يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا.
نحن نؤمن إيمانًا مطلقًا بما قرّره القرآن بشأن المسيح عيسى بن مريم(ع)، من أنه نبي الله ورسوله الى الناس﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [سورة النساء، الآية: 171]، بل هو من أولي العزم الذين أرسلهم الله الى البشرية جمعاء والإيمان به وبنبوته جزءٌ لا يتجزّأ من العقيدة الإسلامية، وتقديسه واحترامه واجب إسلامي وقراني تمامًا كما نؤمن ونقدّس سائر الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾[سورة البقرة، الآية: 285]. بل إن للسيّد المسيح وأمّه العذراء مريم بنت عمران قدسية خاصة حيث جعل القران سورة خاصة باسمها وهناك العديد من الآيات التي تحدثت عنها وعن إبنها وسيرتهما وأخلاقهما ومواقفهما.
ولذلك فإنّ ديننا في الوقت الذي لا يمنع من التفاعل مع أتباع الديانات الأخرى ومع المسيحيين تحديدا في مناسباتهم الدينية والاجتماعية، التي أصبحت جزءا من هويتهم
وعاداتهم فإنه يريد منا ان لا ننساق مع عاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم التي لا تنسجم مع قيمنا وعاداتنا وأخلاقنا وسلوكنا، وأن نحافظ على هويتنا وشخصيتنا الخاصة، الاسلام في الوقت الذي لا يمنع من إظهار الفرح والسرور بمولد نبي الله عيسى(ع) ولا يدعو الى القطيعة مع ما يقوم به المسيحيون في هذه المناسبة من مظاهر للفرح.. الا انه يمنع المؤمنين من الذوبان في مثل هذه العادات ويدعو المسلمين الى الحفاظ على آدابهم وأخلاقهم وهويتهم لا أن يقلدوا الآخرين في كل شيء أو أن يكونوا تبعا للآخرين في كل ما يفعلونه أو يكونوا مسحوقين أمام عادات الآخرين وتقاليدهم وبلا شخصية أمامهم كما يفعل البعض في هذه الأيام بمناسبة الميلاد وأعياد رأس السنة.
الآية التي تلوتها تحذر أهل الكتاب والمقصود بهم هنا المسيحيين من المغالاة والتطرف في دينهم، وتدعوهم الى أن لا يقولوا على الله الا الحق، حيث إن المسحيين يعتقدون بالتثليث وبأن المسيح عيسى بن مريم إبن الله، تقول الآية: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إِلاّ الحق…).
ثم تشير الآية الكريمة إِلى عدّة نقاط:
أولا أن الآية حصرت بنوة السيد المسيح(عليه السلام) بمريم(عليها السلام) (إنّما المسيح عيسى بن مريم)، وإِشارة البنوة – هذه الواردة في ستة عشر مكاناً من القرآن الكريم – إِنّما تؤكّد أنّ المسيح(عليه السلام) هو إنسان كسائر الناس، خلق من بطن اُمّه، كما يولد أبناء البشر من بطون اُمهاتهم ومرّ بفترة الرضاعة وتربى في حجر اُمّه، ممّا يثبت بأنّه امتلك كل الصفات البشرية فكيف يمكن – وحالة المسيح(عليه السلام) هذه – أن يكون إِلهاً..
وأداة الحصر”إنّما” الواردة في الآية تحصر بنوة المسيح(عليه السلام)بمريم(عليها السلام) وتؤكّد على أنّه وإِنّ لم يكن له أب، فليس معنى ذلك أن أباه هو الله، بل هو فقط ابن مريم(عليها السلام).
ثانيا: تؤكّد الآية الكريمة أنّ المسيح(عليه السلام) هو رسول الله ومبعوث إِلى البشرية لهداية الناس الى الله. ومعظم كلمات المسيح(عليه السلام) الواردة في الأناجيل المتداولة تؤكّد نبوته وبعثته لهداية الناس، وليس فيها دلالة على ادعائه الألوهية والربوبية.
ثالثا: تبيّن الآية أن عيسى المسيح(عليه السلام) هو كلمة الله التي ألقاها إِلى مريم(عليها السلام)حيث تقول: (وكلمته ألقاها إِلى مريم).والمقصود أن عيسى خلق من غير أب وخارج الأسباب الطبيعية بكلمة من الله هي: “كن فيكون” تماما كما
خلق آدم {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59].
فوصف عيسى بالكلمة، لأن وجوده انطلق من كلمة الإيجاد المتمثلة في قوله تعالى: {كُن} من دون توسط الأسباب الطبيعية وخلافاً للناس الآخرين.
رابعا: تشير الآية إِلى أنّ عيسى المسيح(عليه السلام) هو روح مخلوقة من قبل الله، حيث تقول (وروح منه) ومعنى أنه روح من الله يعني : أن الله تعالى نفخ في عيسى الروح وهي نسمة الحياة كما قال الله تعالى عن خلق آدم: ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين) (الحجر : 29) . وفي قصة مريم وعيسى يقول تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:91].
فالله تعالى نفخ في عيسى نسمة الحياة كما نفخ بآدم نسمة الحياة، ولأن عيسى كلمة وروح من الله نفخها في أُمه وخلق خارج الأسباب الطبيعية فهو مظهر قدرة الله وسر إبداعه وخلقه.
