قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
هناك مقدسات دينية وإسلامية لا يختلف المسلمون على قدسيتها ومكانتها وأهميتها الإنسانية والدينية والتاريخية، وهي قد تكون بقاعاً وأماكن ومقامات وآثار وكتب سماوية، وقد تكون أناسا واشخاصاً مقدسين.
ومعنى مقدس: الشيء الذي يقدّسه الله يعني ينسبه إليه بنسبة ما، ويعطيه صفة من صفاته، ويباركه ويجعله نافعا لخلقه.
هناك اشخاص مقدسون: كالانبياء والأوصياء والأئمة المعصومين(ع) وبعض العلماء.
هناك كتب مقدسة كالقران والتوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب السماوية.
هناك بقاع مقدسة واماكن مقدسة مثل: الكعبة المشرّفة الذي قال الله عنها: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا…﴾ ومثل المسجد الحرام والمسجد النبوي في المدينة ومقامات الأنبياء والائمة (ع) والمسجد الأقصى ومسجد الكوفة وكل المساجد التي بنيت لله ويعبد الله فيها لأن المساجد بيوت الله ومحل البركة.
ومن الاماكن المقدسة بيت المقدس في القدس في فلسطين، وبيت المقدس هو البقعة المباركة التي تبلغ مساحتها حوالى 145 ألف متر مربع في وسط مدينة القدس، وفيها قبور الأنبياء ومحاريبهم، وفيها باب حطة، وفيها المسجد ذو القبة الخضراء المعروف بالمسجد الاقصى الذي أسسه عمر بن الخطاب حين زار القدس بمشورة من علي بن أبي طالب (عليه السلام).. وفيها أيضا مسجد الصخرة، وهو المسجد الدائري المشهورالذي عليه القبة الصفراء، وقد بناه عبد الملك بن مروان في العهد الأموي..
وبيت المقدس هو قبلة المسلمين الاولى، فقد صلّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ثلاثةَ عَشَر سنة في مكة نحو بيت المقدس، وبعد الهجرة الى المدينة أمر الله بتحويل القبلة الى الكعبة المشرفة كما قال تعالى:﴿قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السماء فَلَنُوَلينَّكَ قِبلَةً تَرضاها﴾.
وبيت المقدس أيضاً هو المكان الذي أُسري بالنبي (ص) اليه، فعن الإمام الصادق(ع) أنه قال: لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها.
ولذلك بيت المقدس هو مكان مقدس عند جميع المسلمين بكل مذاهبهم وعند غيرهم أيضا، بمعزل عن ان المقصود بالمسجد الاقصى هل هو مسجد القبة الخضراء الموجود في القدس أو أنه البيت المعمور الموجود في السماء، فإن هذا الخلاف لا ينافي قدسية هذا المكان الذي يسمى بيت المقدس فإنه بقعة مقدسة والصلاة فيها تعدل ألف صلاة. كما ورد في الرويات .
فعن علي عليه السلام قال: الصلاة في بيت المقدس ألف صلاة.
وعن الباقر(عليه السلام) المساجد الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة، الفريضة فيها تعدل حجة، والنافلة تعدل عمرة.
وفي كلمات مراجعنا الكبار ما يدل على هذه القدسية:
فالمرجع آية الله السيد علي السيستاني(دام ظله) يقول في كتابه “منهاج الصّالحين”: «تستحب الصلاة في المساجد، وأفضل المساجد، المساجد الأربعة وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسجد الأقصى، ومسجد الكوفة. في كتاب “تحرير الوسيلة” يذكر الإمام الخميني(قده) أن المسجد الأقصى من ضمن المساجد التي يستحب الصلاة فيه.
وحضور القدس والمسجد الأقصى وبيت المقدس وكل فلسطين في فكر ووجدان الامام الخميني(قده) من الأمور الواضحة جدا ، فهو الذي أعلن الجمعة الأخيرة في شهر رمضان من كل عام، يوما عالميا للقدس العالمي، وهو الذي أفتى بدفع الخمس والزكاة للمقاومة الفلسطينية وهو الذي أطلق مئات التصريحات وأكد على أهمية القدس وضرورة تحريرها من احتلال الصهاينة، وهو مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران التي تبنت ودعمت وضحت ولا تزال من أجل قضية القدس وفلسطين. إذن قدسية بيت المقدس وكل هذه البقعة المباركة التي تضم هذه المساجد والمحاريب وقبور الأنبياء هي من الأمور المسلمة والواضحة لدى الجميع
وواجبنا اتّجاه هذه المقدّسات تفترض احترامها والحفاظ عليها وعدم تعريضها للتدنيس والإهانة والاعتداء والإيذاء, والدفاع عنها بكل الوسائل بالفكر والقلم والكتابة, والفنّ والإعلام والسياسة والجهاد والمقاومة، حيث يقول تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ ففي هذه الآية بيّن الله أصل مشروعيّة المقاومة والجهاد ومبرّراته، ثم يبين في الآية الأخرى فلسفة المقاومة والجهاد فيقول تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ فبالجهاد والمقاومة تحفظ بيوت الله والمقدسات والمعابد التي يعبد الله فيها سواء كانت للمسلمين او لليهود او للنصارى ، بل بالجهاد تحفظ نفس العبادة، فاذا تخاذل المسلمون وتخلوا عن مسؤولياتهم في مواجهة المعتدين والمحتلين فإنّ هؤلاء سيتمادون في اعتداءاتهم وفي طغيانهم لينالوا من المقدّسات.
