ربما يلاحظ البعض عند الجلوس مع الأصدقاء لوقت متأخر من الليل، أنه تلقائياً يقوم بالتثاؤب عند مشاهدة أحد الأصدقاء قام مسبقاً بالتثاؤب! وكأن الأمر هو ردة فعل لا يمكن السيطرة عليها. قبل أن تسأل عن السبب وراء هذه الظاهرة، فإنه منذ زمن طويل أُدهش الناس من خلال هذا السلوك الاجتماعي، وقد كان تفسير هذه الظاهرة شيء من الغموض. لذا، لماذا يبدو التثاؤب معدي؟
ستتفاجأ عند معرفة السر وراء هذا العمل! لكن في البداية ينبغي لنا أن نعرف ما هو التثاؤب أصلاً؟ ولماذا يقوم الإنسان بالتثاؤب؟
علم التثاؤب
بكل بساطة فإن التثاؤب عمل لا إرادي الهدف منه ملء الرئتين بالهواء إلى أقصى حد. للقيام به يفتح الشخص فاه بشدة لدرجة يكون فيها حجم فتحة البلعوم أكبر بأربع مرات من حجمها في الأوقات العادية، ويستمر التثاؤب لحوالي (6) ثوان تتقلص فيهما عضلات الوجه والرقبة، ويصاحبهما إغلاق للعينين. خلال ذلك تتوقف جميع المعلومات الحسية لفترة من الوقت تكفي لعزل الشخص عن عالمه تبعاً لمدة التثاؤب.
من الصعب محاربة الرغبة في التثاؤب عند الشعور به. لكن بصرف النظر عن منحنا جرعة كبيرة من الهواء، ما هو الغرض الفعلي لهذه ا التثاؤب ما بين الحقيقة والخرافة
لسنوات عديدة يعتقد الناس بأن التثاؤب هو عبارة عن تسليم دفعة كبيرة من الأكسجين إلى الدماغ والدم، والقتال ضد رغبة النوم للبقاء مستيقظين. في حين يبدو هذا التفسير منطقي، إلا أن الدراسات لم تُظهر زيادة في مستويات الأكسجين في الدم بعد التثاؤب.
التثاؤب لا يكمن في الهواء الذي الذي يستنشقه جسمك، وليس في الأكسجين على وجه التحديد. النظرية السائدة تتعلق في تبريد الهواء للدماغ. بالنظر إلى أن الدماغ هو العضو الأكثر نشاطاً، فإنه يميل إلى توليد الكثير من الحرارة. جسم الإنسان يحب التنظيم الذاتي والحفاظ على درجة الحرارة في المستوى القياسي.
عندما تكون أجسامنا ساخنة، فإن الوقوف أمام المروحة يمكن أن يكون حل سريع للتبريد، والدماغ أيضاً بنفس الطريقة. عندما نتثاءب، نقوم بسحب الهواء البارد من خلال الأنف وتجاويف الفم، ويقوم هذا الهواء بالاتصال بالأوعية الدموية التي تحمل الدم مباشرة إلى الدماغ، وموجة الهواء هذه تُبرد الدم، وبالتالي الدماغ.
وقد أظهرت الأبحاث أن أدمغتنا تصبح أكثر سخونة قبل أن نغفو، وعلى الفور بعد أن نستيقظ. وهذا ما يفسر لماذا نقوم بالتثاؤب قبل الذهاب للنوم ومباشرة بعد الاستيقاظ وبالتحديد قبل أول فنجان قهوة صباحي.
لكن لماذا التثاؤب معدي ؟
ظاهرة التثاؤب المعدية هي الجزء الثاني من هذا الغموض، إذ إنه اتضح، بأن التثاؤب ليس شيئاً من اختراع البشرية، وإنه شيء فريد غير مُقتصر على جنسنا البشري، حيث لوحظ بأن هناك العديد من الأنواع الأخرى، بما في ذلك الكلاب والقطط والقرود ومجموعة واسعة من الثدييات الأخرى.
هذا ما يخبرنا بأن التثاؤب هو تكيّف تطوري، وشيء وُجد عند البشر منذ ملايين السنين. وبما أنه ظاهرة عالمية، فإنه لا بد أن يكون شيء مفيد أو إلى حد ما ساعد من أجل البقاء. في حين أنه لا يوجد تفسير جاد وسريع لطبيعة التثاؤب المعدية، إلا أن أفضل تخمين هو أنه وسيلة لا إرادية للتواصل مع الآخرين.
في الأساس، فإنه إذا شاهدت شخص ما يتثاءب أمامك، فهناك فرصة جيدة لكي تعاني من نفس الظروف، وتقوم بتبريد دماغك بالمثل.
يرتبط هذا السلوك بجانب من إنسانيتنا وهو التعاطف، فعندما نرى شخص ما يتثاءب، يتم مباشرة تفعيل نظام الخلايا العصبية المرآتية للمخ، وأجسادنا تولد التثاؤب بشكل عفوي رداً على ذلك. كما ويعتقد البعض بأنه وسيلة لربط الجماعات، فعلى مر التاريخ التطوري، فإنه من المرجح بأن هذه الظاهرة ساعدت الجماعات على العمل بكفاءة وزيادة فرصهم في البقاء على قيد الحياة.
وبهذا الصدد، فإن بعض الناس الذين يعانون من مرض التوحد أو الفصام أو الأمراض النفسية لا تظهر عليهم استجابة عدوى التثاؤب . وهذا ما يشير إلى مجموعة من النظريات حول علاقة التعاطف ونظام الخلايا العصبية المرآتية في الدماغ (MNS). وقد عززت هذه الدراسة إلى معرفة الأشخاص المضطربين عقلياً عن غيرهم.
المصدر: مواقع