لم يعد غريباً على نتنياهو أن يتخذ خطوات من شأنها قلب الطاولة في الداخل الاسرائيلي، غايته الهروب نحو الأمام من الأزمات التي يمر فيها، ولكن مع مرور الوقت، يضيف مشكلة جديدة إلى كومة التراكمات التي تكبر وتتعاظم على كاهل الكيان الصهيوني، بالتالي يزداد الوضع سوءاً لناحية الاستقرار المتزعزع أصلاً بسبب الحرب التي يخوضها على الجبهات المتعددة، وما تحققه المقاومة من إنجازات على حساب العدو، إلى أن يجد الاسرائيليون أنفسهم بعد انتهاء الحرب تحت جبل من الأزمات يوسع حالة الهلع الوجودي بشكل أكبر.
وفي توقيت غير متوقع، جاءت إقالة وزير الحرب يوآف غالانت، لكن غير مستغرب على سلوك نتنياهو السياسي في محاولاته تحصين نفسه مما ينتظره قانونياً أمام جمهوره بشكل خاص.
هذا القرار شكل حدثاً طغى على كل الأحداث التي رتبتها نتنياهو قبل الانتخابات الامريكية، وبالتالي تجنب نتنياهو أي تعليق أو محاولة تدخل من الإدارة الامريكية، وسرى القرار وانتهى بتعيين وزير الخاريجية المتطرف كاتس بديلاً للمقال، وتسليم جدعون ساعر بدلاً من المنقول ضمن التشكيلة إلى حقيبة أخرى.
ماذا عن قرار إقالة وزير الحرب الصهيوني
حساسية القرار لدى المجتمع الصهيوني تتوضح في الأوساط الصهيونية، حيث طفت مسألة الخلافات المتأزمة بين رئيس الحكومة والمؤسسة العسكرية في الكيان، وصدرت مواقف بارزة بين مؤيدون أثنو على القرار من داخل الحكومة أبرزهم المتطرف بن غفير، ومعارضين له من أعضاء كنيست وجمعيات، ولكن القرار سرى بكل ما لزم من تعديلات كما هو واضح.
العلاقة بين المؤسستين السياسية والعسكرية متوترة منذ ما قبل طوفان الأقصى، ولكن كانت القضايا محتواة عن الإعلام، وهذا ما حاول نتنياهو نفيه منذ أشهر حين أقال غالانت أول مرة في طريق عودته من أميركا، طبعاً نتنياهو أصدر القرار على متن الطائرة. والواقع يتحدث عن اختلافات بالرأي حول بعض القضايا الداخلية من ناحية وما يتعلق بالحرب على كل من قطاع غزة ولبنان من ناحية أخرى.
حديث غالانت وتعليقه على قرار الإقالة والأسباب الثلاثة ماذا أضاف..؟
حسب تصريحات غالانت فإن الموقف الصلب له من قضية تجنيد الحريديم، وكان هذا الأمر من أهم الأسباب التي دفعت بنتنياهو إلى اقالته، حيث اعتبر غالانت أن تجنيدهم تتجاوز الموضوع المجتمعي إلى مسألة وجودية، وعلى الجميع برأيه الخدمة في الجيش. كما عارض غالانت محاولات نتنياهو تمرير القوانين التي تعفي فئة من المجمتع الإسرائيلي من الالتحاق في الجيش.
وبالنسبة إلى صفقة تبادل الأسرى، فكان غالانت من أشد الداعين إلى توقيع الصفقة واعادة الأسرى أحياء، وإن كان هذا رتبط بتنازلات لا بد منها. هذا الأمر يخالف تعنت نتنياهو في الاستمرار بالحرب وإصراره على استعادة الأسرى بالضغط والمزيد من الضغط العسكري.
ويضاف إلى كل ما سبق من أسباب، مطالبة غالانت بلجنة تحقيق رسمية حول إخفاق الكيان يوم 7 أوكتوبر 2023 ، وهذه اللجنة حسب مطالبة الوزير المقال غالانت تشمل كل المسؤولين العسكريين والأمنيين والسياسيين.
أحداث طارئة في الشارع الصهويني
عقب إقالة وزير الحرب غالانت، سارع الآلاف إلى قطع طرق في تل أبيب والقدس من قبل المتظاهرين احتجاجاً ضد قرار نتنياهو، ووقعت صدامات بين الشرطة والمحتجين كما صار معتاداً. واعتبر المشاركون أن قرار الاقالة محاولة من قبل نتنياهو لعرقلة صفقة تبادل الأسرى.
