ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة في بيروت بتاريخ 14-5-2016 على جريمة اغتيال القائد الجهادي الكبير الشهيد مصطفى بدر الدين (السيد ذولفقار) والانظار شاخصة الى صباح اليوم ترقباً لاعلان نتائج التحقيق الذي توصل اليه حزب الله وفقاً للتوقيت الذي اعلنه نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ابان التشييع.
* السفير
التحقيق: الاتصالات والطيران وطبيعة التفجير.. و«الخرق الأمني»
مصطفى بدر الدين.. شهيد الحرب المفتوحة
كانت الأمنية الأحب إليه، أن يسقط شهيدا. أما الجبهة الأقرب إلى قلبه، فهي أن يسقط في الميدان في مواجهة الإسرائيليين أو التكفيريين. التوقيت ليس مهما عند مصطفى بدر الدين («السيد ذو الفقار»). كان يمكن أن يسقط شهيدا وهو في العقد الثاني من عمره، يوم تطوع لمقارعة الإسرائيليين عند مشارف العاصمة، في صيف العام 1982، أو يوم انبرى مع ثلة من المقاومين لتنفيذ عمليات ضد المحتل في قلب الضاحية الجنوبية.
هو أحد القياديين المقاومين الذين ترصدهم «دول» وأجهزة وشبكات.. ولطالما نجا من محاولات اغتيال، كان آخرها في سوريا نفسها بالقرب من مقام السيدة زينب، حيث نخرت الرصاصات والشظايا موكبه، وأكمل دربه.. حتى الشهادة التي كان يشتهيها وهو القائل «لن أعود من سوريا إلا شهيداً أو حاملاً راية النصر».
شخصية غامضة عند الجمهور العام، لكن لكل مسؤول في «حزب الله» رواية خاصة معه من موقع تفاعله في قلب حياة الحزب الداخلية. لا يحضر لقاءات عامة ولا يظهر عادة في المناسبات الاجتماعية أو الحزبية إلا في ما ندر، وتحديدا عندما قرر خرق التدابير والمشاركة في تقبل التعازي بالشهيد عماد مغنية، ومن ثم نجله الشهيد جهاد، كما احتك مباشرة مع الناس يوم وفاة والده منذ أكثر من سنة.
رجل هادئ وفي الوقت ذاته لا يتهاون مع الخطأ. يتميز بجرأة مجبولة بالخبرة والإقدام والمبادرة والثقة العالية بالنفس. يحلو للبعض في «حزب الله» تسميته بـ«المغامر العاقل». خبرته ميادين المقاومة مع الاحتلال أكثر من عقدين من الزمن، وصار الاسرائيليون، في المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، يحفظون اسمه عن ظهر قلب.
في السنوات الأربع الأخيرة، وتحديدا منذ لحظة انخراط «حزب الله» في المعركة التي تجري على أرض سوريا، كان مصطفى بدر الدين، أعلى قائد عسكري للمقاومة في سوريا. يتواصل مع الايرانيين والروس وأركان النظام السوري. يعرف الأرض ليس من خلال الخرائط بل المعاينة المباشرة التي جعلته على تماس مع الخطر في حلب وحمص والقنيطرة والقلمون والغوطة وتدمر وغيرها من النواحي السورية.
حتى أن الشهيد بدر الدين، كان يمضي معظم وقته في سوريا، ولا يزور الضاحية الجنوبية الا في معرض تفقد أسرته أو أداء واجب اجتماعي سريع.
ولأن هذا بعض سيرته فقط، كان الرجل قيد الرصد والمتابعة من أجهزة كثيرة، لكنه هو نفسه، كان يردد أن البيئات السورية مختلفة عن البيئات اللبنانية سياسيا وديموغرافيا وجغرافيا. لقد استهدف عماد مغنية في عز القبضة الأمنية السورية (2008) وسقط قياديون آخرون اغتيالا مثل سمير القنطار وجهاد مغنية، ومثلهم في مواجهات مباشرة مثل أبو محمد الاقليم وأبو علاء البوسنة وأبو عيسى، وذلك في عز الأزمة السورية المشرعة على اختراقات من كل حدب وصوب. من الجو والبر والبحر. من الاتصالات والشبكات الأمنية على الأرض والرصد الجوي الدائم، فضلا عن الرصد والمتابعة من مجموعات التكفيريين.
بهذا المعنى، تصبح ظروف التمويه والتخفي التي يتقنها «حزب الله» في لبنان كله، من دون استثناء، مختلفة عنها في سوريا الشاسعة جغرافيا والمفتوحة على خروقات أمنية موجودة في العديد من «المفاصل» في ضوء الكثير من الوقائع والتجارب، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة.
هذه المعطيات الأمنية، وقبلها سلسلة من الخروق، لم تمنع «حزب الله» من دفع قيادييه المصنفين من «الصف الأول»، للتواجد في «الخط الأول»، وهذا الأمر يتم بقرار واع وليس نتيجة انفعالات. حزب يستشهد أمينه العام (السيد عباس الموسوي) وقائده العسكري (الحاج عماد مغنية) صار بفعل التراكم والخبرات، حزبا ولاّدة للقيادات والكوادر. سقط مصطفى بدر الدين، ليل أمس الأول، ولم تمض ساعات حتى كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يوقع قرار تعيين مسؤول يتولى قيادة معركة الحزب على أرض سوريا.
برغم ذلك كله، لا يمكن تجاهل أن ما حصل يشكل ضربة معنوية، سياسيا وأمنيا، خصوصا في ظل الرمزية التي يمثلها قادة مثل مصطفى بدر الدين، في هكذا حالات حزبية باتت «عملة نادرة»، ليس في لبنان، انما في الكثير من الحركات الفدائية والحزبية في المنطقة والعالم.
لم يكن قد مضى على وصول موكب «ذو الفقار» إلا وقت قليل إلى مقر أو منزل حزبي يقع في الغوطة، وتحديدا في منطقة قريبة من مطار دمشق، تضم مخازن أسلحة وذخيرة تابعة للجيش السوري. بين التاسعة والنصف والعاشرة مساء، يسمع دوي انفجار كبير ومفاجئ، ليتبين أن مصطفى بدر الدين قد سقط شهيدا وجرح اثنان أو ثلاثة من حراس المقر وحراسته الشخصية (إصاباتهم طفيفة).
عمليا، تفصل بين هذا المقر وبين بعض نقاط المجموعات الإرهابية التكفيرية بضعة كيلومترات قليلة. المنطقة مكشوفة أيضا أمام حركة الطيران. ووفق إفادات شهود عيان، لطالما تعرضت هذه النقطة في أوقات سابقة لقصف مدفعي مصدره مواقع المجموعات التكفيرية.
تم نقل جثمان الشهيد مصطفى بدر الدين الى احد مستشفيات العاصمة السورية، وبعد معاينته، تبين أنه قد اصيب بشظايا غير قاتلة في بعض أنحاء جسمه الذي لم يشوه أبدا، وأظهر تقرير طبي أن الوفاة ربما تكون ناجمة عن عصف الانفجار القوي. ومن دمشق، نقل الجثمان الى مستشفى الرسول الأعظم في بيروت قبيل ساعات الفجر الأولى، حيث كان في انتظاره أفراد عائلته وبعض القيادات الحزبية. في الوقت نفسه، توجه عدد من ضباط المقاومة، وهم جميعهم من خبراء المتفجرات، الى سوريا، وباشروا تحقيقا ميدانيا أنجز مساء أمس، ورفعوا في ضوئه تقريرهم الى قيادة «حزب الله»، «وعندها سنبني على الأمر مقتضاه»، كما أعلن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم خلال مراسم تشييع الشهيد بدر الدين من الغبيري مسقط رأسه الى روضة الشهيدين حيث ووري في الثرى في ضريح ملاصق لضريح الشهيد عماد مغنية. وقال قاسم: «تلمسنا خطوات واضحة تؤشر إلى الجهة وإلى الأسلوب لكننا نحتاج إلى بعض الاستكمال لنتيقن مئة بالمئة وإن شاء الله تعالى سنعلن هذا الأمر على الملأ».
من هنا، سيحاول التحقيق الذي ستعلن نتائجه صباح اليوم، على الأرجح، الاجابة على أسئلة كثيرة بينها الآتي:
• ما هي طبيعة الانفجار (صاروخ أرض أرض موجه أو صاروخ جو أرض أو قذيفة عادية الخ…)؟
• هل رصدت الأجهزة السورية أو الايرانية أو الحزبية حركة طيران بالتزامن مع وقوع الانفجار؟
• هل ترافق الانفجار مع اتصالات حصلت من داخل المقر الحزبي أو محيطه (اجراء اتصال سواء من بدر الدين أو أحد حراسه أو بعض من يقيمون أو يتمركزون بالقرب منه)؟
• ما هو المسار الذي سلكه أو سلكته الصواريخ وهنا المقصود تحديد النقطة التي انطلقت منها؟
• ما هي نوعية التفجير (الصاروخ والقذيفة)، وذلك بهدف التعرف على نوعية الأسلحة وبالتالي تحديد من يمكن أن يمتلكها؟
• ما هو الشعاع ونوعية المتفجرات التي عثر عليها في أرض المكان (البارود والشظايا الخ..)؟
• هل تم الاشتباه بتعقب ورصد للموكب قبل وصوله الى النقطة التي وصل اليها؟
• هل حصل أي اهمال من نوع الحضور الى المكان نفسه بالمواكب نفسها وفي مواعيد متقاربة؟
يفترض بالتحقيق أن يقدم صورة أولية عن الجهة المسؤولة عن التفجير، خصوصا أن بيان «حزب الله» الثاني، صباح أمس، كان دقيقا جدا باعلانه أن المعلومات المستقاة من التحقيق الأولي، «تفيد أن انفجاراً كبيراً استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى استشهاد (السيد ذو الفقار) وإصابة آخرين بجراح».
