً على المجتمع العالمي، وهم مبتهجون بما نعرفه.
لكن هذه الإيجابيات الكثيرة لا تثير اهتمامنا كثيراً. لا يدرك معظم الناس التأثير الذي أحدثه العلم على حيواتهم اليومية، ويرونه شيئاً يمكن أن يشترك فيه أبناؤهم. لكن الأصغر عمراً لديهم وجهة نظر مختلفة وثقة أقل بالعلوم والعلماء.
أجريت استطلاعات في 14 دولة ذات اقتصادات متفاوتة. نجد على الجانب المتقدم: كندا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، سنغافورة، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة. كما شمل البحث البرازيل، الصين، الهند، المكسيك، بولندا، السعودية، وجنوب إفريقيا، وذلك لتوفير صورة عن مواقف الناس في الاقتصادات النامية. واستطلعت الدراسة آراء ما يقرب من 1000 شخص في كل دولة، أي أن المجموع العالمي هو 14 ألف شخص أو أكثر. وبشكل عام، لم يكن هناك الكثير من الاختلافات بين الدول، ما يشير إلى أن العلم أصبح بالفعل نشاطاً عالمياً.
لكن النتائج كانت مشوشة. فعلى السطح، كان الناس مفتونين بالنتائج العلمية، ومتفائلين بما سيأتي به العلم مستقبلاً. ولكن تحت السطح، كانت هناك شكوك حول تأثير العلم في الحياة اليومية، ولا مبالاة حيال تعلم المزيد عنه، فقد قالت: “هم لا يبالون بشأن العلم، إنه لا مرئي”. ونتيجة لذلك، أظهرت الدراسة عدداً من النتائج المتناقضة ظاهرياً.
فنجد على سبيل المثال، أن 90% من الناس على الصعيد العالمي، متفائلون حيال التكنولوجيا ويعتقدون أن العلم سيتمكن من تطويرها، بالإضافة إلى أن 87% منهم وجدوا النتائج العلمية رائعة (الأعداد في الولايات المتحدة على وجه الخصوص كانت متطابقة بشكل أساسي). لكن 86% منهم قالوا: إنهم يعرفون القليل أو لا شيء عن العلم. وبالمثل، اعتقد 90% بأن العلم يدفع إلى الإبداع، فيما رأى 23% منهم أن العلم والتكنولوجيا شيئان منفصلان.
أما على الصعيد الفردي، قال معظم المستطلعين: إنهم كانوا مهتمين بالعلم أكثر عندما كانوا أطفالاً، ولا يرونه حالياً خياراً جذاباً للعمل. ولم يفهم أكثر من ربعهم لماذا يجب أن يعرفوا شيئاً عن العلم كبالغين. لكن 92% منهم يرغبون في أن يتعلم أطفالهم المزيد من العلم، ويظنون أن الأطفال يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار العمل في هذا المجال. وأشارت سيث إلى أنه لا يبدو مرجحاً أن هذا التناقض سوف يُحل؛ إذ إن الأطفال سيتابعون لا مبالاة آبائهم.
وقدمت نتائج استطلاع أخرى تفسيراً محتملاً لبعض هذه التناقضات الظاهرة. رأت الأغلبية الساحقة في العالم وفي الولايات المتحدة التقدم العلمي مهماً للمجتمع بأكمله. لكن نسبة أقل بكثير قالوا: إن العلم مهم في حياتهم اليومية.
وقال أغلبهم: إنهم ببساطة لا يفكرون بالعلم. ويمتد هذا إلى رؤيتهم لمنفعة العلم. فقد قال أغلبهم: إن الأبحاث ستؤثر على المواضيع المشهورة مثل المشكلات الصحية والطاقة النظيفة. لكن أشخاصاً أقل أشاروا إلى أن العلم قد يؤثر على الشؤون الدنيوية مثل الفقر والبطالة والمجاعات.
ثلث المستطلعين قالوا بأنك تحتاج إلى العبقرية لكي تصبح عالماً، لكن هذه الفكرة تبدو مبالغة في قدرات العلماء، فتصوير العلم على أنه شيء يمكن بلوغه، وتوفير مدى من الفرص للناس، قد يساعد على القضاء على عامل التخويف هذا، حتى وإن كان العلماء الموجودون لا يتلقون هذا الكم من ألقاب “العبقرية”.
توصل المسح أيضاً إلى أن قسماً كبيراً من الناس وصفوا أنفسهم بأنهم شكاكون تجاه العلم. كانت هذه المجموعة كبيرة؛ إذ يصل حجمها إلى ثلث المستطلعين عالمياً.
واعتبر هؤلاء أن العلم والتكنولوجيا مجالان منفصلان، وبالتالي لم يروا أي تأثير للعلم في حياتهم اليومية. في حين قد تكون هذه المجموعة أكثر انتشاراً بشكل عام في الشرق الأوسط وآسيا، إلا أنهم يمثلون أكثر من ربع سكان الولايات المتحدة الأميركية. والأكثر إثارة للقلق أن قسماً كبيراً منهم من الشباب؛ حيث تتوزع النسبة الأكبر منهم في الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً.
ليس من المستغرب أن هؤلاء الأفراد يرون العلم باعتباره مملاً ويصفون أنفسهم بأنهم لا يعرفون سوى القليل عنه، لكن هناك أيضاً فجوة كبيرة من عدم الثقة؛ حيث يقول 20% منهم أنهم لا يصدقون العلماء وادعاءاتهم.
بشكل عام سلّط الاستطلاع الضوء على عدد من القضايا التي يأمل أن يواجهها مَن يدافع عن العلم، إحداها هي سلوك الآباء الذين يريدون لأبنائهم أن يحصلوا على تعليم علمي قوي ومتماسك، لكنهم أنفسهم غير مبالين بالعلم؛ لذا على الأرجح فإن تشجعيهم لن يدوم.
المصدر: هافينغتون بوست