وقامت الشرطة الإسرائيلية بإغلاق الشوارع المحيطة بمنزل نتنياهو، وإغلاق شارع أيالون في تل أبيب، خوفا من المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت تتوسع.
وتدفقت ردود الفعل الرافضة في جميع الأوساط الداخلية حتى في الكنيست، حيث دعا يائير غولان الإسرائيليين للنزول إلى الشوارع، وهذا يعني زيادة الاحتجاجات في الأيام اللاحقة إن لم يتمكن نتنياهو من احتوائها. كما دعا عضو الكنيست الآخر جلعاد كاريب إلى عزل نتنياهو قائلا “حان الوقت لإخراج نتنياهو من القلعة”.
كما برز موقف حركة “من أجل جودة الحكم” الصهيونية بأن اقالة غالانت ستلحق أضرارا جسيمة بالأمن القومي والإدارة السليمة.
وعلى ضوء هذا القرار الذي أشعل نار المحتجين على نتينياهو خرج النشطاء بين سياسيين وإعلاميين وغيرهم من داخل الكيان بالمطالبة بإقالة نتنياهو، على اعتبار أنه بات يشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل.
رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، قال إنه “بدلا من الاهتمام بأمن البلاد أولا ووضع مصلحة المواطنين والجنود أولا، قرر رئيس الوزراء إقالة وزير الحرب وبدء جولة جديدة من التعيينات أثناء القتال، وكل ذلك من أجل مواجهة سياسية مخزية”، واعتبر “إذا كان من الممكن استبدال وزير حرب خلال الحرب، فمن الممكن أيضا استبدال رئيس وزراء فشل في واجباته وأهمل أمن البلاد وبالتأكيد إنشاء لجنة تحقيق حكومية”.
زعيم المعارضة يائير لابيد وصف إقالة غالانت في الحرب بالعمل الجنوني، مصرحاً أن نتنياهو يبيع أمن إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي مقابل بقاء سياسي مشين، ودعا لابيد المستوطنين للنزول إلى الشوارع.
بالمقابل لهذا الإعصار الاحتجاجي، رحّبت الأحزاب الحريدية بإقالة غالانت، وأشار “حزب يهودية التوراة” الصهيوني إلى انتظارهم حدوث الإقالة لأنها ستسهل تمرير قوانين التجنيد أو غيرها من القوانين المهمة للأحزاب الحريدية.
في التداعيات
لن تقف الاقالات عن هذا الحد، حيث توقعت الاوساط الاسرائيلية بأن تكون هناك اقالات جديدة، قد تطيح بمسؤولين كبار في كل من جهازي الشباك والموساد، وحتى في الجيش لا تستبعد إقالة رئيس الأركان وقائد الجيش.
هذه الإقالات حسب محللين صهايانة تهدد بانهيار المؤسسة الأمنية لأسباب أهمية عدم خبرة كاتس في الجانب العسكري، وأيضاً هناك ما يشير إلى احتمالية توسع الحرب واستمرارها، من خلال كون وزير الحرب الجديد متطرف مثل نتنياهو ومتفق معه على كل المحططات وعلى طريقة إدارة الحرب التي لا ينوي نتنياهو إنهاءها على المدى المنظور.
ويعرف داخل الأوساط الصهيونية أن غالانت رغم كل جرائمه والفظاعات التي ارتكبها خلال الحرب لكن يعتبر عقلانياً أمام بديله كاتس المتظرف، وبالنظر إلى خبرة كاتس المفقودة في إدارة الجيش، فإن نتنياهو هو من سيكون الوزير الفعلي للحرب ويمضي حيث ينوي لحماية نفسه من المساءلة وإن كلف ذلك حسب نواياه إطلالة أمد الحرب إلى سنوات بدأت تهدد استقرار الكيان منذ بدايتها، وقد تكون سبباً في إنهيار دولة الكيان المزعوم في حال طال استنزاف العدو على أيدي المقاومة التي تحقق في الشمال والجنوب إنجازات تعرقل الكيان وتشكل له إخفاقات تضع حكومة نتيناهو في مأزق متعاظم من الفشل.
المصدر: موقع المنار