تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 29-9-2024 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
شهيدنا حسيننا أما كربلاء فلن تكون مرتين
ابراهيم الأمين
هي ليست كربلاء جديدة. ليس هذا ما خطّط وعمل له القائد الشهيد ورفاقه منذ أربعين عاما وأكثر. ما تركه لنا، زرع كبير، فيه تمسك بالمقاومة من دون اي تردد. ومن يعبّر عن الزهو، سراً او علناً، بما يفعله العدو في لبنان، هو نفسه من كان صامتاً وداعماً للجريمة المفتوحة في غزة. كل هؤلاء يريدون أن يقنعوا الناس بأن المقاومة سقطت، وان قضيتها خاسرة، وما على الجمع الا ان ينفضّ خانعاً مستسلماً.لم يكن السيد حسن نصر الله يتخيل نفسه على صورة الحسين عندما سقط شهيداً. وهو ليس في وضعية الحسين عندما خذله العالم. بل هو على صورة الحسين الذي نهض وقاتل دفاعاً عن حق يعرف ان كلفة تحصيله عالية جداً. واذا كانت قصة الحسين، مستمرة في حكايات الثائرين في كل الارض منذ نحو 14 قرناً، فان على الذين شاركوا ونفّذوا وفرحوا بقتل حسيننا ان يضعوا في عقولهم بأن السيد حسن صار رمزاً ابدياً لكل ثائر في وجه الظلم، وبأنه استشهد دفاعاً عن القدس وفلسطين، وانه رغم كل الحقد والتشويه والضغينة والخذلان والجهل، بقي حتى آخر لحظة من حياته يفكر في ان قتال اميركا واسرائيل واجب قيمي على كل من يريد ان يعيش حراً.
اليوم، يلف الحزن والغضب كل أنصار المقاومة. وقد اشهر استشهاد السيد حسن غضب كثيرين كانوا ضحية القمع طوال عقود. وهو غضب لا تنفع معه الشعارات الرنانة، كما لا تنفع معه حملات التهويل. وكل ما يفيد في هذه اللحظة هو اليقظة بمعناها الثوري، عند كل من لا يحتاج الى دليل على اسم المجرم وعنوانه.
اليوم، ثمة مهمة مركزية تواجهنا، نحن أهل المقاومة وأولادها وبناتها وأجيالها المتعاقبة، وهي مهمة حماية المقاومة، وحفظها من كل سوء، والاستعداد لتحمل الأثمان الاكبر دفاعاً عن فكرتها وقيمتها التاريخية. وليس من عاقل على وجه هذه البسيطة من يمكن مناقشته في ما يسمى التسوية والتوافق والواقعية على طريقة الغرب المجرم.
هي أيام قاسية نعيشها، وسيلمس القوم بأن ما ينتظر العدو في القابل من الايام، وليس في زمان آخر، هو عكس كل ما يريده من نتائج بفعل وحشيته القائمة على اسطورة تجعل مجنوناً مثل بنيامين نتنياهو رمزاً لها.
هي ايام قاسية، لكن الفعل في الميدان، لم يُكسر كما يعتقد ويروّج له العدو، ومعه جيش من الضعفاء الذين نراهم على هيئة صنّاع رأي عام، او سياسييين او أكاديميين او مثقفين لا معنى لوجودهم في ظل صمتهم الذي تحول الآن الى شراكة كاملة في الجريمة.
لم يعد الحياد نأياً بالنفس عن النار الكبيرة. ولم تعد التسوية فرصة لالتقاط الانفاس، ولم يعد الاذعان حيلة تنفع اولئك المتلحّفين برداء الخسّة والضعف… وما على القوم الا انتظار نهاية الجولة، وليس نهاية الحرب!
إسمه الشّهيد
« «التّشكّي الى السماء» هو تقليدٌ راسخ في الأدب الصيني التراثي، حيث يقوم الكاتب بالحديث مباشرةً مع السّماء ومساءلتها عن مظالمٍ يعتبر أنها قد وقعت عليه وآذته … توجّه جانغ الى الله طالباً سبباً وتفسيراً لتاريخ المعاناة الطويل الذي مرّ على الصوفيّين في الصّين، وقد طرح ثلاثة اسئلة: ذاك الحمل يا الهي، الذي كان قرباناً افتدى ولد ابراهيم، متى يا ترى سيظهر لنا؟ أم هل تقصد أنّه قد كُتب علينا، أتباع الطريقة الجاهريّة، أن نكون نحن الحمل؟ وماذا يعني ذلك؟ هل هو يعني أن السلطة القاهرة، التي تقترف المعاصي والاثم والفساد، هي اذاً اسماعيل السّعيد؟»
– من مقال ستيفان هينينغ عن الكاتب الصيني جانغ تشنغجي في دورية «دراسات مقارنة في المجتمع والتاريخ»، العدد 51، سنة 2009.
عام 1871، في اقليم نينغشيا في شمال الصّين، كان المرشد الخامس للطريقة الصوفيّة الصينيّة المسمّاة بـ»الجاهريّة» محاصراً في حصنه، وقد وصلت الحال الى حافّة اليأس. كان المرشد قد الجأ عنده عدداً من المسلمين الفارّين، بعد تمرّدٍ فاشل ضد الدولة، وتعهّد بحمايتهم.
فلاحقهم الجيش الامبراطوري ووضع أتباع الجاهريّة في مرمى الانتقام: حاصر مدنهم وقلاعهم وواجههم بقوّة فائقة وسدّ في وجههم السّبل. في ليلةٍ بعد اشتداد الحصار، وجيش السلطان معسكرٌ خارج الأسوار، توجّه المرشد – وكان اسمه ما هوالونغ – الى الشّيخ سائلاً ايّاه عن أثمن أضحيةٍ يمكن أن يقدّمها المرء في العيد. وبعد حوارٍ قصيرٍ مع الامام يشرح المرشد أنّ الأضحية الحقيقية ليست حين تقدّم نعجةً أو ناقةً، بل هي تتمثّل في النبي ابراهيم حين سلّم ابنه للموت. ثمّ أضاف: «ومن أجل انقاذ الجماعة، لقد قرّرت، فسوف أقدّم نفسي أضحيةً». ثمّ خرج برجليه من البوّابة وسار الى جهة العدوّ ليسلّم نفسه الى قائد المعسكر. لم يتمّ إعدام ما هوالونغ مباشرة، بل تمّ تعذيبه ببطء على مدى شهرين قبل أن يموت، وقد قتل الجيش الامبراطوري كلّ فردٍ من نسله تمكّن من الوصول اليه – أكثر من ثلاثمئة من أقاربه بالاجمال. ولكن على الرّغم من ذلك فإنّ تضحية المرشد قد أوقفت الحرب فعلاً، ونجّت الجماعة من خطر الإبادة.
