رأى السيد علي فضل الله أن ” لبنان بدأ يخطو خطوات حثيثة نحو مرحلة جديدة من الاستقرار، سيكون عنوانها خفض التوتر الداخلي إلى حده الأدنى، وهو ما يؤكده الخطاب المسؤول للقيادات السياسية الحريصة على إبعاد الملفات الخلافية عن التداول، والاستثمار اللبناني الناجح للمناح الدولي الذي لا يريد له الاهتزاز، وانحسار الأعمال العسكرية في سوريا والعراق، وقرب إنهاء ملف الحرب على الإرهاب، الذي كان يلقي بثقله على الساحة اللبنانية والوعي العميق من كل القوى السياسية بضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية وتذليل كل العقبات، بما يضمن الخروج من حال التريث والعودة عن الاستقالة. ونحن ننتظر أن تتبلور في الأيام القادمة صيغة نريدها صيغة عملية وواقعية لما سمي “بالنأي بالنفس”، تتوافق عليها القوى السياسية، وتؤدي إلى تبديد أجواء التوتر بين لبنان ومحيطه العربي، وتقي هذا البلد من أي انعكاسات سلبية عليه”.
وفي خطبة صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، قال السيد فضل الله “نحن في هذا المجال، في الوقت الذي نقدر الجهود التي تبذل من أجل إخراج لبنان من المأزق الذي كان يراد له أن يقع فيه، فإننا سنبقى نلح على الخروج من الأسلوب الذي أدمناه في هذا البلد، وهو العلاج بالمسكنات والمهدئات والصيغ الملتبسة، لنتجه إلى المعالجة الجادة لكل القضايا الخلافية، والتي إن استمرت ولم يتم التوافق عليها، ستبقي البلد أسيرا للقاعدة التي تقول إن لبنان محكوم بعدم الاستقرار. وهذا لا يتم إلا بحوار جاد وموضوعي يأخذ فيه الجميع بالاعتبار مصلحة الوطن والسبل الآيلة إلى درء الأخطار عنه. فلبنان ليس جزيرة معزولة عن كل ما يجري في هذا العالم. لقد آن الأوان للبنانيين لأن ينأوا بأنفسهم عن أن يكونوا متنفسا لمشاكل المنطقة، التي تبقيهم رهينة لتطوراتها، وساحة تنعكس فيها أزماتها وصراعاتها، وموقعا لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، ليمسكوا بقرارهم ويأخذوا من الآخرين ما فيه الخير لهم ويدعوا ما يسيء إليهم”.
وأضاف السيد “مع بداية انحسار الأزمة السياسية، تعود الأزمات المعيشية والاقتصادية مجددا إلى الواجهة بكل تبعاتها على المواطن اللبناني الذي يزداد فقرا ومعاناة، ومن حق اللبناني الذي يقف مع دولته في أزماتها، أن تقف معه في أزماته. وما أكثر أزمات هذا البلد التي تنتظر العلاج. وفي هذا المجال، لا بد من أن نتوقف عند القضية المتعلقة بالزيادات التي أقرت للمعلمين في المدارس الخاصة، أسوة بالمدارس الرسمية، والتي هي حق لهم. فنحن ندعو إلى تعزيز المعلم، وإلى تأمين استقراره في العيش بكرامة، ليقوم بدوره التربوي والتعليمي في بناء المستقبل الأفضل لأجيالنا. لكن ما يؤخذ على هذا القرار، أنه لم يأخذ في الاعتبار ظروف هذه المدارس، وكيفية التعامل مع هذه الزيادات، فهي تقف بين نارين، نار زيادة الأقساط المدرسية في ظرف يعاني غالب اللبنانيين ضائقة اجتماعية، ونار الزيادة المطلوب أن تدفعها لمعلميها، ما يستدعي علاجا نريده أن يلحظ حقوق الجميع ومصالحهم، بحيث تحفظ حقوق المعلمين، بما لا يؤدي إلى وقوع المدارس الخاصة تحت وطأة هذه الزيادات، ويترك تأثيره في فعاليتها وأداء معلميها”.
وتابع “في هذا الوقت، تبرز ظاهرة خطيرة كنا اعتقدنا أنها انحسرت عن هذا البلد، هي ظاهرة العمالة للعدو الصهيوني، التي بدأت تتجاوز البعد الأمني، لتصل إلى تجنيد فاعلين في الشأن الثقافي والفني والاجتماعي، ما يشير إلى مدى الاستهداف الذي تتعرض له الساحة اللبنانية من هذا العدو، واستغلاله لنقاط الضعف الموجودة في الداخل. إن هذا المنحى الخطير من الاستهداف يستدعي وعيا من اللبنانيين لخطورة العدو، الذي مع الأسف والأسى، هناك من يسعى إلى التقليل من خطورته، ما يستدعي تواصيا بالحق وبالصبر، وتحصينا للمناعة الداخلية. وفي الوقت نفسه، ندعو إلى التشدد في عقاب من أرادوا لأنفسهم أن يكونوا في خدمة عدو ليس كأي عدو آخر، هو عدو يستبيح الأرض والمقدسات والمستقبل ولعل التساهل الذي جرى سابقا مع مثل هذه النماذج، هو الذي ساهم في تكرارها. وهنا نعيد التأكيد على ضرورة التعامل بطريقة واحدة مع العملاء، بعيدا عن هوياتهم وانتماءاتهم، والكف عن تبرير هذه العمالة أو تلك أو التهوين منها. ولا بد من أن نشيد بإنجازات القوى الأمنية العين الساهرة على الوطن، وأن نشد على أياديها، ونبذل المزيد من الجهود في هذا المجال، بما يقي الوطن من العابثين بأمنه واستقراره ووحدته”.
وقال “في هذا الوقت، استعدنا في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني ذكرى أليمة وحزينة، ذكرى مرور سبعين عاما على القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة؛ القرار 181، القاضي بتقسيم فلسطين، والذي قسمت بموجبه إلى ثلاث مناطق، واحدة للدولة الفلسطينية، وثانية لليهود، وثالثة كانت تحت الوصاية الدولية، وهو ما بات يعرف في الأدبيات العربية التقليدية بنكبة فلسطين، التي تسببت بكل المعاناة التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، كما تعرضت لها شعوب المنطقة التي احتلت أرضها أو التي تعاني آثار وجود هذا الكيان فيها. مع الأسف، طبق هذا القرار ونفذ في الوقت الذي لم تنفذ قرارات الأمم المتحدة التي صدرت لحساب الشعب الفلسطيني”. وختم السيد “إننا نستعيد هذه الذكرى لنؤكد ظلامة شعب شارك العالم كله في صنع مأساته ومأساة محيطه، وثمة مسؤولية على العالم بأن يعيد إليه أرضه وعزته وكرامته، ولكن الشعب الفلسطيني لن يراهن على ذلك، وسيبقى يعمل مع كل المقاومين والمخلصين لاستعادة الأرض من مغتصبيها، مهما طال الزمن، فما ضاع حق وراءه مطالب”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام