بصرف النظر عن ملايين التغريدات التي ما زالت تتناول بسخرية، الموقف الهزيل للرئيس الأميركي دونالد ترامب من الملف النووي الإيراني، والتي طالت أيضاً الحلقة الإستشارية والإعلامية حوله، التي تتحمَّل مسؤولية الفشل بعملية الإخراج في تراجع الرئيس عن مواقفه بإعلان الإنسحاب من هذا الإتفاق، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، فقد علَّق أستاذ مُحاضر بإحدى الجامعات الأميركية بالقول: كل يوم نهدِّد بعقوبات إضافية على إيران وكوريا الشمالية، هل كان الأمر يستحق الإعلان قبل أيام عن مؤتمر صحفي للرئيس، يُفضِي الى الإعلان عن عقوبات جديدة ونرمي الإتفاق بملعب الكونغرس، وما أهمية هكذا مؤتمر صحفي لم ترحِّب به سوى إسرائيل والسعودية؟!
وردود الأفعال الدولية المُنتقِدة لموقف ترامب، نتيجة رفضه الإقرار بالتزام إيران الكامل بالاتفاق النووي الموقع بينها وبين المجموعة السداسية، جعلت منه الرئيس “المارق”، وهو وإن كان يرفض الإستماع الى روسيا والصين الحليفتين لإيران، فهو لا يستطيع رفض رأي المفوضة الأوروبية للسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، أنه ليس بيد أي دولة في العالم أن تنهي الاتفاق النووي الإيراني منفردة، مؤكدة ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق بشكل جماعي، ثم جاء الرأي الجامع لحلفاء أميركا، بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك، يُحذِّر الولايات المتحدة من اتخاذ قرارات يمكن أن تضر بالاتفاق النووي الإيراني، وتضرُّ أيضاً بإتفاقياتها التجارية مع الشريك الإقتصادي الإيراني التي تفوق السبعين مليار دولار.
وإذا كان ترامب، لا يفهم الفارسية في تصريح الرئيس حسن روحاني، الذي اعتبر أن كلمة ترامب تُظهِر أنه “ضد الشعب الإيراني أكثر من أي وقت مضى”، فإن على ترامب أن يفهم الديبلوماسية الإيرانية واللغة الفارسية، وأي مساس بأمن إيران تُحرِّض عليه الدولة العبرية المذعورة، سوف يستجلب اللغة الباليستية، التي ستسمعها جيداً كل أدوات أميركا في الإقليم وتصدُق هواجس تعيشها إسرائيل منذ تأسيسها. وإليكم حكاية تجسد هذه الهواجس..
فقد روى مواطن فلسطيني مُقيم في بريطانيا، أنه عام 1984، كان نزيل غرفة واحدة مع يهودي بإحدى مستشفيات لندن، وقال له اليهودي: أنتم سوف تقضون على دولة إسرائيل عام 1988، لأننا نقرأ في بعض كُتُبنا أن دولتنا سوف تُعمِّر فقط أربعين سنة، بدءاً من ولادتها عام 1948.
في بدايات التسعينات، صادف أن التقى هذا الفلسطيني الشخص اليهودي نفسه في مقهى، فقال له: لم تنتهِ دولتكم عام 1988 كما قلت لي، فأجابه اليهودي: “نحن جماعة تحكم حياتنا الكُتب، ونتصرَّف وكأن قدرنا مكتوبٌ سلفاً ولا هروب منه”.
واستكمالاُ للحكاية، ذكرت صحيفة “هآرتس”، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قال في جلسة مغلقة في منزله منذ نحو عشرة أيام، أن على إسرائيل الاستعداد منذ الآن للتهديدات التي تمثل خطراً على وجودها، لكي تستطيع أن تحتفل بعد ثلاثة عقود بالعيد المئوي للإستقلال”، حسب تعبيره.
وقال أشخاص كانوا في هذا المنتدى المغلق مع نتانياهو، أن “هذا الكلام يدلّ على مزاجه القلِق وأن مسألة بقاء إسرائيل تشغله”، ولهذا تقول الصحيفة نقلاً عن مكتبه، أنه ” يخصص معظم وقته لمسائل الأمن لضمان وجود “اسرائيل”، وأن المشاكل الأمنية لا تنتهي”.
وإذا كان ترامب سيربط مصيره بمصير “إسرائيل” التي تحكمها الكُتَب، حيث القلق على المصير يتحكَّم بسياسات وأداء القيِّمين عليها منذ ما قبل الزمن الميلادي، فإن “إسرائيل”، التي بالغت بالإستخفاف بمحيطها العربي، وفي تفاؤلها بأن منشآتها النووية والكيماوية التي تترامى على بضعة آلاف من الكيلومترات المربَّعة هي بأمان، فقد انتهى زمن استخفافها بالمحيط وبالآخرين، و”أرضها” باتت قنابل تفجيرِ ذاتي من الأمونيا وسواها فور إندلاع شرارة حرب مع محور المقاومة، وهي على مرمى صواريخ من كل مدى ومن كل اتجاه، وترامب ليس “بائع أمن” بل بائع أسلحة لأنظمة مذعورة من السعودية الى إسرائيل، ولا يستطيع أن يبيع شعوباً روح الصمود والمقاومة، ولا أدوية أعصاب تشفي نتانياهو وحاخامات إسرائيل من عقدة زوال “مملكة الحشمونائيم الحديثة”…
المصدر: موقع المنار