واللافت للانتباه في هذا السياق أمران اثنان، أولهما مبادرة الأميركيين الى تبرئة أنفسهم من العملية، باعلان متحدث رسمي باسم البيت الأبيض للصحافيين أنه «لم تكن هناك طائرات أميركية أو تابعة للتحالف في المنطقة التي قيل إنه (بدر الدين) قتل فيها»، وهذه من المرات النادرة التي يبادر فيها الأميركيون الى التنصل سريعا من دماء رجل موجود اسمه في اللوائح الأميركية السوداء، خصوصا وأنه من المتهمين باستهداف مقر «المارينز» في بيروت في العام 1983.
أما الأمر الثاني، فيتمثل بتصرف الاسرائيليين، سياسيا وعسكريا وأمنيا، بنوع من الاسترخاء، بدليل عدم تبديل قواعد عمل دورياتهم ومواقعهم على طول الحدود الشمالية مع لبنان، وهذا الأمر تقاطع مع تحليلات لعدد من المحللين العسكريين والسياسيين الاسرائيليين، يشتم منها أن هذا الاسترخاء ناجم عن قناعة اسرائيلية بأن «حزب الله» يدرك ضمنا أن اسرائيل ليست هي من نفذ العملية، والا لكان تصرفها سيكون مختلفا، من دون أن تخفي «سعادتها» بشطب بدر الدين من لائحة من تضعهم على قوائم الاستهداف منذ ربع قرن من الزمن.
وبطبيعة الحال، لو كان «حزب الله» متيقنا من أن الاسرائيليين هم من نفذوا العملية، لكان بادر الى اعلان موقف كبير جدا، في ضوء «قواعد الاشتباك» التي أرستها اغتيالات واستهدافات مشابهة أو من نوع آخر على الأرض السورية في السنوات الأخيرة.
يذكر أن السيد حسن نصرالله سيطل، لمناسبة ذكرى مرور أسبوع على رحيل الشهيد بدر الدين، عند الساعة الخامسة من عصر يوم الجمعة المقبل، في مجمع «سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية.
– غارة أبو الضهور: هل نجا الجولاني من القتل؟
تواطأت الصدفة مجدداً مع زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني، وأنقذته من موت محتم، بعد أن خرج من مقر الاجتماع الذي استهدفته غارة جوية في مطار أبو الضهور العسكري بريف إدلب، قبل دقائق من حدوث الغارة.
وكانت طائرات حربية، ما زالت مجهولة الجنسية، قد أغارت، أمس الأول، على نقطة محددة في مطار أبو الضهور العسكري، كانت تشهد اجتماعاً عالي المستوى شاركت فيه قيادات بارزة من «جبهة النصرة». وأسفرت الغارة عن مقتل ما لا يقل عن 15 قيادياً، على رأسهم القيادات العليا في قطاع البادية السورية، ومن أبرزهم أبو هاجر الأردني وهو «أمير البادية في جبهة النصرة»، وأبو النصر تلمنس «الأمير الإداري العام»، وأبو أسامة «أمير مطار أبو الضهور»، وأبو تراب الحموي «الأمير العسكري العام في البادية» وأبو شيماء وأبو تقى الشوحة.
ويعتبر أبو هاجر الأردني من القيادات البارزة في الجبهة، وكان يتولى من قبل قيادة «النصرة» في الغوطة الشرقية. حيث أكدت مصادر خاصة لـ «السفير» أن أبا هاجر هو نفسه أبو الوليد الأردني الذي نقلته «جبهة النصرة» من الغوطة ليقود قطاعها في البادية بعد أن تصاعدت المشاكل في الغوطة على أكثر من صعيد بين «النصرة» والفصائل الأخرى. ويعرف الأردني، على موقع التواصل الاجتماعي، باسم «عزام الشامي»، وكان يحرّض باستمرار ضد «جيش الإسلام». وبالرغم من أن هويته غير معروفة، إلا أن ثمة إجماعاً على أنه كان ضابط استخبارات أردنياً، قبل أن يترك عمله وينتسب إلى التيار السلفي.
وبحسب شاهد عيان من «جبهة النصرة»، فإن الصاروخ دخل على «الأخوة» وهم في «بلوكوز» تحت الأرض يزيد عمقه عن 20 متراً.
ولضمان مقتل جميع الموجودين في الاجتماع كان الطيران يستهدف منافذ الطوارئ لـ «البلوكوز»، مشدداً على أن غالبية «الأخوة» قتلوا داخل السيارات التي حاولت إنقاذهم.
غير أن اللافت هو تأكيد مصدر مقرب من «جبهة النصرة» أن القسم الأول من الاجتماع جرى بحضور زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني وأعضاء مجلس الشورى، ومعظم أعضاء كادره القيادي العسكري والشرعي، إلا أن الجولاني غادر الاجتماع قبل حوالي نصف ساعة من حدوث الغارة ومعه قيادات الصف الأول، أمثال الأردني سامي العريدي والمصري أبو الفرج والسوري أبو أحمد حدود.
وقد تضاربت الأنباء حول جنسية الطائرات التي نفذت الغارة. ففي حين أكد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن أن الطائرات ما تزال مجهولة، ذكر بعض مراسلي المواقع الالكترونية المعارضة أن طائرة «البجعة» الروسية هي التي نفذت الغارة، كما قال مراسل «كلنا شركاء»، بينما ذهب آخرون إلى أن طائرات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، هي من قامت بذلك، من دون أن يكون بالإمكان تأكيد إحدى هذه الروايات.
وكانت «جبهة النصرة» قد تعرضت لضربة مماثلة في الخامس من نيسان الماضي، عندما أدت غارة جوية على أحد معاقلها في كفر جالس بريف إدلب إلى مقتل عدد من قادتها، من بينهم أبو فراس السوري والمصري رفاعي طه أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية في مصر. كما قتل عدد من أعضاء «مجلس الشورى» لديها بغارة استهدفت معقلهم في منطقة الهبيط بريف إدلب أيضاً، العام الماضي.
وتقول الولايات المتحدة إنها تقوم بغارات جوية لاستهداف «جماعة خراسان»، وهم مجموعة من القيادات جاؤوا من أفغانستان إلى سوريا بتوجيه من زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري لتعزيز كوادر «جبهة النصرة» وزيادة خبراتهم العسكرية والشرعية.
وكان الجولاني أكد، في مقابلة سابقة مع قناة «الجزيرة»، أنه «من حقنا الدفاع عن أنفسنا إذا استمرت أميركا بقصفنا، ولن يكون هذا من صالح الغرب»، ولكن بعد أشهر من المقابلة وبعد عدد من الغارات النوعية التي قتلت كبار قادته، لم يحرك الجولاني ساكناً.
ويشير توالي الغارات وتساقط القيادات بهذه الكثافة إلى وجود خرق أمني كبير في صفوف «جبهة النصرة»، خاصةً أن بعض الغارات استهدفت اجتماعات يفترض أن لا أحد على علم بها سوى الحاضرين بها. ويذكّر ذلك بالسهولة التي اصطادت بها الطائرات الأميركية قيادات «فرع القاعدة في اليمن» خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يدل على أن الثغرة الأمنية قد تكون على مستوى تنظيم «القاعدة» ككل، وليست مقتصرة على فرع من دون آخر.
ميدانياً، استمرت الاشتباكات في ريف حلب على جبهة خان طومان، لكنها اقتصرت، أمس، على القصف من بعيد، ولم يطرأ أي تغير على خريطة السيطرة. في حين شهدت مدينة حلب تساقط عدد من القذائف على الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، ما أدى إلى استشهاد خمسة مدنيين في الزهراء والراموسة والميدان، وأصيب ثلاثة جراء عمليات القنص في حي الأعظمية.
وفيما يشبه الاعتراف بارتكاب مجزرة بحق المدنيين في قرية الزارة في ريف حماه الجنوبي، أكد بيان صادر عن «غرفة عمليات ريف حمص الشمالي»، وهي الغرفة التي قادت الهجوم على القرية، أن التحقيق في الصور التي أظهرت مقاتلين تابعين للغرفة بجانب جثث نساء، توصل إلى أن الامرأتين كانتا مسلحتين، علماً أن الصور لم يظهر بها أي سلاح إلى جانب جثث النساء الشهيدات. بل نوه البيان إلى أن «جميع المدنيين في منطقة الزارة كانوا مسلحين»، لكنه وفي تناقض واضح، أكد أنه سيتم «محاسبة الفاعلين».