هذه من القصص الكثيرة التي يرويها الكاتب الصيني جانغ تشنغجي عن تراث الطريقة الجاهريّة في كتابه الشهير «تاريخ الرّوح» (يبدو أنه كان من الكتب الأكثر مبيعاً في الصين وقت صدوره في أواسط التسعينيات). والجاهريّة طريقة صوفيّة دخلت الى الصّين في القرن الثامن عشر عبر «وليّ» صينيّ ارتحل الى اليمن وتعلّم فيها قبل أن يعود الى بلاده ويؤسّس جماعته. واسم الجاهريّة يأتي من مبدأ «الجهر» بالمعتقد، ومذهبهم يقوم على أن تصمّم حياتك بحسب قناعاتك والتعاليم التي تعتبرها أخلاقيّة، وأن تعيشها بوضوحٍ مهما كان الثّمن. لهذا السّبب تعلي الجاهريّة من مقام الشجاعة والتضحية، ولهذا ايضاً فإنّ لها سلسلةُ من القادة – «مرشدون» – سقطوا كلّهم شهداء في وجه الدولة (يقول انتوني غارنو، في بحثه عن جانغ تشنغجي والطريقة الجاهريّة، أنّ ذكر الطائفة في أرشيفات دولة ال»تشنغ» ومراسلاتها لا يأتي الا على صورة تمرّدٍ لهم هنا أو حربٍ ضدهم هناك). وقد قرّر الكاتب الصيني جانغ تشنغجي، حين تعرّف الى الطائفة وأصبح من مريديها، أن يكتب تاريخها عبر سلسلة المرشدين الشهداء، بدءاً من أوّلهم الذي قتلته دولة التشنغ في أواسط القرن الثامن عشر ووصولاً الى المرشد السابع الذي مات عام 1920.
قصّة حياة جانغ في ذاتها مثيرة: مع أنّه ينحدر من أسرةٍ صينيّة مسلمة من قومية ال»هوي»، الّا أنّه كان في شبابه شيوعيّاً متحمّساً، ومريداً مخلصاً لماو تسي تونغ في مرحلة «الثورة الثقافية»، وهو ولاءٌ لا يزال يجاهر به الى اليوم. بل إنّ هناك نظريّة قويّة عن أن جانغ تشنغجي كان هو أوّل من استخدم تعبير «الحرس الأحمر» (وقد صاغ المصطلح في رسالةٍ وجهها الى ماو في الستينيات جاء فيها «نحن اذاً حرسك الأحمر»). بعد انقضاء الثورة الثقافية و»المرحلة الايديولوجية» أصبح جانغ انثروبولوجياً وروائياً، ونشر كتباً وقصصاً عن أهل منغوليا الداخلية (المنطقة الطرفية التي أُرسل اليها في السبعينيات وعمل في نواحيها وقراها) وعن حياتهم البدويّة وحكاياتهم وفولكلورهم. كان جانغ جزءاً من تيّارٍ أوسع ضمن الأدب الصيني صعد في تلك المرحلة وسمّي بجيل «العودة الى الجذور»، حيث أصبحت القصص تتمحور حول الأرياف والأطراف، والأقليات العرقية والقومية. كانت أكثر هذه الكتابات طريقة مواربة لنقد مجتمع المادية والاستهلاك الذي قد بدأ يظهر في الصّين، فقام هؤلاء الكتّاب بتسليط الضوء على الأطراف والهوامش بدلاً من المركز والمتن، وبحثوا عن المعنى في الخصوصي والمحلّي وليس في الايديولوجيا والمثل المتعالية. في احدى زياراته الى شمال الصين وجد جانغ نفسه، بالصدفة، في قريةٍ يسكنها مسلمون من الطائفة الجاهريّة، وبعد أن تعرّف اليهم واستضافوه مرّ هناك، في ليلة شتاءٍ قارسٍ وعاصفة ثلجية، بتجربةٍ روحيّة يقول أنّها بدّلت حياته: جعلته يعود الى الاسلام ويعتنق الطريقة ويصبح فرداً من الجماعة. ثمّ جلس هؤلاء القرويين معه لأشهر وهم يروون له تاريخهم وقصص اسلافهم وتضحيات قادتهم، ليقوم جانغ بتدوين وتوثيق هذه الروايات ونشرها في كتابه الشهير «تاريخ الرّوح»، وهو خليط بين الرواية والتأريخ والأرشيف.
الشهيد حسن نصر الله، بالمقابل، سوف تبكيه أمّةٌ كاملة من النّاس، جلّها من الفقراء والمستضعفين. بعضهم سيبكي في صمتٍ وبعضهم الآخر في السّرّ. أمّا عن أعدائه وقتلته، فنحن والزّمن كفيلين بهم
كنت في الصّين مؤخّراً وقد حاولت العثور على أعمال جانغ تنشغجي ولم أوفّق. لم تصدر للكتاب سوى ترجمة انكليزية وحيدة، في «تايبة» في أواخر التسعينيات، وهي غير مقرصنة أي انّها ليست متاحة لي ولأمثالي. وهناك في بيجينغ شرح لي خبيرٌ في التاريخ الصيني القديم أنّ أعمال جانغ ليست منتشرة اليوم لأنّ المؤسسة الثقافية لا تحبّ كتاباته وأفكاره. المشترك الذي وجده جانغ بين الماويّة والجاهريّة هي فكرة أن تعيش حياتك وفق قيمٍ ومبادىء معيّنة، وأن تلتزم بهذه «الحياة الأخلاقية» حتّى وإن كان العالم من حولك لاأخلاقياً. لهذا السبب كان من المنطقي أن تصبح فرقةً مثل الجاهريّة خصماً «طبيعياً» للدولة وأن ينتهي قادتها شهداء، يقول جانغ، فهما نقيضان لا يمكن أن يتعايشا: الجماعة والرّوح مقابل الادارة والبيروقراطية، التضحية مقابل الماديّة، والجّهر مقابل الامتثال. يكتب ستيفان هينينغ في دراسته عن الكاتب الصيني أنّ جانغ تشنغجي قد قارب تاريخ الجاهرية عبر تفسيرٍ خاصّ صاغه لمفهوم الأضحية والقربان الابراهيمي. اعتبر جانغ انّه كان مقدّراً أن يتمّ قمع الجاهريّة حتى تفرض الدولة الامبراطورية كيانها وناموسها. الجماعة الصوفيّة، بمعنى آخر، هي بمثابة «قربان» كان لا بدّ من التضحية به لكي يحيا نقيضها، ولكي تلتئم الصّين – الدولتية الماديّة – وتستقرّ كما هي. كان الجاهريّون مستعدّين دوماً لدفع هذا الثّمن، وهم يفتخرون بالشهادة والتضحية ولكن، يضيف جانغ (كأنه «هادي علوي» من الصّين)، ماذا تخبرنا هذه السيرة عن طبيعة الدّولة والسّلطة؟ وما هو هذا الكيان الذي لا يمكن أن يقوم ويكتمل الّا عبر سحق أفضل العناصر في المجتمع وأكثرهم أخلاقيةً وشجاعة؟
قد نكون نحن أكثر من يفهم هؤلاء الناس في عصرنا الحالي، نحن الذين أصبحنا أعداء للنظام والسّلطة في العالم بمحض وجودنا، وكوننا لم نتبع دين الامبراطور. البارحة فقد النّاس مرشدهم، لأنّه كان النقيض الحقيقي لكلّ المنظومة التي تحيط بنا، وفي الأخلاق قبل السياسة. عبّر لي أحدهم قبل فترةٍ عن صدمته وخيبة أمله من رد الفعل العربي والشعبي تجاه مذبحة غزّة، وكيف أنه لا يرتقي البتّة الى مستوى الحدث وتاريخيته. هذا، عندي، ليس حكماً على الجماهير العربيّة و»الناس العاديّين»، الذين يفتقرون الى التنظيم والتسييس، ويعيشون يوميّاً تحت حملات الافقار والاخضاع والتضليل. بل هو دليلٌ على نجاح النظام العربي – الاسرائيلي في الهيمنة على الثقافة العربية خلال العقود الماضية، وإعادة تشكيلها – بشكلٍ جذريّ – وخصيها بالكامل. هو يظهر لك كيف أصبح المثقفون والنخب، والفئات التي يفترض بها أن تشارك في التنظيم والتنظير وخلق حالة ثوريّة، امّا يعملون في خدمة النظام، أو تم تحييدهم، أو دفعوا لمغادرة أوطانهم.
