تبرز في لبنان النظرة الخاصة للانتخابات النيابية وللمرشحين اليها، فاللبناني يختار على اساس طائفي وسياسي بينما يوجه الانتقادات لشخص النائب عندما يدرك الصعوبات الموجودة في حياته العامة وعندما تواجهه اي مشكلة في مجال الخدمات الواجب تقديمها من قبل الدولة او الجهات المعنية الاخرى، على الرغم من ان اختيار اللبناني للنائب حصل بناء لانتمائه السياسي والحزبي اكثر مما هو اختيار على اساس برنامج انتخابي شخصي، فالشعب اللبناني بمعظمه يختار من ترشحهم الاحزاب والقوى السياسية لاي انتخابات نيابية او بلدية وليس من يجد فيهم المؤهلات والجدارة والكفاءة المطلوبة او الذين يقدمون برامجهم الانتخابية والمشاريع التي سيعملون على تحقيقها.
وصحيح ان اللبناني في الغالب الاعم ينتخب على اساس توجهات سياسية وطائفية محددة سلفا، نظرا لطبيعة الوضع القائم في البلد وطريقة التفكير لدى السواد الاعظم من اللبنانيين، وفي ظل ان اغلب الاحزاب والتيارات لها لون طائفي ومذهبي واحد ولا يوجد احزاب وحركات تعمل على اساس وطني او تعبر الطوائف بشكل فعلي وحقيقي على الرغم من إدعاء البعض هذا الامر إلا ان التجارب أثبتت العكس، مع كل ذلك عندما يتم الانتقاد يحاول البعض التوجه الى شخص النائب على الرغم ان الاختيار كان بناء لالتزامات حزبية.
وظيفة النائب ومسؤوليات الدولة..
كما ان اللبناني في يومياته عندما يجد أي عرقلة في مشاريع عامة او عدم حصوله على ما يسعى اليه في ملف ما، يبادر مباشرة لتحميل المسؤولية للنائب بينما في الواقع ان الخدمات والمشاريع التنفيذية لا يجب ان يسأل عنها مجلس النواب فيما يتعلق بالتفاصيل التطبيقية، انما من يجب ان يسأل هو الدولة عبر إداراتها المركزية(كالوزارت والمحافظات..) او اللامركزية(كالبلديات، مؤسسة الكهرباء، مؤسسة المياه وغيرها…)، فالنائب مهمته الاساسية هي التشريع والرقابة على اداء السلطة التنفيذية، اي ان النائب يمكنه ان يلعب الدور الفعال في اقرار القوانين التي تفيد المواطن وترفع الضرر عنه، كما يمكن للنائب ان يرفع صوت المواطن عبر مراقبته ومحاسبته للحكومة عبر اساليب ديمقراطية داخل مجلس النواب، منها: توجيه سؤال لوزير او اكثر، استجواب لوزير او لاكثر حول ملف او اكثر من الملفات وصولا لطرح الثقة بوزير او اكثر او بالحكومة مجتمعة.
من هنا يمكن فهم نظرة اللبناني الى النواب في البرلمان حيث يتم شخصنة الامور ويتم تحميلهم مسؤولية مسائل لا تدخل اساسا ضمن صلاحياتهم واختصاصاتهم، والاولى بالمواطنين مراجعة الوزارات المعنية والبلديات المختصة وغيرها من الادارات والمؤسسات وإن كان في لبنان يتم الاستعانة بالنائب وكل من يعمل بالشأن العام للطلب هنا وانجاز خدمات هنا، رغم كل ذلك هناك من يحمل المسؤولية دائما للنواب ويسأل اين هم؟ وما الذي يفعلونه؟ وأي دور يقومون به؟ بينما المعني بالسؤال والمطالبة هم جهات اخرى غير النواب بأشخاصهم.
والبعض يشير الى ان النواب في لبنان بأغلبهم ينفذون مشاريع وخطط الاحزاب والتيارات التي رشحتهم، فالاحزاب في لبنان تختار من تراه مناسبا للترشح للانتخابات وفي هذا المعنى تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما اعلن اسماء مرشحي حزب الله للانتخابات النيابية المقبلة المقررة في 6 ايار/مايو المقبل، حيث قال “… نحن نعتبر أنه بالنسبة لقواعدنا وجمهورنا حزب الله هو الذي يمثلهم، نحن نعتبر أننا نمثلكم ونختار من يمثّلنا ليكون صوتكم وصوتنا ويحمل المسؤولية في المجلس النيابي كما كان يحصل خلال كل الولايات السابقة…”.
دور الاحزاب وواجبات المواطن..
والواقع ان الاحزاب في لبنان هي التي تختار المرشحين ولذلك نجد الغالبية العظمى بل جميع النواب في البرلمان ينتسبون او تم ترشيحهم من قبل احدى القوى السياسية الموجودة على الساحة اللبنانية، والواقع ان تغيير هذه النظرة في لبنان للنواب يحتاج الى تغيير في العقلية والثقافة السياسية العامة لدى المواطنين ويتطلب تغييرات جذرية شاملة، منها: وجود احزاب سياسية تقوم على اساس برامج سياسية مطروحة حيث تهدف الاحزاب للوصول الى السلطة لتطبيقها، ويتم الانتساب اليها من هذا المنطلق ويتم التعاطي معها على اساس هذه البرامج، وأيضا يجب على اللبناني ان يختار المرشح للانتخاب على اساس برنامج انتخابي واضح وان يتم محاسبته على هذا الامر عند كل انتخابات نيابية(وكذلك في الانتخابات المحلية)، وبالتالي تتم محاسبته ومعرفة ماذا حقق منه ولماذا فشل في تحقيق كل او بعض برنامجه المعلن وعلى هذا الاساس يتم التجديد له او اختيار غيره.
كذلك يتطلب ان يكون الاختيار على اساس وطني لا طائفي بعكس ما يجري اليوم حيث نرى بعض الأطراف السياسية يعمل على تجييش الشارع ويبث النعرات الطائفية كي يحصد مقاعد انتخابية هنا وهناك، بينما من الشعارات المعلنة من هؤلاء هي بناء دولة القانون والمؤسسات وعدم التمييز بين المواطنين، وهؤلاء لا يهمهم التحسين في الشأن العام وخدمة الناس والمجتمع بقدر ما يهمهم الحصول على اصوات الناخبين ونسيان معاناتهم عند الانتهاء من فرز الاصوات للبحث عن طموحات سياسية ضيقة وشخصية والسعي لتوريث الزعامة للابناء والاقارب.
والمطلوب ان يكون النائب المنتخب ومن خلفه الطرف السياسي الذي رشحه على قدر المسؤولية التي أولاهما اياها المواطن عندما منح صوته لهذا المرشح بعينه والابتعاد عن تضليل الناس بخطابات مزيفة او فارغة بغية سرقة اصواتهم، كما يجب على الناس التحلي بالوعي الكامل والادراك عند منح صوتهم لهذا الشخص دون غيره وعدم الانجرار وراء خطابات مذهبية وطائفية واختيار من يرونه فعلا يحقق مصلحة الوطن والمواطن للعبور الى الدولة القانون، خاصة ان صوت كل مواطن سيحدث الفارق في ظل الانتخابات التي ستجري لاول مرة في تاريخ لبنان على اساس النظام النسبي.
المصدر: موقع المنار