يذكر أن المجزرة التي ارتكبت في قرية الزارة، ولم يتم إحصاء العدد النهائي لضحاياها، أثارت موجة من السخط والغضب كونها استغلت حالة الهدنة وغافلت المواطنين وهم نيام في منازلهم. وأشار «المرصد» إلى مقتل 19 شخصاً في الزارة، فيما خطف العشرات من سكان القرية.
إلى ذلك، غادر وزير الخارجية الأميركي جون كيري واشنطن أمس إلى السعودية، لإطلاق أسبوع من الجهود الديبلوماسية في محاولة لإنهاء النزاع في سوريا والأزمة في ليبيا. ومن جدة، حيث يلتقي كبار المسؤولين السعوديين، سيغادر كيري الاثنين المقبل إلى فيينا حيث سيشارك في ترؤس اجتماعين دوليين حول النزاعين في سوريا وليبيا.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف إن الحديث عن إمكانية إجراء عمليات مشتركة للعسكريين الروس والأميركيين في سوريا غير مطروح في الوقت الراهن، فيما كرر نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف طلبه بإشراك أكراد سوريا في مفاوضات جنيف، مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا من دون مشاركة الأكراد.
– إدارة أوباما مستعدة لتخفيف حظر السلاح
واشنطن تبحث عن قوات «صديقة» في ليبيا
ليس سراً ما كشفته «واشنطن بوست» أمس الأول نقلاً عن مسؤولين في الإدارة الأميركية من أن قوات أميركية للعمليات الخاصة تتمركز في موقعين في ليبيا منذ أواخر العام الماضي، لمحاولة كسب تأييد محلي لهجوم محتمل على «داعش»، إذ وردت أنباء سابقة عن وجود قوات أميركية بأعداد قليلة في هذا البلد، تشكل كما وصفته الصحيفة «فرق اتصالات» للبحث عن قوات محلية بإمكانها التعويل عليها لمحاربة التنظيم المتطرف، هذا بالإضافة إلى قوات فرنسية ومن دول أوروبية أخرى، ومن بينها بريطانيا برغم نفيها ذلك.
وإذا كان توقيت الإعلان الأخير يعكس رغبة إدارة باراك أوباما في التشديد على الجهود التي تبذلها لمحاربة الإرهاب، قبيل جولة محادثات جديدة حول الأزمة الليبية في فيينا، فإن الإعلان يطرح تساؤلات حول الأسباب التي تبقي على رفض واشنطن التعاون مع الجيش الليبي الذي يقوده خليفة حفتر، برغم التقدم الذي أحرزه أخيراً في بنغازي. ومن المؤكد أن هذا الموضوع جرى بحثه أمس بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره المصري سامح شكري في واشنطن. وتدعم القاهرة حفتر، وتشدد على إعطائه دوراً في المرحلة المقبلة في ليبيا.
وكان حفتر رفض منذ أيام مقابلة المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، وقال متحدث باسمه إن الغرض من طلب الأخير لقاء قائد عملية «الكرامة» فتح ممر آمن «في منطقة القوارشة (في بنغازي) للإرهابيين لا للمدنيين».
أما الكشف الأميركي الثاني أمس، فتمثل بما أفاد به مسؤولون أميركيون من أن بلادهم مستعدة لتخفيف الحظر الأممي المفروض على تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وذلك بهدف مساعدة حكومة «الوفاق» المدعومة من الغرب والأمم المتحدة، والتي يرأسها فايز السراج، على محاربة «داعش».
ويمكن للأمم المتحدة، بموجب مشروع قرار يدعمه البيت الأبيض، إدراج استثناءات على حظر أقره مجلس الأمن الدولي في 2011 على بيع الأسلحة إلى ليبيا أثناء سعي الزعيم الراحل معمر القذافي الى إخماد «الثورة» التي أطاحته في النهاية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إنه «إذا أعدّت الحكومة الليبية (حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج) قائمة مفصلة ومتجانسة بما تحتاج إليه لمحاربة داعش، واستجابت لكل شروط الاستثناء، فأعتقد أن مجلس الأمن الدولي سينظر ببالغ الجدية في الطلب»، لافتاً إلى أن «هناك رغبة صحية جداً داخل ليبيا للتخلص بأنفسهم من تنظيم الدولة الإسلامية، وأعتقد أن هذا أمر علينا أن نستجيب له».
وكانت حكومة «الوفاق»، التي تحاول تثبيت سلطاتها بعدما تمكنت من الوصول مؤخراً إلى طرابلس واستقر بعض وزرائها في المقارّ الوزارية التي كان يشغلها وزراء تابعون لحكومة «الإنقاذ» الإسلامية، أعلنت مؤخراً عن إنشاء «غرفة عمليات» لمحاربة «داعش» والتقدم باتجاه سرت لتحريرها، ينتمي معظم قيادييها إلى مدينة مصراتة التي دعمت في السابق سلطات طرابلس الإسلامية («المؤتمر الوطني الوطني» وحكومة الإنقاذ) و «قوات فجر ليبيا» (جزء من فجر ليبيا حالياً أعلن دعمه حكومة السراج).
يذكر أن قوات حفتر أعلنت مؤخراً التحضر للتقدم باتجاه سرت. كما أعلنت حكومة الإنقاذ الإسلامية برئاسة خليفة الغويل الذي تراجع عن استقالته إنشاء غرفة عمليات للتقدم نحو سرت.
ووسط تساؤلات حول الجهة التي ستذهب إليها هذه الأسلحة، اعتبر الخبير في الشؤون الليبية في «كارنيغي» فريدريك فيري أنه «ليست هناك سلسلة قيادة موحدة، وما زالت بعض الفصائل المسلحة أكثر تركيزاً على التقاتل في ما بينها من مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية»، مشدداً على أن «الخطر الحقيقي يكمن في استخدام تلك الفصائل الأسلحة في المواجهات بينها».
يذكر أنه قتل أمس الأول اربعة مقاتلين من قوات «الوفاق» وأصيب 24 منه في هجوم لـ «داعش» على مناطق مؤيدة للحكومة، علماً أن التنظيم تقدم الأسبوع الماضي باتجاه مصراتة بعد سيطرته على بلدة أبو قرين الإستراتيجية والقرى المجاورة لها، مع حديث عن أن وجهته المقبلة هي مدينة بن وليد.
وكان المفتي الصادق الغرياني المقرب من السلطات الإسلامية التي كانت مسيطرة على طرابلس قد اعتبر أمس الأول أن الحديث عن معركة سرت هدفه «صرف الثوار عن المعركة الحقيقية في بنغازي»، وأن «استدراجهم في معركة أبوقرين» التي دعاهم إلى الوقوف ضدها «سدًا منيعاً»، لأن حفتر «بدأ ينقل المعركة إلى طرابلس»، ناصحاً أهل مصراتة بأن «يكونوا سداً منيعاً، وألا ينجروا إلى الحرب في الصحراء كي لا تبتلع الآلاف منهم»، مشدداً على أن «المعركة الحقيقية للثوار هي في بنغازي لأنه إذا انكسرت شوكة حفتر انكسرت شوكة الدواعش».
إلى ذلك، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن فريقين من الجنود يقل عددهما الإجمالي عن 25 جندياً يعملان من مناطق حول مصراتة وبنغازي، سعياً إلى استمالة حلفاء محتملين وجمع معلومات استخبارية بشأن التهديدات المحتملة.
وذكرت الصحيفة أن الفريقين يحاولان تقييم المخاطر الأمنية في حال قررت أميركا الانغماس بشكل أكبر في عملية في ليبيا.
ونقلت الصحيفة عن بول شار، المسؤول السابق في «البنتاغون» والذي يعمل حالياً في «المركز من أجل أمن أميركي جديد» تساؤله حول كيفية تمكن اميركا من تجنب «سوريا جديدة « في ليبيا. ولكن مسؤولين أميركيين آخرين يعتبرون أن التعاون الغربي مع حفتر ـ والذي يقوم به حلفاء لواشنطن مثل فرنسا ومصر ـ سيجعل تمتين سلطة حكومة الوفاق أصعب.
من جهة أخرى، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المعترف به دولياً بسبب عرقلته تشكيل حكومة الوفاق.
وفي سياق متصل، من المنتظر أن يشارك كيري الذي توجه إلى السعودية أمس، في ترؤس اجتماع دولي حول النزاع في ليبيا في فيينا ابتداءً من الأسبوع المقبل.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم كيري، إن الأخير ونظيره الإيطالي باولو جنتيلوني سيشاركان في ترؤس الاجتماع حول الأزمة الليبية، علماً أن مسألة رفع الحظر عن تصدير السلاح ستكون في صلب هذا الاجتماع.