ثمّ لديك، على المقلب الآخر من كلّ هذا، الشهيد حسن نصر الله. كان بمجرّد وجوده عدوّاً ونقيضاً لهؤلاء وما يمثّلون. حتى لو أنّه لم يعادهم فهم كانوا سيعادونه. وهذا نوعٌ خاصّ، غريزي، من الخصومة. مع أنّه سياسي ظاهراً الّا أنّه يتجاوز السياسة: انظر الى العرب الذين أصبحوا تابعين، الى الفئات البورجوازية الحقيرة في لبنان وغيره، الى كلّ من اشتراه رأس المال الخليجي والغربي. خصومة هؤلاء مع الشهيد كانت أعمق من خصومتهم مع أيّ طرفٍ آخر، فهو لا يطرح برنامجاً سياسياً يعارضونه، بل يمثّل نظاماً للحياة والعيش يتناقض بالكامل معهم ومع أسباب وجودهم. الموضوع هنا ليس «ايديولوجياً»: حين اجتمع هؤلاء كلّهم على معاداة السيّد وحاربوه فهم كانوا، قبل أيّ شيء، يدافعون عن مصالحهم وموقعهم الاجتماعي، وهذه أبسط وأفعل ايديولوجيا في العالم (والرهان على القوّة لا يحتاج الى كثير تفكيرٍ وتحليل). انت تجد اليوم بينهم وبين اسرائيل «وحدة حال» حقيقية لم يعد أكثرهم، لحسن الحظّ، يجهد في اخفائها.
ولهذا السبب فهم سوف يرمون الآن بكلّ ما لديهم ضدّكم، وأنا لا أقصد اسرائيل وحدها فاسرائيل ليست سوى رأس الحربة. انت تواجه منظومةً واحدةً متكاملة، تبدأ في واشنطن وتنتهي في الرياض وابو ظبي. وإن نظرت اليهم على أنّهم متفرّقون ومتمايزون فهم بالمقابل يعملون ضدّك سويّة وبتنسيق، وكلّما فهمنا هذا الواقع أسرع كلّما كان أفضل. لا يمكن أن تنتصر في مواجهةٍ وصراع إن سمحت لخصمك بأن يحدّد لك ميدانها. أكثر من ذلك: إن كان هناك من درسٍ لأحداث السنة الماضية، يجب أن يعرفه كلّ فلسطيني وعربي، فهو ليس دعوةً لـ»التعقّل» والخضوع، بل على العكس تماماً. ما حصل في غزّة ولأهل غزّة لم يحصل مثله لا في العراق ولا في سوريا ولا أيّ مكانٍ آخر في بلادنا المنكوبة. المعنى هنا هو أنّ كل تراكم ٍللقوة الأميركية في المنطقة سيدفع ثمنه، أوّلاً، الفلسطينيون، وسيترجم ابادةً وعنفاً جماعياً ضدّهم قبل أيّ طرفٍ آخر. إن كان هناك من درسٍ هنا فهو في التخلّي عن وهم «التوفيقية» واختيار الطريق الوسط، فهو غير متاح. فكرة أنّ قضية فلسطين قد تحلّ، من تلقاء نفسها، بالمناورات والتفاوض أو الفهلوة، أو في اننظار شيءٍ وصفقة يمنّ علينا بها الغرب. أو، باختصار، النمط الشائع بأنك تريد أن تحرّر فلسطين وأن يتوظّف ابنك ويعمل، في الوقت نفسه، في الامارات ودبيّ. إن لم تجعل حرب غزّةٍ هذه الأمور واضحة لك فلا شيء سيفعل ذلك.
لا يقدر المستكبرون على إزالة الفعالية عن شعبٍ عبر قتل قادته. بل عبر تجريده من التنظيم وتفكيك قدراته الجماعيّة و – قبل أيّ شيء – عبر جعل النّاس يتخلّون عن المبدأ ويخافون ويتعلّمون الامتثال. بالمعنى التاريخي، نحن لا زلنا في البداية، والحرب الكبرى التي تجري لا تزال في أوّلها. سوف تظهر الأيّام والسنوات القادمة المعنى الحقيقي لحياة السيّد حسن نصر الله ومعنى شهادته. في الصّين اليوم لا تزال الطريقة الجاهريّة موجودة، وأتباعها يعدّون بمئات الألوف، ومن تقاليدهم أنّهم ما زالوا، مع كلّ صلاة صبحٍ، يردّدون دعاءً موجّهاً لمرشدهم الخامس الشهيد فيستذكرون، في تسعة وخمسين ثانية، الأيام التسعة والخمسين التي قضاها المرشد في الأسر. الشهيد حسن نصر الله، بالمقابل، سوف تبكيه أمّةٌ كاملة من النّاس، جلّها من الفقراء والمستضعفين. بعضهم سيبكي في صمتٍ وبعضهم الآخر في السّرّ. أمّا عن أعدائه وقتلته، فنحن والزّمن كفيلين بهم.
