وجه الوزير السابق فيصل كرامي كلمة الى اللبنانيين والطرابلسيين لمناسبة الذكرى 29 لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، فقال ” أيها الرشيد، لن نخلف معك موعدا، تلك أمانة عمر الذي انضم اليك في عليائك، تاركا لنا وفينا إرث الروح والوجدان والضمير.والحق هو الأرث الأغلى، تركه الرجل الأغلى ، وفاء للشهيد الأغلى”.
واضاف “حين سقط رشيد كرامي شهيدا في الأول من حزيران عام 1987 اعتقدنا كما اعتقد الجميع حينذاك، أن المستهدف هو رجل الحوار واللاعنف، رجل الثوابت الوطنية والقومية، الرجل الذي لم يضيع البوصلة في الإتجاهين، سواء في اتجاه وحدة لبنان وعروبته واستقلاله، او في اتجاه تحديد العدو الأوحد للبنان وهو الكيان الاسرائيلي مغتصب الأرض والكرامات، نعم لقد اعتقدنا طويلا ان تلك الجريمة البشعة كانت تهدف الى ابعاد رشيد كرامي، لتسهيل تمرير مشاريع التقسيم والتفتيت وضرب الوحدة الوطنية وخطف لبنان الى خارج هويته وثوابته القومية، واعتقدنا ايضا ان من أرادوا الخلاص من رشيد كرامي، كانوا فعليا يتخلصون من نهج عمره أكثر من ثلاثين سنة في النضال والعمل من أجل قيام دولة القانون والعدالة والمؤسسات التي تراعي وتتفهم كل خصوصيات التنوع اللبناني القائم على صيغة العيش المشترك بين كل عائلاته الروحية وبين كل مكوناته السياسية والإجتماعية.
وتابع نقول اليوم ان “رشيد كرامي اغتيل لأجل كل ذلك، ولكن ما خفي كان أعظم اليوم، نكتشف ان رشيد كرامي الأعزل والمسالم والرافض للعنف، اختار فعليا ان يكون على الجبهات الأخطر، وفي الصفوف الأولى، وفي أشرس ثلاث جبهات على الاطلاق جبهة مقاومة اسرائيل، بالكلمة والموقف والوحدة الداخلية، وايضا وخصوصا بالسلاح، مدركا قبلنا جميعا ان هذا العدو لن يفهم غير لغة السلاح والقوة، وجبهة اجتراح كل أشكال الانفتاح وكل التنازلات وكل التضحيات لحفظ وحدة لبنان وانتشاله من ضغائن وأحقاد الحرب الأهلية، وجبهة تحصين المجتمع اللبناني بالعدالة الاجتماعية وليس بالمحاصصة المذهبية، بالدستور وليس باختراع دساتير غب الطلب، بالديمقراطية وليس بتحميل هذه الديمقراطية البدع التوافقية التي أفسدتها وحولتها الى ديمقراطية مخادعة ومزيفة.
ودعا اللبنانيين الى “البصيرة والنظر في كل ما يجري حولنا وفي بلدنا، من اجل ادراك حقيقتين ساطعتين، ان اغتيال رشيد كرامي كان فعليا محاولة اغتيال دولة، وان كل المنفذين لعملية الأغتيال كانوا مجرد أدوات، وأن الأمر بتصفية رشيد كرامي صدر من اسرائيل”.
وتابع ” أيها الأعزاء، بعد اغتيال رشيد كرامي، ادرك القتلة ان المطلوب محاصرة قيم رشيد كرامي وتحجيمها، وهو ما فعله كثيرون من حيث يدرون او لا يدرون، ليس صدفة ان تنتهي الحرب الأهلية بعد أقل من ثلاث سنوات على استشهاد رشيد كرامي وفق اتفاق الطائف الذي يتضمن في بنوده معظم ما كان يطالب به رشيد كرامي لأنهاء الحرب، ومعظم ما تداوله رشيد كرامي في مؤتمرات الحوار الوطني التي سبقت الطائف، في لبنان وفي جنيف ولوزان، ولكنها ليست صدفة ايضا ان يبقى الطائف حبرا على ورق، وان يتم تطبيق كل ما هو عكس الطائف بأسم الطائف، وليست صدفة أبدا ان تجري عملية ممنهجة لشيطنة المقاومة ضد اسرائيل داخل المجتمع اللبناني، ومؤخرا العربي، بعدما فشلوا في شيطنة هذه المقاومة عام 1982 حين استفردوا بالمقاومة الفلسطينية في لبنان وفرضوا اتفاق 17 أيار وبدأوا يحلمون بلبنان آخر خارج التاريخ والجغرافيا، فكان لهم رشيد كرامي ورفاقه الكبار من الوطنيين اللبنانيين بالمرصاد، وأسقطوا الأتفاق، وامتصوا ذيول الهزيمة بانتظار فجر جديد يحمل الأنتصار، وهو ما حصل، وليست صدفة ان يتم انهاء الحياة السياسية والدستورية في لبنان بشكل تدريجي في زمن السلم، بعد ان عجزوا عن انهائها حتى في عز الحرب،وليست صدفة ان يسقط لبنان في فتنة تعمّ العالم العربي، وأولى ضحاياها تصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم التفرغ لإدارة الحروب بين العرب والعرب، وهو ما لن يكون رغم نهر الدماء الجارف الذي يضربنا من المحيط الى الخليج”.
