إنه اليوم الثاني لاستئناف العدو الإسرائيلي عدوانه الهمجي على قطاع غزة، مُنقلبًا على اتفاق وقف إطلاق النار قبل أن يمضي شهران كاملان على بدء تنفيذه، زاعمًا أن المقاومة هي السبب وراء عودة الحرب. المقاومة التي يريدها مع حليفه الأميركي أن تلتزم بورقة استسلام لم ينجح في فرضها طوال أكثر من خمسة عشر شهرًا من الإبادة. ولكن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدوانه الغادر ليست سراً، إذ تتكشف كل يوم على لسان مصادر صهيونية وأميركية.
وفي السياق، نقلت مجلة “فورين بوليسي” عن المفاوض السابق في الخارجية الأميركية آرون ديفيد ميلر أن “الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة لم تفاجئهم”، قائلاً إنها “ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمحن السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
وأضاف ميلر أن “احتمالات تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة كانت دائمًا ضئيلة جدًا”، موضحًا أن “حركة حماس لم تكن لتفرج عن الأسرى ما لم تحصل على ضمانات قوية، لكن لا الأمم المتحدة ولا واشنطن كانتا لتقدما تلك الضمانات لحماس”. هذا وأكد المفاوض الأميركي السابق أن “حماس لن تُدمّر وسيظل نفوذ الحركة ملموسًا وكبيرًا في غزة”.
يأتي كلام ميلر في وقت زعم فيه “موقع والا” الإسرائيلي أن “تقديرات أمنية تشير إلى أن الهجوم المكثف على غزة قد يجبر حماس على العودة للمفاوضات من موقع أضعف”، وأن “نجاح العملية في غزة يُقاس بعودة حماس إلى طاولة المفاوضات”. وفي السياق نفسه، زعم رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مساء أمس الثلاثاء، أن “المفاوضات بشأن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة ستجري من الآن فصاعدًا تحت النار”، متوعدًا بتصعيد العمليات العسكرية.
وعلى صلة، ذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية (كان 11) أن وزير الحرب يسرائيل كاتس، ورئيس أركان الجيش إيال زامير، هما من دفعا لاستئناف الحرب، وذلك بعد طرح زامير نهجًا عسكريًا هجوميًا أمام كاتس في الأسابيع الأخيرة، مع اقتراب تعيينه رسميًا في منصبه. وبحسب التقرير، فإنه “خلال المحادثات بين كاتس وزامير، اتخذا قرارًا بأنه يجب ألا يكون هناك حتى دقيقة واحدة من التفاوض دون ضغط عسكري فعّال”، لافتًا إلى أن كاتس “صادق خلال الساعات الماضية على خطط عملياتية جديدة للقيادة الجنوبية وسلاح الجو”.
في المقابل، قالت حركة حماس إن الاحتلال “يواصل ارتكاب جرائمه بحق أبناء شعبنا في الضفة الغربية في ظل مجازر مروعة تستهدف أهلنا في قطاع غزة”، داعية جماهير الشعب في الضفة والقدس والداخل المحتل إلى تصعيد النفير العام ومواصلة الانتفاض في وجه الاحتلال. كما دعت الشباب إلى مواصلة المواجهة بكل الوسائل المتاحة تأكيدًا لرسالة القوة والصمود. وسبق أن أكدت الحركة أمس مع بدء العدوان أن “نتنياهو أفشل عمدًا كل مساعي التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وأن العدوان الجديد لن يمنح يدًا عليا على المقاومة لا في الميدان ولا في المفاوضات”.
وعن المفاوضات، نفى القيادي في حركة حماس أسامة حمدان وصول أي مقترح مصري رسمي خلال الساعات القليلة الماضية، معلنًا في الوقت نفسه أن “الاتصالات مع الأشقاء في قطر ومصر مستمرة للجم العدوان على شعبنا”. يُذكر أن تصريحات حمدان تأتي في وقت تداولت فيه معلومات في الساعات الماضية عن تقديم مصر مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار، وأن “المقترح يهدف إلى تجاوز الخلافات القائمة، ويتوسط بين المبادرة التي وافقت عليها حماس، وبين الطرح الذي قدمه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف”. وبحسب المعلومات، التي نفاها حمدان، “يشمل المقترح المصري وقف إطلاق النار، وفتح معبر رفح لإجلاء المصابين، إضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، في المقابل، تقوم حماس بالإفراج عن عدد من الأسرى الصهاينة المصابين، وتسليم جثامين لمحتجزين مزدوجي الجنسية، على أن يتم الاتفاق على الأعداد بعد قبول الطرفين بالمبادرة”.
عملية برية واسعة
من جهتها، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نقلاً عن محللين أمنيين مطلعين على خطط جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قوات الاحتلال تخطط لعملية برية واسعة النطاق في القطاع. وأضافت الصحيفة أن “جيش الاحتلال قد يهاجم مناطق عدة باستخدام قوة أكبر، وسيحافظ على مواقعه في غزة”.
ووفقًا للمحللين الذين نقلت عنهم الصحيفة، فإن “إسرائيل” ستتحمل مسؤولية أكبر في توزيع المساعدات داخل القطاع المحاصر، بهدف سحب هذه الورقة من المقاومة.