رمز مقاومة الإمبريالية الغربية والصهيونية: نَجمنا الذي تناثر في الكون
غطّت المقابلة مجموعة واسعة من المواضيع، من الحرب على الإرهاب إلى الهيمنة الغربية ودولة المراقبة
عندما تموت النجوم، تنفجر وتنتج غباراً نجمياً يتناثر في الفضاء لتتشكل منها الكواكب والأجرام السماوية الأخرى. هكذا رحل قائد المقاومة. في استشهاده، لم ينتهِ حضوره، بل تجسدت مقاومته في كل ذرة من هذا العالم، وصار أسطورة يرويها الجميع. صدى صوته لم يخفت، بل صار يتردد في وجدان كل من يناضل ضد الظلم والاحتلال. لقد تجاوزت روح السيد حسن نصر الله حدود الزمان والمكان وامتزجت بنسيج الكون، رمزاً خالداً للعزيمة التي لا تُكسر، ولتذكّرنا دائماً بأن المقاومة ليست مجرد فعل سياسي وعسكري، بل هي جزء من حركة الكون الثنائية بين الخير والشرّ
وقع نبأ اغتيال السيّد حسن نصر الله كالصاعقة، وترددت أصداؤه في شوارع بيروت وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. فقد استشهد الأمين العام لحزب الله في عملية اغتيال ما هي إلا استمرار لقواعد الاستعمار الجديد في المنطقة. لكن تاريخ المقاومة اللبنانية، خصوصاً «حزب الله»، يشهد بأن استهداف القادة ليس بالأمر الجديد. اغتيال السيّد عباس الموسوي، الأمين العام السابق للحزب، في عام 1992 لم يُنهِ المقاومة، بل أدى إلى تصعيدها وتعزيز وجودها تحت قيادة نصر الله. فالفكرة الرئيسية التي نشأ عليها مقاومو حزب الله، والعديد من المقاومات الأخرى في العالم، هي أن الاستشهاد أو الاغتيال ليس نهاية المسار، بل هو جزء من التضحية المطلوبة لاستمرار القضية. بالتالي، بُني الحزب على أساس الاستمرارية، وهو تنظيم يستطيع التحرك بكفاءة بمعزل عن فقدان أي قائد.
لم يكن السيّد حسن نصر الله، مجرد شخصية عسكرية. لقد كان رمزاً للمقاومة ضد الإمبريالية الغربية والصهيونية، خصوصاً في لبنان وفلسطين. وفي ظل قيادته، أصبح حزب الله قوة هائلة، متحدّياً المخططات الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما إسرائيل. انتصار «حزب الله» ضد إسرائيل في حرب 2006 جعل من نصر الله بطلاً للملايين في كل أنحاء المنطقة، وشوكة في خاصرة أولئك الذين سعوا إلى فرض هيمنتهم. ولكن كما يُظهر التاريخ في كثير من الأحيان، فاغتيال قائد ثوري يؤدي إلى ما هو أكبر بكثير مما كان يتوقعه الظالمون. لم يؤد اغتيال نصر الله إلى إضعاف المقاومة، بل على العكس، فقد أصبح نقطة التقاء للملايين الذين شعروا بثقل الهيمنة الإمبريالية.
من الحركات الشعبية في أميركا اللاتينية إلى الاحتجاجات الجماهيرية في أوروبا وموجات التضامن في أفريقيا، بدأ العالم يربط بين نضالاته والقوى القمعية. وفي قلب هذه الصحوة العالمية بُعيد عملية الاغتيال، اكتشف شعب الإنترنت مقابلة السيد حسن نصر الله مع جوليان أسانج. وأعادوا النظر في ذلك التبادل بينهما، وما هذا سوى لمحة عن الوعي الذي انفجر حول العالم. غطّت المقابلة مجموعة واسعة من المواضيع، من الحرب على الإرهاب إلى الهيمنة الغربية ودولة المراقبة.
وعندما أعاد الناس النظر في هذا الحوار، صُدموا ببعد نظر الرجلين. تحدث يومها نصر الله عن محاولات القوى الغربية للهيمنة من خلال القوة والعقوبات الاقتصادية والدعاية. وكان أسانج، قد فضح الآليات ذاتها التي سمحت لهذه القوى بالعمل من خلال برقيات ويكيليكس، وسجلات الحرب، والكشف عن المراقبة الجماعية. ما أدهش الناس ليس فقط مضمون محادثتهما، بل العلاقة الرمزية بين الاثنين. فنصر الله، القائد العسكري، مثّل الكفاح ضد الإمبريالية الخارجية، في حين أن أسانج، الصحافي، كشف عن الأعمال الداخلية القذرة لتلك الآلة الإمبريالية نفسها.
نصر الله، القائد العسكري، مثّل الكفاح ضد الإمبريالية في حين أن أسانج، الصحافي، كشف عن الأعمال الداخلية القذرة لتلك الآلة الإمبريالية
استعجال إسرائيل إعادة رسم المنطقة بعد استشهاد السيّد حسن نصر الله، ظهر جلياً في رسالة نشرها على منصة «إكس»، أمس، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب، جاريد كوشنر، الذي شغل منصب كبير مستشاري ترامب بين 2017 و2021. تعليقات كوشنر تعكس السردية الخاطئة التي تفترض بأنّ الهيمنة العسكرية، وليس الدبلوماسية والحق في تقرير المصير، هي السبيل لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين. ما يحتفي به كوشنر باعتباره انتصاراً لإسرائيل والغرب ليس سوى فصل آخر في استمرار قمع لبنان وشعبه الذي تُختزل معاناته وتُعتبر مجرد أضرار جانبية في لعبة سياسية أوسع. إشارة كوشنر إلى أن «قطع رأس حزب الله» يعرّي إيران ويزيل تهديداً رئيسياً لإسرائيل تتجاهل السياق التاريخي لنشوء الحزب كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي للبنان، مستمداً دعمه من الناس التي تعرضت للتنكيل والقصف. والقول إن اغتيال نصر الله سيجلب «الخلاص» للبنان هو قراءة خاطئة جوهرياً لتعقيدات المشهد السياسي في البلاد. احتفاء كوشنر بعمليات الاستخبارات الإسرائيلية والضربات العسكرية الإسرائيلية يتجاهل الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون اللبنانيون. ومن خلال تأطير اغتيال نصر الله كضربة استراتيجية بارعة، يعزز كوشنر سردية تبرر المزيد من عسكرة المنطقة، متجاهلًا العواقب الحتمية التي تنجم عن مثل هذه السياسات العدوانية. علاوة على ذلك، تركيز كوشنر على إيران باعتبارها الجهة الوحيدة لعدم الاستقرار في المنطقة هو محاولة متعمّدة لتشتيت الانتباه عن دور إسرائيل كقوة احتلال وعن الإمبريالية الأميركية المستمرة التي تدعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط. هذا التهجم المستمر على إيران، في مقابل التغاضي عن الجرائم التي يرتكبها حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل وغيرها، يعكس سياسة خارجية منافقة. فالسلام الدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق من خلال فوهة البندقية أو بإزالة قادة مثل نصر الله، بل بمعالجة الجذور العميقة لعدم المساواة والاحتلال والإمبريالية. ما يغفل كوشنر عن فهمه – أو يتجاهله عمداً – هو أن دعم حزب الله لا يستند فقط إلى النفوذ الإيراني، بل أيضاً إلى المظالم المشروعة لشعوب عانت لعقود من العنف والقتل، ودعوته إلى «إكمال المهمة» ليست طريقاً نحو السلام، بل وصفة لمزيد من المعاناة والمقاومة.