وعلى الرغم من أنّ البعض فسّر الآية بأنّ المسيح(عليه السلام) هو جزء من الله سبحانه وتعالى واعتبرها دليل على انه ابن الله وبعض من الله، مستنداً إِلى عبارة “منه” الا ان الواضح أن كلمة “من” ليست للتبعيض، بل تدل على مصدر ومنشأ وأصل وجود الشيء.
وقد قيل: أنّه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني، دخل يوماً في نقاش مع “علي بن الحسين الواقدي وهو أحد المسلمين المفكرين انذاك، فقال له هذا الطبيب: “توجد في كتابكم السماوي آية تبيّن أنّ المسيح (عليه السلام) هو جزء من الله… ” وتلا هذا النصراني هذه الآية (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ) فرد عليه “الواقدي” مباشرة تالياً هذه الآية: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه…) وقال له: لو كانت كلمة “من” تفيد التبعيض لإقتضى ذلك أن تكون جميع موجودات السماء والأرض جزءاً من الله، ولا احد يقول بذلك، فلما سمع الطبيب النصراني كلام الواقدي أسلم حالا واقتنع بأنه كان على خطأ.
ثم تؤكّد الآية على ضرورة الإِيمان بالله الواحد الأحد وبأنبيائه، ونبذ عقيدة التثليث، مبشرة المؤمنين بأنّهم إِن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيراً لهم حيث قالت الآية: (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم… إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا. ).
إن القران دائما يدعو الى التوحيد باعتباره المبدأ الذي ينبغي ان يكون العنصر المشترك بين البشر واتباع الديانات كلها (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
اليوم ما تمارسه بعض الدول المستكبرة يراد من خلاله ضرب الأديان والمقدسات الدينية
القرار الامريكي المتعلق بالقدس هو انتهاك للاديان وانتهاك للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.
اليوم الولايات المتحدة بقرارها الأحمق وإصرارها عليه باتت معزولة عن العالم، حيث يقف العالم بمعظمه ضد قرارها، وهناك اجماع في مجلس الأمن على رفض القرار حيث صوت على الرفض 14 دولة ووحدها اميركا تمسكت واستخدمت حق الفيتو.
وتعبيرا عن حجم الغضب والاستياء قالت مندوبة واشنطن هايلي عن ما جرى في مجلس الأمن: انها اهانة وصفعة لن ننسى هذا الأمر أبدا.
والصفعة الثانية هي ما جرى بالأمس في الجمعية العامة للامم المتحدة، فهناك شبه اجماع دولي على رفض القرار ايضا، حيث إن 128 دولة رفضت القرار الامريكي بينما قبلت به 9 دول فقط بالرغم من التهديد بقطع المساعدات وفرض العقوبات على الدول التي تصوت ضد القرار .
هايلي كانت قد هددت وقالت بانها ستسجل اسماء الدول الرافضة .
وترامب نفسه قال عن الدول التي تصوت ضده: انهم ياخذون مئات الملايين وربما مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا، حسنا سنراقب هذا التصويت، دعوهم يصوتون ضدنا سوف نوفر كثيرا ولا نعبأ بذلك.
ما جرى هو انتكاسة وخيبة أمل ليس لأميركا وحدها بل لإسرائيل أيضا التي يجب أن تشعر بالعزلة وأن تحاسب على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وبحق الاطفال والنساء والمقعدين..
يجب ان يعرف العالم حقيقة الولايات المتحدة وانها دولة ترعى الارهاب وتقف في وجه الارادة الدولية وتريد ان تفرض قراراتها على العالم بالتهديد والوعيد.
اليوم اميركا تقف وحيدة على المستوى الدولي نتيجة عطرستها وعنجهيتها وعنادها زاستكبارها وتحديها للقوانيين الدولية .
اليوم العالم الذي رفض اعلان الرئيس الاميركي حول القدس، يجب أن يترجم رفضه بدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال الصهيوني، وأن يسانده لتحريرالقدس وفلسطين من الاحتلال، وعلى الشعوب والدول وفي مقدمتها الشعوب العربية والاسلامية أن تتحمل مسؤوليتها وتقف بقوة وجدية الى جانب
الشعب الفلسطيني ، لأنه في الوقت الذي ظهرت فيه مواقف متقدمة لبعض الدول ضد القرار الامريكي، وفي الوقت الذي تحركت فيه المظاهرات والإحتجاجات على نطاق واسع في بعض العواصم الاسلامية، بقي الموقف العربي دون المستوى المطلوب ودون المستوى الذي يتطلبه الحدث وحجم التحدي ، واذا استثنينا لبنان والعراق وبعض الدول العربية الأخرى فان الموقف العربي وخصوصا الرسمي بدا ضعيفا وخجولا وظهر ان هناك دولا إن لم تكن متواطئة فهي راضية بقرار ترامب وغير مبالية لما يجري في القدس وفلسطين .
ودعى: الشعوب العربية والإسلامية الى تصعيد تحركها دعما للشعب الفلسطيني في انتفاضته بوجه الصهاينة، فلا يجوز أن يشعر الشعب الفلسطيني أنه وحده في معركة الدفاع عن القدس، بل على الأمة كلها أن تكون الى جانبه في هذه المعركة وأن تقدم له كل أشكال الدعم.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع قناة المنار