* النهار
– شبكة ألغاز في مقتل مصطفى بدر الدين
أشرس معارك جبل لبنان غداً في جونية
أثقل مقتل القائد العسكري البارز في “حزب الله ” مصطفى بدر الدين المشهد الداخلي بتداعيات جديدة اضافية تختلط فيها العوامل الميدانية في سوريا والتفاعلات الداخلية المرتقبة لدى الحزب، خصوصاً ان الحدث لم يكن معزولاً عن سلسلة متعاقبة من استهدافات طاولت كوادره العسكرية والميدانية الاساسية على أرض سوريا تحديداً.
واذا كان مقتل بدر الدين أثار موجة تقديرات داخلية متضاربة في شأن ملابسات الحادث الغامض الذي أودى به من منطلق ان اسم بدر الدين يتصل بكونه احد المتهمين الاربعة لدى المحكمة الخاصة بلبنان في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري واحد رموز المقاومة لاسرائيل، فان تريث الحزب في يوم تشييع قائد ذراعه العسكرية في سوريا في اتهام اسرائيل في انتظار استكمال التحقيق الذي يجريه أضاف عاملا آخر من عوامل شبكة الألغاز التي تتحكم بهذا الحدث. كما ان معلومات توافرت لـ”النهار” عن مقتل نحو سبعة آخرين من الحزب بالاضافة الى أحد الكوادر العسكرية الايراني كانوا مع بدر الدين لدى تفجير حصل قرب موقع للحزب في مطار دمشق.
ولم تقف دورة الغموض الواسع حول الجهة التي تقف وراء التفجير والاستهداف عند هذه الحدود، اذ برز مساء بيان أصدره الناطق باسم البيت الابيض الاميركي جوش ايرنست جاء فيه ان المنطقة التي قتل فيها بدر الدين في دمشق لم تكن فيها أي طائرات للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وقال: “لم تكن هناك طائرات اميركية أو تابعة للتحالف في المنطقة التي قيل انه قتل فيها”. وأضاف انه لا يمكنه تأكيد مقتل مصطفى بدر الدين الذي قال “حزب الله” إنه قتل قرب قاعدة مجاورة لمطار دمشق. لكن نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم اعلن خلال التشييع الحاشد لبدر الدين في الضاحية الجنوبية عصر أمس ان تحديد سبب الانفجار الذي أودى ببدر الدين والجهة المسؤولة عنه سيعلن في موعد اقصاه صباح اليوم “وسوف يبنى على الشيء مقتضاه”.
اما في الجانب الاسرائيلي، فقال يعقوب عميدور مستشار الامن القومي السابق لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لصحيفة “هآرتس” إنه على رغم ان قتل بدر الدين “خبر سار” فان “اسرائيل ليست دائما مسؤولة عن ذلك”.
لارسن والملف اللبناني
في غضون ذلك، أفاد مراسل “النهار” في نيويورك علي بردى أن الموفد الخاص للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 تيري رود – لارسن أبلغ أمس أعضاء مجلس الأمن أنه سيتخلى عن هذه المهمة في نهاية أيار الجاري بعدما تولى ملف لبنان طوال السنوات الـ12 الاخيرة .
وعلمت “النهار” أن رود – لارسن نصح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون بتسليم الملف الى مكتب وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، وترك مسألة تعيين مبعوث جديد للأمين العام المقبل للمنظمة الدولية.
وكان رود – لارسن الذي اضطلع بدور حيوي في تنفيذ بعض البنود الرئيسية في القرار 1559، أبلغ قراره الإستقالة الى بعض المسؤولين الكبار في الأمانة العامة للمنظمة الدولية قبل أسابيع.
وبعد إحاطته الثالثة والعشرين أمام أعضاء مجلس الأمن، صرّح رود – لارسن لـ”النهار”: “أقوم بهذا العمل منذ 12 سنة، وسيكون هناك أمين عام جديد في نهاية السنة… أعتقد أن هذا هو الأمر الصحيح والمشرف الذي ينبغي القيام به الآن. المعينون في المناصب السياسية العليا لدى الأمم المتحدة سيكونون من شأن الأمين العام المقبل أو الأمينة العامة المقبلة”.
وهو قال لأعضاء مجلس الأمن في الجلسة المغلقة إنه “منذ إصدار القرار في أيلول 2004، تحقق الكثير. في نيسان 2005، سحبت سوريا جنودها وأصولها العسكرية من لبنان على أساس اجراءات أمنية توسطت فيها الأمم المتحدة في اطار القرار 1559. وتلا ذلك إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بين البلدين عام 2009. وأجريت انتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة عامي 2008 و2009 على التوالي”، مضيفاً أن “هذه الأحداث التاريخية تثبت الأثر المهم والايجابي للقرار 1559 على الإستقلال السياسي للبنان وسيادته”.
غير أنه أشار في الوقت ذاته الى أحكام أخرى لم تنجز فحسب ، بل أن الفشل في تنفيذها يمكن أن يقوض أيضاً التقدم الذي أحرز حتى الآن”، ومنها “الفراغ الرئاسي وتأثيره السلبي على قدرة لبنان على اتخاذ قرارات مهمة”.
ولاحظ أن أبرز البنود العالقة في القرار 1559 “نزع السلاح وتسريح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية” التي وسعت نشاطاتها، مؤكداً أنها “تمثل التهديد الأكبر والأخطر لسيادة لبنان واستقراره واستقلاله السياسي”.
وأمام الصحافيين، أشاد رود – لارسن برئيس مجلس النواب نبيه بري لـ”عمله البديع في جمع الأطراف اللبنانيين المختلفين معاً”، وبرئيس الوزراء تمام سلام لـ”قيامه بجهود بطولية من أجل حل الشلل في المؤسسات الحكومية”. وقال إن “الأهم الآن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش”. وشدد على أن “هذا شأن داخلي لبناني”.
* الاخبار
عن الشقي، الأنيق، المبتسم… القائد الحازم والشجاع
ابراهيم الأمين
لم يكن ذو الفقار شخصاً عادياً. الحكايات التي يسردها الاهل والأحبّة، بعد الاستشهاد، لا تخفي تميّز المميزين. لا حاجة الى مبالغة، او افراط في الاعجاب، للرفع من شأن الأبطال. ليس مثل الاستشهاد ما يرفع الناس الى الرتبة الأعلى بين البشر.
لم يكن «السيد» الانيق، الجميل، الذكي واللماح، شخصاً عادياً. ليس لأنه وصل الى ما وصل اليه من مراتب قياديّة، بل لأنه لم يكن شخصاً عادياً، حتى بين زملائه ورفاق دربه.
الشجاعة والاقدام يدفعانه للوقوف دائما عند الخطوط الحمر. رجل يعرف كيف يكون في المكان الاكثر صعوبة. لا يهرب من التحدي، وجرأته تجعله يقترب من عدوه حتى يلتصق به حاصياً انفاسه.
لم يكن كثيرون يجيدون لعبته: سعي الى حرفية عالية في ما يقوم به. وانشداد غير عادي لمتطلبات العمل، لكنّ ذلك لا يمنعه من متابعة الحياة. لا شيء يمنعه من حبّ الحياة أيضاً. لا شيء يمنعه من التفكّر في أمور قد يراها البعض غريبة عن عالم المقاومة والمقاومين. لا يمنعه ان يواصل تعليمه الجامعي متى أُتيح له ذلك، او التعرف على اصناف عدة من البشر، من اهل بيئته الاجتماعية او الحزبية او حتى غيرهم، من التجول والانتقال بين اكثر من مكان، بقصد العيش او العمل. ولا شيء يجعله جاهلاً بامور تبدو في مرتبة متدنية عند كثيرين من اترابه.
الإغواء هو افضل ألعابه. ليس بمقدور كثيرين الافلات منه. من يقع تحت تأثيره فاز بالكثير. حتى الذين يغضبون، او يحردون، جلهم ممن عاصره وعمل معه وقاتل الى جانبه. وعندما يمارس حرفة المحاسبة، يفعل ذلك مع من يكون مخالفاً لقواعد لعبته في العلاقات، او قواعد العمل كما يراها هو حيث يترأس. حزمه وجدّيته، دأبه وقساوته، او سمّها ما شئت، منحته مهابة زُرعت في قلوب اعدائه، وعلت على سيماء وجوه المقربين ايضا. لكنه عندما يشعر بانه اخطأ بحق أحد، او تسبب له بأذى، كان يؤاخذ نفسه، ويختلي بنفسه باكيا، مطاردا المساءَ اليه طالبا الاعتذار والسماح. ووصل الامر، به في احدى المرات، الى ترجي احد المقاومين ان يسمح له بتقبيل يديه ورجليه صفحا واعتذارا.