في ظل العواصف السياسية والعسكرية التي تواجهها المنطقة، تبقى الكلمات التالية مرجعاً في مواجهة الظلم، سواء في لبنان، فلسطين، أو أي بقعة من العالم. إن الاستسلام لليأس يعني الاستسلام للمحتل والمعتدي، وهو ما لا يمكن قبوله في عالم لا يزال مليئاً بالظلم والتفاوت. فكما قال سيّد شهداء المقاومة حسن نصر الله: «لا يجوز أن نيأس. اليأس هو خُلُق الضعفاء. هو خُلُق الفاشلين. هو خُلُق عديمي الإرادة وفاقدي العزم. أما أنتم، أما نحن الذين وقفنا في وجه العواصف العاتية، وصمدنا وبقينا وانتصرنا، لا يمكن أن نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا».
نتنياهو يعزّز حكومته ويستعد لهجوم بري على لبنان
كما في كل مرة، لا تحتاج اسرائيل الى حافزية وأسباب لشنّ عدوان جديد على لبنان. لكن، وكما في كل مرة، تتولى الولايات المتحدة، ضمن تحالف يجمع دولاً أوروبية وبتواطؤ عربي فاضح، تغطية أبشع عدوان يتعرض له لبنان منذ عام 2006. وفيما أطلق جيش الاحتلال عملية اغتيال واسعة ضد كل من يمكن الوصول اليه من القيادات الجهادية في المقاومة، يواصل ارتكاب المجازر ضد المدنيين مخلّفاً مئات الشهداء والجرحى، كما في غزة، بحجة استهداف مقار ومستودعات اسلحة للمقاومة.وفيما توقفت كل الاتصالات ذات المصداقية، دشّن العدو ليل امس مرحلة جديدة من العدوان، بإدخال العاصمة بيروت للمرة الأولى في دائرة الاستهداف بغارة على منطقة الكولا، مسنهدفاً اغتيال مقاومين يشاركون في جبهة اسناد غزة. فيما تشير الانباء الواردة من الكيان، ومن عواصم خارجية، إلى ان العدو يستعد لتوسيع دائرة الاعتداءات، وللقيام بعمليات برية في اكثر من منطقة لبنانية.
ومع التفاف العالم «الحر» الى جانب مجرمي الكيان، عزز الائتلاف الحاكم في تل ابيب مؤسسة القرار، بضم زعيم حزب «يمين الدولة»، جدعون ساعر، المنشقّ عن حزب بني غانتس، الى الحكومة وزيراً بلا حقيبة، في خطوة تهدف الى ازالة اي فرصة أمام معارضيه لإضعاف الحكومة، علماً ان كل خصومه في الداخل أعلنوا دعمهم للحرب الشاملة ضد لبنان. وحرص نتنياهو على منع اي انشقاق من خلال ابقاء يؤاف غالانت في منصب وزير الحرب، بحيث يمنح السلطة مناعة تحول دون إسقاطها، ليس من قبل المعارضة فحسب، بل أيضاً من الكتلة اليمينية بقيادة ايتمار بن غفير. كما يكتسب نتنياهو بذلك قدرة أكبر على السيطرة على غالانت، وتهديده بإقالته واستبداله بساعر. وهكذا صارت حكومة نتنياهو اليوم مدعومة من 68 عضواً في «الكنيست»، بحيث لا يمكن لسموتريتش وبن غفير إسقاطها في حال استقالا.
اهمية الخطوة السياسية في كيان الاحتلال تتعلق ببرنامج نتنياهو لتوسيع الحرب ونيته دخول مرحلة اكثر عدوانية ضد لبنان، فيما فتح الباب أمس امام حرب اضافية ضد اليمن، عبر غارات على ميناء الحديدة لتوجيه رسالة تهديد الى ايران، مع تركيز مساعيه لاستدراج الولايات المتحدة ودول اخرى للانضمام الى ما يعتبره «المعركة الفاصلة» ضد محور المقاومة في كل المنطقة.
وفي وقت صارت الجبهة مع لبنان تحتلّ أولوية مطلقة على أي ملف آخر، بما فيها الحرب في غزة. برز ايضا توافق وتجانس بين المستويين الأمني والسياسي في الكيان، على ضرورة دخول القوات الإسرائيلية الى جنوب لبنان. كما تدعم المعارضة هذا الخيار، رغم وجود خلاف في الآراء حول العمق الجغرافي الذي ستتوغل إليه القوات الإسرائيلية، بين من يطالب بالوصول الى نهر الليطاني، ومن يدعون الى توغل ضمن شريط حدودي ضيق يتيح «فرض الارادة السياسية على لبنان لإجبار قوات حزب الله على الانسحاب بعيداً عن خطوط التماس». وسربت مصادر اسرائيلية إن «الجيش يستعدّ لعملية برية محدودة في لبنان وسط ضغوط أميركية غير مسبوقة لمنع هذه الخطوة». ونقل عن مسؤولين أميركيين أن «واشنطن تخشى أن ياتي الغزو البرّي بنتائج عكسية».
في هذه الاثناء، استمرت اسرائيل نفسها، كما الاطراف الاخرى، في تقصي الحقائق حول الوضع القيادي الجديد في حزب الله بعد اغتيال الامين العام للحزب الشهيد السيد حسن نصرالله وعدد كبير من القادة العسكريين. وفيما تتولى ماكينات كبيرة ضخ معلومات خاطئة أصدر حزب الله امس بياناً نفى فيه كل ما يجري تداوله حول اجراءات تنظيمية في الحزب، كما نفى تحديد موعد او برنامج لتشييع الشهيد السيد نصرالله ورفاقه.