واوضح ان الشهيد رشيد كرامي”بذل دمه الطاهر في معركة الوطن والأمة، وعمر كرامي وقف سدا منيعا في هذه المعركة، ونحن لن نخلف عهدا في الوفاء للدم، ولن نخلف عهدا في إعلاء وتمتين السد، ولن يكون لبنان إلا لبنان الواحد العربي المستقل، ولكي يكون لنا هذا اللبنان، علينا ان نواجه الوقائع الراهنة بمنتهى الوضوح ان كل يوم يمر بدون رئيس جمهورية، هو تكريس لفشل النظام اللبناني، والأخطر لفشل لبنان كوطن، ويكفينا ما حصل على مدى سنتين من ترشيح قاتل رشيد كرامي للرئاسة، وهذا الترشيح سيبقى الى الأبد وصمة عار في سجل هذه الدولة، وفي تاريخ كل من دعموه في الداخل والخارج “، مشيراً الى ان “المرشحين المطروحين اليوم للرئاسة، هما عزيزان وصديقان وحليفان ومستحقان، ولكن موقفنا من أي شخص يصل الى سدة رئاسة الجمهورية، رهن بقدرة ورغبة هذا الرئيس في اطلاق ورعاية ورشة اصلاح سياسي ودستوري تبدأ بالتنفيذ الحرفي لاتفاق الطائف”.
واعتبر ان” إجراء الانتخابات النيابية حق دستوري وشعبي، لكنه مغتصب، والتذرع بأسباب واهية لعدم اجرائها هو دجل سياسي، وللخائفين على التوازنات والمناصفة عليهم ان يدركوا ان القانون القائم على النسبية هو الوحيد الذي يؤمن التوازن والمناصفة، بدون منة من أحد، وهذا القانون العصري لم يعد مطلبا عاديا في لبنان، انه شأن انقاذي يتيح للبنانيين إعادة ترميم وطنهم ودولتهم ومجتمعهم.
ورأى ان من يعتقد ان “الحكومة القائمة حاليا هي صمام أمان أخير لبقاء الدولة، نقول له ان هذه الحكومة العاجزة والضعيفة ليست هي من يحكم، وان السلطة التي تدير الحكومة ليست مجلس الوزراء، وانما مجلس امراء الطوائف والمذاهب”، داعياً الى ان “تكون هذه الحكومة هي آخر حكومة موظفين يشهدها لبنان، وهنا ايضا يجب الألتزام باتفاق الطائف الذي وضع السلطة في مجلس الوزراء مجتمعا، ولكن شرط ان يكون مجلس وزراء وليس مجلس موظفين”.
وتابع “لا بد من كلمة اخيرة، حول الانتخابات البلدية التي شهدتها طرابلس الأحد الماضي، واني اهنئ المجلس البلدي الجديد بالفوز، وأقول لهم ان انتصارهم الحقيقي يكون بانتصار الانماء على السياسة، وبانتصار المدينة على محاولات توظيفها في الصراعات الأقليمية والدولية، وبانتصار العقل والحكمة والعمل على الشعارات والغرائز”، مشيراً الى ان “النتائج التي خرجت من صناديق طرابلس لها دلالات سياسية وستكون لنا قراءة شاملة وصريحة لكل هذه الدلالات وأبعادها في وقت قريب”، داعياً المجلس البلدي الى “الاستفادة من الربح الذي حققته له السياسة، وان يرمم الخسارة التي تسببت بها السياسة”، معتبراً ان “الخسارة الأكبر للمدينة كانت في غياب التمثيل المتنوع لنسيجها الاجتماعي والطائفي، وهو ما يتطلب الكثير من الوعي لتعويض هذا الغياب المؤقت الذي فرضته معركة احزاب الأحجام والأوزان على حساب وجه الطرابلسي المنفتح والحضاري بل واللبناني، يدنا محدود لخير طرابلس وأهلها”.