شهد العام 2017 سلسلة طويلة من الأحداث على الساحة اللبنانية في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها من الملفات، وسجلت الكثير من الأحداث التي ساهمت أحيانا بإراحة البلد وأحيانا اخرى ساهمت بتأزيم الاوضاع العامة مع بقاء الثابتة الاكيدة وهي الحفاظ على الاستقرار السياسي والامني، حيث أجمعت على هذا الأمر مختلف القوى السياسية اللبنانية بدعم دولي واضح، وقد حقق لبنان خلال العام الجاري العديد من الانجازات على مختلف الملفات السياسية والامنية والعسكرية والحياتية والتي لم تخل من التوترات بين الحين والاخر. واخرها التوتر القائم بين عين التينة وبعبدا على خلفية مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة 1994 (دورة عون).
ويمكن تلخيص ابرزها بتحرير الجرود من الارهاب وكشف مصير العسكريين المخطوفين لدى داعش منذ العام 2014 اضافة الى قرارات حكومية وقضائية وقوانين تشريعية.
فبزخم عهد الرئيس ميشال عون بدأ عام 2017 مع انطلاق عمل الحكومة برئاسة سعد الحريري والتي ضمت مختلف الافرقاء السياسيين ما عدا حزب الكتائب. وقامت الحكومة بالعديد من الانجازات وزللت العديد من العقبات ابزها ملف قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب ومراسيم النفط والتعيينات وغيرها.
وفيما كان اللبنانيون يهنأون بالاستقرار على وقع الوعود الحكومية بحلحلة القضايا العالقة والتي تعني المواطن جاء ما هو ليس في الحسبان ، تصعيد سعودي غير مسبوق ضد لبنان تمثل باستدعاء رئيس الحكومة سعد الحريري الى الرياض واجباره على تقديم الاستقالة واحتجازه ما استدعى استنفارا محليا ودوليا في أزمة لم تشهد مثيلا لها العلاقات الدولية من قبل.
توتر العلاقات بين الرياض وبيروت
بسهولة يمكن القول ان عام 2017 هو عام توتر العلاقات بين السعودية ولبنان، اذ كما تقدم فان ابرز الأحداث السياسية التي مر بها لبنان خلال العام 2017 كانت إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته بشكل مفاجئ من العاصمة السعودية الرياض ومن ثم العودة عنها بعد إبراز اللبنانيين لوحدتهم الوطنية وتضامنهم.
ففي 4 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن الرئيس الحريري استقالته من رئاسة الحكومة بدون سابق إنذار وبدون أي تحضير مسبق، وذلك في خطاب متلفز من الرياض بثته وسائل إعلام سعودية ما تبين لاحقا انه تم الاعداد له من دون علم ورغبة الحريري، وقد عبر الاخير في كلمته عن خشيته من التعرض للاغتيال ووجه انتقادات للسياسات الايرانية في المنطقة.
وتلا ذلك سلسلة من الخطوات الاستفزازية بحق لبنان من قبل بعض الشخصيات السعودية التي عملت على توتير الأجواء على الساحة اللبنانية، لكنها باءت بالفشل نتيجة الموقف اللبناني الصلب والموحد الرافض للمساس بالسيادة الوطنية والاستقرار الداخلي.
وبعد أخذ ورد وتدخلات أجنبية وبالتحديد فرنسية وبعد سلسلة من المواقف الوطنية اللبنانية الرسمية لا سيما من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري ومختلف القوى السياسية على رأسها كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خرج الحريري من السعودية متوجها الى فرنسا قبل ان يعود الى لبنان للمشاركة في احتفال عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني/نوفمبر.
وفي عيد الاستقلال تحدث الحريري من قصر بعبدا بعد اجتماعه بالرئيسين عون وبري، وأعلن تريثه بالاستمرار في الاستقالة بناء لطلب من رئيس الجمهورية.
وفي 5 كانون الاول/ديسمبر، قرر الرئيس الحريري العودة عن الاستقالة حيث شارك في جلسة لمجلس الوزراء عقدت في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون، وتلا الحريري بعد الجلسة بيانا أكد فيه اعتماد الحكومة لسياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، وبذلك يكون لبنان قد طوى صفحة استقالة رئيس حكومته ما يفسر انه خسارة وضربة موجعة للسياسة السعودية في لبنان.
هذه الازمة خلقت فتورا في العلاقة مع الرياض من قبل حلفائها بالدرجة الاولى اذ خرج العديد من المحسوبين على السعودية منددين بهذا التصرف.
بعد التضامن والتنسيق الذي خلقته ازمة استقالة الحريري بين الرئاستين الاولى والثانية لكن العام 2017 لم ينقض ايضا الا بازمة حادة بينهما تمثل في مرسوم ترفيع الضباط الذي وقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من دون التنسيق مع الرئيس بري الامر الذي اشعل من جديد جبهة عين التينة القصر الجمهوري ولعل الاعياد المجيدة تنجح في تبريد القضية وايجاد حل لها.
حكومة وتشريع
على مستوى الحكومي ففي 8 آذار/مارس، اقر مجلس الوزراء تعيينات العسكرية والامنية و منها تعيين العميد الركن جوزيف عون قائدا جديدا للجيش . كما تم اقرار التشكيلات القضائية والتعيينات الادارية والدبلوماسية.
وبالإضافة الى التطورات السياسية المختلفة، تمت في لبنان العديد من الخطوات مما يمكن تسميته “إنجازات” على الصعيد التشريعي ذات البعد والخلفيات السياسية، حيث تم إقرار سلسلة كبيرة من القوانين والمراسيم في مقدمتها قانون الانتخاب الذي اعتمد لأول مرة في تاريخ لبنان النظام النسبي، ناهيك عن إقرار قانون موازنة العام 2017 بعد غياب لاكثر من 12 عاما واقرار سلسة الرتب والرواتب ومراسيم النفط والتنقيب عنها.
-في 16 حزيران/يونيو، أقر مجلس النواب في جلسة عامة له عقدها برئاسة الرئيس نبيه بري قانون الانتخاب الجديد معتمدا النظام النسبي.
وبالمناسبة قال الرئيس بري “لنكن واقعيين لولا إقرار قانون الإنتخاب كنا سنصل إلى أزمة مصير”، وأضاف ان “القانون الذي أقر هو أفضل الممكن”.
-في 18 تموز/يوليو، أقر مجلس النواب سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام بكل بنودها.
-في 19 تشرين الاول/اكتوبر، أقر مجلس النواب موازنة العام 2017،
وفي ملف النفط، حقق لبنان ايضا تقدما ملحوظا في هذا المجال حيث وصفه البعض انه بات في مصاف “الدول النفطية”، ففي 4 كانون الثاني/يناير، أقر مجلس الوزراء مراسيم النفط.
-في 14 كانون الاول/ديسمبر، وافقت الحكومة اللبنانية على منح تراخيص لاستكشاف النفط والغاز قبالة سواحل لبنان لثلاث شركات هي “نوفاتيك” الروسية و”ايني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية.
اضافة الى ذلك فقد تم تشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي فضلا عن قرارات بما خص خطة الكهرباء واخرى تتعلق الاتصالات والانترنت واقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص.
في مقابل الانجازات لم تنجح الحكومة في ايجاد حلول لمعاناة المواطن في امور اساسية بما خص البنى التحتية والطرق والسير والخدمات والماء والكهرباء والرقابة على الاسعار والاقساط والبطالة واسعار العقارات وغير ذلك. فيما الاخفاق الابرز كان في معالجة ملف النازحين الذي قارب المليون ونصف الى مليوني نازح على الاراضي اللبنانية.
القضاء على الارهاب في الجرود وفك لغز العسكريين
بعد طول صبر وانتظار على المخاطر المحدقة بلبنان جراء احتلال الجماعات الارهابية للجرود في منطقة عرسال ورأس بعلبك والفاكهة والقاع في السلسلة الشرقية للبنان، وبعد قيام أجهزة الامن اللبنانية بجهود جبارة لمنع وصول الانتحاريين والسيارات المفخخة من الجرود المحتلة الى الداخل اللبناني، اتخذ القرار اللبناني بتطهير كافة الجرود من احتلال الارهابيين.
