يقول الله تعالى عن نبيه الأعظم محمد(ص): (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)
مجددا نبارك لجميع المسلمين أجواء ولادة نبي الرحمة رسول الله محمد بن عبد الله(ص) وولادة حفيده الامام جعفر الصادق(ع).
لقد قلنا في الخطبة الماضية، ان عظمة الأخلاق النبوية لم تقتصر على الجانب الشخصي والاجتماعي من حياة رسول الله(ص)، لأنه كما كانت اخلاقه عظيمة في جانبها الفردي والاجتماعي، فقد كانت أيضاً عظيمة في جانبها السياسي وفي تعاطيه السياسي كقائدٍ وكرجل دولة وصاحب سلطة، وفي السيرة النبوية ملامح كثيرة تتعلق بسلوكهِ القيادي وأخلاقهِ السياسية استعرضنا بعضها في الخطبة الماضية ونستكمل استعراض بعضها باختصار في هذه الخطبة.
في النقطةُ الأولى قلنا إن النبي(ص) كان قمة في العدلُ والتدبير وحسن ادارة الشؤون، وكان مرجعا للناس حتى في الجاهلية يرجعون اليه في حل مشكلاتهم وأزماتهم نظرا لحسن تدبيره وصوابية رأيه وقوة حكمته.والنقطةُ الثانية: هي حمايته للقانون واعتباره القانون فوق الجميع وحرصُه على
تطبيق التشريع وإجراء الحدود الإلهية، وانه لم يكن يحابي في ذلك أحدا او يجامل أحدا.والنقطةُ الثالثة: الالتزامُ بالعهود والمواثيق التي أبرمها مع أعدائه، وتقيده الكامل بها وببنودها.
أما النقطةُ الرابعة: فهي الالتزامُ بمبدأ احترام الآخرين، وهو المبدأ الأخلاقي الذي اتبعه النبي (ص) مع زعماء العالم الذين لم يكونوا على دينه، ففي الرسائل التي بعث بها الرسولُ الأعظمُ (ص) إلى زعماء العالم آنذاك نجد أنه (ص) برُغْم تصلبه وتشدده في ذات الله، قد طبق مبدأ الاحترامِ مع هؤلاء، وذلك عندما خاطب كسرى بعظيم فارس وقيصر بعظيم الروم، وذلك من أجل أن يكشف لهم أن الإسلام هو الدينُ الذي جمع كلَّ المبادىء السامية والقيمِ الإنسانية والأخلاقية.
النقطة الخامسة: بُعْدُ النظر الذي كان يمتلكُهُ النبيُ (ص)، فالدارسُ لسيرة النبي (ص) يرى أن الله تعالى أعطاه من بُعْدِ النظرِ ما لم يعط غيرَه، لقد رأينا بُعدَ نظره يومَ وضعتْ قريشٌ الشروط لصلح الحديبية، فقد رأى بعضُ أصحابه في هذه الشروط إجحافاً بحق المسلمين، ورأى فيها رسولُ الله (ص) بما آتاه اللهُ من بُعدِ النظر النصرَ والعزةَ والرفعةَ للمسلمين، ورأى أن قريشاً بوضعها هذه الشروط إنما تحفر قبرَهَا بيدها وتكتبُ دمارَ أطروحتها بقلمها.
ورأينا بُعدَ نظره (ص) أيضاً في احتوائه وتسامحه مع عبدِ الله بنِ أُبي زعيمِ المنافقين عندما حاول مساعدة بني قينقاع وبني النضير وعندما حاول إثارةَ الفتنة بين المهاجرين والأنصار في غزوة بني المصطلق. إذ لم يقبل عرضاً لقتله كان قد عرضه بعضُ أصحابه عليه ، رفض النبي(ص) قتله وبقي يتألفُهُ ويستوعبُهُ حتى انكشف نفاقُ عبدِ الله بنِ أُبيٍّ لكل الناس، وظهرتْ عدَاوتُهُ للإسلام والمسلمين، فكان قومُهُ بعد ذلك إذا أساءَ أو ارتكب مخالفةً هم الذين يعاتبونَهُ ويعنفونَه، وعندها قال رسول الله (ص) لعمر بنِ الخطاب: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلتُهُ يومَ قلتَ لي أُقتله، لارتعدتْ له أُنُفٌ لو أمرتُهَا اليومَ بقتله لقتلته، فقال عمر: قد والله علمتُ أن أمر رسولِ الله أعظمُ بركةً من أمري.
المصدر: موقع قناة المنار