لا يبقى من أمل أمام الأطفال المصابين بمرض سرطان الدم “اللوكيميا” غير زرع نخاع عظام المتبرّعين في عضامهم، إلا أن عملية العثور على نخاع عظم ملائم للطفل معقدة، وربما تطول سنوات.
لكن العلماء الإيطاليين من جامعة بادوا يقولون الآن إنهم حققوا إنجازًا يسهل عملية التبرّع بالنخاع، ويحوّل الوالدين إلى مانحين للطفل المعاني من المرض الخبيث.
ويؤكد العلماء في تقرير لهم في مجلة “دم” (Blood) أنهم تغلبوا أيضًا على ظاهرة رفض النخاع المزروع في جسم الطفل، على الرغم من أن النخاع الممنوح له لا يطابق أكثر من 50 في المئة من المواصفات المطلوبة.
المهم أيضًا أن الأطباء من جامعة بادوا جرّبوا الطريقة مع 80 طفلًا يعانون سرطان الدم، ونجحت عملية الزرع في إنقاذ حياتهم وكأن النخاع الممنوع لهم ينطبق بالكامل مع المواصفات المطلوبة.
يعتبر سرطان الدم من الأمراض المعروفة، التي تصيب الأطفال الصغار، وتستجيب بعض الأنواع منه إلى العلاج الكيميائي، لكن الأنواع الشرسة منه لا ينفع معها إلا زرع نخاع العظم أحيانًا. وواضح أن الحالة تصبح عسيرة على العلاج، لأن المرض يشوّه كامل نخاع العظم في جسم الطفل المصاب.
تتطلب عملية زرع نخاع العظم أن تطابق المواصفات الخاصة بدم المانح تمامًا المواصفات الخاصة لنخاع الطفل المتلقي، وهي عملية عسيرة. ويسري هذا، خصوصًا، على ما يسمى “أنتي جين الخلايا البيضاء البشري” الذي يتواجد على سطوح هذه الخلايا.
معروف للطب أن نخاع العظم من الأم والأب، ومن الأشقاء ايضًا، لا ينطبق من ناحية HLA مع دم الطفل. ويطلق الأطباء لهذا السبب على هذا الأنتي جين البشري اسم “توقيع” الدم.
كتب فرانكو لوكاتيللي وزملاؤه من جامعة بادوا أنهم أفلحوا في غسل خلايا دم الوالدين من أنتي جين HLA. فالمعروف هو أن هذا العامل يتماثل في دم الطفل بنسبة 50 في المئة مع العامل نفسه في دماء الوالدين.
وتمكن فريق العمل من تشخيص خلايا الدم الجذعية الحاملة للأنتي الجين البشري في دماء الوالدين، ومن ثم مسحه من على سطوح الخلايا، ومنحه للطفل المريض. نجح العلماء أيضًا بمسح ما يسمى خلايا ألفا – تي و بي، وهي الخلايا المسؤولة في دم الطفل عن ظاهرة رفض النسيج الدموي المزروع في أجسامهم.
جرب لوكاتيللي وزملاؤه طريقتهم الجديدة على 80 طفلًا بين ايلول 2011 وايلول 2014. وكان كل هؤلاء الأطفال قد أخضعوا للعلاج الذي قتل العلامات المميزة لدم الطفل. كما زرقوا الأطفال بمصل معيّن يعمل مضادًا لخلايا- تي في جهاز المناعة، وهي الخلايا المسؤولة عن رفض نخاع الدم المزروع.
كانت النتائج ناجحة مع كل الأطفال تقريبًا، بحسب تقرير لوكاتيللي وزملائه، ولم يطور أي طفل مريض ظاهرة رفض عنيفة وثابتة وبعيدة المدى للنخاع المزروع. وظهرت مقاومة ضعيفة ضد العلاج لدى 30 في المئة من الأطفال بشكل تفاعل جلدي. وفشل العلاج بخلايا الدم الجذعية المغسولة من عوامل الأنتي جين البشري وخلايا- تي مع طفلين فقط.
المهم أيضًا أن العلاج رفع توقع حياة الأطفال المرضى، وأوقف ظهور تفاعل مناعي رافض بنسبة 71 في المئة. وحقق العلماء نسبة نجاح مماثلة مع مجموعة أطفال أخرى، زرعت لهم نخاعات عظام ذات عوامل مطابقة تمامًا لعوامل دمائهم.
توصل فريق العمل إلى استنتاج مهم يقول إن الطريقة ناجحة بديلة في آلاف الأطفال الذين لا يجد لهم ذووهم نخاع عظام مماثلًا 100 في المئة مع نخاعات عظامهم. وهذا يعني أن فريق العمل نجح أيضًا في تحويل الوالدين إلى مانحين جيدين لنخاع العظام لأبنائهم، خصوصًا أن الأنتي جين البشري لديهم يطابق الأنتي جين في دماء أولادهم بنسبة 50 في المئة.
كتب العلماء في مجلة “دم” أنهم سيعملون في المستقبل على تطوير طريقة غسل الدم من الأنتي جين وظاهرة الرفض، بحيث تصبح مناسبة لمعالجة البالغين المصابين بسرطان الدم أيضًا.
يصاب إنسان جديد كل 45 دقيقة بمرض سرطان الدم في ألمانيا، بينهم العديد من الأطفال والشباب. ويتمثل العلاج الواعد الوحيد بالنسبة إلى معظمهم في زرع الخلايا الأساسية السليمة لهم. ولكن، للأسف لا يجد حتى الآن كل مريض من أربعة المتبرع الملائم له. ويصاب 13390 ألمانيًا كل سنة بسرطان الدم كمعدل. وللمقارنة، فإن عدد إصابات سرطان الثدي عند النساء يبلغ 70 ألف إصابة جديدة كل سنة، بحسب وزارة الصحة الألمانية.
المصدر: الوكالة الالمانية للأنباء