-في 21 تموز/يوليو، أطلقت المقاومة عملية تحرير جرود بلدة عرسال من “جبهة النصرة” حيث شهدت أولى مراحلها مواجهات عنيفة حققت فيها المقاومة تقدما كبيرا وسيطرت على عدد من المواقع المهمة، وكسرت خط الدفاع الاول لمسلحي “جبهة النصرة” الارهابية، بالتزامن اتخذ الجيش اللبناني إجراءات هدفها صد أي محاولة للتسلل في اتجاه مواقع له على تخوم عرسال ولمنع تسرب مسلحين إلى البلدة وحماية أهلها والنازحين إليها.
-في 3 آب/اغسطس، أصدرت غرفة عمليات المقاومة الاسلامية بيانا اعلنت فيه عن انتهاء عملية تنظيف جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطا في القلمون الغربي(في سوريا) من عناصر “جبهة النصرة” .
-فجر 19 اب اعلنت المقاومة الاسلامية انطلاق معركة “وان عدتم عدنا” ضد تنظيم داعش في القلمون السوري وبدأت العمليات المشتركة مع الجيش السوري باتجاه الحدود اللبنانية. وبالتزامن اعلن الجيش اللبناني انطلاق عملية “فجر الجرود” لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع من ارهابيي “داعش”.
-في 28 آب/اغسطس، أعلن المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم عن “إستخراج 6 جثث يعتقد أنها تعود للعسكريين المخطوفين”، ولفت الى انه “من المتوقع أن يرتفع العدد الى 8″، وبعد اجراء فحوصات الحمض النووي تم التاكد من انهم جثث العسكريين المخطوفين”.
وبذلك أغلق ملف مأساة انسانية وطنية أرّقت الاهالي وكل لبنان نتيجة احتجاز العسكريين لدى “داعش” وانقطاع اخبارهم منذ حصول الاعتداءات على بلدة عرسال في شهر آب/اغسطس 2014.
-في 30 آب/اغسطس، الجيش اللبناني يعلن انتهاء معركة “فجر الجرود” ضد “داعش” في الجرود اللبنانية على الحدود مع سوريا.
-يوم 31 آب/اغسطس/ أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله “عيد التحرير الثاني” المتمثل بتحرير لبنان من احتلال الارهاب التكفيري، وأكد السيد نصر الله في كلمة له بالمناسبة ان “ما جرى اليوم هو استكمال للمعركة مع الاسرائيلي ونحن امام التحرير الثاني وتاريخه هو 28 آب/اغسطس 2017”.
وبالاضافة الى الانجازات العسكرية في تحرير الجرود، واصلت القوات الامنية في ملاحقات الخلايا الارهابية على مدار العام وفي مختلف المناطق اللبنانية وكان ابرزها:
-في 3 كانون الثاني/يناير، أحالت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني على القضاء المختص خلية إرهابية جرى توقيفها في مدينة طرابلس، مؤلفة من أحد عشر شخصاً ومرتبطة بالقيادي الإرهابي شادي المولوي.
-في 8 كانون الثاني/يناير، ألقى الجيش اللبناني القبض على أحد عناصر تنظيم “داعش” المدعو جهاد نوح والملقب “أبو البراء”، في وادي عطا في عرسال.
-في 14 كانون الثاني/يناير المقبل، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان أن “مديرية المخابرات أحالت على القضاء المختص الفلسطيني ماهر أسامة العقلة لانتمائه إلى تنظيم داعش الإرهابي، والتخطيط للاعتداء على مراكز الجيش اللبناني واستهداف إحدى السفارات الأجنبية بعملية انتحارية”.
