لا علاقة للجماعة التي تُطلق على نفسها إسم (حَملَة نَعَم لاستقلال كاليفورنيا)، بكل ما يحصل من ارتدادات في الولايات المتحدة الأميركية، نتيجة الخطاب المثير للجدل للرئيس دونالد ترامب خلال حملاته الإنتخابية، أو بعد دخوله البيت الأبيض ومباشرة إصدار قرارات أكثر جدلية، كبناء الجدار الفاصل مع المكسيك، وحظر دخول رعايا سبع دول غالبية سكانها من المسلمين الى الأراضي الأميركية. لكن التداعيات الإنتخابية التي حصلت، نتيجة خسارة كلينتون أمام ترامب بأصوات الناخبين الكبار(المجمع الإنتخابي)” البالغ عدد أعضائه 538 موزَّعين على 52 ولاية وفق حجم كلٍّ منها، رغم فوزها عليه بإجمالي أصوات الناخبين، هي التي أشعلت الشارع الأميركي في سائر الولايات التي فازت فيها كلينتون على ترامب.
ولأن كاليفورنيا ذات القوة التمثيلية الهائلة، تمتلك 55 صوتاً من هذا المجمع الإنتخابي أي أكثر من 10% من إجمالي أصوات الولايات الأميركية مجتمعةً، ولأنها من الولايات المحسوبة تاريخياً للديموقراطيين وفازت فيها كلينتون على ترامب، انتفضت على النتائج وقررت الذهاب بعيداً في رفضها، الى حدود مُطالبة الإنفصال عن الولايات المتحدة الأميركية، وما يحصل اليوم في كاليفورنيا من جمعٍ للتواقيع بهدف المطالبة بإستفتاء حول الإنفصال، هو البداية العملية، بعد أن أعلن سكرتير الولاية أليكس باديلا منذ أيام، أنه تسلم اقتراحاً من جماعة (حملة نعم لاستقلال كاليفورنيا)، يقضي بدعوة الناخبين إلى التصويت على إلغاء جزء من دستور الولاية يُلغي تبعية كاليفورنيا للولايات المتحدة، وفعلاً نالت هذه الحملة تصديق “باديلا” للبدء بجمع ستمئة ألف توقيع تقريباً وهي كافية لطرح اقتراح الانفصال للتصويت العام (الإستفتاء).
ونزعة الإنفصال لدى كاليفورنيا، هي نفسها لدى سائر الولايات الكبيرة والغنيَّة إقتصادياً وذات التمثيل الوازن في المجمع الإنتخابي، مثل تكساس (38 صوتاً) – فلوريدا (29 صوتاً) – نيويورك (29 صوتاً) – إيلينوي (20 صوتاً) – بنسلفانيا (20 صوتاً)، إضافة الى كاليفورنيا (55 صوتاً) بمجموع 191 صوتًا أي ما يزيد عن 35% من إجمالي عدد الأصوات في المجمع الانتخابي، لأكبر ست ولايات تُقرِّر تاريخياً مَن هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
وما أقدمت عليه ولاية كاليفورنيا، سبق أن طالبت به في العام 2012، خمس عشرة ولاية أمريكية للانفصال من الوطن الأم لإقامة حكومات منفصلة وكيان مستقل. وتضم هذه القائمة ولايات: لويزيانا، تكساس، مونتانا، داكوتا الشمالية، إنديانا، ميسيسيبي، كنتاكي، كارولينا الشمالية، ألاباما، فلوريدا، جورجيا، نيوجرسي، كولورادو، أريغون ونيويورك. لكن هذه الولايات لم تستكمل إجراءات السير بموضوع الإستفتاء لأسباب تعود لخصوصية كلٍّ منها، ولأن مسألة الإنفصال معقَّدة قانونياً ومُكلفة إقتصادياً، لكن المشكلة التي تترسَّخ مع مرور الأيام أن رغبة الإنفصال باتت حُكماً موجودة في أوساط الطبقات الغنية والمتوسطة، بمعزلٍ عن كون الولاية موالية للجمهوريين أو للديموقراطيين، وتعود هذه الرغبة لعدة أسباب إقتصادية وسياسية.
أبرز الأسباب الإقتصادية، أن الولايات الغنيَّة وفي طليعتها كاليفورنيا تتحمَّل العبء الأكبر من الموازنة الإتحادية، وتجِد نفسها وكأنها تبذِر من مقدراتها الإقتصادية لدعم الولايات الفقيرة العاجزة وغير القابلة لتطوير قدراتها الذاتية (إنعدام الثروات الطبيعية وبالتالي قصور في الإنتاجية)، وبالتالي، إعتماد شبه كلِّي على مساهمات الولايات الكبرى في الإقتصاد الفيدرالي.
أما أبرز الأسباب السياسية، فهي أن الولايات الست الكبرى التي تحدِّد بحجم أصواتها في المجمع الإنتخابي من هو رئيس الولايات المتحدة، منقسمة بين الجمهوريين والديموقراطيين، وبعضها مستاءة من السياسات الخارجية والتبذير في المغامرات العسكرية الخارجية المُكلِفَة والتي تتحمل هذه الولايات – منفردة تقريباً – أعباء تغطيتها من مساهماتها ودفع أثمان خيباتها، وبالتالي، بات الإستقلال نُزعةً لدى مواطنيها، سيما وأن كاليفورنيا في حال نالت استقلالها يوماً فسوف تكون الدولة السادسة إقتصادياً على مستوى العالم!
ختاماً، إذا كان الخطوات نحو الإنفصال عن الولايات المتحدة صعبة ومعقَّدة دستورياً وقانونياً واقتصادياً، فهي ليست مستحيلة وسوف تحصل، خاصة أنه ليس هناك ما يُسمَّى “القومية الأميركية” بل “الأمَّة الأميركية” التي تجمع كل أعراق ومذاهب وإتنيات العالم تحت شعار “أُمَّة جبَّارة” تؤمِّن لمواطنيها رغد العيش والأمن وضمان الشيخوخة، لكن الأزمة المالية العالمية التي بدأت من أميركا بأزمة “الإئتمان العقاري” والمستمرة حتى اليوم، جعلت الولايات الأميركية الغنيَّة وفي طليعتها كاليفورنيا، عاجزة عن الإستمرار في التمويل الإتحادي بإسراف، وغير معنيَّة بتأمين استقرارٍ اقتصادي وسياسي لخصمٍ يُشبه دونالد ترامب، أشعلت قراراته المُستنكَرة شوارع أميركا بالغاضبين، وخسِر من شعبيته خلال أسبوعٍ واحدٍ من حكمه، ما خسره جورج بوش الأب بعد ثلاث سنوات وتسعة أشهر من وجوده في البيت الأبيض، مما يعني أن الإضطرابات الداخلية في الولايات المتحدة إذا لم تُفضِ الى محاولات إنفصالية كاملة حالياً، فإن الهالة الأميركية الساقطة في الداخل لن يكون لها وهجها في الخارج، والبيت الأبيض تنتظره الأيام السوداء في السنوات القادمة…
المصدر: موقع المنار