تقع الموصل في شمال العراق عاصمة محافظة نينوى وهي أكبر المدن العراقية بعد بغداد، تبعد نحو مئة كلم عن الحدود التركية، ومثلها تقريبا عن الحدود السورية، وعشرات الكيلومترات عن أربيل عاصمة إقليم كردستان، ويخترق الموصل نهر دجلة الآتي من الشمال، وتسمية الجانبين الأيمن والأيسر تأتي بالنظر إلى تدفق النهر من الحدود التركية.
وللموصل أهمية اقتصادية تتعلق بالتجارة مع تركيا، وكانت المدينة ولا تزال مركزا لطموحات تركيا إذا لم نقل أطماعها، وبدا ذلك واضحا في كتاب عبد الله غول، وإستراتيجية أحمد داود أوغلو. وتجدر الإشارة هنا أنه لم يكن للدولة العراقية الحديثة أن تتشكل في بداية العشرينيات من القرن العشرين لو لم تلحق بها الموصل التي ظلت موضوع تجاذب حاد بين بريطانيا وفرنسا منذ الحرب العالمية الأولى، وبين سلطات الانتداب الفرنسي وتركيا التي لم تتنازل عن الموصل إلا عام 1926، بعد التوقيع على معاهدة أنقرة.
في ديسمبر كانون الاول عام 2013، جرت اشتباكات بين مسلحين وبين قوات الأمن العراقية، وكذلك تنظيم داعش الذي شن هجمات متكررة على مراكز الجيش في مناطق غرب العراق، ليتمكن التنظيم في يوم 10 يونيو/حزيران 2014 من السيطرة على مدينة الموصل وكذلك على منشئات حيوية في المدينة من أهمها مبنى محافظة نينوى والمطار، وقنوات تلفزيونية.
• التسلل الزمني للأحداث قبل سقوط الموصل
– 5 يونيو/حزيران 2014: محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي يقول إنه “لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها”، ويؤكد أن السلطات الأمنية فرضت حظر التجوال فيها كفعل احترازي في المدينة.
– 6 يونيو/حزيران: قوات محدودة تابعة لتنظيم داعش تدخل أطراف مدينة الموصل في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير.
– 7 يونيو/حزيران: نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل خشية التعرض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلحي داعش.
– 8 يونيو/حزيران: استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش العراقي الذي نفذ قصفا على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون وسيّر فيها دوريات، معلنا أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لتطهيرها من المجاميع الإرهابية.
– 10 يونيو/حزيران: مئات من مسلحي تنظيم داعش يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل.
وفي عام 2014 توجهت أنظار العالم نحو جامع النوري في الموصل، وما بداخله من منبر يعتليه رجل ذو لحية مرتديا لباسا أسود وملقيا خطبة الجمعة في المصلين، ليعلن فيها عن نفسه بأنه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، ومدعيا أنه خليفة المسلمين ومن هنا أضحى لجامع النوري شهرة فاقت ما كان عليه سابقا، وأصبح ذا دلالة كبيرة عند العراقيين وغيرهم.
• الأهمية الاستراتيجية للموصل
عندما قرّرت أميركا دمج الميدانين العراقي والسوري في العام 2014 إثر طيّ صفحة التهديد بالعدوان العسكري الأميركي المباشر على سورية عبر تسوية ملف الكيماوي الشهيرة، أوعزت بالتنفيذ، الى داعش الفصيل الإرهابي الذي تعتمد عليه، وسخرت له منظومة إعلامية ترويعية من أجل ضرب معنويات السوريين والعراقيين وجعلهم يسلّمون مدنهم وقراهم له ومن غير مواجهة بطلقة واحدة. في تدحرج خيالي كاد معه العالم يصدق بأنّ مسلحي داعش يملكون القوة الخارقة التي لا مثيل لها في العالم، فالحرب النفسية والترويع والترهيب من داعش كانت أساساً في الخطة الأميركية.
