ألقى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش خطبة صلاة الجمعة في مجمع السيدة زينب(ع) في بئر العبد في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وهذا نص الخطبة:
نبارك لكم ولكل المسلمين في العالم وخصوصاً للمرأة المسلمة ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) التي كانت ولادتها في العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية الشريفة، كما نبارك للمعلمين والمعلمات عيدهم في يوم المعلم ونسأل الله أن يوفقهم ويوفق الجميع لتربية الأجيال على الإيمان والقيم والأخلاق التي حملتها السيدة فاطمة الزهراء(ع) وجسدتها في حياتها ودعت الجميع الى التحلي بها.
لقد كشفت الآيات والروايات عن المكانة الخاصة والمنزلة الرفيعة التي للزهراء(ع) عند الله ولدى رسول الله وفي الاسلام، فالآيات القرآنية التي نزلت في آل بيت رسول الله (ص) كلها تشمل السيدة الزهراء(ع) كما تشمل أبيها وزوجها وبنيها وهذا ما يجمع عليه كل المفسرين.
من هذه الايات:
– قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وفاطمة واحدة من أهل هذا البيت الذي أذهب الله عنه الرجس بالإجماع وبلا نقاش.
– وقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا ). أي على الرسالة (إلا المودة في القربى). وفاطمة من القربى التي يجب حبها ومودتها والتقرب بحبها ومودتها .
– وقوله تعالى في قصة المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين). الى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي دلت غلى فضل فاطمة وعلو رتبتها ومنزلتها ومنزلة أهل البيت(ع) عند الله، وقد عدّ بعض العلماء أكثر من ستين آية في القرآن نزلت في فضل أهل البيت وفاطمة عليهم السلام.
اما الاحاديث الواردة عن النبي(ص) فهي كثيرة : فقد قال فيها أبوها رسول الله (ص) الكثير من الكلمات والأحاديث في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان وزمان وقد نقلت كتب المسلمين من الشيعة والسنة هذه الأحاديث والمواقف.
فقد قال (ص): فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبيّ يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرّها.
وقال (ص): أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وقال (ص): فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وقال (ص): إنها أفضل نساء أهل الارض.
وقال (ص): إن الله ليغضب لغضبِ فاطمة ويرضى لرضاها.
كل هذه الآيات والأحاديث تدل على أن للزهراء(ع) مقامات عظيمة ومنازل رفيعة وصلت إليها فاطمة(ع) بإيمانها وصدقها وإخلاصها وعملها:
من هذه المقامات: مقام الرضا “يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها” أي أن الله سبحانه وتعالى إذا رضيت فاطمة يرضى، وإذا غضبت يغضب. وهذا يعني أن هذه السيدةٌ كانت خالصة لله وليس لديها شيء لا من الذات ولا من الأنانية ولا من أي شيء آخر، كل ما لديها هو لله عزّ وجلّ هو إلهي ورباني. . وهذا مقام عظيم إن لم يكن أعظم مقام وصلت اليه الزهراء(ع).
ومنها: المقام المحمود عند الله، ومقام الشفاعة الكبرى، فإن أفضل مقام أعطي لفاطمة (ع) يوم القيامة هو مقام الشفاعة . فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال : ” يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين ”
ومنها: مقام سيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين، وافضل نساء أهل الارض، وسيدة نساء اهل الجنة.
عندما نتحدث عن الزهراء(ع) يجب أن نأخذ هذه المقامات بعين الإعتبار لندرك حقيقة الزهراء(ع) وجوهرها، ويجب أيضاً أن نلتفت الى أمرين:
الأول: أن هذه المقامات ما كانت لتصل الزهراء(ع) إليها لولا أيمانها ووعبادتهاوطاعتها لله وصدقها معه وإخلاصها له وتوكلها عليه ولولا عفتها وقداستها وطهرها وحجابها وسترها وشجاعتها وصبرها على المصائب التي ألمت بها . فالله تعالى لايعطي هذه المقامات بالمجان وبلا عمل، وإنما يعطيها لخاصة أوليائه، للذين آمنوا به وعبدوه واخلصوا له وصدقوا معه وعملوا في سبيله.
