ليست جائزة الترضية البالغة قيمتها 100 مليار دولار، التي تقاضاها ولي العهد المعزول محمد بن نايف، العنوان الأبرز لما حصل في البيت الداخلي للعائلة المالكة السعودية، لأن المسألة بدأت مع عزل ولي ولي العهد مقرن بن عبد العزيز وتعيين محمد بن سلمان مكانه، من أجل إيصال نجل الملك بخُطى متسارعة الى ولاية العهد ثم الى العرش لاحقاً، مع فارق هام أن “مقرن” ليس بشراسة “بن نايف” صاحب السطوة الكبيرة داخل أروقة القصور، ولذلك كان ثمن عزله مُكلِفاً ويوازي 20% من الموازنة السنوية للمملكة البالغة 500 مليار دولار، ويوازي أيضاً 20 ضعفاً، الموازنة السنوية لدولة “جزر المالديف” التي استأجرها الملك سلمان بالكامل عام 2014 لقضاء أسبوعٍ واحدٍ مع حاشيته يوم كان ولياً للعهد، وكل الأمور الداخلية في المملكة لها حلّ، ما دامت عائدات النفط تذهب معظمها على شكل “جعالة شهرية” للملك والعائلة المالكة التي يبلغ عدد الأمراء فيها من سلالة عبد العزيز 1500 أمير، بين أبناء وأحفاد وأبناء أحفاد، تتراوح أعمارهم بين ما فوق الثمانين الى الدقيقة الواحدة التي يُولد فيها أمير.
ورغم المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام هذا اليوم، أن “بن نايف” قد وُضِع في شبه “إقامة جبرية”، ردَّ مسؤول سعودي أن “الأنباء عن تحديد إقامة ولي العهد السابق في القصر ليست صحيحة مئة بالمئة”. يبقى العنوان الأبرز لما حصل، هو في الأمر الملكي الذي صدر بتاريخ 21/06/2017- أي بعد تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد- والذي قضى بتغيير النظام الأساسي للحكم بالسعودية، وتضمن هذا الأمر الملكي، تعديلاً للفقرة “ب” من المادة الخامسة من النظام الأساسي، لتصبح على الشكل التالي: “يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود وأبناء الأبناء، ويُبايع الأصلح منهم للحكم …، ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس، ملكٌ ووليٌّ للعهد من فرعٍ واحد من ذريَّة الملك المؤسس”.
إن عبارة “لا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملك ووليّ للعهد من فرعٍ واحدٍ من ذريَّة الملك المؤسس”، هي من باب استرضاء الأجنحة العائلية الأخرى التي يتوزَّع عليها الأبناء وفق الأمهات زوجات المؤسس عبد العزيز، لأن “الجناح السُديري” نسبة الى الأميرة حصَّة السديري هو الأقوى والأبرز، كونها كانت المفضَّلة عن باقي الزوجات وصاحبة النفوذ القوي، وتولَّى إثنان من أبنائها العرش، الملك فهد والملك الحالي سلمان. لكن توريث سلمان نجله محمد للعرش، ظاهرة تحصل للمرة الأولى، والتوريث الذي كان يتمّ من الشقيق لشقيقه من أبناء عبد العزيز، أصبح الآن من الأب الى الإبن وبدء مرحلة حُكم الأحفاد، مع إرضاء حفيدٍ ما، من أي جناحٍ آخر بولاية العهد، لإمتصاص نقمة الأجنحة الأخرى والتخفيف من الأحقاد الحالية على “سلالة عبد العزيز من الأميرة حصَّة السديري”، مثل عائلة آل الشيخ التي تنتمي إليها طرفة بنت عبدالله، إحدى ثاني أبرز زوجات عبد العزيز، ووالدة الملك فيصل الذي حكم خلال الفترة من العام 1964 وحتى 1975 وقُتِل على يد أحد أبناء أخوته، إنتقاماً لمصرع شقيق القاتل خلال مظاهرة لمُتشدِّدين دينيين كانت تعترض افتتاح أول محطة تلفزيونية في عهد فيصل.
ومشكلة الأمراء الأحفاد بدأت خلال حكم الملك فيصل، الذي أعلن مراراً معارضته للحياة العبثية التي يعيشونها، وهدر الثروات التي تتوزَّع من عائدات النفط على المئات منهم شهرياً دون أن يقوموا بأي عملٍ مُنتِج، فأصدر أوامر ملكية بتخفيض هذه المخصصات عن البعض، وقطعها نهائياً عن البعض الآخر ما لم يلتحقوا بوظائف عليا في الدولة تليق بسلالة آل سعود، لكن هذا لم يمنع من استمرار غيِّهم واستهتارهم، وتنافسهم لبناء القصور الفارهة في المملكة، وشراء البيوت والشقق الفخمة في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا ومصر، واقتناء الطائرات الخاصة والسيارات المطليَّة بالفضَّة أو الذهب، ولديهم استثماراتهم في مجالات البورصة والصفقات التجارية، وغالبية أموالهم مُودَعَة في الخارج تحسُّباً لإنهيار العرش العائلي، كما ورد في كتاب للكاتبة الأميركية “جين ساسون” الذي صَدَر في بداية التسعينات أسمته “الأميرة سلطانة” وألحقته بكتاب ثانٍ “بنات سمو الأميرة” عن اعترافات إمرأة من العائلة المالكة السعودية أسمتها “سلطانة”، شاءت أن تنتفض على الفساد الذي تعيشه هذه العائلة وتوقَّعت زوال العرش بعد وفاة أبناء عبد العزيز وانتقال الحُكم الى الأحفاد الموزَّعين على أجنحة عائلية متناحرة.
وهؤلاء الأحفاد أنفسهم، هم من قامت قيامتهم عام 2015 على بروز نجم محمد بن سلمان، واتَّهموه بما هُم متَّهمون به من حياةٍ عبثية، وأنه يجمع من حوله حاشيةً من الأمراء الشبَّان المتهوِّرين الذين لا يمتلكون الخبرة، وأن تصعيد المملكة عدوانها على اليمن ما هو سوى عرض عضلات من “الجناح السُديري” على الخصوم من الأجنحة الأخرى، قام به الملك سلمان بتحريضٍ من نجله محمد، ثم ثارت ثائرتهم مؤخراً على اللهجة التصعيدية التي ينتهجها محمد بحقّ إيران، وأنه يجرّ المملكة الى ورطة وخيمة العواقب، ليس حرصاً منهم على استقرار النظام، بقدر خوفهم من انهيار العرش العائلي وتبخُّر “الجعالة الشهرية” من أموال النفط التي تضمن لهم الثراء الفاحش، وهذه “الجعالة الشهرية” ستبقى ضريبة على كل من يعتلي العرش لإسكات الطامحين الطامعين، لحين انهيار هذا العرش عندما يغدو “قالب الجبنة” غير كافٍ لإشباع الجميع…
المصدر: موقع المنار