ويركز العدو في عملياته على خطة مزدوجة تهدف الى ضرب القدرة البشرية القيادية للمقاومة، وإلحاق الضرر بالقدرات العسكرية، وهو ما ترجم بعشرات الغارات المتتالية يوميا ضد عدد كبير من المناطق في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بالتزامن مع استمرار حالة الطوارئ داخل الكيان. فبعد وقت قصير من إعلان «الجبهة الداخلية» الإسرائيلية تخفيف الإجراءات الأمنية في حيفا والكرمل، وإمكانية إقامة أنشطة تعليمية قرب الملاجئ، دوّت صافرات الإنذار في المنطقة الممتدة من حيفا جنوبا حتى الحدود مع لبنان، ما فرض تعطيلا للحياة في تلك المنطقة واعلان المستوطنين رفضهم فتح المدارس.
وفي المسار نفسه، يرفع العدو من سقف التحذيرات حيال امكانية تعرضه لهجوم من ايران، خصوصاً ان مواقف القيادة الايرانية خلال الساعات الماضية كشفت عن تحول لم يكن ظاهراً في الايام القليلة الماضية. وقال اعلام العدو إن «الإدارة الأميركية لا تعترف بأي مؤشّرات على أن إيران تستعدّ للردّ الآن»، لكنها ترسل الى طهران تحذيرات «أملاً في إبعادها عن التورّط المباشر في الصراع».
العدوّ يستهدف ميناء الحديدة: تصعيد يمني ثأراً لنصر الله
صنعاء | بعدما اعترف الإعلام الإسرائيلي، أمس، باستمرار العمليات اليمنية ضد إسرائيل، وتحدّث عن هجوم يمني جديد نُفّذ بواسطة طائرة مسيّرة ضد هدف في مدينة إيلات، هو الرابع منذ مساء الجمعة الماضي، بعد اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس، خزانات الوقود ومحطات الكهرباء في محافظة الحديدة الساحلية اليمنية. وقال مصدر أمني في الحديدة، لـ«الأخبار»، إن «طائرات العدو استهدفت خزانات الوقود في ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى ومحطة الحالي للكهرباء، ومطار الحديدة الذي تعرّض أيضاً للاستهداف من قبل الطيران الأميركي والبريطاني بغارتين، قبيل الاعتداء الإسرائيلي».ويحاول الاحتلال، من خلال تكرار اعتداءاته على خزانات الوقود ومحطات كهرباء الحديدة، خلق انتصار وهمي. إلا أن مصادر محلية مطّلعة قالت، لـ«الأخبار»، إن استهداف الكيان، الحديدة، كان متوقّعاً، وتم اتخاذ الإجراءات لمنع حدوث أي تداعيات لهذا الاعتداء. وكان جيش العدو قد هدّد جبهة الإسناد اليمنية بالرد على استهداف قوتها الصاروخية مطار بن غوريون بصاروخ «فلسطين 2»، مساء أول من أمس، أثناء وصول رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، إلى المطار، عائداً من الولايات المتحدة. وعلى رغم محاولة إعلام الكيان والإعلام العربي التابع لأنظمة متعاونة معه التقليل من أهمية العملية اليمنية الأخيرة، إلا أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أكدت هروب نتنياهو من مطار بن غوريون إلى منطقة «كرياه»، وقالت إنها حصلت على وثائق أظهرت، بالفعل، أن الهجوم بصاروخ من اليمن، جاء تزامناً مع وصول نتنياهو إلى المطار. كما وصفت صحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية العملية بمحاولة اغتيال نفذها «الحوثيون» ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي.
جبهة الإسناد اليمنية بعد اغتيال نصر الله دخلت مرحلة جديدة من المواجهة من دون سقوف
واعتبر الخبير العسكري، العميد نجيب شمسان، في حديث إلى «الأخبار»، أن «جريمة اغتيال السيد نصر الله كسرت كل قواعد الاشتباك، ودفعت صنعاء إلى تنفيذ عمليات خارج إعدادات المرحلة الخامسة التي كانت محدّدة بضرب أهداف عسكرية وأمنية في تل أبيب وتحويلها إلى منطقة غير أمنة»، لافتاً إلى أن «الطائرة اليمنية المسيّرة من نوع يافا، والتي استهدفت عسقلان مساء الجمعة، تأتي في إطار توسيع قوات صنعاء هجماتها في عمق الكيان الإسرائيلي». واعتبر أن «جبهة الإسناد اليمنية بعد اغتيال نصر الله واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل عنيف، دخلت مرحلة جديدة من المواجهة بدون سقوف»، مشيراً إلى أن «استهداف القوة الصاروخية اليمنية مطار بن غوريون أثناء وصول رئيس حكومة الكيان، يعدّ تحولاً جذرياً في مسار المواجهة إسناداً لغزة ولبنان». كما أكد شمسان أن «من يملك صواريخ فرط صوتية يستطيع أن يباغت العدو حيثما كان، ولا يتيح له فرصة المناورة. ودلالة عملية استهداف مطار بن غوريون الأخيرة تؤكد أن صنعاء قادرة على مباغتة العدو خلال الأيام المقبلة»، ولفت إلى أن «أميركا شريك أساسي في استهداف ضاحية بيروت الجنوبية وفي اغتيال السيد الشهيد حسن نصر الله».
وكان المتحدث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، قد أكد، في بيان عسكري مساء أول من أمس، أن الهدف من قصف مطار بن غوريون في تل أبيب، هو نتنياهو.
ووفقاً لأكثر من مصدر في صنعاء تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الصاروخ الفرط صوتي «فلسطين 2» اليمني الذي قطع المسافة بين اليمن والأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 12 دقيقة، حمل أكثر من رسالة مفادها أن القدرات العسكرية لصنعاء بإمكانها استهداف قيادات الكيان، وأن هذا الصاروخ أُطلق بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية، وهو يستطيع الوصول إلى مناطق أخرى في عمق الكيان، وأن هذه العملية تعدّ خطوة صنعاء الأولى في أعقاب جريمة اغتيال السيد، وسوف تعقبها رسائل صاروخية يمنية غير محدودة خلال الأيام المقبلة. كما أن من بين تلك الرسائل، أن مستوى الرد العسكري اليمني المساند للشعب الفلسطيني ومقاومته والشعب اللبناني ومقاومته، آخذ في التصعيد وسوف يستجيب لمتطلبات المرحلة بشكل أكبر.
