في إحدى مقالاتها، اعتمدت الصحفية آني كاهن على تحقيق أميركي كشف أن الأشخاص الذين يعملون لوقت أقل يحققون نتائج أفضل، ولكن مع التركيز أكثر على عدد المهام الموكلة لهم.
تبدو الإحصائيات التي نشرها الصندوق الفرنسي للتأمين على المرض مدوية، حيث تعدَّدت حالات التوقف عن العمل بسبب المرض، فيما ارتفعت نفقات التعويض اليومية بنسبة 8%، خلال شهر يناير/كانون الثاني 2018، (مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني من سنة 2017)، وبنحو 5.2% على مدى 12 شهراً الماضية، بحسب صحيفة Le Monde الفرنسية.
ولكن لن نناقش أسباب هذا الوضع، نظراً لأن هذه الإحصائية تعتبر غير دقيقة، حيث يرى البعض أنها لا تنسجم مع حقيقة شيخوخة السكان العاملين، علاوة على ارتفاع حدة الضغط على العمال، في ظل تطوير الأدوات الرقمية، وتدهور ظروف العمل.
كان بالإمكان أن تكون نتائج هذه الإحصائيات أكثر سوءاً. وفي حين قد يبدو الأمر متناقضاً في الظاهر، إلا أن هذه الإحصائية منطقية نوعاً ما، مع العلم أن في حال ارتفع معدل التغيب عن العمل، فإن معدل الحضور في العمل على الرغم من المرض مرتفع جداً أيضاً، كما أن عدداً من المرضى، الذين كان ينبغي أن يتغيبوا حفاظاً على صحتهم وصحة زملائهم، والذين لم يقوموا بذلك، قد أثروا على نتائج الإحصائية بشكل كبير.
وحسب بيان نشرته مجموعة “مالاكوف ميدريك”، في 22 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، فإن “ما يقارب 20% من حالات التوقف المرضي عن العمل، في عام 2016 ، لم تسجل”.
بعبارة أخرى، يبادر 7% من الحالات فقط إلى التوقف عن العمل بسبب وضعهم الصحي، في حين لا يتمتَّعون بفترة الراحة كاملةK في الوقت ذاته، يرفض 12% من هذه الحالات التوقف عن العمل على الإطلاق، وتتنوع الأسباب الكامنة وراء ذلك، على غرار الأسباب المالية، وتشمل 29% من الأشخاص المعنيين، في حين أن 23% من العمال تنتابهم مخاوف من تكليفهم بالكثير من العمل إثر عودتهم، ويعزى ذلك أيضاً إلى بعض المخاوف من الضغط المسلط من قبل الأشخاص في صلب التسلسل الهرمي في العمل، حيث يشمل ذلك 22% من الأفراد.
فضلاً عن ذلك، يشعر نحو 20% من الأفراد أنه لا غنى عنهم، وليس من الممكن أن يعمدوا إلى تفويض المهام الخاصة بهم إلى الآخرين. وأكد عدد كبير من الموظفين “أنهم يأبون التغيب عن العمل”، الأمر الذي اعتبره أندرو هيل، “بمثابة الموقف العبثي”، في مقال رأي نشره في صحيفة “فايننشال تايمز”، في 8 من يناير/كانون الثاني.
وقد يؤثر هذا الأمر سلباً على مستوى الإنتاجية. بناء على ذلك، وكما ذكرنا في عدة مناسبات، عادة ما يصاب المدمنون للعمل بوعكات صحية أكثر من بقية زملائهم. وفي حين أن رفض التوقف عن العمل قد يكون مكسباً على المدى القصير، إلا أن الموظف قد يدفع ثمنه لاحقاً.
في المقابل، أظهرت دراسة، نشرت في غرة سبتمبر/أيلول سنة 2017، في مجلة أكاديمية الإدارة، أنه عندما تحب عملك وتكرِّس ساعات طويلة له، لا يعتبر ذلك أمراً سلبياً. وبالتالي، قد يسهم ذلك في الحفاظ على صحة الفرد.
من الجيد أن يكون المرء مهووساً بالعمل، ولكن شريطة أن يشارك في عدد محدود من المهام والمشاريع.
وبالتالي، سيتمكن من تقديم الإضافة في صلب العمل، حيث سيكون أكثر فاعلية، وأكثر إنتاجية، وسيتمكن من التركيز بشكل أفضل، في حين سيكون العمل أقل. وفي هذا الإطار، قد تطرَّق الأستاذ في علوم الإدارة في جامعة كاليفورنيا في بركلي، مورتن هانسن، إلى هذه المسألة في كتابه الأخير تحت عنوان: “التميز في العمل: كيف يتكفل المتفوقون في العمل بمهام أقل، ويعملون بشكل فعال ويحققون نتائج أفضل؟”.
اعتمد هانسن في إطار بحثه في هذه المسألة على تحقيق شمل خمسة آلاف مسير وموظف، يعملون في 15 قطاعاً مختلفاً، ويعملون ضمن 22 صنفاً من الوظائف، مثل التجار، والخبراء في القطاع المالي، ومسؤولين في الموارد البشرية، ومسؤولين في عدة مصانع. فضلاً عن ذلك، تضمنت جميع الرتب الوظيفية، والرجال والنساء على حد السواء، ناهيك عن جميع الفئات العمرية انطلاقاً من الشباب، وصولاً إلى الكهول في الخمسين من عمرهم.
عمدت الدراسة إلى تحليل مختلف أطوار مسارهم المهني والنتائج التي حققوها. وقد بيَّنت الدراسة أن ثلثي الأداء (66%) بالنسبة لهؤلاء الموظفين مرتبط بقدرتهم على التركيز على عدد محدود من المهام التي تم اختيارها بدقة والقيام بها من دون أن يتم تكليفه بمسؤوليات أخرى، في ظل الحد من المهام المشتركة، خلافاً للشغف بالتعاون المكثف بين الموظفين. علاوة على ذلك، لا يشارك هؤلاء الأفراد بشكل دائم في الاجتماعات واللجان، ولا يجرون مقابلات مع الحرفاء، حيث يكرسون جل وقتهم للمهام التي بصدد إنجازها.
من جهة أخرى، يشرح لنا الملف الشخصي للأفراد المشاركين في هذه الدراسة، الذي يتضمن السن، والجنس، ومدى معرفته بالمؤسسة والوقت المخصص للعمل، 10% من تفاصيل أداء الموظف. في الأثناء، لا يمكن شرح 24% من طبيعة أداء الموظف، حيث قد ترتبط بموهبة خاصة أو بالحظ، حسب توقعات مورتن هانسن وفريقه. وسواء كان الفرد موهوباً أو غير موهوب، يمكن للجميع النجاح في حال قاموا بأداء مهام أقل، ولكن بشكل أفضل.
كشفت دراسة حديثة أجراها مركز دالاس لدراسات القلب، أن الجلوس دون حركة لأوقات طويلة قد يصيب الإنسان بأمراض القلب، ذلك لأن زيادة أوقات الجلوس تزيد احتمالية ظهور علامات على حدوث إصابات في عضلات القلب، حتى مع ممارسة الرياضة من حينٍ لآخر، بحسب Business Insider.
وأشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يجلسون لمدةٍ تزيد عن 9 أو 10 ساعات يومياً -ككثيرٍ ممن يعملون في مكاتب- مُعرَّضون للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب وغيرها من المشكلات الصحية، وتظل احتمالية التعرُّض لهذه المخاطر مرتفعة نسبياً حتى في حال ممارسة الرياضة.
المصدر: هافينغتون بوست