أمين أبوراشد
الشعوب العربية تُدرك، أن لغة الضاد ليست كافية لجمع العرب ضمن بوتقةٍ قومية، خاصة عندما تدخل العمالة الى قواميسهم وتكفِّر الشرفاء وتمنح الهوية العربية للعملاء.
والشعوب العربية تُدرك، أن التاريخ العربي منذ نشأت الحركات القومية في ظل الإحتلال العثماني، وصولاً لنكبة فلسطين، ومروراً بظاهرة عبد الناصر، يحتضن بأحرفٍ من ذهب، إسم القائد الوحيد الأوحد الذي قاد من حدود الشقيق الأصغر لبنان، معارك كرامة من أجل العرب وانتصر فيها، وسحق أعتى عدوٍّ في العالم، ولو أن الكثيرين من حكَّام العرب لا تليق بهم هدايا النصر.
لسنا بوارد التطرق لظروف ولادة الجامعة العربية، التي كان لبنان من مؤسسيها عام 1945، سيما وأن الأمين العام الحالي نبيل العربي، أبدى منذ نحو أسبوعين عدم رغبته بترشيح نفسه بعد انتهاء ولايته الحالية في شهر يوليو/ تموز المقبل، وقد تكون خطوة العربي، من أجرأ إنجازات هذه الجامعة، التي لم يرضَ الرجل أن يمدد لنفسه ولخيبته على رأسها، لكن لبنان هو الأولَى بتقييم جدوى بقاء الجامعة بوضعها الحالي خاصة أنها لم تحقق منذ تأسيسها إنجازاً عملياً واحداً.
ولسنا أيضاً بوارد تقييم الدول العربية الإثنتين وعشرين، سوى من منطلق جدوى استمرارية الجامعة، طالما أن القومية العربية لم تبحث يوماً في حلٍّ عملي للقضية الفلسطينية ولا لامست هموم الأمن والإقتصاد والعيش الكريم لشعبٍ أنهكته الصراعات حتى حدود الإنتحار، لا بل باتت كل حدود العرب مُباحة للإرهاب الكوني، وحدود إسرائيل آمنة ساكنة باستثناء حدودها مع لبنان الذي نال شرف نعته مؤخراً بالإرهاب، بتحريضٍ من أولياء نعمة الإرهاب منذ حرب أفغانستان.
إننا إذ نهنىء الجزائر والعراق وتونس، والأحزاب الوطنية والهيئات السياسية والشعبية العربية، على المواقف المشرِّفة التي شجبت الخطأ القاتل الذي ارتكبته دول مجلس التعاون الخليجي ومن بعدها وزراء الداخلية العرب، بتصنيف حربة الكرامة العربية في نحر العدو الصهيوني منظمة إرهابية، فإننا نهنىء في الوقت نفسه، دولاً عربية مثل جيبوتي وموريتانيا وجزر القمر، لأنها على الأقل لم تحمل لواء العروبة على منابر قِمم عربية مقرراتها من ورق، ونهنىء إسرائيل بالحلفاء الجُدد، خاصة أن نتانياهو للوهلة الأولى طار من فرحته، الى أن أفصحت الأجهزة الإسرائيلية عن الخوف الذي يهزّ أركان الكيان، من أن حزب الله لم يعُد منظمة بل هو جيشٌ نظامي، وهي ليست المرة الأولى التي تعتبر فيها إسرائيل حزب الله الأخطر عليها إقليمياً دون منازع!
إن دولاً عربية امتهنت المهانة، ليس لها وليس بمقدورها، منع أهل الكرامة من انتزاع الحقّ من أشداق الصهيوني، وكما قال سماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى أسبوع الشهيد القائد علي فياض: “لو انتظرنا استراتيجية عربية واحدة وجامعة عربية، لكانت إسرائيل في الجنوب والعاصمة بيروت والضواحي، بحال لم تكمل على كل لبنان، ولو لم تكن مقاومة لبنانية شعبية لكانت إسرائيل هي الحاكمة لبنان، وكانت المستعمرات في لبنان، وكان الشباب اللبناني في المعتقلات”.
وإن اعتبار سماحته، “أن ضمانة عروش هذه الأنظمة تكمُن في حماية إسرائيل وبقاء إسرائيل، و كانت دائما تصطف في المحور المقابل لأنظمة المقاومة وحركات المقاومة، لذلك ما يحصل معنا اليوم هو تواصلٌ للإستراتجية القديمة، وهذه المقاومة في لبنان التي تصفونها بالإرهاب هي التي إستعادت البعض من الكرامة والعزة العربية”.
ومن المؤسف، أن الدول التي كان لها تاريخ في مقارعة الإحتلال الإسرائيلي وكانت فلسطين بوصلتها، تتلقى نار الإنتقام من ممالك رسم الإسرائيليات وتأتي سوريا في مقدمة هذه الدول، وما يحصل في مصر والعراق واليمن من تدميرٍ للذات العربية على أيدي المستعربين الجُدد بقيادة أدوات خليجية رخيصة، يضع ألف علامة استفهام حول جدوى الحديث عن قومية عربية في غياب المفهوم الإستراتيجي لمواجهة المصير القاتم في ما لو استمر سلاح النفط موجهاً الى نحور العرب بينما فلسطين ومقدساتها وسوريا وحضارتها عُرضة بشكلٍ يومي لتدمير كل ما هو قومي وحضاري من بقايا أمة العرب.
عام 1981، وعقِب تأسيس مجلس التعاون الخليجي، تقدَّمت كلٌّ من اليمن وجيبوتي بطلب الإنضمام الى هذا المجلس، فجاء الجواب من الراحل الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات ورئيس المؤتمر يومذاك: “ينتظرون شويَّة أخواننا في اليمن وجيبوتي، وطوبة فوق طوبة يعمر البنيان”، لكن الطوب اليمني والجيبوتي لا يُناسب ممالك وإمارات عائلية، واتجهت المملكة السعودية خلال عامي 2013 و 2014 لضمّ المملكة المغربية والمملكة الأردنية الى مجلس التعاون الخليجي دون أي منطق جيو – سياسي يبرِّر هذه المحاولة سوى وحدة التيجان، لأن اهتزاز أيِّ تاجٍ قد ينسحب على الآخرين، مما يستوجب الوحدة في مواجهة الديموقراطيات الثورية التي بدأت تُلامس حدود دول الخليج بعد انتصار الثورة الإسلامية الشعبية في إيران.
هذه هي العروبة يا عرب اليوم، غيابٌ كاملٌ عن الوعي القومي، وتآمر كامل على القومية العربية، وما دامت فلسطين ليست قبلة العرب، وتُنحر كل يوم بأموال العرب، وتطبيعهم السياسي والإقتصادي والأمني مع الكيان الإسرائيلي، فللعرب عروبة المستعربين الدجَّالين على عروش العمالة بانتظار انهيار ممالك الرمال، وللبنان ومحور المقاومة شرف حمل لواء العروبة الحقيقية، وإن دولة مثل لبنان نَعَتها العثماني رجب طيب أردوغان يوم أمس أنها قامت على أنقاض أمبراطورية، هذا اللبنان على صغر حجمه سيدوس كل أمبراطوريات وممالك الظلم، وسيف الحق في الدفاع عن المظلومين لن يعود الى غُمده طالما الظالمون هم أسياد الإستعراب والقومية الكاذبة، وطالما أن المقاومة الشريفة إسمها إرهاب…