اللواء:
السيد حسن نصراللّه شهيداً: انقلاب في المعادلات والاستراتيجيات
نتنياهو يقرِّر مواصلة الهجوم.. والمقاومة توسِّع إطلاق الصواريخ و 100 شهيد وجريح في يوم واحد
قضى الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصر لله (64 عاماً) شهيداً، مختماً عمراً مديداً من المقاومة في جبهات متعددة من الجنوب الى سوريا وآخرها حرب مساندة غزة والمقاومة الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها «حماس» ومعها فصائل فلسطينية في 7 ت1 (2023).
وقضى معه نخبة من القيادات والكوادر العسكرية ذات الخبرات الطويلة على جبهات القتال مع مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني.
ليختم المشهد بالاعلان عن استشهاد الشيخ نبيل قاووق القيادي المعروف في حزب لله، لا سيما خلال حرب 2006.
لم يكن الموقف سهلاً على البيئات اللبنانية، وبيئات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، فانطلقت مسيرات شعبية غاضبة في بعض شوارع بيروت، استنكاراً للغارة الإجرامية.
وأعلن لبنان الحداد بدءاً من اليوم حتى الاربعاء، على ان يكون يوم تشييع السيد نصر لله يوم تعطيل كامل في المؤسسات العامة والخاصة.
وفي حين نفى حزب لله ان يكون تشييع السيد نصر لله اليوم، استمرت المقاومة في استهداف مستوطنات الاحتلال الاسرائيلي المحاذية للشريط الفاصل بين الجنوب واسرائيل وصولا الى عكا وصفد ويافا. ولم يغادر طيران العدو اجواء لبنان من الجنوب الى بيروت والضاحية الجنوبية والجبل والبقاع امتداداً الى الشمال.
وتميزت نهاية الاسبوع، بدءًا من السبت الى يوم امس بغارات لم توفر منطقة، وفي الوقت نفسه حصدت عشرات الشهداء عبر مجازر متنقلة من الجنوب و صيدا إلى البقاع، فضلا عن الضاحية الجنوبية.
مجزرة في عين الدلب
وأحدثت الغارة الاسرائيلية على منطقة عين الدلب في صيدا، مجزرة ضخمة، اذ ارتفع عدد من الشهداء الى 32 والجرحى الى 53.
كما ادت الغارات الاسرائيلية الى سقوط 21 شهيدا و46 جريحاً، في الهرمل ومنطقتها، الغارات على البقاع الغربي الى سقوط 4 شهداء و4 جرحى، و عدد الشهداء ارتفع الى 47 شهيداً و63 جريحاً.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» أن مرحلة ما بعد اغتيال السيد نصر لله لم تتكشَّف ملامحها بعد وكل ذلك في انتظار انتهاء المشهد الذي رافق هذا الاغتيال. ولفتت إلى أن ما من أحد في وارد الدخول منذ الآن في البحث في هذه المرحلة قبل انتهاء مراسم الوداع مع العلم أن تحليلات بدأت تصدر حول أهمية عدم سعي حزب لله إلى أية مواجهة ولاسيما الشاملة.
ولا يبدو حسب مواقف قيادة حزب لله بعد اغتيال السيد نصر لله ان هناك تغييرات مبدئية في توجهات الحزب، ولكن قد تفرض الوقائع السياسية والعسكرية الجديدة التعاطي مع الطروحات السياسية الجديدة تغييراً في تكتيك التعاطي معها وقد لا تشهد اي متغيرات، وذلك حسب ما سيطرحه الوسطاء العرب والدوليون وما يقبله او لا يقبله الكيان الاسرائيلي او الجانب الفلسطيني وبالتالي حزب لله.
لذلك تبدو المرحلة المقبلة ضبابية سياسياً ومعقدة وليست سهلة عسكرياً وتخضع للكثير من الاعتبارات لا سيما في الميدان، فستحاول اسرائيل كما قال نتنياهو «التفاوض تحت النار» وتصعيد الاعتداءات او مواصلتها ولو بوتيرة اقل، بهدف دفع الحزب الى تقديم تنازلات في الجنوب، اولاً على صعيد وقف حرب إسناد غزة، وثانياً على صعيد الترتيبات التي يمكن ان تتخذ في الحدود الجنوبية.
وفي كل الاحوال ما قبل استشهاد السيد حسن نصر لله سيكون غير ما بعده، لجهة تعاطي الحزب مع المستجدات حسب الوقائع اليومية وحسب الطروحات والتوجهات السياسية. وثمة من يربط تعيين القيادة الجديدة والتوجه الجديد للحزب، بما «تنصح» به ايران وبما يواكب المرحلة الاقليمية المقبلة وما يتخللها من مفاوضات حول وضع المنطقة ككل عدا الملف النووي، إنطلاقاً مما نُقل عن الحرس الثوري «بأن الاولوية هي الآن لتشكيل هيكل قيادي لحزب لله، وانشاء شبكة اتصالات آمنة». وما نقل عن رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان «بأن طهران لا يجب أن تنجرّ إلى حرب أوسع نطاقا في المنطقة»!
ويبقى المهم حسب الخبراء،ان يحمي حزب لله باقي اعضاء القيادتين السياسية والعسكرية بكشف الخرق الامني الخطير الذي تسبب بهذا العدد من الاغتيالات، وأن يغيّر من اساليب تنقل قياداته وامكنة اجتماعاتهم ويُغيّر غرف عملياته وربما يُغيّر بعض المسؤولين القدامى بمسؤولين جدد عقيدتهم ثابتة وتدريبهم حديث. ولعل أنفاق «عماد4» ومثيلاتها خير مكان لقيادة عمليات المقاومة ولقاءات قياداتها.
وبرغم حجم الضربة الصاعقة واغتيال مجموعة كبيرة من قادة حزب لله السياسيين والعسكريين والامنيين، فإن المرتقب من هذا التنظيم الحزبي ذي الهيكلية المنظمة تنظيما متيناً تجديد نفسه خلال فترة قريبة ولو تحت النار.
ودعت ايران الى عقد جلسة طارئة لمجلس الامن غداة استشهاد السيد نصر لله.
وزير خارجية فرنسا بتكليف أميركي- بريطاني
دبلوماسياً، اعلن وزير الخارجية البريطاني اللامي، عشية وصول نظيره الفرنسي جان نويل بارو، الى بيروت، عن جهود مشتركة للتوصل الى وقف لاطلاق النار، وتعزيز الدعم الانساني للنازحين.
كما ناقش وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن مع نظيره الفرنسي دفع العملية السياسية في لبنان لتنفيذ قرار مجلس الامن 1701.
وذكرت هيئة البث الاسرائيلية ان ضغوطا كثيفة لمنع التحرك البري وتحذيرات من عواقبه..
وكان وزير الخارجية الفرنسي، وصل الى مطار رفيق الحريري مساء امس، واستقبله وزير الصحة فراس الابيض والسفير الفرنسي هيرفيه ماغرو وتسلم الابيض مساعدة فرنسية طبية لدعم مستشفيات لبنان ومعالجة الجرحى.
