طلب أحد قراء وكالة Science Presse الكندية من قسم كشف الشائعات ما إذا كانت كبسولات القهوة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. فمنذ ظهور هذا الجيل الجديد من آلات صنع القهوة، اتهمت العديد من المقالات التي نشرت – مادة الفوران التي يقال إنها تكون بكميات كبيرة في هذا النوع من القهوة – بأنها مسرطنة. فهل هناك أي داعي كي يشعر هذا القارئ بالقلق؟ النسخة المغاربية لـ”هاف بوست” تجيب.
يعود أصل هذه الشائعة إلى دراسة إسبانية نشرت عام 2011 والتي تداولتها العديد من وسائل الإعلام مثل إكسبريس وباريس ماتش، بما في ذلك وسائل الإعلام العلمية، والمواقع الصحية. تقول الدراسة إن القهوة المحضرة عن طريق الكبسولات تحتوي على جرعات أكبر من الفوران، وهو مكون كيميائي عضوي، متطاير عديم اللون، يظهر عندما تتعرض الأطعمة لدرجات مرتفعة من الحرارة.
وما إن تم تصنيف الفوران على أنه مادة محتملة مسرطنة، من قبل منظمة الصحة العالمية، سرعان ما أعلن عن وجود علاقة بين كبسولات القهوة والسرطان.
يدعي هؤلاء الباحثين أن هذه القهوة تحتوي على ضعف كمية الفوران (من 43 إلى 146 نانوغرام لكل مليلتر) الموجودة في القهوة المرشحة (من 20 إلى 78 نانوغرام لكل مليلتر).
وأشارت الدراسة الإسبانية كذلك إلى وجود الأكريلاميد، وهو جزيء يتم إنتاجه من قبل بعض الأطعمة عند طهيها على درجات حرارة مرتفعة، مثل البطاطس المقلية، ورقائق البطاطس والبسكويت والحبوب ومنتجات الأطفال والقهوة، وهو ما لا نعرف الكثير عنه. لكن يبدو أن الفوران هو ما يسبب القلق والخوف.
لا ينبغي تجاهل أن الفوران موجود بشكلٍ طبيعي في القهوة. ويقول حسن سابك، الأخصائي الكيميائي في مركز البحث والتطوير الغذائي في سان هياسنت، التابع لوزارة الزراعة والزراعة الغذائية الكندية، “المركبات العطرية مثل الفوران، موجودة بالفعل في مسحوق القهوة، وفي الحبوب بسبب التحميص”، ويضيف قائلاً، “في الواقع، عندما نغير طريقة تحضير القهوة، نغير تكوينها كذلك”.
يحدث تفاعل معقد بين المكونات الكيميائية الألف الموجودة في القهوة، ويقول حسن، “أثناء التحميص، تتفاعل مكونات الحبوب، وتتحول. بعضها يختفي سريعاً في الماء، وهو ما يعطي تلك النكهات. وفي تلك اللحظة، يظهر الفوران”. إن تكوُّن النكهات يختلف باختلاف مصدر ودرجة نضج الحبوب وكذلك طريقة تحضير القهوة. ويقول حسن، إنه كلما ازدادت حرارة الماء، زادت نسبة الذوبان واستخلاص عدد أكبر من النكهات. ويفترض الباحثون الإسبان أن المعدل الأكبر من مادة الفوران في كبسولات القهوة يأتي من نقص التبخر. ومن جهة أخرى، وكما يقولون، يكون الفوران ضاراً عندما تستهلك 20 كوباً من القهوة يومياً.
وجدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 2004 نسباً ضعيفة من الفوران في مجموعة كبيرة من المنتجات الغذائية، مثل الحساء، والأطعمة المحضرة للأطفال، والقهوة. وأشارت المنظمة إلى أنه لا ينبغي على المستهلك اعتبار مستوى الفوران في الأغذية كمؤشر على الخطر، إذ يختلف هذا المستوى حسب الكميات والوحدات وطريقة التحضير.