منتصف تسعينات القرن الماضي، كان «السيد» يتولى مسؤولية العمل العسكري في المقاومة. حرصه ليس فقط على التخطيط والتجهيز والتنفيذ والمتابعة، بل أيضاً على صورة المقاومة والمقاومين. وكان مندفعاً صوب تفاعل خاص مع الاعلام. وكان واضحاً ما يستفزّه: لماذا تدخل غرفتي من الشباك، بينما يمكنني ان أرحّب بك عبر الباب؟
كانت هذه أول رسالة تصلني من الرجل الذي لا يخشى ترك بصماته خلف عمله. وكان العرض لي بأن اتوقف عن لعبة الصحافي الذي يريد معرفة تفاصيل خاصة، واستغلال علاقات شخصية بغية الوصول الى ذلك. أرسل لي: تعال واشرب من رأس النبع!
بعدها، صار بالامكان التعرف على العمليات بعد وقت قصير من حصولها، وكانت لديه قواعده، بحيث اذا جرى احترام الخصوصية، وعدم استخدام معلومات ليست للنشر، فهذا يعني المزيد من الاطلاع. وبالطبع، المزيد من السبق الذي يغري الصحافي. وهو ما كان ذو الفقار يعرفه جيدا. عندما حصلت عملية انصارية الشهيرة، انزعج «السيد»، ليس فقط من محاولة البعض «التنطح» للحديث عن الانجاز بطريقة تدل على انه ليس صاحب صلة، بل كان يغضبه فقر الخيال عند لبنانيين، وحتى عند العدو، الذي احتار لسنوات قبل معرفة كيفية اكتشاف المقاومة للعملية وطريقها، التي عاد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وكشفها، ربطا بالاشارة الى ضرورة عدم استبعاد العدو كاحد المشتبه بهم في انه يقف خلف اغتيال رفيق الحريري.
لا شيء يمنعه من حبّ الحياة أو من التفكّر في أمور قد يراها البعض غريبة عن عالم المقاومة والمقاومين
في ذلك اليوم، كان ذو الفقار يهتم بتوسيع انتشار خبر العملية وتفاصيلها، من دون التورط في اخطاء امنية من شأنها تعطيل عمليات لاحقة. حتى ان بعض رفاقه اخذوا عليه يومها انه افرط في الامر، لكن الفكرة، انه كان من القليلين الذين ادركوا باكرا اهمية الصورة واهمية الاعلام واهمية الشكل في هذه المعركة. هو نفسه الاهتمام الذي طبع علاقة رفيق دربه الشهيد عماد مغنية بالاعلام وبالانشطة وخلافه.
سنوات مرت، قبل ان يترك ذو الفقار مهمّاته العسكرية المباشرة، ويتولى الشهيد رضوان المسؤوليات كاملة. لتمر مرحلة، استمرت سنوات ايضا، تولى خلالها الشهيد الكبير المهمات المنتقاة بدقة، التي ابقته في الدائرة القريبة من مركز القرار، لكنها المرحلة التي اتاحت له التعرف اكثر على احوال الدنيا والعالم، والتعرف على الخصوم والاعداء بطريقة افضل، واكثر مواكبة لتحديات العصر. وهو الغنى الذي جعل السيد يتولى، فور استشهاد الحاج رضوان، المسؤوليات الكبيرة من جديد. وصار واحدا من قلة قليلة تساعد الامين العام لحزب الله على ادارة المجلس الجهادي ووحداته، بعدما بات المجلس يمثل عشرات اضعاف الحجم الذي تركه ذو الفقار قبل سنوات. ومن يومها، عاد «السيد» الى دائرة العمل التنفيذي بصورة اعادت صلته بالاعلام من جديد. وربما كان ملف اتهام المحكمة الدولية إياه بالتورط في اغتيال الحريري، مناسبة اضافية، للتفاعل اكثر مع كل ما يحيط بهذه القضية، ولو انه كان يعرف التمييز الدقيق، بين متابعة لصيقة لما يجري في المحكمة وقبلها في لجان التحقيق، وقدرته على تجاوز هذا الحدث للتفرغ اكثر لمقارعة العدو.
واحدة من مهماته الاولى كانت متابعة التحقيقات في جريمة اغتيال الشهيد عماد. تابع كل التفاصيل الدقيقة، وتولى بنفسه التدقيق في مسائل كثيرة على صلة بالامر، وصولا الى تكوين الملف الاتهامي لاسرائيل بالوقوف خلفها. وهو ملف يحوي كمية هائلة جدا من المعطيات الدقيقة، والشاملة لكيفية التخطيط للعملية وكيفية حصول الاختراق الامني لتشخيص الحاج عماد، وصولا الى كيفية تنفيذ الجريمة، وبواسطة من، وبأي طريقة دخل الصهاينة الى قلب سوريا وكيفية خروجهم منها، ومن تعاون معهم ومن قدم إليهم العون المعلوماتي او اللوجستي. وهو التحقيق الذي ترافق مع تولي ذو الفقار الاشراف على اكبر تطور في عمل جهاز مكافحة التجسس في المقاومة، الذي سمح ليس فقط بتفكيك عشرات شبكات العملاء مع العدو، بل أيضاً بـ»تعطيل» برامج عمل كثيرة للاسرائيليين وللاميركيين.
طوال تلك المدة، حتى بعد توليه مسؤولية «ساحة سوريا»، لم يكن ذو الفقار غائباً عن الملفات الحساسة. وكان دائم الحذر والتحسب لكون العدو لم يعد يقتصر على اسرائيل ومن تجنده معها، بل كان خبيرا عالما بدور اجهزة استخبارات غربية وعربية وحتى لبنانية في مطاردة المقاومة ورجالاتها. وهو كان قادراً على القيام بالكثير من الامور لارباك هؤلاء العملاء، الذين عملوا بنشاط كبير عند سيدهم الاميركي والسعودي والاسرائيلي بغية الوصول اليه وقتله.. او حتى خطفه!
ذو الفقار، القائد العسكري الحاسم، كان يحمل في قلبه طفلا ودودا، مثل اولاده الذين كبروا كغيرهم من اولاد القادة المقاومين. بحيث لا يحظون بما يحظى به المقاومون. ولده الفتى علي كان، فجر امس، يتنقل بين غرف المنزل باكياً، مستعجلاً عودة والده، يسأل رفاقه عن موعد وصول جثمانه.
يريد الارتماء في حضنه ولو شهيدا. وبناته اللواتي ارتضين مصاعب حياة من يولد لاب كمصطفى بدر الدين، يجلسن بجوار الحاجة سعدى، ارملة الشهيد عماد، وام الشهيد جهاد، وشقيقة الشهيد مصطفى، تلك المرأة التي باتت تعيد إلينا اليوم، رواية زينب الكبرى حافظة ارث الشهداء. او شقيقه الاكبر عدنان، الذي يحدث شقيقه الشهيد معاتبا: كيف سمحت لهم يا مصطفى بالوصول اليك؟ يستعجل التنقل بين زوايا منزل الاهل، جامعا اثار الشهيد من رائحة وعطر وصدى كلمات.
قبل أشهر، في جلسة ببيت العائلة في الغبيري، كان ذو الفقار يعتذر من جيران لانه يتخلف عن تفقد احوالهم. كان يمازح بعضهم: «اعذروني، لا اقدر على التجول كثيرا، فمخفر برج الغبيري لديه برقية اعتقال بحقي لانني كنت أقود دراجة نارية من دون خوذة». كان يضحك، وهو يسخر من خصومه الذين لم يتركوا حيلة الا لجأوا اليها في سياق تشويه صورته بين ناسه واهله. وهي الحملة التي يتعرض لها قادة المقاومة طوال الوقت.
يومها، خرج السيد حسن ليدافع عن القادة الابطال بوجه الاعداء. بعدها قال ذو الفقار ان هؤلاء يعتقدون ان هذه الحملات من شأنها اعادتنا الى بيوتنا متخفّين هاربين، وقال حاسما: «واجبي وتكليفي العمل على مواجهة كل مشاريع هؤلاء، ولن أغادر عملي في لبنان أو سوريا أو أي ساحة أخرى، إلا شهيداً محمولاً أو حاملاً لراية النصر».
للرجل سيرة جهادية طويلة جدا. ستكتب بتفاصيلها كاملة يوما ما، لكن، مثل حال رفيقه الحاج رضوان، سيظل سجل انجازاته مغفلا لسنوات تطول او تقصر بحسب ما تراه المقاومة مناسبا. الامر ليس له صلة بالترفع عن رواية تاريخ الشهداء القادة، بل له صلة بما انجزه هؤلاء من برامج تبقى محل تفعيل طوال الوقت. ويتابعها من يخلفهم في قيادة المعركة المفتوحة مع العدوين الاسرائيلي والتكفيري، ومن خلفهما الولايات المتحدة الاميركية والسعودية وتركيا ومن معها.
صنفان هما اعداء الشهيد الكبير، واحد عارف به، سيظل يخشاه بعد استشهاده، وسيظل يتحسب ان انتقاما اعده ذو الفقار لنفسه بنفسه، وثان جاهل به، سيأتي اليوم الذي يتعرف فيه على حقيقة بطل من أمتي!
– إسرائيل: بشرى سارة ولسنا مسؤولين
يحيى دبوق
لا تبنّيَ اسرائيلياً رسمياً، او غير رسمي، لعملية الاغتيال. هذه المرة، لم تكتف اسرائيل بالصمت، او بـ «الغموض البناء»، أو بالايحاءات غير المباشرة، بل سارعت الى النفي، وتأكيد عدم المسؤولية عن اغتيال القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين.
