ما من موكب يقصد البيت العتيق في أي مكان من العالم إلا وينظر إليه السوريون بلهفة وبحزن مترافقين. كيف لا، وهو ما بات حلماً لدى مسلمي سورية، العارفين أنه “من استطاع إليه سبيلاً” ولكنهم يرون كل عوائق السياسية في سبيله. حيث العوائق ليست بسبب المادة أو المال، فالطريق مسدود بفعل من يظنّ أنه يحكم المسلمين في مصائر عباداتهم المفروضة من الله تعالى.
ها هو العام السادس على التوالي على السوريين، ولن ينتظروا أحبابهم العائدين من مناسك الحج كما كانوا يفعلون في كل عام قبل المنع، حيث كانت تُزين الشوارع ومداخل الأحياء والبيوت، بالشجر والعبارات المرحبة بحجاج بيت الله الحرام، عبارات تثير في قلب كل مسلم ما يعزز لديه مشاعر الفخر بأداء الفريضة من قِبل شخص يخصه، أكان جارٌ أو قريب.
فمثلاً التمر في هذا العام لن يحضر على موائد الضيافة لدى السوريين مرافقاً لماء زمزم، وقد استقدمه الحجاج من مكة المكرمة ليكون حلو الفرحة بأداء كبرى الفرائض، ولن ينتظرَ الكبار والاطفال هدايا الأقارب زوار الحرم المكي، من سُبحات وقبعات أو سجاجيد الصلاة القادمة من أرض طاهرة يتوسطها الحرم الشريف ويجاورها قبر أطهر خلق الله.
وهذا العام أيضا لن يتحدث الحجاج السوريون واصفين قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقدسيته وروحانيته، ولن يتحدثون عن تفاصيل الرحلة الأعظم، مما كان سبباً يدخل الفرح والغبطة إلى قلوب المهنئين، وهم يجلسون حول الحاج ويرون هالة جميلة تحيط بوجهه وقصصه.
مشاعر تصفها البيوت السورية تفوق بحزنها كل مشاعر، إثر الحرمان من زيارة البيت الحرام، وقد آثرت الحكومة السعودية على منع السوريين من السفر لأداء فريضة إسلامية، شرّعها الله وحكمها بالاستطاعة، ولكن سبب منع الاستطاعة هنا كما بات معروفاً لدى الجميع، ما هو إلا سياسي فقط، وهذا ما يثير امتعاضاً وحسرة في قلوب آلاف المسلمين، رغم محاولات الحكومة السورية في السنوات الماضي إيجاد حل لهذه المعضلة.
فقد كانت سورية ترسل حوالي 25 ألف مواطن للحج، عبر مطار دمشق الدولي إلى مكة المكرمة، أما اليوم فلا مجال إلا لمن يخرج عن طريق ما تعتبره السعودية “معارضة سورية”، أو من بلدان الجوار أو عبر بلدان أخرى يقيمون بها، والأهم من هذا كله، لا تسمح سلطات آل سعود لأي شخص سوري بأن يقصد الحج عن طريق الحكومة السورية الشرعية أو أحد سفاراتها في الخارج، وتعتبره غير قانوني، بل وتَحرِمه من أداء الفريضة التي قد يكون الشخص أفنى عمره وهو يجمع المال ويعد عدته من اجل رحلة العمر.
هذه رحلة جعلها آل سعود حلماً منذ عام 2012 بعد إصدار قرار منع التعامل مع الحكومة السورية، بغرض الضغط على الدولة والمساهمة بشكل إضافي من أشكال الحرب المفروضة على البلاد منذ عام 2011، وبهذا تكون السعودية أحد من شارك بكل أشكال الدعم للحرب على الشعب السوري بكل مكوناته، من تسليح الإرهابيين إلى منع أعظم العبادات وأكبرها.
وفي هذا السياق أكد جميع خطباء وأئمة المساجد على اتساع الجغرافيا السورية، أن ما يجري مع المسلمين في سورية ما هو بأمر عادي ولا مقبول، لا في الدين ولا في الأخلاق ولا في الشرائع الإنسانية، فهو حرمان واعتداء يمس جميع مشاعر المسلمين، ويمس القيم الروحية لديهم، ليمكث السوريون أمام شاشات التلفزة ويراقبون مناسك الحج متمنين زوال كل أسباب منعهم في قصر ملك متغطرس.
كثر هم من فارقوا الحياة في سورية بانقضاء الاجل، وقد رافقتهم إلى القبور حسرة قضاء فريضة الحج نتيجة حرمان من يتحكم على هواه بطرق الحج، ولا يقدر السوريون أن يغفروا لآل سعود واحدة من كبرى جرائم السلطة الحاكمة في السعودية ويصفونها بأنها حكومة متلاعبة بالقيم للإسلامية.
المصدر: موقع المنار