أمين أبوراشد
رُبما بالغ اللبنانيون كثيراً في التعليق سلباً أو إيجاباً، على الإشكال البروتوكولي الذي حصل مع المرشَّحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان خلال زيارتها دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، علماً أن واجب أي ضيف بهذا المستوى، إدراك الأصول الواجبة والمُعتمدة لدى أي صرح أو مقام ديني، من دار الفتوى الى حاضرة الفاتيكان، ووشاح الرأس – لمن لا يعتبره فريضة دينية – هو مظهر رسمي يُضفي مهابة حضور للضيف بحضرة مُضيفه، ويُراعي التقاليد التي هي بالطبع حقُّ كل شعبٍ على أرضه، ولا يجب بالتالي اعتبار من يُخالف أو يرفض هذه التقاليد وكأنه سجَّل موقفاً للتاريخ، لأن إدِّعاء العلمانية في فرنسا ورفض المظاهر الدينية الذي قضى في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2016 بإزالة تمثال للسيدة العذراء برمزيته العظيمة ووشاح هيبته من مدينة “هوت سافوا” الفرنسية، هو مُستهجن في ثقافتنا الشرقية، لأن للأضرحة والمقامات رمزيتها العظيمة لدينا، سيما وأن الشرق منبت الديانات السماوية.
وبصرف النظر عن المغزى السياسي لزيارة السيدة لوبان الى لبنان، فلا يجب أن تحجب عنا حكاية “الوشاح” تلك القُبَّعة الأوروبية اليمينية المتطرِّفة التي كانت ترتديها لوبان قبل شهرٍ بالتحديد من زيارتها الى لبنان. ففي الواحد والعشرين من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي أول زيارة رسمية لها إلى ألمانيا، عَقِب تنصيب “مُلهِمها” دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، التقت مارين لوبان بصفتها زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي اليميني المتطرف، زعماء أحزاب اليمين المتطرف والشعبويين الأوروبيين، في مؤتمرٍ تسعى خلاله هذه الأحزاب لتشكيل جبهة موحدة قبيل انتخابات متقاربة زمنياً ستحصل على كامل مساحة القارة الأوروبية.
برزت خلال المؤتمر الى جانب لوبان، رئيسة الحزب الشعبوي الألماني “البديل من أجل ألمانيا” فراوكي بيتري، وهذا الحزب يعتبر أن الإسلام ليس جزءاً من ألمانيا ويرفض تشييد المساجد، ويشنّ حملات واسعة على المستشارة أنجيلا ميركل على خلفية سماحها للجوء مليون نازح الى ألمانيا، وقالت لوبان قبل المؤتمر : “أذهب الى ألمانيا لألتقي مستقبلها الذي هو حزب (البديل من أجل ألمانيا) لا ماضيها المتمثِّل حالياً بحزب (الإتحاد المسيحي الديموقراطي) الذي تتزعمه ميركل، وشَكَر زوج زعيمة حزب البديل وأحد أبرز أعضاء حزبها ماركوس بريتسل السيدة لوبان على حضورها واعتبره شرفاً استثنائياً.
ولعل من أبرز الشخصيات الأوروبية المُتطرِّفة والمُعادِية للإسلام، في هذا المؤتمر التحضيري لخوض سلسلة معارك إنتخابية في أوروبا، زعيم حزب الحرية الشعبوي الهولندي “غيرت فيلدرز” المرشَّح لخوض أشرس حملة إنتخابية برلمانية لليمين المتطرِّف في مارس / آذار القادم، ويردد في حملاته الإنتخابية أن بعض المغاربة “حثالة”، وتعهَّد بفرض حظر على هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق المساجد في البلاد إذا فاز برئاسة الوزراء، علماً بأن عدد المغاربة في هولندا بلغ 167 ألف نسمة عام 2011، مما يجعلهم أكبر جالية غير أوروبية في البلاد.
وبصرف النظر عن حظوظ فيلدرز بالفوز في هولندا، وفراوكي بيتري في ألمانيا، ومارين لوبان في فرنسا، فإن التطرُّف قد استوطن المجتمعات الأوروبية نتيجة “فوبيا” الإرهاب، وبات عنوان كل معركة إنتخابية يخوضها اليمين الأوروبي ظاهره مواجهة الإرهاب، وباطنه استهداف “أي آخر” بات جزءاً من مجتمع كل دولة أوروبية وخاصة فرنسا التي يتجاوز عدد مواطنيها المسلمين 7 ملايين نسمة، علماً بأن أي تصرُّف قمعي أو مُعادي للإسلام عبر لصق تهمة الإرهاب ظلماً بأي مسلم، سينعكس على البُنية الإجتماعية الداخلية، ويؤدي الى مناوشات واضطرابات غير محسوبة، خاصة أن بعض الدول الأوروبية تُعاني التخبُّط غير المسؤول في التعامل مع مسألة الإرهاب، وبعضها صدَّرت الى سوريا إرهابيين ليسوا جميعاً من المُسلمين، وكانت عقوبتهم عند العودة من القتال بمثابة جنحة لا تتجاوز عقوبتها مخالفة سير كما كان يحصل في بلجيكا!
وإذا كانت السيدة لوبان قد شاءت خلال وجودها في لبنان، أن تكون تلك المسيحية الحريصة على مسيحيي الشرق، وأعلنت أن الإرهاب هو سبب هجرتهم منه، فقد كان الأولى بها أن تتوجَّه الى عموم اللبنانيين وتُبدي التعاطف معهم، وليس فقط مع المسيحيين الذين تلقوا عرضاً من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي للهجرة الى فرنسا ورفضوا، كما كان حريَّاً بالسيدة لوبان مراجعة الدور الغربي والأميركي في دعم هذا الإرهاب، ولا بأس عليها لو استذكرت ما ورد في كتاب “خيارات صعبة” لهيلاري كلينتون عن صناعة داعش، لتُدرك حجم المظلومية التي التي عانى ويُعاني منها أبناء الشرق من مسلمين ومسيحيين وكان الغرب من صانعيها…
المصدر: موقع المنار