وقد قاد تقرير إدارة الغذاء والدواء الأميركية إدارة الصحة كندا إلى إجراء مجموعة من التحليلات، واحدة منها، نشرت في عام 2016، تركز على وجه الخصوص على وجود الفوران في القهوة.
وتم التوصل إلى أن مستويات الفوران الموجودة في كبسولات القهوة مماثلة لتلك الموجودة في القهوة المرشحة. وإذا كان قد لاحظ الباحثون في عينات مشتراة تجاريا معدلاً أعلى من الفوران في الإسبريسو مقارنة مع القهوة المرشحة أو منزوعة الكافيين، فإن العينات المعاد تشكيلها في المختبر تظهر انخفاضاً بنسبة 27 إلى 85% في تركيز الفوران. هذا التباين الكبير، وفقاً لهم، يمكن أن يكون بسبب ظروف التخزين.
يمكن للعديد من العوامل الأخرى أن تسبب في تغير نسبة الفوران، مثل نوع الحبوب وفرق الوقت بين تحضير القهوة واستهلاكها. وبما أن الفوران مادة متطايرة، فإنه يبدأ في التبخر مع بداية سكب القهوة، مما يقلل من المستويات التي يتعرض لها المستهلك. ويقول غاري سكوت هولوب، المتحدث الرسمي لإدارة صحة كندا”من غير المتوقع أن يكون لكبسولات القهوة خطراً على الصحة”.
أجريت دراسات على الحيوانات كذلك، واتضح أن الفوران يمكن أن يكون ساماً على الكبد وقد يكون مسرطناً. فعلى سبيل المثال، عند الفئران، تؤدي جرعة 2 مليغرام لكل كيلوغرام في الوزن يومياً إلى تكوُّن الأورام. وهو ما لا يمكن أن نطبقه على الإنسان. إذ لا يكون للفوران تأثير سام على جسم شخص بالغ يزن 75 كيلوغراماً سوى عند تعرضه لكميات تعادل 150 مليغرام، بينما يتحدث الباحثون الإسبان عن النانو غرام.
وفقاً لنورماند فوير، الأخصائي الكيميائي وأستاذ في قسم الكيمياء في جامعة لافال، فإنه لا داعي للقلق، لأن الكميات جد صغيرة، كي تضر بصحة الإنسان. “تحتوي حبوب القهوة على ست ميكرو غرامات من الفوران كحد أقصى، وينبغي إذاً شرب الكثير من القهوة للوصول إلى الجرعة السامة”.
وماذا عن مواد تغليف الكبسولات؟ تذكر صحة كندا بأن جميع المواد المستخدمة في تغليف الأغذية تخضع للمراقبة بموجب لوائح المنتجات الغذائية والأدوية التي تمنع بيع أي منتج غذائي تسمح مواد التغليف الخاصة به بانتقال مادة ضارة بالصحة إليه. لكن من مسؤولية بائع المنتجات الغذائية التأكد من أن المواد الملامسة للأغذية تتوافق مع اللوائح. ولا تقوم صحة كندا بأي تقييمات لمواد تغليف المنتجات الغذائية سوى عند التقدم بطلب لذلك.
لم تقم صحة كندا بأي تحقيق مشابه حول كبسولات القهوة. ويقول غاري “ومع ذلك، إذا تم تحديد قلق صحي محتمل، سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة المشكلة”.
نتناول كوب من قهوة الكبسولات لا يزيد من خطر تطور السرطان بسبب الفوران. يمكن لعملية التحميص وطريقة التحضير أن تغير من معدل تركيز الفوران، لكنه يضل أدنى من عتبة الضرر، وبالتالي أدنى من المعدلات التي يتم بها احتساب زيادة خطر الإصابة بالسرطان.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الممكن التقليل من تركيز هذا المكون من خلال ضبط درجة حرارة الماء، أو فقط من خلال سكب القهوة وتركها لفترة قصيرة قبل تناولها.
المصدر: هافينغتون بوست