انبرى “أزلام” السعودية في لبنان لدعم قرارها بوقف ما يسمونه “دعم” الجيش اللبناني والقوى الأمنية، او لايجاد التبريرات لمملكة “الخداع” لاتخاذها مثل هذا القرار، والغريب ان البعض راح يتعاطى مع المسألة من باب “التزلف” او “التسول” وطلب “العطف” السعودي للعودة عن القرار، في حين راح البعض بإطلاق الرسائل التهديدية للبنانيين المقيمين في السعودية وبعض دول ما يسمى “مجلس التعاون الخليجي”.
فأحد الشخصيات السياسية التي تدعي انها “حليفة” للسعودية، عبرت عن “التفهم التام لقرار السعودية بوقف دعم الجيش اللبناني”، وقالت “نتطلع الى قيادة المملكة لان تنظر الى ما يعانيه لبنان بعين الأخ الكبير”، في حين اعتبر احد “صقور” ما تبقى من فريق “14 آذار” ان “قرار السعودية هو أول الغيث وان الآتي أعظم بالنسبة للبنان”.
بدوره، هدّدَ قطب في “14 آذار” اللبنانيين في “لقمة عيشهم” نتجية عدم تأييدهم لخيارات السعودية السياسية، فقال إن “لبنان لا يمكن ان يجني من تلك السياسات سوى ما نشهده من إجراءات وتدابير تهدد في الصميم مصالح مئات آلاف اللبنانيين الذين ينتشرون في مختلف البلدان العربية”.
من جهته، أطلق “وزير آذاري” تهديده المعلن بحق اللبنانيين في الخليج حيث قال “الخبر الأسوأ أن قرار المملكة العربية السعودية إجراء مراجعة شاملة لعلاقتها بلبنان ومعها التضامن الإماراتي والبحريني والخليجي… علينا المحافظة على علاقاتنا العربية وعلى مصالح اللبنانيين المغتربين فهم الداعم الأساسي لاقتصاد لبنان…”.
لماذا يريدون إخضاع لبنان للهيمنة السعودية؟
فماذا يعني كل ذلك؟ هل المطلوب ان يصبح لبنان إمارة خاضعة للسعودية ولآل سعود حتى يصبح مرضيا عنه في أروقة القرار هناك؟ هل يجب ان يؤدي الشعب اللبناني بكل فئاته فروض الطاعة لملك ولامراء السعودية والخليج حتى يكون لبنان بلدا صديقا لهذه الدول؟ وأين سيادة لبنان من هذا التحكم الفاضح في قراراته السياسية وفي محاولة قمع آراء احزابه السياسية او حتى التدخل في مواقفه الخارجية والداخلية والتي في أكثرها تعتبر من الوظائف السيادية للدولة في اي بلد من بلدان العالم؟
قد يُقبل من فريق سياسي يُعتبر حليفا للسعودية ان يرفض اتخاذ المواقف ضدها في السياسة او يواجه في الاعلام ضمن الاصول والضوابط القانونية والاخلاقية كل من ينتقد حليفته، لكن هل يقبل التزلف بهذه الطريقة لبلد رفض صراحة تقديم “هبة” أعلن عنها في يوم من الايام قبل ما يقارب الثلاث سنوات؟
هل يقبل من فريق لبناني التهويل بالثبور وعظائم الامور لابناء بلده المقيمين في الخارج فقط لاسباب سياسية؟ وأين حقوق الانسان اللبناني من كل ذلك وأين الكرامة الوطنية؟ وهل يقبل اي زعيم او وزير او قيادي يدافع بهذه الطريقة عن السعودية ان تهدد عائلته وأبناؤه بالترحيل من دولة لاسباب سياسية؟ وبأي معايير اخلاقية او قانونية او حتى دينية يقبل تحميل المواطنين مسؤولية أعمال او مواقف لم يعلنوها او يتخذونها اصلا؟
ولماذا بعض الاطراف السياسية “الحليفة للرياض” دائما تعمل لاظهار ان اللبناني في السعودية او غيرها من دول الخليج انه انسان درجة ثانية او ثالثة او عاشرة وانه يستعطي الرواتب والاجور من ابناء البلد وكأن هؤلاء يعطفون على الجاليات اللبنانية هناك؟ مع التأكيد والتذكير ان هؤلاء اللبنانييون هم أصحاب كفاءات وشهادات عليا وخبرات يعملون ولا يستعطون أحدا وهؤلاء ساهموا وما زالوا في نهضة هذه الدول التي عملوا بها ولهم الفضل في ذلك ويجب ان يُحسب لهم لا العكس، وليس الفضل في ذلك لمن استفاد من هؤلاء وازدهرت بلاده بسبب تعبهم وجهدهم الذي لا يقدر من أصحاب الثروات الخليجية.
