تطورات ساخنة ومتسارعة، كلمات تلخص الظرف الدولي الذي يرسو على صفيح ساخن. الشعبوية المنتصرة في واشنطن، آخذة في التنامي في العواصم الأوروبية، فأفرزت دونالد ترامب لتغزو الغرب. وسط هذه الأجواء، يستعد الإيرانيون للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية بعد الاتفاق النووي الإيراني، المُزمع إجراؤها في 19 أيار/مايو المقبل.
وصل عدد المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية إلى المئات. مشاهد الوافدين على تقديم طلبات الترشيح، تعبّر عن أجواء ديمقراطية تكاد إيران تنفرد فيها في المنطقة. بين المرشحين حتى ظهر أمس الأربعاء: شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، وضمن الترشيحات سُجل اسم 13 إمرأة، و19 من جرحى الحرب.
ومن المرشح أن يرتفع العدد في فترة تسجيل المرشحين التي بدأت الثلاثاء الماضي وتنتهي السبت القادم، قبل أن يبت مجلس صيانة الدستور بصلاحية وأهلية المرشحين.
7 رؤساء عرفتهم الجمهورية الإسلامية، 4 منهم نجحوا في كسب أصوات غالبية الإيرانيين لدورتين متتاليتين. وتشهد إيران انتخابات رئاسية كل 4 سنوات. وبموجب الدستور الإيراني يُمنح كل مواطن بلغ من العمر 15 عاماً حق الادلاء بصوته والتعبير عن رأيه في صناديق الاقتراع .
وتُجمع القراءات على أن المشهد الانتخابي الإيراني هذه العام سيكون حامياً.
مشاركة مليونية واسعة منتظرة في الاستحقاق الذي يتطلع إليه العالم، وتوقعات بأن المنافسة لن تقتصر على الجمهورين الاصلاحي والمحافظ، إذ أن الشريحة الثالثة الصامتة ستكون حاضرة في الاستحقاق المرتقب.
الحدث الذي يُعنى به الداخل الإيراني بشكل رئيسي، لا ينفصل عن الخارج. إذ تترك المواقف الدولية والاقليمية تجاه إيران بصمتها في توجهات الجمهور، الذي مهما اختلف داخلياً يُجمع على أن أمن ومصلحة الجمهورية الاسلامية فوق كل اعتبار. على المقلب الآخر، يترقب الخارج القريب والبعيد، سياسياً وجغرافياً، ما ستفرزه الانتخابات من نتائج.
وبعيداً عن التباينات الداخلية البحتة، هناك مؤثرات خارجية من شأنها أن تسهم إلى حد ما في حجم المشاركة بالانتخابات.
السلوك الأميركي تجاه إيران هو إحدى هذه المؤثرات. وهو يساهم يومياً في ترسيخ ثوابت الداخل الإيراني. والسلوك لا يتعلق بالمواقف المتشددة التي يبديها الرئيس دونالد ترامب فقط. الرئيس السابق باراك أوباما أيضاً لم ينتهج سلوكاً مغايراً، إلا أن أدبيات تظهير الموقف هي التي كانت تختلف. والدليل حاضر في تفاصيل الإيرانيين اليومية، هو يتعلق بالاتفاق النووي الذي لم يمنح الإيرانيين إلى اليوم القدرة على كسر كل القيود المفروضة على اقتصادهم. هكذا تصرف أوباما، فماذا يتوقع الإيرانيون من ترامب الذي افتتح عهده بقرار حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى بلاده بينهم الإيرانيين، واستبق عهده بخطابات التهديد المباشر للجمهورية الإسلامية؟
لا يختلف الإيرانيون على العداء الذي تكنه الإدارة الأميركية -التي لا تختلف ثوابتها من رئيس لآخر- لإيران “المقتدرة والقوية”، وهما شعاران يدخلان في سرديات واهتمامات أي مواطن إيراني. إلا أن أي موقف قد تتبناه الإدارة الأميركية نفسها من مرشح معين، سيؤثر بشكل معاكس على ما سيحصده من أصوات.
إقليماً، التشنج الذي تعيشه المنطقة الملتهبة بتطوراتها يحط بظلاله أيضاً على هذه الخطاب الانتخابي للتيارات المتنافسة داخل إيران. الخطابات المستعرة التي تصدّرها السعودية ضد إيران، والتي يرددها من يدور في فلك المملكة، لا تعطي إلا مفاعيلاً عكسية على شخص الناخب الإيراني، الذي بطبيعته لا يرضخ للغة التهديد بل تزيده تشبثاً بالمواجهة.
لا يقرأ الخارج طبيعة العقلية الإيرانية، في الخارج الكل يقدم المشهد وفقاً لآماله. إلا أن حقيقة الداخل مختلفة تماماً، تعج بالتباينات، وتستعر أحياناً بالمعارك السياسية التي هي في صلب الديمقراطية، إلا أنها لا تتزحزح عن ثابتة تقول أن أمن واقتدار الجمهورية يحتل سُلم الأولويات… وهذه الثابتة حتماً ستكون حاضرة في الاستحقاق الرئاسي.
المصدر: موقع المنار