سُئل رئيس سابق لجهاز الإستخبارات الأميركية (سي آي إي) في الثمانينات من أحد ديبلوماسيي الشرق الأوسط، لماذا تفشلون في مهامكم الإستخبارية حول العالم؟ فأجاب: لأن العمليات التي ننجح بها لا يدري بها أحد!
لم تمضِ أيام على مغادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية، حتى اشتعلت القرصنة بالتزامن، على وكالة الأنباء القطرية، وعلى البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وعلى وزير خارجية البحرين خالد بن حمد آل خليفة، والتركيز على قطر، وكأنها حرب فضائح هدفها قطع العلاقات معها كما حصل، وإقفال كافة المعابر الجوية والبحرية والبريِّة من جيرانها المُقاطعين، وأرسِلت إلى أمير قطر، عشر شروط سعودية مُذِلَّة عبر أمير الكويت، للعفو شخصياً عن تميم بن حمد، وإعادة العلاقات الطبيعية لقطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لكن قطر رفضت لغاية الآن، لأن ناقلاتها من الغاز المُسيل لن يستطيع أحد اعتراضها نظراً للحاجة العالمية الماسة إليه، والمواد الإستهلاكية تم تأمينها لها من إيران لمواجهة حصار التجويع السعودي، لكن إرسال تركيا قوات الى قطر مؤشِّرٌ أن القيامة قد قامت بين دول مجلس التعاون الخليجي…
قيل الكثير عن أن غاية زيارة ترامب الى الرياض هي محدَّدة، والرجُل الذي أعلن صراحة خلال حملته الإنتخابية وبعد وصوله الى البيت الأبيض، أن دول الخليج التي تتمَتَّع بالحماية الأميركية عليها أن تدفع أموالاً ثمن هذه الحماية، وعُلِمَ من وسائل إعلام غربية، أن التسعيرة هي تريليون ونصف تريليون دولار مثالثة بين السعودية والإمارات وقطر، والقِمَم الثلاثية الأبعاد في الرياض، إسلامية – أميركية، وعربية – أميركية، وخليجية – أميركية، ما هي سوى تغطية مسرحية لصفقة ترامب، لكن قطر التي تحتضن أكبر قاعدة أميركية جوية في الخارج، رفضت دفع المتوجِّب عليها، فاشتغلت “الحرتقة” والقرصنة، وتم خلال أقل من 18 يوماً على مغادرة ترامب تبخُّر كذبة إنشاء “ناتو إسلامي” يضمّ 38 ألف جندي بحلول 2018، وبدأ التكهُّن الجدّي بنقل القاعدة الأميركية من قطر الى دولةٍ تكون أكثر طواعية للأوامر الأميركية، مع بدء تبخُّر الحلم القطري بإستضافة الدولة مباريات كأس العالم 2022 لأن “الفيفا” تُشكك بنجاحها في التنظيم والإستيعاب بعد أن انهارت علاقاتها مع جيرانها، مما يعني وباختصار، النيَّة الواضحة بخنق الإمارة!
وبانتظار “ويكيليكس خليجية” تتناول أسرار القرصنة المُتزامنة التي أشعلت النار بعد مغادرة ترامب، سواء كانت من فعل ال “سي آي إي” أو سواها من الأجهزة المخابراتية، فإن الداخل السياسي القطري ضمن العائلة الحاكمة يشتعل ووقود ناره سعودية، وأن العائلة تبحث عن مخرجٍ وسطي لإعادة ترميم الشرخ مع السعودية لكن يبدو أن الأخيرة قررت الذهاب الى معركة كسر عظم!
ما يعنينا في هذه الأزمة الخطيرة، هو الإبتزاز المادي الأميركي الوقِح لأنظمة تبيع شعبها للحفاظ على العرش العائلي كالنظام الوهَّابي في السعودية، ومليارات الدولارات التي تصرفها هذه العائلة لتشغيل قطاع تصنيع الأسلحة الأميركي، الذي اشترى ترامب رِضاه بصفقاته مع السعودية، وأسكت أيضاً القضاء والكونغرس عبر إرضاء “لوبي الأسلحة” والشركات الأميركية الكبرى في عقودها الخيالية مع آرامكو السعودية، فيما ما بدا، أن المصلحة الشخصية المتبادلة بين عرش سعودي يهتزّ تحت الملك سلمان ونجله ولي ولي العهد محمد، وبين ترامب الذي يواجه دعاوى قضائية تُشكِّك بأدائه وكان آخرها مع جهاز التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي”.
والسؤال الأهم، لماذا لم تقطع أي من الدول الإسلامية الخمس وخمسين التي استضافتها الرياض في قِمم ترامب، علاقاتها مع قطر؟ وإذا كانت الإمارات ومصر على عداء مُزمِن مع الأخوان المسلمين المحسوبين على قطر، والبحرين مُرتَهنة للأوامر السعودية، والرئيس اليمني الهارب الى السعودية عبد ربه منصور هادي لا يُمثِّل سوى نفسه، فإن الزعامة السعودية على العالم الإسلامي، لم تنجح سوى في فرض قطع العلاقات على دولٍ فقيرة مُعدمة كجزر الموريشيوس وجزر القمر، وجزر المالديف التي استأجرها الملك سلمان بفنادقها ومنتجعاتها يوم كان ولياً للعهد عام 2014 بمبلغ 30 مليون دولار لقضاء أسبوع مع حاشيته، وأن أمراء العائلة المالكة السعودية يحاولون شراء جزر مرجانية في المالديف بصفقة تُضاهي ثلاثة أضعاف إقتصاد هذه الدولة الفقيرة، لكن المعارضة رفضت وهددت رئيس الدولة عبدالله يمين بتسيير مظاهرات بوجه الملك سلمان الذي كان ينوي قضاء إجازة في الجزر خلال مارس / آذار الماضي، وفعلاً أُلغيت الزيارة وبررت الحكومة إلغاءها بحجَّة أن الإنفلونزا منتشرة بين السكان وأنها حريصة على سلامة الضيوف!
وأمام الحقد السعودي الذي تمثَّل بالتنكيل بالقطريين وما نُقل من مصادرة ممتلكاتهم في السعودية، فإن الجرَّة قد انكسرت نهائياً بين الشعبين، والتصريحات الرسمية النارية المُتبادلة بين الدولتين تؤكد أن مجلس التعاون الخليجي بات هيكلاً آيلاً للسقوط، وأن هذا المجلس الذي تأسس عام 1981 في الإمارات، لم يُحقِّق أياً من أهدافه الوحدوية، السياسية والإقتصادية، ونستذكر قول الشيخ زايد بن سلطان عندما سُئل بنهاية مؤتمر التأسيس عن الحلّ للجسم العربي المُفكَّك فأجاب: “الجسم العربي مثل البعير المريض، إذا ما تداويه يموت”، وبإمكاننا الجزم الآن، أن ترامب أجاد حلب البقرة السعودية وترك البعير يحتضر…
المصدر: موقع المنار