-في 21 كانون الثاني/يناير، أحبطت مخابرات الجيش عملية انتحارية في منطقة الحمرا بعد القبض على ارهابي كان يضع حزاما ناسفا تحت سترته ويهم بتفجير نفسه داخل مقهى “الكوستا”.
-في 20 كانون الاول/ديسمبر، ألقت الاجهزة الامنية القبض على الارهابي على عبد الباسط امون أحد أهم المشاركين في تفخيخ ونقل السيارة التي انفجرت بتاريخ 2-1-2014 في الضاحية الجنوبية لبيروت.
واختتم العام بانجاز امني اخر تمثل في القاء جهاز امن الدولة فرع الهرمل القبض على السوري أحمد الرحيل، من بلدة الطبقة بالرقة، وهو دخل الى لبنان خلسة آتيا من الرقة ومقيم بالبقاع، وقد ألقي القبض عليه فجرا وهو آت إلى الهرمل، وبالتحقيق معه إعترف بأنه المسؤول الشرعي لتنظيم داعش، ولا يزال رهن التحقيق.
وعلى المستوى القضائي شهد عام 2017 العديد من الاحكام القضائية بحق ارهابيين كان ابرزها الحكم بالاعدام على الارهابي احمد الاسير نتيجة احداث عبرا. فيما شهد هذا العام ايضا حكم بالاعدام على حبيب الشرتوني بقضية اغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل عام 1982 على خلفية تعامل الاخير مع العدو الاسرائيلي وانتخابه رئيسا تحت الحراب الصهيونية.
للقدس نصيبها
خلال العام 2017 أكد لبنان انحيازه للقضية الفلسطينية عبر المواقف الرسمية والتحركات الشعبية التي سجلت للتضامن مع مدينة القدس المحتلة ورفضا للقرار الاميركي باعتبارها عاصمة لكيان الاحتلال الاسرائيلي.
ففي 11 كانون الاول/ديسمبر، نظم حزب الله مسيرة شعبية حاشدة في الضاحية الجنوبية لبيروت دعما للقدس وتنديدا بقرار الرئيس الاميركي بحق المدينة المقدسة، بمشاركة ممثلين عن مختلف القوى والاحزاب والفصائل الوطنية والاسلامية اللبنانية والفلسطينية.
الخروقات الاسرائيلية
استمرت خلال العام 2017 الخروقات الاسرائيلية برا، جوا وبحرا للسيادة اللبنانية دون اي مراعاة للقوانين والقرارات الدولية لا سيما القرار رقم 1701،. ومؤخرا سجلت جملة خروق اسرائيلة للسيادة، في الجو وفي البر ، بمعدل ثلاثة خروقات في اليوم الواحد وهو مرشح للارتفاع في مؤشر الى ضرب العدو بعرض الحائط القرار 1701 .
وعلى رغم من انتشار أكثر من 10500 جندي وضابط دولي في الجنوب، فإن الخروقات الاسرائيلية لم تتوقف نهائيا فيما اليونيفل تراقب الخروقات وترفع التقارير الى مقر قيادتها في الناقورة.
واخذت الخروقات أشكالا مختلفة فالطيران الحربي لم يغادر الاجواء اللبنانية ويشن غارات وهمية ليلا ونهارا مخترقا جدار الصوت كما أن الزوارق الحربية الاسرائيلية تلازم عرض البحر قبالة الناقورة. كما حصلت عدة خروقات برية تمثلت باجتياز جنود العدو خط الانسحاب في اكثر من منطقة حدودية فضلا عن اطلاق قنابل دخانية نحو اراض لبنانية زراعية وعمليات جرف مقابل بلدة بليدا، ورفعت سواتر ترابية في الغجر والعباسية . وكذلك واصلت الحفارات وجرافات البوكلن الاسرائيلية عمليات الحفر والتمديدات الكهربائية على الجدار الذي أنهت بناء بنيته التحتية، مقابل بلدة العديسة الحدودية منذ شهر تقريبا، والذي اعترض عليه لبنان عبر مندوبه في اللقاء الثلاثي، مشددا على أنه يقتطع أراضي متحفظ عليها لبنان.
المصدر: موقع المنار