بما أن سماحة السيد حسن نصرالله، أهدى النصر على إرهابيي “النصرة” في جرود عرسال الى المسيحيين والمسلمين في لبنان، فمن حقي أنا اللبناني المسيحي، أن “أحكي” لبناني، خاصة أني نسَّبت نفسي وطنياً كما الآلاف الى خط المقاومة منذ عرس التحرير عام 2000، ورغم أني يومذاك كنت في الخامسة والأربعين من عمري، لكني كنت قاصراً في الرؤية كما الكثيرين واعتبرت – بثقافتي العربية الخانعة، وقدرات العرب على المواجهة – أن ما تُقدِم عليه المقاومة من مخاطرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فعل جنون، ثم تيقَّنت خلال متابعتي مراحل التحرير، أن لا أحد يُنجز التحرير سوى مجانين الكرامة.
وأنا لست محللاً استراتيجياً أو عسكرياً، لأجتهد في سرد وقائع المعارك، ويكفيني الشرف كلبناني أني أنتمي الى وطن يصنع الإنتصارات في أمَّة الهزائم، رغم أسفي على بعض من يحملون الهوية اللبنانية، أن يقبلوا على أنفسهم التفوّه بعبارة “سلاح غير شرعي” عن مقاومة بلغت مرتبة القداسة في تضحياتها، وباتت الوزنة الوازنة في المعادلات العسكرية الإقليمية، والأشد أسفاً، أن هؤلاء “الحفنة” من أبناء وطني، يُراهنون على ما سوف يترتَّب عن تصريح دونالد ترامب أن حزب الله هو منظمة إرهابية، وكأننا نسمع شيئاً جديداً عن سياسة أميركا، خاصة أن ترامب بالذات، هو أخطر رئيس أميركي، لأنه تاجرٌ بطبعه وبمسيرة حياته، ويعطي نفسه حق التصنيف وفق مقتضيات ومصالح أميركا، وبشكلٍ خاص “لوبي صناعة الأسلحة” الذي “يتعطَّل” عن الإنتاج والتسويق متى توقَّف العرب عن ارتكاب الحماقات واستهلاك الأسلحة الأميركية في حروبهم البَينيَّة، وآخر همومهم ما يحدث في أرض المقدسات وساحات الأقصى.
أولاً كمواطن مسيحي، أقول مع أهل القاع ورأس بعلبك،أننا كأبناء أطراف، وعلى الحدود مع الشرق الذي زحفت منه شياطين الإرهاب، نُدرك جيداً من أمَّن ويؤمِّن لنا الحماية، وأن المقاومة قد “سبق فضلها”، ليس فقط في القرى المسيحية اللبنانية، بل ذهبت الى هناك، الى معلولا في سوريا، ورفعت بدماء الشهادة أجراس كنائسها وكفكفت دموع أهلها، وانتقلت لاحقاً الى حلب وسائر المناطق السورية، تحتضن صور مريم وتماثيل مريم وعيسى بن مريم التي حطمتها أيادي الشياطين التي عاثت تدميراً وتنكيلاً بالمقدسات والأضرحة والمقامات الإسلامية والمسيحية.
ثانياً كمواطن لبناني، يمتلك الحدّ الأدنى من الكرامة، فإن كل أميركا لا تعنيني، وأن “دمعة” حبسها قائد المقاومة عنذ ذكر الشهداء، كانت كافية لأن نذرف دموعاً عفوية تلقائية لم نفهمها، لأنها جاءت مزيجاً من الفخر بالنصر، والإعجاب بسيد الإنتصارات عندما “يحكي” بصفة الأب عن شهدائه، مع حزنٍ طبيعي على خيرة شباب لبنان عندما يختارون الشهادة على شهادتهم الجامعية ومستقبلهم العملي وحياتهم الشخصية كبراعم ربيع، ليكونوا العبرة والدرس لمحيطٍ عربي اختطف “ربيعه” كل الأمل من عيون أطفالٍ عرب ذنبهم أنهم يعيشون في ظلّ أنظمة ذليلة عميلة خائنة.
ومن حقي كلبناني أيضاَ، أن أسخر الى حد “القهقهة” من تصنيف ترامب لحزب الله على قائمة الإرهاب، ومن الذين يلوكون ويعلكون عبارة “سلاح غير شرعي” وأقول:
شرعية حركات المقاومة عبر التاريخ، هي شرعية شعبية طالما أن هناك أرض محتلة وتهديدات للسيادة، والتمثيل البرلماني والحكومي للمقاومة وحلفائها مضافاً الى المليونية الشعبية، هي التي تُضفي الشرعية لا بل القُدسية عليها، لأن المقاومة مع الجيش هما ضمانتا وجود وسط انهيار حدود الدول ومشاريع “الإسرائيليات”، ومن حق من يشاء أن يستورد من أميركا ما يشاء، باستثناء “الشرعية” من المنظار الأميركي، لأن لبنان بفضل جيشه وشعبه ومقاومته كان ولا يزال وسيبقى، خارج أحلام أميركا في عملية “تمزيق وتلزيق” خرائط الشرق الأوسط، ولتمُت أميركا بغيظها، خاصة عندما تراقب عبر إسرائيل الأداء المذهل لرجال مقاومتنا في جرود عرسال…
المصدر: موقع المنار