جاء الاستثمار الأميركي المحضّر له سلفاً، اذ ما إن استتبّ الأمر لداعش في الموصل حتى أعلنت أميركا أنها أنشأت تحالفاً دولياً للعمل ضدّ داعش في العراق في مرحلة أولى ثم في سورية في مرحلة ثانية، في موقف خُدع به البسطاء في السياسة والاستراتيجية، ولكنه لم ينطل على المواكبين للعدوان الأميركي على المنطقة العارفين بخلفياته وأهدافه، اذ ومن اليوم الأول كنا ولا زلنا نرى ونؤكد أنّ داعش لا يعدو كونه جيشاً إرهابياً سرياً بيد المخابرات الأميركية استعملته اميركا في العام 2014 كمفارز سبّاقة لتحضّر لها عودتها العسكرية الى العراق، ومنه لتتسلل لاحتلال سورية بعد ان فشلت في العام 2011 من البقاء في العراق بشروطها الاحتلالية، فقرّرت أن تعود من باب إرهابي ضاغط كباب داعش.
الميدان العراقي كما بات واضحاً، لم يأت مطابقاً للحسابات الأميركية، فكان الموقف التاريخي للمرجعية الدينية في العراق، والذي على أساسه شكل الحشد الشعبي العراقي للدفاع عن الوطن وإفشال الاحتلال الأميركي الجديد له والمقنع بداعش. نجح العراق في الهجوم المعاكس، ورغم كلّ المحاولات من الحلف المضاد للعراق حقق العراق بشعبه وجيشه وحشده الشعبي الإنجازات الميدانية الهامة التي تنبئ بالقول إنّ مصير داعش في العراق بات محتوم النهاية.
من هنا تبدو أهمية مطلقة لمدينة الموصل ولمعركة تحريرها. اذ انّ مصير الموصل وطريقة التعامل معها يحدّد مصير داعش والإرهاب في العراق وأهمية معركة تحرير الموصل تنبع من التنافر في المصالح والأهداف التي يرمي اليها الأطراف المعنيون بالمدينة ومصيرها، وهنا يمكن تبيّن اتجاهين مختلفين حول المسألة الاتجاه الأميركي والاتجاه العراقي.
ففي الموقف العراقي نجد انّ لدى الحكومة العراقية نية وقراراً باستعادة الموصل باعتبارها مدينة عراقية وانّ تحريرها واجب الحكومة والشعب، وبالتالي فإنّ كلّ مكونات القوى العسكرية العراقية بما فيها الجيش والحشد الشعبي مسؤولة عن ذلك.
أما في الموقف الأميركي، فإنّ معركة الموصل ضدّ داعش لن تكون معركة بالمعنى الحقيقي للكلمة او للمصطلح، بل ستكون أسوة بما جرى في جرابلس السورية بمثابة عملية تسليم وتسلّم بين داعش الخاضعة في العمق لأميركا وبين قوى عسكرية أخرى نظامية أو غير نظامية خاضعة أيضاً لأميركا.
وفي توصيف إجمالي نقول إنّ معركة تحرير الموصل وطريقة تحريرها ستؤشر الى مصير الخطة الأميركية بدمج الميدانين العراقي والسوري، وتالياً مصير الوجود الأميركي في العراق، ومستقبل العراق وشكله، ومصير الخطة الأميركية لتقسيم العراق. وهي من هذه الناحية تطابق في أهميتها مسألة حلب التي نظرت اليها أميركا بأنها مدخل لتقسيم سورية في حين يتعامل معها معسكر الدفاع عن سورية بأنه خط الدفاع الرئيسي عن وحدة سورية.
• معركة الموصل
اعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في17 أكتوبر 2016 بدء عملية تحرير الموصل من إرهابيي داعش، واعادة المدينة إلى الإدارة العراقية.
ومع بدء التحرك العسكري تم تحرير الجانب الأيسر -أي الشرقي من مدينة الموصل- بسرعة أكبر وخسائر أقل مما توقعه المراقبون، وكان ذلك لسببين أساسيين، أولهما جغرافي، حيث المباني متباعدة إلى حد ما، وثانيهما أن الأبواب كانت مفتوحة أمام وحدات التنظيم للانسحاب إلى القسم الغربي عبر أربعة جسور رئيسية قام بنسفها بعد عبوره.
