يبدو أن الأدوية تميز بين الذكور والإناث!، إذ لا تعطي الأدوية النتائج نفسها عند استعمالها على الرجال والنساء.
تبدأ القصة من مختبرات الشركات المصنعة للأدوية، والتي تقوم قبل تسويق منتجاتها باختبارها على الحيوانات أولاً، ثم على البشر، وهنا تكمن المشكلة، نتحدث هنا على حقيقة أن ما يفوق 8% من الحيوانات التي يتم اختبار الأدوية عليها هي ذكور فقط، وعندما يتعلق الأمر بالبشر، فإننا نجد أنفسنا أمام الوضع نفسه، أي أن الإناث اللاتي يتم اختبار الأدوية عليهن يمثلن أقل من رُبع مجموع الأشخاص الخاضعين لهذه الاختبارات.
بالتأكيد، لا يرجع هذا التفاوت للصدفة، إلا أنه لا يعود أيضاً لأي أسباب تتعلق بالتمييز والعنصرية، لكن السبب يعود في الأساس لثلاثة عوامل أساسية.
أولاً، خوفاً من إمكانية حمل المتطوعة، حيث سبق أن حدث هذا الأمر عدة مرات في الماضي عندما تقدمت بعض النساء إلى الاختبارات بعلم وأحياناً دون علم منهن أنهن حوامل، وهو ما شكل خطراً على حياة الأجنة والتسبب في تشوهها عدة مرات، وأدى إلى ظهور عدة فضائح في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً خلال سنوات السبعينيات، بحسب صحيفة The Independent البريطانية.
أما السبب الثاني فيتمثل في خوف هذه المختبرات من تأثير التغيرات الهرمونية المتكررة في جسد المرأة على نتائج الاختبارات.
والعامل الثالث فيعود للاعتقاد السائد أن النتائج التي سيظهرها جسد الرجل هي نفسها التي سيظهرها جسد المرأة، وبالتالي فإن تفاوت هذه النسب لا يمثل أي مشكلة فيما يتعلق بالنتائج، إلا أن المشكلة تكمن في اختلاف التركيبة الجينية للنساء والرجال، نظراً، بالدرجة الأولى، لأنهم لا يملكون نفس الكروموزومات.
وقد تسبب هذا “التهميش غير المقصود” للنساء في مرحلة الاختبارات في عدة مشاكل أهمها التخلي عن بعض الأدوية واعتبارها غير فعالة لأنها لم تقدم أي نتيجة بالنسبة للرجال على الرغم من أنها قد أثبتت فعاليتها على أجساد النساء.
أما المشكلة الثانية، والتي تعد الأكثر سوءاً وانتشاراً، فهي تسبب بعض الأدوية في ظهور أعراض جانبية مزعجة عند النساء، ومع ذلك فإنها تباع بشكل عادي في الأسواق لأن هذه الأعراض لا تظهر عند الرجال، وهو ما أسفرت عنه نتائج الاختبارات التي أجريت على الدواء التي أظهرت أنه صالح للتسويق بشكل آمن، وهي حقيقة مؤلمة أظهرتها دراسة ألمانية التي وضحت أن معظم الأدوية تسبب أعراضاً جانبية غير مرغوبة بشكل مضاعف عند النساء مقارنةً مع ما تسببه عند الرجال.
من ناحية أخرى، نجد أن بعض الأدوية تسبب نتائج معاكسة تماماً عند النساء مقارنة مع ما يفترض بها أن تسببه، وهنا سنذكر مثال الأدوية المضادة للكوليسترول، والتي تحتوي في العادة على جزيئات تسمى بجزيئات الستاتين التي تساعد على خفض نسبة الكوليستيرول في الدم، إلا أن هذه الجزيئات نفسها هي من تتسبب في تعريض النساء بعد سن انقطاع الدورة الشهرية إلى الإصابة بأمراض السكري، وإذا علمنا أن مرضى السكري هم الأكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، فإننا نستخلص أن هذا الدواء لم يقم هنا سوى في التسبب تماماً فيما كان من المفترض أن يحمي مستهلكه منه.
من ناحية أخرى، نجد أن هذا الانحياز الطبي للرجال قد يتسبب في مشكلة تشخيص حقيقية عند النساء، فمثلاً، نجد أن أغلب الأشخاص يتصورون أن أعراض النوبة القلبية تتمثل في الإحساس بألم شديد في الصدر والذراع اليسرى، وهذا صحيح، إلا أنه صحيح عند الرجال. بينما تتمثل أعراض النوبة القلبية عند النساء في أعراض أخرى تتمثل في الغثيان والتعب وثقل في التنفس بالإضافة إلى آلام في الظهر والبطن والإحساس بضغط شديد على الصدر، والتعرض للتعرق دون سبب معقول، وبما أن هذه المعلومات غير منتشرة بالشكل الكافي فإن النساء يقمن في الغالب بتجاهل هذه الأعراض ظناً منهن أنها غير جدية.
لتكون النتيجة هي تحول أمراض القلب لأول قاتل للنساء في العالم باعتباره المسبب لثلث الوفيات في صفوف النساء حول العالم.
المصدر: هافينغتون بوست