الذهب، عنصر من مئات العناصر الأخرى التي يتألف منها جسم الإنسان؛ إذ يحتوي الجسم البشري العادي، البالغ وزنه 70 كيلوغراماً، على كتلة إجمالية تبلغ 0.2 ملغ من الذهب. إذا ما حُوّلت هذه الكمية الضئيلة من الذهب المكرر، إلى مكعب صلب من الذهب النقي؛ فإن قياس كل جانب من المكعب سيكون 0.22 ملم.
هذه الكمية على ضعفها، لها دور كبير في الجسم، خاصة بالجهاز المناعي، ويدرس الباحثون كيفية الاستفادة أكثر منها لإحداث ثورة في علاج أمراض خطيرة مثل السرطان.
يحتوي جسم الإنسان على ما تُعادل نسبته 65% من الأكسجين، وهو العنصر الأكثر وفرة في الجسم. فيما تتوزع العناصر الأخرى الموجودة في الجسم بنسبة 18% من الكربون، و10% من الهيدروجين، و3% نيتروجين، وتشكل باقي العناصر والمعادن نسبة 4% من جسم الإنسان.
استطاع العلماء مؤخراً، تحديد وظيفة الذهب بجسم الإنسان، ووجدوا أنه يلعب دوراً حيوياً مهماً في الحفاظ على الصحة والمفاصل. ويُعد كذلك ناقلاً جيداً للإشارات الكهربائية التي تصدر عن الجسم؛ لذا استخدمه الأطباء عقوداً في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي والربو، إضافةً إلى استخدامات جديدة محتملة للذهب، تشمل علاج بعض أنواع السرطان.
رغم استخداماته المتعددة هذه، فإن الذهب ظل لغزاً محيِّراً دفع العلماء سنواتٍ عديدة لإجراء التجارب؛ لتحديد الآلية التي يعمل بها بدقة داخل خلايا جسم الإنسان، اكتُشف فيما بعد قدرته على تثبيط الجهاز المناعي حينما يكون مفرط النشاط، ويمكنه من جهة أخرى، أن يُسبب ردود فعل تحسسية كضيق التنفس، والقيء، والإسهال، والغثيان وغيرها من الأعراض التي تُعدّ استجابة مناعية غير مناسبة.
تُشير الدراسة المنشورة في مجلة “علم المناعة”، إلى أن نشاطَي تثبيط الخلايا المناعية وتفعيلها، يتداخلان في بعض الحالات. يُعَدّ التحسس أحد أكثر الآثار الجانبية الناتجة عن استخدام الذهب شيوعاً؛ إذ يُخفف الذهب من التهاب المفاصل الروماتويدي، عبر ربط بروتينات محددة في الخلايا المناعية، والتدخل في إنتاج الوسائط الكيميائية الالتهابية.
لكن، عندما يرتبط الذهب بهذه البروتينات فإنه يغير من شكلها؛ الأمر الذي يجعل الجهاز المناعي لدى الإنسان، يتعرف على هذه البروتينات على أنها أجسام غريبة. يبدأ الجسم بعدها بمهاجمتها؛ ما ينتج عنه ردُّ فعل تحسسي، وفي بعض الحالات قد لا يحدث رد الفعل هذا تجاه الذهب، إلا بعد فترة طويلة من استخدامه قد تصل لأشهر. يظهر رد الفعل التحسسي تجاه الذهب على هيئة الطفح الجلدي، والحكة، بالإضافة إلى تضرر نخاع العظام، الذي يعد أحد الآثار الجانبية الهامة؛ إذ يمكنه أن يؤدي إلى حدوث مشكلات نزفية، وفقر الدم، وحوادث التهابية. ينتج ذلك من تضرر نخاع العظم المسؤول عن إنتاج عناصر الدم المختلفة، بما فيها كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية.
فضلاً عن ذلك، لا يكتفي النقص في عناصر الدم المختلفة الناتج عن تضرر نخاع العظام، بإحداث أضرار محلية في مكان معين بالجسم؛ بل ينتشر في جميع أجزاء الجسم مُسبباً مشاكل كثيرة.
توصل باحثون في جامعة إدنبره إلى أن حبيبات الذهب الدقيقة، المعروفة باسم “جزيئات النانو”، تُعزز فاعلية العقاقير المستخدمة في محاربة خلايا سرطان الرئة، وأن الذهب يحتوي على خصائص قادرة على تسريع التفاعلات الكيميائية في الأنسجة الحية دون أعراض جانبية.
وبحسب فريق الدراسة، فقد اكتُشِفت خصائص جديدة للذهب لم تكن معروفة في السابق، تُشير إلى إمكانية استخدامه لإيصال العقاقير إلى الأورام السرطانية بكل أمان. ويعمل الباحثون على تطبيق هذا الأسلوب مستقبلاً؛ للتقليل من الآثار الجانبية للعلاجات الكيماوية المستخدمة في علاج السرطانات حالياً، وذلك عن طريق استهداف الخلايا المريضة فقط دون التأثير على الخلايا السليمة.
استُخدِمَ الذهب كثيراً في الماضي كمُثبِّط للمناعة، وعلى الرغم من أن استخدامه الآن أصبح أقل مما كان عليه في السابق، فإنه يجري البحث حالياً عن تركيبات جديدة في الجسيمات النووية للذهب، تتفادى آثاره السلبية وتستخدمه بشكلٍ أكثر فاعلية في علاج بعض الأمراض، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والسرطان.
يمكن أن يؤدي العلاج بالذهب إلى نوع من التسمم، الذي يحدث في العديد من أجهزة الجسم. تشمل أبرز الآثار الجانبية لاستخدامه، حدوث تلف بالكلى، وتغيرات في لون الجلد، وطفح جلدي، بجانب الاضطرابات النزفية، وتضرر نخاع العظام. يجب الحرص إذن خلال العلاج بالذهب، وفي حالة كون مُتلقي العلاج يُعاني أية مشاكل بالكلى أو غيرها من الأجهزة التي يؤثر عليها الذهب، فلا يُنصَح باستخدامه في المعالجة.
المصدر: هافينغتون بوست