الأمر الثاني: أن هذه المقامات والمواقف توجهنا الى مواقع القدوة والأسوة في شخصية الزهراء(ع) فعندما يقول النبي (ص) لنا أن فاطمة سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، أو أنها أفضل أهل الارض، أو سيدة نساء الجنة، هل هو يعطيها مقام فخري ومقام تشريفي ، أبداً، ليس الأمر كذلك؟ هناك بعد توجيهي وبعد إرشادي في كلام رسول الله (ص) ، فهو يريد أن يقدّم فاطمة (عليها السلام) قدوةً وأسوةً ونموذجاً أعلى لنساء العالمين إلى يوم القيامة . وهذا هو معنى أن تكون فاطمة سيدة نساء العالمين. تماماً كما كان رسول الله (ص) قدوة وأسوة ونموذجا أعلى لكلّ البشر .
النساء يحتجن إلى أسوةٍ خاصةٍ بهن وإلى قدوة من جنسهنّ. يحتجن الى امرأة سيدة لديها عاطفة ومشاعر وأحاسيس ولديها عقل ولديها كل مواصفات النساء تكون قدوة لهن. ولذلك القرآن قدم العديد من النساء نماذج وقدوات صالحات للنساء وللرجال أيضاً، كامرأة فرعون التي تحدت زوجها فرعون في عقر داره وملكه وواجهت ظلمه وطغيانه واستكباره وعلوه في الأرض، ووقفت بين يدي الله لتدعوه أن يبني لها عنده بيتا في الجنة وأن ينجيها من فرعون وعمله، ومريم بنت عمران التي كانت عنوانا للطهر والقداسة والعفة، وخديجة التي أنفقت كل اموالها في طريق الدعوة الى الله ونصرة الإسلام، والزهراء البتول عليها السلام.. هؤلاء ليسوا ملائكة من السماء نزلوا على الأرض بل هن نساء من جنس البشر، فرسول الله يريد أن يقدّم الزهراء إلى نساء العالمين من الأولين والآخرين كقدوة وأسوة ونموذج أعلى، لا لأنها إبنته ومن موقع العلاقة النسبية او من موقع العاطفة او الأهواء وانما من موقع الوحي الإلهي لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى.
نحن يجب أن نتخذ الزهراء قدوة ويجب أن نقدّمها كذلك لنسائنا، لمسلمات العالم، بل لكلّ نساء العالم. لأن أي سيدة أو إمرأة في العالم عندما تحدّثها عن سيدةٍ هي في قمة العلم والمعرفة والعبادة والأخلاق والطهارة والتواضع والصبر والتحمل بالتأكيد سوف تقدّم لها آيات الإحترام والتّقدير. وسوف تقتدي بها وتتأثر وتتأسى بها. أي إمرأة سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو تتبع دين سماوي أو لا تتبع دين سماوي عندما تقدّم لها ولنساء العالم هذا النموذج، الكلّ سوف يقدّم له آيات الإحترام والتّقدير.
النّساء اليوم هنّ في قلب المعركة وفي قلب المواجهة والتّحدي. هناك تحدّيات متنوّعة ومخاطر وتهديدات متنوّعة، وهنّ بحاجة إلى قدوة يتطلّعن إليها ويتقبلنها في حياتهنّ في هذه المواجهة. المواجهة تحتاج احيانا إلى صبر وهن يردن قدوة في الصّبر، المواجهة تحتاج إلى طاقة عالية للتّحمّل وهنّ يردن قدوة في الطاقة والثبات والتّحمّل، المواجهة تحتاج إلى شجاعة في تحمّل المسؤولية وهنّ يردن قدوة في في الشجاعة, وكل ذلك تمثّله الزهراء عليها السلام لانها قمة في كل شيء وهي نموذج الكمال النسائي الانساني.
اليوم، هناك مواجهة في لبنان وفي كل المنطقة، هناك قوى مهيمنة تريد أن تفرض هيمنتها واستكبارها واقتصادها وأمنها وقرارها السياسي وثقافتها وعاداتها وتقاليدها. وتريد أن تمسخنا، وتسلخ عنا هويتنا وتمسخ كل ما عندنا من ثقافة وعادات وتقاليد وأديان وحضارة وفكر وأخلاق وقيم ومقدرات وثروات.