من ناحية أخرى، أشارت الصحيفة إلى تراجع الدعم الشعبي داخل الكيان للحرب على غزة مع استئناف العدوان على غزة، وقالت الصحيفة إن “العديد من الإسرائيليين يشعرون بأن التسوية التفاوضية وحدها الكفيلة بإعادة المحتجزين أحياء”.
وفي سياق متصل، تظاهر نحو 50 ألف شخص في تل أبيب للمطالبة بعودة المفاوضات لعودة الأسرى لدى المقاومة. بالتزامن، قالت إذاعة جيش العدو إن الطريق السريع بين “تل أبيب” والقدس تم إغلاقه إثر مسيرة احتجاجية على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، فيما نقلت إذاعة الاحتلال عن والدة أسير في غزة قولها إن “استئناف الحرب يفتح عليهم أبواب جهنم ولا مسؤول يطلعهم على وضع أبنائهم”.
وعن الوضع داخل الكيان المحتل مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات، إضافة إلى تأثير مصادقة حكومة العدو مساء أمس بالإجماع على مقترح نتنياهو لإعادة تعيين رئيس حزب “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير وزيرًا للأمن القومي، وذلك رغم معارضة المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا، التي كانت قد أوعزت لدائرتها بعدم دفع اتفاق الليكود و”عوتسما يهوديت” قدمًا، وذلك إلى حين استيضاح حقائق بخصوص بن غفير و”تدخله بشكل فظ ومرفوض في تفعيل القوة الشرطية، بشكل يتناقض مع قرارات حكم، وأن هذا أداء غير مألوف وخطير واستخفاف متواصل بالقانون”.
عن كل هذه التفاصيل، معنا مراسل المنار من الضفة خالد الفقيه.
تطورات العدوان
وجددت قوات الاحتلال اليوم الأربعاء عدوانها الدامي على القطاع، بقصف منازل وخيام النازحين، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة شهداء القصف المعادي إلى 436 شهيدًا، والإصابات إلى 678.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة إن الاحتلال كثف غاراته على مختلف مناطق القطاع وأوقع شهداء، موضحًا أن الدفاع المدني يواجه صعوبات في عمليات انتشال الجرحى والشهداء من تحت الأنقاض، مشيرًا إلى أن أكثر من 80 امرأة استشهدن في العدوان الأخير على القطاع.
وارتقى شهيد وأصيب آخرون صباح اليوم في قصف استهدف مجموعة على شارع صلاح الدين في مخيم النصيرات، بعد غارات مكثفة فجر اليوم أسفرت عن استشهاد 16 شخصًا، وفقًا للمركز الفلسطيني للإعلام.
إلى ذلك، أفادت وزارة الصحة في غزة بسقوط قتيل و5 مصابين من العاملين الأجانب في المؤسسات الأممية إثر قصف الاحتلال مقرهم في المحافظة الوسطى.
وأفاد مصدر محلي باستشهاد 4 مواطنين جراء قصف الاحتلال منزلاً في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، في حين قصفت طائرات الاحتلال خيمة وشنت غارات على حي التفاح في غزة.
لحظة شن طائرات الاحتلال غارات على حي التفاح شرق مدينة غزة pic.twitter.com/KVS1R1xWms
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 19, 2025
كما استشهد 10 أشخاص وأصيب آخرون جرّاء قصف الاحتلال 4 خيام في منطقتي المواصي والمحررات جنوبي قطاع غزة، وكان من بين الشهداء في خان يونس طفل وامرأة حامل من عائلة الحميدي، بالإضافة إلى مصابين بعدما قصفت طائرات الاحتلال خيمة تؤوي نازحين غربي المدينة.
كذلك، قصفت طائرات الاحتلال منزلًا في دير البلح وسط القطاع، كما قصفت مدفعية الاحتلال برجًا سكنيًا في مخيم البريج وسط القطاع. كما قصفت مدفعية الاحتلال أحياء رفح السكنية.
ألقت طائرات الاحتلال منشورات تطالب سكان عبسان الكبيرة وخزاعة شرقي خانيونس وبيت حانون شمال غزة بإخلاء منازلهم. وجددت قوات الاحتلال عدوانها على قطاع غزة فجر الثلاثاء، بغارات جوية على جميع أنحاء القطاع، مما أدى إلى استشهاد 429 مواطنًا وإصابة مئات آخرين.
المكتب الحكومي بغزة: القطاع دخل أولى مراحل المجاعة
وبدوره، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن “استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات يهدد بانهيار كارثي للوضع الإنساني”، مضيفًا أن “القطاع دخل أولى مراحل المجاعة بعد أن فقد نحو مليوني شخص أمنهم الغذائي بالكامل”.
وأضاف أن “الأيام المقبلة ستكون كارثية وخطيرة ما لم يتوقف عدوان الاحتلال”، محملاً الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية مسؤولية استمرار الإبادة الجماعية. وبحسب تقارير رسمية، فإن حياة 25 ألف مريض في القطاع مهددة بسبب شح المياه والغذاء.
المصدر: مواقع إخبارية