اذن الدفاع عن المقدسات في القدس وفلسطين هو واجب يقع على الجميع، وعلى الجميع أن ينهض للدفاع عن القدس.
إسرائيل التي قامت على انقاض فلسطين واحتلت القدس ودنست المقدسات ليست نتاج مشروع صهيوني فقط، وإنما هي نتاج إرادة دولية ، زُرعت في قلب منطقتنا، وكانت وما زالت تحظى بدعم دولي، وبالخصوص بدعم من أميركا والغرب لا نظير له وعلى كل صعيد.
الصراع في فلسطين ليست كما يبدو في الظاهر صراع اسرائيلي فلسطيني ، حقيقة المعركة ليست كذلك، حقيقة المعركة القائمة على أرض فلسطين: هي أن إسرائيل هي الخط الأمامي لقوى الاستكبار والاحتلال والاستعمار القديم والحديث في العالم، هي ممثل هذا المشروع الاستكباري الاستعماري الذي يستهدف المنطقة والأمة كلها، وهي القاعدة العسكرية المتقدمة في الخط الأمامي في هذه المواجهة. وإن الشعب الفلسطيني في هذه المواجهة يقاتل ويقاوم ويناضل ويجاهد ويدافع بالنيابة عن الأمة, وكممثل عنها في الدفاع عن مقدساتها وكرامتها وثقافتها وحضارتها وخيراتها ومستقبلها.
البعض في عالمنا العربي والإسلامي يقارب الصراع الدائر على فلسطين والقدس بشكل خاطىء فيعتبر أن المشكلة هي فلسطينية إسرائيلية، وأنه ليس مطلوبا أن تقاتل الأمة نيابةً عن الفلسطينيين! أو أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، أو ملكيين أكثر من الملك! .
الأمة عندما تقف إلى جانب الفلسطينيين لا تقاتل بالنيابة عن الفلسطينيين. وإنما تقاتل بالنيابة عن نفسها، وهي تدافع عن مقدساتها، وهي تقوم بواجبها تجاه مقدساتها، فبيت المقدس والمسجد الأقصى هو مقدّس إسلامي وليس فلسطينيا فقط؟ والمقدسات المسيحية هي مقدس مسيحي وليس فلسطينيا فقط؟ وبالتالي فإن من واجب كل الأمة أن تكون جزءا من معركة القدس وفلسطين .
اليوم العدو الإسرائيلي يحظى بكل أشكال الدعم المادي، الاقتصادي، والتسليحي، والتكنولوجي والسياسي، والإعلامي، وأميركا والغرب يقدّمون لها الدعم ولا يقصرون مع من يمثلهم في هذه المعركة لأنها تدافع عن مصالحهم في المنطقة، فلماذا تقصر الأمة في معركة الدفاع عن مقدساتها ومع من يمثلها في هذه المواجهة وهو الشعب الفلسطيني؟.
يجب أن تقتنع الشعوب والاحزاب والقوى والحكومات في العالمين العربي والإسلامي بأنها مسؤولة امام الله والتاريخ تجاه القدس وبيت المقدس والمسجد الأقصى، وأن هذه المسؤولية هي مسؤولية الجميع وليس مسؤولية الشعب الفلسطيني فقط.!?
يجب أن يقتنع الجميع بأن إسرائيل تمثل خطراً على الأمة كلها، على الحكومات وعلى الشعوب، وهي تشكل تهديدا للفلسطينيين وللبنانيين، وهي تهديد وخطر على القدس وفلسطين ولبنان وسوريا والأردن و مصر ودول الخليج وبقية الدول العربية.
اليوم، للأسف الشديد هناك قناعة معاكسة موجودة، ليس فقط عند الكثير من الحكومات، بل عند الكثير من الشعوب والقيادات و النخب بان اسرائيل لم تعد تشكل خطراعلى هذه الدول والشعوب .
في لبنان مثلاً هناك جزء من اللبنانيين مقتنع أن إسرائيل لم تعد تشكل خطراً على لبنان ولا تهديداً للبنان، وأن المقاومة في لبنان تأخذ هذا الموضوع ذريعة فقط للاحتفاظ بسلاحها، هذه واحدة من المصائب الموجودة عندنا.
الذين لا يميزون بين العدو والصديق، وينساقون خلف ما تختاره لهم الدول المستكبرة من أعداء وأصدقاء، كما في موضوع إيران وإسرائيل عليهم أن لا يشتبهوا ويصوبوا على إيران بدل التصويب على أميركا واسرائيل معتبرا: أن حديث مندوبة الولايات المتحدة الأمريكي بالأمس عن الصاروخ الذي اطلق على الرياض هو لحرف الأنظار عن القدس وعن الغضب العالمي على القرار الأمريكي بحق القدس والتصويب على ايران بدلا من التصويب على قرار ترامب، وللتغطية على ما يقوم به العدوان السعودي الامريكي بحق الشعب اليمني المظلوم وما يرتكبه من مجازر وتدمير بأسلحة أمريكية في هذا البلد.
الأمة بكل قواها الحية مدعوة الى إعادة الأولوية للقدس وفلسطين، والى اعتماد استراتيجية المقاومة في مواجهة الصهاينة لأنها الخيار الذي يمكنه استعادة القدس وكل الأراضي العربية المحتلة.
المصدر: موقع قناة المنار