لذلك هذه الحرب هي متنوّعة سياسية وعسكرية وأمنيّة وإعلاميّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافية. ولكن أخطر هذه الحروب على الإطلاق هي الثقافية والاجتماعية والتي يتحدّث عنها الامام القائد دام ظله ويسميها بالحرب الناعمة.
اليوم هناك مخطط ممنهج لإفساد مجتمعنا أخلاقيا وثقافيا ،هناك قوى كبرى ومؤسسات ومراكز دراسات ومؤتمرات تخطط وتضع أساليب وتطوّر وسائل من أجل إفساد مجتمعاتنا.
المؤتمر الذي عقد مؤخرا في ابو ظبي بتوجيه اسرائيلي تحت عنوان تفكيك شيفرة حزب الله دعى بوضوح الى محاربة حزب الله اخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا.
هم عجزوا عن إخضاع مجتمعنا عسكريا فاتجهوا لتدميره من الداخل، ولذلك هم يركزون على على إغراق الشباب والشابات بالملذّات والشهوات وإلهائهم عن القضايا المصيرية وقضايا الكرامة وقضايا الأمة.
يعملون على نزع حياء المرأة وسلب عفتها بما يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي والانحلال الروحي وفي نهاية المطاف إلى الانهيار. وهذا ما يُعمَل عليه ليل نهار.
يروجون المخدرات في كل مكان في لبنان في الجامعات والمدارس والمقاهي والأحياء من أجل إفساد شبابنا وتعلقهم بهذا المرض الخطير، ويعملون على تفكيك العائلة والأسرة ليدمروها.
كما أنهم يعملون اليوم وعلى ابواب الانتخابات النيابية على تشكيك الناس بإنجازات المقاومة وخدماتها وما قدمته للبنان وللبنانيين ولأهلها وشعبها، ويطلقون الاتهامات والشائعات ويضللون الناس ويخوفون اللبنانيين، لكي لا يحصل حزب الله على أكثرية مريحة في الانتخابات النيابية.
نحن لسنا في مواجهة مع أحد في الداخل طالما بقيت المعركة الإنتخابية في إطارها التنافسي الديموقراطي، فهناك قانون انتخابي كفيل بأن يعطي كل طرف حجمه الحقيقي وليكن هناك تنافس ديموقراطي ومن يفوز هنيئاً له.. لكننا نحن في مواجهة حقيقية مع المشروع الأمريكي السعودي الاسرائيلي ومع الخط المعادي المتحالف معه الذي يعلن بوضوح وعلى المكشوف أنه يريد محاصرة المقاومة في لبنان والقضاء عليها. نعم، نحن سنواجه المشروع الامريكي والسعودي الذي يريد تغيير الموقع السياسي للبنان، والإمساك بالقرار اللبناني، ويتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية وفي الانتخابات النيابية، ويشن حملة تشهير وأكاذيب وافتراءات سياسية وإعلامية ضد حزب الله لتشويه صورته، وللتأثيرعلى نتائج الإنتخابات والحؤول دون حصول حزب الله وحلفائه على أكثرية برلمانية ، ويستخدمون كل الأساليب للتأثير على الرأي العام اللبناني وجمهور المقاومة، من خلال التحريض وبث الشائعات وتفعيل العقوبات المالية والتهديد بالحرب وغيرذلك.
لكن أهلنا الذين لطالما وقفوا إلى جانب المقاومة في الظروف الصعبة والقاسية، ولطالما عبّروا عن وعيهم وثباتهم وفهمهم لخلفيات العدو وأهدافه ، لن يخذلوا هذه المقاومة في الاستحقاق الانتخابي ولا في غيره من الإستحقاقات، ولن يصغوا لكل الافتراءات والشائعات، وسيحضرون في هذا الاستحقاق بكثافة وبكل عزم وتصميم وفي كل المناطق، ليقولوا للعدو وللصديق إن مشروع المقاومة في لبنان ثابت وراسخ ومتجذر لن يضعف ولن يتراجع، وإن كل محاولات التحريض والعقوبات والحصار والتهديد بالحرب لن تزيده إلا تمسكاً بالمقاومة ونهجها.
المصدر: بريد الموقع