لدى تل ابيب اكثر من سبب يدفعها لتنسب لنفسها بطولات، احوج ما تكون القيادة الاسرائيلية اليها حالياً، الا ان المؤكد، أكثر، انها تخشى مما يمكن ان يترتب على اي تبن، وإن تلميحا، لعملية الاغتيال. مع الاشارة الى ان خسارة حزب الله والمحور المقاوم لبدر الدين يصب من دون شك في مصلحة المخطط الاميركي الاسرائيلي والعربي لسوريا.
عمدت تل ابيب الى النفي، عبر مسؤوليها واعلامها ومعلقيها ومراسليها العسكريين، برغم تأكيدها ان اغتيال «هذا القيادي» في حزب الله، «بشرى سارة وايجابية». اذ ان بدر الدين، بحسب التعليق العبري «مسؤول عن تخطيط وتنفيذ عشرات العمليات ضد اسرائيل واهداف اسرائيلية». وبحسب القناة الثانية العبرية: «نعم، اسرائيل تشعر بالرضى جراء عملية اغتيال بدر الدين. الا ان ذلك لا يعني انها هي من نفذ عملية الاغتيال».
حزب الله سيتغلب على هذه الخسارة وسيتعافى من هذه الضربة
وضمن هذا التوجه، جاءت التعليقات والمواقف الاسرائيلية. صحيفة «يديعوت احرونوت» اشارت الى ان «سياسة الاغتيالات» التي تتبعها اسرائيل، لا ترتكز على مبدأ تصفية حسابات او عمليات انتقام ضد اطراف عدوة، بل توجه تحديدا لمنع تنفيذ عمليات ضدها او خطط مستقبلية تستهدف مصالحها، لافتة الى ان «اسرائيل غير مسؤولة هذه المرة عن عملية الاغتيال، برغم ان لديها حسابا طويلا مع بدر الدين».
وردا على اسئلة الاعلاميين عن مسؤولية اسرائيل عن عملية الاغتيال، اكتفى المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية عمانوئيل نحشون بعبارة «لا تعليق». العبارة نفسها تمسك بها ايضا، ردا على سؤال للاذاعة العبرية، وزير الاستيعاب، زئيف الكين، المقرب من رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فيما اشار نائب وزير التعاون الاقليمي، ايوب قرا (الليكود)، الى انه «لا علاقة لاسرائيل بمقتل بدر الدين… وليس لدى اسرائيل اي توجه او تفكير بتنفيذ اغتيالات في هذا القطاع»، في اشارة الى سوريا.
مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، «بارك» في حديث للاذاعة العسكرية عملية الاغتيال، وأكد ان هذا النبأ يعد «بشرى سارة وجيدة لاسرائيل». لكنه اكد في المقابل ان «اسرائيل ليست مسؤولة دائما عن عمليات اغتيال تستهدف اعداءها». وأضاف: «وضعنا يكون أفضل اذا اختفى اولئك الذين يملكون خبرة وتجربة مثل بدر الدين، من قائمة المطلوبين لدينا، وهذا سيكون افضل لاسرائيل».
من جهتها، اشارت صحيفة «معاريف» الى ان اغتيال بدر الدين يعد ضربة قاسية للقيادة العسكرية لحزب الله، وخاصة انه من المؤسسين الاوائل للجناح العسكري في الحزب، «لكن كما هي الحال بعد اغتيال (الشهيد عماد) مغنية، يمكن التقدير ان حزب الله سيتغلب على هذه الخسارة وسيعين قائدا عسكريا من الصف الاول لديه، وبعد فترة سيتعافى من هذه الضربة»، مشيرة الى انه «من ناحية اسرائيل، فهي بالطبع غير آسفة على ما حل به (بدر الدين)، اذ كان مخططا ومنفذا لعشرات الهجمات ضد اسرائيليين ومصالح اسرائيلية». وبحسب الصحيفة، «حزب الله مني بخسائر كبيرة في سوريا، الا انه في مقابل ذلك يحتفظ بقوة كبيرة جدا في الساحة اللبنانية، سياسيا وعسكريا، وهو عدو خطير جدا ومرير جدا لاسرائيل».
وفي اجراء ذي مدلول، اشارت مصادر عسكرية اسرائيلية في حديث للقناة الاولى العبرية، مع ابراز لافت في النشرة الاخبارية المركزية مساء امس، ان لا تدابير او اجراءات احترازية على طول الحدود مع لبنان، وأن الجيش الاسرائيلي لم يرفع مستوى استنفار وحداته العسكرية مقابل الجانب اللبناني من الحدود، كما انه لا تعليمات خاصة موجهة الى سكان المستوطنات القريبة من السياج الامني شمالا.
– المقاومة أمام التحدي الكبير
خلال ساعات قليلة، يفترض ان يعطي حزب الله الاشارة الى وجهة جديدة لمعركته في وجه اعدائه. ونتائج التحقيقات التي تكثفت خلال الـ 24 الساعة الماضية في مسرح جريمة اغتيال القائد مصطفى بدر الدين، تكون قد افضت الى تحديد التفاصيل الكاملة لعملية الاغتيال ونوعية السلاح المستخدم وطريقة التنفيذ، وبالتالي الاشارة مباشرة الى من بمقدوره تنفيذ مثل هذا العمل.
وبحسب المعلومات، فإنه قبل منتصف ليل الخميس – الجمعة بقليل، كان بدر الدين قد انهى اجتماعا ميدانيا في مقر للحزب قرب مطار دمشق، وبعد مغادرة رفاقه الاجتماع، كان لا يزال في باحة المبنى عندما دوى انفجار، تبين لاحقا انه ناتج من صاروخ موجه، من نوع شديد التطور، سقط على بعد نحو مترين من الشهيد، وهو يعمل وفق آلية تجعله اقرب الى القنبلة الفراغية التي تتسبب بانفجار داخلي عند المستهدف، من دون ان تستهدفه بشظايا. وهو ما ظهر عندما نقلت جثة الشهيد الى المركز الطبي، حيث تبين انه اصيب بشظايا صغيرة في بطنه واسفل رأسه، لكن الدماء كانت تخرج من انفه وعينيه بما يؤشر الى الضغط القائم بسبب الانفجار.
وبحسب المعلومات، فان هذا «المقذوف» لا يطلق من منصة آلية كمدفع او ما شابه، بل يجري توجيهه، وذلك ربطا بعملية رصد دقيقة للمكان، وهو ما يتطلب عملا تقنيا رفيعا لا يتوافر الا لدى دول متطورة. برغم ان جهاز امن المقاومة ترك منذ اللحظة الاولى الباب مفتوحا امام كل الخيارات، وبينها أن تكون المجموعات المسلحة خلف العملية، او جهاز يتبع لدولة مثل اسرائيل او غيرها من الدول التي ترى في بدر الدين، وبما يمثل، هدفا ملحا.
ووفق ما هو مقدر، فان اعلان الحزب رسميا عن تحميل جهة ما المسؤولية المباشرة عن عملية الاغتيال، سيكون مقدمة لعمل من نوع مختلف من جانب المقاومة، لاعتبارات كثيرة، ابرزها الحاجة القوية الى الية ردع عن استهداف قادته وكوادره ومقاتليه في عمليات اغتيال بعيدا عن جبهات القتال، ثم في سياق معاقبة القتلة بمعزل عن هويتهم او مكانهم، ثم في العمل على احباط اي هدف سياسي يراد استثماره في المواجهة القائمة على الاراضي السورية، حيث كان الشهيد يتولى مسؤولية قوات حزب الله.
ومن المنتظر أن يُطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتأبين الشهيد في ذكرى مرور أسبوع على استشهاده، يوم الجمعة المقبل.
* البناء
«إسرائيل» حاضرة في الاغتيال… وكذلك «القاعدة»… والتحقيق يحدّد الأدوار اليوم
تداعيات استشهاد بدر الدين تعني شراكة «إسرائيل» في حرب حلب استباقاً للنصر
صيف حارّ في المنطقة… وشمال سورية وجنوب لبنان يرسمان الخريطة
كتب المحرر السياسي
الضربة التي تلقاها محور المقاومة بخسارة أحد أبرز قادته وقادة حربه في سورية الشهيد القيادي في المقاومة مصطفى بدر الدين، شكلت فرصة لإعادة رسم خريطة الحروب والتسويات، وترسيم وتظهير الأدوار في التحالفات، فقالت إن واشنطن لا تزال تقف وراء خطط الحرب الكبرى بوجه محور المقاومة وأنها هي التي ترعى حلفاً يضم «إسرائيل» ويسعى لحفظ أمنها، ويضم تركيا والسعودية ويشكل تنظيم القاعدة، بجناحيه داعش والنصرة، ذراعه العسكرية يراهن على حرب استنزاف تنجح بالحفاظ على سيطرته على أجزاء واسعة من الجغرافيا السورية. هي المناطق الممتدة من حلب إلى الحدود التركية السورية، وأن رهان واشنطن هو على التخفف من مخاطر التورط في الحرب مباشرة والانكفاء إلى خطوط خلفية تسعى لنقل موسكو إلى ما يعادلها للظهور معاً بدور الوسيط الداعي للتهدئة والتسويات، والاكتفاء بما يرتبه سحب روسيا من الدور العسكري المباشر في مساندة حلف المقاومة لقاء شراكة نظرية وهمية في صناعات تسويات لا يريد لها الأميركي أن تكون أكثر من متنفس بين جولة وجولة لمنع الجيش السوري وحلفائه من استرداد الشمال السوري، وتحويل موسكو باسم الوساطة ورعاية الهدنة والتسوية إلى قوة ضغط على حلفائها في محور المقاومة.
