لم يعد التسول هو ذلك السؤال البسيط الذي يطلب البعض من خلاله المساعدة للحصول على ما يسد الرمق ويحسن الحال، فالأمر أصبح أكثر تطوراً ومنهجية، بعد أن تحول إلى حرفة يمتهنها الكثير بشكل فردي أو ضمن جماعة منظمة لا تخلو من وجود مخططين وإداريين ومنفذين بارعين.
كثيرة هي الأمثلة التي قرأنا عنها وشاهدناها حول موضوع النصب والاحتيال بحجة التسول، فالبعض يكذب بغباء وعشوائية كالشخص الذي يتواجد يومياً في نفس المكان مدعياً أنه بحاجة لمبلغ يوصله لمحافظته البعيدة بعد أن فقد أمواله. البعض الآخر محترف ويمتلك دهاء كبيرا في الإدارة والتخطيط وابتكار أساليب مختلفة في جني المال دون أن يفرق بين النصب والتسول أو اي طريقة كسب غير مشروعة.
يتفنن المتسولون في انتقاء الأماكن فتراهم في شهر رمضان أمام المساجد، إذ يعتبر هذا الشهر موسما تجاريا جيدا بالنسبة لهم، وكما وصفهم أحد الأشخاص: «المتسولون قناصون مهرة، يختارون الأوقات المناسبة لأداء عملهم، ويتقنون قراءة ملامح وجوه الناس الذين يقبلون بالدفع لهم، فهم يعرفون فريستهم تماماً وتعد الأماكن الراقية الأكثر رغبة لدى المتسولين «.
اجتماعياً، تفسر ظاهرة التسول في شهر رمضان بأسباب عديدة، يشرحها دكتور علم الإجتماع محمد جرابيع بأن «خصوصية الشهر الفضيل والمعاني الدينية والروحية القائمة على الإحسان والتراحم تضاعف انتشار هذه الفئة، فتعد فترة استثمار وكسب جيدة لتضاعف دخلهم وكسبهم غير المشروع «، فيما يفرق الشرع الإسلامي بين المتسول المحتاج وغير المحتاج.
غير أن الدكتور جرابيع يعتقد أن «الإجراءات المطبقة من الجهات الحكومية لا تزال عاجزة على حل المشكلة من جذورها والدليل على ذلك تزايد أشكال التسول وأعداد المتسولين من مختلف الفئات العمرية «.
وكشف الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية، فواز الرطروط، أن الوزارة، ستنسق مع وزارة الأوقاف، لتقديم الوعظ للمواطنين حول حرمة التسول؛ خلال شهر رمضان. وأوضح أن «التنمية» ستوزع منشورات على المواطنين، تحثهم على تجنب التسول خلال الشهر الفضيل، كما بيّن أن الوزارة ستكثف حملات فرقها الرقابية خلال رمضان، لضبط المتسولين، لكن ما أجمع عليه الكثير من الكتَاب والصحافيين والمهتمين أن الجهات المعنية تقوم بتحويل المتسولين للمراكز الأمنية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وهي إجراءات مغيبة يتم استبدالها بغرامات مالية تدفع ليعود المتسول من جديد للتسول.
لم يعد المتسول هو ذاك الشخص البسيط بعد أن غزا الطمع عقله وتفكيره، فقد عثر مع أحد المتسولين العام الماضي، لحظة احتجازه، دفتر حساب بنكي بقيمة (70) ألف دولار. ووجد في جيب متسول آخر كفيف عشرة آلاف دولار. وكشفت دراسة حالة متسول ثالث بأنه يملك سوبر ماركت بقيمة 45 ألف دولار و 3 باصات خصوصية صغيرة نسبة لما ذكرته أحد المواقع المحلية الأردنية.
ومن أغرب حكايات التسول إلقاء وزارة التنمية مؤخراً القبض على عجوز سبعيني ينام في مغارة قريبة من الساحة الهاشمية وسط العاصمة عمان، واكتشفت التحقيقات أنه أب لستة أطفال يمتهنون التسول، يشترى بحصادهم اليومي المشروبات الروحية ويعتدي عليهم جنسياً مهدداً إياهم بالقتل في حال عصى أحدهم أوامره.
وفي حالة أخرى، أكد مصدر مسؤول في وزارة التنمية الاجتماعية أن فرق مكافحة التسول ضبطت موظفا يعمل بوظيفة «معلم» يتسول في منطقة الصويفية يوم الجمعة الماضي، وتم تحويله إلى القضاء المختص لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه، ولفت المصدر إلى أن هذه الحادثة تعتبر الأولى من نوعها في المملكة.
في مطلع العام الحالي تعرضت مركبة كانت تقل فريق مكافحة التسول لإطلاق نار من قبل متسولين في منطقة دوار الشرق الأوسط،وذلك أثناء قيام الفريق بعملهم الرسمي بعد أن قاموا بضبط مجموعة من المتسولين في العاصمة عمان.
وحسب دراسة اجرتها الوزارة لخصائص المتسولين، فإن 98.3 في المئة من عينة بلغ حجمها 181 متسولا هم أصحاء، و 91.6 في المئة قادرون على العمل، و67 في المئة أميون، وتم ضبط 777 متسولاً من الربع الاول من العام الحالي.
المصدر: القدس العربي