مشروع الفتنة السعودية والسلم الاهلي في لبنان..
بعيدا عن كل ذلك ماذا عن انعكاسات الموقف السعودي الاخير على لبنان؟ وماذا عن السلم الاهلي الداخلي والعيش المشترك في لبنان ولماذا على البعض تكرار المواقف السعودية “ببغائيا” ودعمها وتأييدها والتهليل لها بدون النظر الى خلفياتها ونتائجها على المستوى الوطني اللبناني، فلماذا ينجر البعض الى هذه “الخدعة – الفتنة” التي لن تنطلي على أحد حتى على “أزلام” آل سعود في لبنان، فحتى هؤلاء يعرفون أنها “فتنة” ومع ذلك هم يسيرون فيها وفي التمهيد لها، أليس الوضع اللبناني يحتاج من هؤلاء حكمة أكثر في مقاربة الامور؟ أليس “لبنان – اتفاق الطائف” الذي يسعون دائما الى الوصول إليه يحتاج الوقوف بوجه أي حليف او صديق ولو كان “ولي نعمة البعض” والهمس في أذنه ان مصلحة لبنان تتطلب كذا وكذا من الوحدة الوطنية وانه ليس بالضرورة ان تكون مصحلة لبنان هي مصلحة السعودية او ما يقرره هذا الامير او ذاك، سواء كان مراهقا أم كهلا…
حول كل ذلك اشارت مصادر مطلعة لموقع “قناة المنار” الى ان “الازمة المالية الخانقة التي تعاني منها السعودية جراء سياساتها وخوضها الحروب والمؤامرات في اليمن وسوريا وغيرها من الدول، هو احد الاسباب لاتخاذ القرار بوقف الدعم عن لبنان”، واضافت ان “من أسباب القرار السعودي هو الموقف الفعلي والحقيقي للرياض بعدم محاربة الارهاب ومنها خطوة دعم الجيش اللبناني الذي يواجه الارهاب ما يؤكد ان السعودية بحقيقتها داعمة وراعية للارهاب وترفض محاربته”.
ولفتت المصادر الى ان “السعودية تحاول استغلال هذا القرار للتحريض ضد المقاومة وحلفائها في السياسة الداخلية اللبنانية والسعي عبر ذلك الى بث الفتنة بين اللبنانيين”، وتابعت ان “السعودية تحاول التعكير على محور المقاومة وتسعى تسجيل نقاط عليه في أي مكان او محطة امام الخسائر الكبيرة التي تتلاقها في المنطقة من اليمن الى سوريا”، وشددت على “ضرورة عدم انجرار البعض وراء الرغبة السعودية بالتحريض على فريق لبنان وتحميله مسؤولية الخداع والفشل السعودي”.
ودعت المصادر “السعودية لتأكيد محبتها للبنان بالأفعال وليس بالأقوال”، وأكدت ان “لبنان اليوم أحوج ما يكون إلى السلاح لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية وعلى كل محب للشعب اللبناني الوقوف إلى جانبه للقضاء على خطر هذه الجماعات”.
وتساءلت “هل يصب هذا القرار في مصلحة لبنان؟ وهل يعبر هذا القرار عن محبة السعودية لشعب تستهدفه الجماعات الإرهابية بصواريخها وسياراتها المفخخة التي تقتل الأبرياء وتختطف بعض عناصر الجيش والقوى الأمنية؟”.
وأشارت المصادر الى ان “التعبير الحقيقي عن محبة لبنان يكون فعلا بتسليح جيشه وقواه الامنية وعدم المماطلة لما يزيد عن السنتين ومن ثم سحب قرار الدعم”، وتابعت ان “من يحب يدعمه فعلا وبدون المطالبة باشتراط مواقف سياسية من هنا او هناك او وضع فيتوهات على بعض الاشخاص والاحزاب بحجة انها لا توافق على سياسة المملكة”.
في الواقع القرار السعودي ليس نهاية العالم بالنسبة للبنان، لان دولا عديدة تدعم لبنان غير السعودية وهناك دول أخرى حاضرة لدعم لبنان بدون اي شروط مسبقة او لاحقة وبدون اعتماد سياسة “تربيح الجميلة على الطالع والنازل” كما هو الحال مع السعودية، فهل امتناع السعودية عن دعم لبنان سيجعلها تترك لبنان بحاله ليحوز على الدعم من دول اخرى؟ ام ان الامر سيكون بوقف “الدعم” من جهة، ومن جهة ثانية رفض السماح للبنان بالحصول على هذا الدعم من جهات اخرى؟”، سؤال برسم كل السياسيين اللبنانين لا سيما من يدافعون عن القرار السعودي.
المصدر: موقع المنار