هذا الرهان الأميركي الذي بات مكشوفاً في التعامل مع منطق الحرب والتسوية في سوريا، والسعي لإطالة أمد الحرب واستنزاف قوى المقاومة فيها، انطلاقاً من أن عدم توافر مقدرات صناعة النصر لا تعني عدم توافر ما يكفي من المقدرات لخوض حرب استنزاف ترعاها تركيا من وراء الحدود وتساندها «إسرائيل» عند الضرورة، وتمولها السعودية، وتشحن لها أعداد المسلحين من تنظيم القاعدة تباعاً من أنحاء العالم. وفي حصيلة حرب الاستنزاف عرض شروط التسوية التي تضمن عدم خروج سورية معافاة وقادرة على استرداد مكانتها كقاعدة للمقاومة، ولكن الأهم ألا يخرج منها حزب الله قادراً على تشكيل عصب المقاومة وقوتها الرادعة القادرة على وضع أمن «إسرائيل» في دائرة الخطر. وليس من باب الصدفة ولا الفراغ أن تقول واشنطن كلمتها في الاغتيال، فتنفي كما فعلت يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري أن تكون إحدى طائراتها حلقت في الأجواء السورية فوق منطقة الاغتيال وقت حدوثه، وهو النفي المؤكد للحدوث، وتوقيع غير مباشر على الشراكة في الاغتيال، كما ليست مصادفة تلك الحملة المبرمجة لحلفاء واشنطن من بيروت إلى الرياض لشيطنة صورة الشهيد بدر الدين يوم تشييعه.
ليس على «إسرائيل» الانتظار لنهاية حرب سورية وخروج محور المقاومة منتصراً وملاقاة مصيرها الصعب بعد ذلك وحيدة، وقد خرج حلفاؤها مهزومين، بل عليها أن تلاقيهم في إسناد حربهم وتحفيزها، وتقديم ما يلزم لمنحها اسباب القوة، لتلتقي الضربات «الإسرائيلية» مع العقوبات الأميركية والخليجية، والمحكمة الدولية والفتنة الداخلية من ورائها، وقنوات التشويه الإعلامي وعمليات الاغتيال بتهشيم جسم المقاومة وتفكيك جبهتها الداخلية، لتصير أي تسوية مناسبة لـ«إسرائيل» والسعودية وتركيا في سورية ترعاها وترضى بها واشنطن إعلاناً عن نهاية الخطر على «إسرائيل».
اغتيال الشهيد القيادي في المقاومة مصطفى بدر الدين يقول إن الحرب في ذروتها وإن فصولاً أشد قسوة منها على الطريق، وإن الصيف المقبل شديد الحرارة، وإن حرباً تكون «إسرائيل» طرفاً فيها ليست مستبعَدة إذا كانت استراتيجية الخروج منها تسوية شاملة تضمن الأمن «الإسرائيلي» على الجبهتين اللبنانية والسورية، ليقول شمال سوريا وجنوب لبنان الكلمة الفصل، هذا ما يقوله الاغتيال بانتظار ما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة المقبل.
حزب الله يعلن اليوم مَن اغتال بدر الدين
طغى خبر استشهاد القائد مصطفى بدر الدين في انفجار كبير استهدف أحد مراكز حزب الله، بالقرب من مطار دمشق الدولي المشهد الداخلي وحجب الأضواء عن ملفات تعجّ بها الساحة السياسية وعلى رأسها الانتخابات البلدية. ومن المتوقع أن يعلن حزب الله اليوم الجهة المسؤولة عن اغتيال الشهيد بدر الدين.
وزفّ حزب الله في بيان القائد بدر الدين السيد ذو الفقار ، وأوضح في بيان آخر أن «المعلومات المستقاة من التحقيق الأولي تفيد بأن انفجاراً كبيراً استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى استشهاد الأخ القائد مصطفى بدر الدين السيد ذو الفقار وإصابة آخرين بجراح، وسيعمل التحقيق على تحديد طبيعة الانفجار وأسبابه، وهل هو ناتج عن قصف جوي أو صاروخي أو مدفعي، وسنعلن المزيد من نتائج التحقيق قريباً».
ولاحقاً، نفت مصادر المقاومة ما تتناقلته بعض وسائل الإعلام عن سقوط شهداء إلى جانب الشهيد بدر الدين.
.. ونصرالله يتحدث الجمعة
وشيّع حزب الله بمراسم حاشدة ومهيبة بدر الدين في روضة الشهداء في الغبيري بالضاحية الجنوبية بمشاركة قيادة حزب الله ونواب كتلة الوفاء للمقاومة وشخصيات وقيادات سياسية وحزبية وفعاليات اجتماعية.
وفيما يتحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نهار الجمعة المقبل باحتفال تأبيني للشهيد مصطفى بدر الدين في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت، أعلن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أن «الانفجار الذي استشهد به بدر الدين كان كبيراً، وقد دأب اخواننا على التحقيق بطبيعة الانفجار ومَن سببه». وقال «بسبب وجود احتمالات كبيرة جداً لم نستبق التحقيق، وأن نعلن بناء على رؤية سياسية أو رغبة في تظهير بعض الأعداء مقابل البعض الآخر».
وكشف قاسم أنه «خلال ساعات أقصاها صبيحة غد اليوم سنعلن بالتفصيل ما هو سبب الانفجار ومَن هي الجهة المسؤولة وسنبني على الأمر مقتضاه». وأضاف «لقد تلمّسنا خطوات واضحة تؤشر الى الجهة وإلى الأسلوب، لكننا نحتاج الى بعض الاستكمال لنتيقّن مئة بالمئة وسنعلن هذا الأمر».
المقاومة تملك القدرة على التكييف
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن «العمل جارٍ من قبل حزب الله على تحديد طبيعة الاستهداف إذا كان الانفجار ناجماً عن صاروخ أو عبوة أو قصف مدفعي وانطلاقاً من ذلك سيتمّ تحديد الطرف الذي نفّذ هذه العملية سواء «إسرائيل» أو استشهاد في إطار طبيعة المعركة في سورية، كما يقوم حزب الله بتجميع العناصر للوصول الى خلاصة يواجه فيها الرأي العام».
ولفتت إلى أن «حزب الله بات يملك القدرة على تكييف ما يجري بحق قادته الشهداء من ظرف الى فرصة على قاعدة التحدّي، ويشكل استشهاد بدر الدين خسارة كرمزية معنوية لها علاقة بالحضور والموقع وبوجوده في سورية».
بدر الدين مكلّف بإدارة المعركة في سورية
وتحدثت مصادر أخرى عن «خرق أمني من الجهة المنفذة لمركز حزب الله الذي تعرّض للرصد والمراقبة أدّيا الى معرفة أنّ الشهيد بدر الدين موجود فيه وهو عبارة عن مركز عمليات لإدارة الحرب في سورية وللتنسيق مع القيادة السورية».
واستبعدت المصادر وجود رابط بين تنفيذ الاغتيال والتوقيت السياسي الذي تمرّ به المنطقة إن كان معركة حلب أو مفاوضات جنيف، «بل يندرج في إطار الحرب الأمنية والاستخبارية وصراع العقول والإرادات بين حزب الله والعدو الإسرائيلي»، ولفتت الى «أن بدر الدين قائد عسكري معروف ومن الطبيعي عند توفر الفرصة لـ«إسرائيل» لاغتياله ستنفذ العملية بمعزل عن أي اعتبارات أخرى».
ورجّحت المصادر أن يكون الاستهداف تمّ بواسطة صاروخ «إسرائيلي» موجّه على مركز الحزب، وشدّدت على أن «بدر الدين مكلف بإدارة المعركة في سورية وكان يشغل مهمة معاون القائد العسكري لحزب الله الشهيد عماد مغنية وعند اغتياله عين بدر الدين المسؤول العسكري في حزب الله إلا أن مغنية كان يشغل المسؤول الأمني والعسكري معاً».
وأوضحت المصادر أن «اتهام حزب الله بتصفية كل القيادات التي لها علاقة بالمحكمة الدولية يحرف الأنظار عن المنفذ الحقيقي وهو إسرائيل»، وتساءلت: «هل من المنطق أن يصفّي حزب الله قائداً بحجم بدر الدين وهو الذي يدير الحرب في سورية ضد الإرهابيين؟».