وبعد أن حشر تنظيم داعش في وسط المدينة القديمة وبمنطقة تقل عن نصف هذا الجانب مساحة بدت المعركة أكثر شراسة وأكثر صعوبة لضيق الشوارع والأزقة. وبالقضم التدريجي حصرت القوات العراقية مسلحي التنظيم في مربع لا يتجاوز مساحته الـ1% من مساحة مدينة الموصل ومن ثم بمساحة لا تتجاوز الـ0.5% ليتم بعدها تحرير كامل الموصل وإنهاء “الخلافة” التي أعلنها زعيم التنظيم في الجامع النوري الذي فجره التنظيم قبل انسحابه منه.
• تفجير المسجد النوري والمنارة الحدباء
في 21 حزيران/ يونيو 2017 أعلن قائد عمليات “قادمون يا نينوى” تفجير داعش المسجد النوري والمأذنة الحدباء التاريخية في الموصل القديمة، وذلك بعد اقتراب القوات العراقية منهما. جامع النوري الذي اتخذه زعيم داعش ابو بكر البغدادي لإعلان “الخلافة” وهو ذو دلالة تاريخية، حاول البغدادي استغلالها بهدف كسب الأوراق في ذروة خلافه مع الفصائل الأخرى في تلك الفترة عام ٢٠١٤.
هذا الجامع انشاه نور الدين الزنكي عام ١١٧٢، الذي انطلق من الموصل إلى الشام، فسيطر على حلب أولا من ايدي “الصليبيين” كما اسموهم ومن ثم اتجه نحو دمشق وسيطر عليها أيضاً.
ووفق هذا المسار سعى البغدادي إلى تقديم نفسه كمحرر لمنطقة الشام في العصر الحديث من المحتلين بنظره، خصوصاً وأنه يعتبر ان الحرب التي يخوضها في المنطقة هي حرب بين الإسلام وبين من يسميهم “الصليبيين”.
وبعدما تيقن تنظيم داعش من هزيمته الموصل، قام بتدمير الجامع والمنارة، كدلالة على فقدانه لإرادة القتال في المدينة، خصوصا وانه فشل في صد القوات العراقية، التي تتقدم بشكل سريع في المنطقة. ويعتبر هذا التفجير سلسلة في حلقات “انتحارية” قام بها هذا التنظيم، حيث زج بمئات الانتحاريين في معركة الموصل من مختلف التشكيلات.
هذه الخسائر جميعها دفعت بداعش الى اليأس، وسلوكه درب “الانتحار” وهذا ما دل عليه تدميره لرمز مدينة الموصل وهي المنارة الحدباء التي تعود مئات السنين.
وقد فقد داعش خلال ٣ سنوات من المعارك ٤٢ قائدا مؤسسا بينهم ابو علي الأنباري وغيره، و٧٢ قائدا من الصف الأول، كالقائد العسكري عمر الشيشاني وابو محمد العدناني، بالإضافة لمئات القادة الميدانيين.
• مجازر داعش في الموصل
– 7/4/2017 نفذ تنظيم داعش نفذ مجزرة بحق 140 مدنيا كانوا يحاولون الفرار إلى المناطق التي سيطرت عليها القوات العراقية مؤخرا، في الشطر الغربي للموصل.
– 25/4/2017 إعدام داعش 50 مدنياً من مواطني الموصل العراقية بسبب محاولتهم الفرار من المدينة.
• أبرز مسؤولي داعش القتلى في سوريا والعراق
1. أبو محمد العدناني
2. طرخان باتيرشفيلي “عمر الشيشاني”
3. حجي بكر
4. فاضل أحمد الحيالي “أبو مسلم التركماني”
5. أبو أيمن العراقي
6. أبو عبد الرحمن البيلاوي
7. أبو سيّاف
8. الملا عبد الرؤوف
9. عبد الرحمن مصطفى القادولي “أبو علاء العفري” و”أبو علي الأنباري”
10. طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي
11. جون الجهادي
12. أبو سليمان الناصر
13. أبو نبيل الأنباري
14. أبو وهيب
15. ماهر مشعل
16. رستم أسيلداروف
17. تركي البنعلي
18- اسماعيل لطيف السويداوي “ابو مهند السويداوي” و “حجي داوود”
19- سلطان السفري الحربي ” ابو نصار الحربي”
20- وائل عادل حسن سلمان الفياض
المصدر: الاعلام الحربي المركزي