وأعلنت المحكمة الخاصة بلبنان في بيان، أنها لن تستطيع أن تقدم أي تعليق حول الإعلان عن اغتيال بدر الدين في وسائل الإعلام قبل صدور قرار قضائي، مؤكدة أنها «ستظل ملتزمة باضطلاعها بولايتها بأعلى معايير العدالة الدولية».
حردان: الردّ هو التمسك بالمقاومة
وأكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ «ارتقاء القائد المقاوم مصطفى بدر الدين شهيداً، يؤكد أنّ المقاومة التي تقدّم قادتها شهداء، هي نهج حياة وإرادة صراع، وخيار ثابت، راسخ، عماده الحق وغايته الحرية».
وشدّد حردان على أنّ الردّ على العدو «الإسرائيلي» وأدواته وإرهابه وإجرامه، هو التمسّك بالمقاومة، خياراً ونهجاً، لهزيمة المشروع المعادي.
وتقدّم حردان إلى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله وقيادة وكوادر المقاومة وإلى عائلة الشهيد وكلّ عوائل الشهداء، بـ«أحرّ التعازي باستشهاد بدر الدين، مؤكداً أنّ دماء الشهداء تشقّ الطريق لانتصار قضيتنا، قضية الحقّ، في مواجهة باطل الاحتلال والعدوان والإرهاب».
لارسن يستقيل وفيلتمان يتسلّم
وفي توقيت لافت، قدّم تيري رود لارسن استقالته أمام مجلس الأمن في جلسة مغلقة من منصبه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة لتطبيق القرار 1559 في شأن لبنان وحزب الله وسورية. وسيتولى جيفري فيلتمان مهمته الى حين تعيين بديل عنه من جانب الأمين العام للأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما تبقى من هذا القرار هو البند المتعلّق بسلاح المقاومة بعد خروج الجيش السوري من لبنان ونشر الجيش اللبناني في الجنوب وفقاً للقرار 1701.
تسلّم فيلتمان سيصاعد الضغط على لبنان
وقال وزير وديبلوماسي سابق لـ«البناء» بأن «تكليف فيلتمان بهذه المهمة جاء نتيجة استقالة لارسن وثانياً لأن مواقف فيلتمان المتشددة تجاه حزب الله والمقاومة معروفة، وهو كان سفيراً سابقاً في لبنان الذي شهد حينها أحداثاً أمنية خطيرة»، موضحاً أن «الولايات المتحدة تنظر الى أن القرار 1559 لم ينفذ بعد لجهة سحب سلاح حزب الله ووضعه تحت أمرة الدولة والجيش».
وشدّد على أن «فيلتمان ومن خلال هذا المنصب سيكون أكثر تشدداً لجهة تنفيذ القرار، وبالتالي مؤشر على زيادة الضغط الدولي على لبنان وعلى الحكومة وعلى المقاومة من كل جوانبها المالية والسياسية العسكرية والأمنية التي توّجت اليوم أمس باغتيال بدر الدين». وأشار الى أن «هذا العمل الأمني ليس له توقيت سياسي ولا علاقة بمفاوضات جنيف بل عمل عكسري وأمني بحت وليس الأول من نوعه ضد المقاومة».
رسالة من هولاند إلى الراعي
وفي غضون ذلك، وبعد أقل من أسبوع على لقائهما في قصر الاليزيه وجّه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند رسالة الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي واعداً بأن «فرنسا ستتابع بذل الجهود الى جانب الأفرقاء المعنيين لمساعدة اللبنانيين على ايجاد حل للأزمة السياسية والمؤسسية بأسرع ما يمكن، وانه سيحث الأسرة الدولية على العمل بهذا الاتجاه».
حراك دولي باتجاه لبنان
وفي إطار الحراك الدولي باتجاه لبنان، تصل الى بيروت الاثنين المقبل وزيرة خارجية الأرجنتين السيدة سوسانا مالكورا في زيارة تستمرّ يومين تلتقي خلالها كبار المسؤولين، على أن تليها زيارة لوفد بلجيكي، قبل أن يصل إلى بيروت وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت في 25 الجاري تحضيراً لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان. وفي السياق نفسه وصل الى بيروت الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريللا على رأس وفد، التقى خلالها رئيسي مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام في اطار البحث عن وضع خطة شاملة لمواجهة موضوع النزوح وتفقد كتيبة بلاده في مقر قيادة القطاع الغربي في «اليونيفيل» في بلدة شمع.
جونية تستعدّ لمعركة الأحد الطاحنة
على صعيد آخر، تستكمل الاستعدادات للجولة الثانية من الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان، على أن تشهد مناطق جونية وسن الفيل والحدث معارك انتخابية محتدمة، وفي ما شهدت معراب أمس لقاءً بين رئيس حزب القوات سمير جعجع ومناصري «القوات» في جونية تم خلاله الاتفاق على إعطاء المناصرين حرية الاقتراع لأي من اللوائح المتنافسة. وأشارت بعض المعلومات الى أن «جعجع سيعطي أصواته الى لائحة فؤاد البواري»، بينما لفتت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أن «الجو العام يشير الى معركة طاحنة جداً في جونيه وأنه اذا لم يحصل أي تشطيب فإن الفارق في عدد الأصوات لن يكون كبيراً بين اللائحتين»، واعتبرت أن «جوان حبيش الذي فاز في انتخابات 2010 وحيداً من المرجح ان يفوز اليوم بعد الدعم الذي يتلقاه من التيار الوطني الحر والكتائب».
اتصال الرابية بمعراب ألغى الزيارة
وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة أن «لائحة البواري المدعومة من ائتلاف يضمّ النائبين السابقين منصور غانم البون وفريد هيكل الخازن ورئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام والوزير السابق فارس بويز، كانت تنوي زيارة معراب عشية امس والتقاط صورة مع جعجع، إلا أن اتصالاً من الرابية بمعراب دفع بجعجع الى الغاء الزيارة». واشارت الى «أنّ عملية شراء اصوات بالمباشر وبالعلن يقوم بها بون والخازن وافرام»، وتلفت الى أنّ «هذه الانتخابات في جونية تشهد اصطفافات جديدة تستخدم فيها كلّ الاسلحة الممكنة وحتى المستقبل الذي لا يملك نفوذاً سنياً يساعد لائحة البواري لوجستياً».
وكان قائد فوج المغاوير السابق العميد شامل روكز قد شارك في احتفال «لائحة كرامة جونية» برئاسة حبيش، وأكد انه «لم يأت للحديث في السياسة بل للإنماء والتواصل من أجل الإنماء لجونية وكسروان».
وفي إطار التداول في الانتخابات البلدية في طرابلس أقام رئيس المجلس النيابي نبيه بري مأدبة عشاء أمس، استضاف فيها عدداً من المدعوين منهم الرئيس نجيب ميقاني والوزير السابق فيصل كرامي. وفي السياق نفسه، نفى ميقاتي أن يكون قد التقى الحريري أمس، للتباحث باسم توافقي لرئاسة بلدية طرابلس، مشيراً الى انهما التقيا يوم أول من أمس في منزل رئيس الحكومة تمام سلام.
حرب يعطي الإذن بملاحقة يوسف
وفي ملف الاتصالات، وفي خطوة لافتة قد تسرّع مسار التحقيقات في قضيتي الانترنت غير الشرعي والـ»غوغل كاش»، اعطى وزير الاتصالات بطرس حرب في كتاب وجّهه إلى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، الإذن بملاحقة مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، والدكتور توفيق شبارو، والمهندس كابي سميرة، ومن المتوقع أن تجتمع لجنة الاتصالات والإعلام النيابية في الـ31 من الشهر الحالي لمتابعة الاستماع الى آخر التحقيقات القضائية والأمنية في هذا الملف.
وقالت مصادر في لجنة الاتصالات لـ«البناء» إنه «بحسب القرار الاتهامي الذي صدر بحق يوسف، فإن التهمة تقتصر على التقصير والإهمال ولم يتهمه في فضيحة الانترنت»، مشددة على أن «ما يجب التركيز عليه هو الفضيحة نفسها وليس الغوغل كاش أي التركيز على أصحاب المحطات غير الشرعية والتجسس الاسرائيلي».
وأكدت أن «اللجنة مُجمِعة على محاسبة يوسف، إذا ثبت تورطه وعلى أن تتخذ بحقه إجراءات قانونية وإدارية، لكن لا تريد في الوقت نفسه حرف الأنظار عن أصحاب المحطات والتجسس الإسرائيلي»، معتبرة أن «ما يحصل في هذا الموضوع هو ان كل ملف يفتح يتم فتح معه اكثر من ملف وتختلط الأمور في بعضها البعض ويتشتت التحقيق».
ورجحت المصادر أن «يعود يوسف الى لبنان قريباً، ودعته للعودة بأسرع وقت إذا كان مطمئناً لبراءته في هذا الملف ويمثل امام القانون، لأن وضعه الصحي لا يستدعي بقاءه كل هذا الوقت في الخارج».
المصدر: الصحف اللبنانية