ويلتقي بارو تباعا بدءًا من اليوم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ثم الرئيس نجيب ميقاتي، وبعدها قائد الجيش جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وكان البيت الابيض اعلن ان حزب لله ليس الحزب نفسه الذي كنا نعرفه قبل اسبوع.
واعتبرت أن زيارة وزير خارجية فرنسا إلى بيروت تشكل انطلاقة الجهد الديبلوماسي من أجل العمل على حل ما مع العلم أن الرئيس ميقاتي تحدث عن تنفيذ القرار ١٧٠١، ملاحظة أن مسألة النزوح جراء العدوان الإسرائيلي ضد لبنان بدأت ترخي بثقلها مع مواصلة العمل على مواكبتها من قبل المعنيين.
وحسب معلومات «اللواء» سيكتفي بارو بلقاء القيادات الرسمية ولن يلتقي اي جهة سياسية، وسيعقد مؤتمراً صحافياً في قصر الصنوبر عصراً قبل مغارة بيروت يتحدث فيه عن اهداف الزيارة ونتائجها، وهي زيارة تضامن ودعم للبنان بعد العدوان الاسرائيلي الواسع على مناطق واسعة في لبنان.
وعلمت «اللواء» من مصادر موثوقة مطلعة على الزيارة، ان بارو لا يحمل اي مقترحات جديدة حول التهدئة في جبهة الجنوب ولبنان، التي كان يسعى اليها المجتمع الدولي في مجلس الامن، بعدما افشلها رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو وراوغ الجميع بالكلام عن انه مستعد للتفاوض، لكنه اقدم وبالتنسيق مع الاميركيين على توسيع نطاق الهجمات العنيفة على لبنان وصولا الى اغتيال السيد نصر لله، ما اوقف المبادرة الدولية والعربية وقطع اي مجال للتفاوض وبات من الصعب بعد النتائج الدموية للعدوان الاسرائيلي حصول اي تفاوض جديد.
واشارت المصادر الى ان نتنياهو والاميركيين اشاعوا اجواء تفاؤل بإمكانية حصول تقدم لكن النتيجة كانت ان التنسيق كان قائما بين نتياهو و«الدولة العميقة» في اميركا لتصعيد الصراع، وهو الامر الذي اساء الى مصداقية فرنسا والدول الاخرى التي ساندت المبادرة ومنها مصر والسعودية والامارات وقطر، وادى الى استياء فرنسي كبير مما جرى.
الموقف في اسرائيل
وخارج غبطة نتنياهو الذي اعلن ان اسرائيل تعمل بمنهجية على اغتيال قادة حزب لله وتنتظرنا ايام مليئة بالتحديات،قال رئيس اركان الجيش الاسرائيلي هاليفي ان حزب لله فقد رأسه وعلينا ان نستمر في ضربه بقوة، واعلن عن ضم جدعون ساعر الى الحكومة الاسرائيلية وهو الذي كان مطروحا ليحل مكان وزير الدفاع الحالي.
وذكرت هيئة البث الاسرائيلية ان الجيش الاسرائيلي يستعد بشكل جدي لعملية برية في لبنان، لكن القرار لم يتخذ بعد بشأنها.
ولم يقف الامر عند هذا الحد،بل لمح الاحتلال الى اتجاه لالغاء اتفاقية الطاقة، وذكرت وسائل اعلام عبرية بأن بنيامين نتنياهو امر بالغاء الاتفاقية فيما اعتبر وزير الطاقة الاسرائيلي انها كانت خطأ يجب تصحيحه.
النعي والشهداء
بعدما اكد حزب لله يوم السبت في بيان رسمي استشهاد امينه العام السيد حسن نصر لله، نعى امس ايضاً رسمياً كلاً من نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ نبيل قاووق والقيادي في «الحزب» علي كركي. فيما نعى الحرس الثوري المسؤول عن ملف لبنان في فيلق القدس العميد عباس نيلفروشان الذي استشهد مع نصر لله ونحو 10آخرين، ذكر الناطق باسم جيش الاحتلال «ان بينهم مدير مكتب نصر لله «الحاج جواد»، وعلي كركي قائد جبهة الجنوب، وإبراهيم حسين جزيني قائد وحدة تأمين نصرلله. سمير توفيق ديب مستشار نصر لله، عبد الأمير محمد سبليني مسؤول بناء القوة في حزب لله، علي نايف أيوب مسؤول إدارة النيران في حزب لله».
وبرغم الضربة الكبيرة والخطيرة التي تلقاها الحزب وكشفت عن خروقات وثغرات امنية كبيرة ادت الى هذه الاستهدافات لقياديين كبار في الحزب، فقد واصل الحزب يومي السبت وامس الاحد عملياته الكثيفة في عمق الكيان الاسرائيلي من محيط تل ابيب الى حيفا وصفد وطبريا والعفولة وصولا الى الجولان ومستعمرات ومواقع عسكرية كثيرة للعدو في الجليل.
وفيما اعلن الحداد الرسمي على الشهيد سماحة السيد حسن نصر لله، نعى الرئيس نبيه بري السيد نصرلله بقوله: كل الكلمات التي يمكن ان تقال في وداعك اصغر من هامتك التي لم تنحنِ الا لله عز وجل.
واكد حزب لله في نعيه ان قيادة حزب لله تعاهد الشهيد «الأسمى والاقدس والاغلى في مسيرتنا المليئة بالتضحيات والشهداء ان نواصل جهادها في مواجهة العدو واسنادا لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف».
النزوح وحافة الانهيار
وترأس الرئيس ميقاتي اجتماعاً للجنة الطوارئ الحكومية لمتابعة شؤون النازحين من الجنوب متوقعاً ان يزيد عددهم الى مليون شخص.
واعلن برنامج الاغذية العالمي ان اطلق «عملية طارئة لتقديم المساعدات الغذائية لمليون شخص متضرر من الصراع في لبنان».
واعرب البرنامج عن محاولة من وصول الى لبنان الى حافة الانهيار، ولا يمكنه تحمل حرب اخرى.
مشيرا الى انه في ظل الازمة التي تعصف بلبنان منذ العام 2019، يخشى اللبنانيون من عدم قدرة الحكومة على تأمين الحد الادنى من متطلبات الصمود لمواجهة الحرب.
وحذرت قيادة الجيش اللبناني من ان العدو الاسرائيلي يعمل على بث الانقسام بين اللبنانيين واهابت بالمواطنين الى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء افعال قد تمس بالسلم الاهلي.
الوضع الميداني
ميدانياً، شنت اسرائيل ما لا يقل عن 70 غارة على امتداد جغرافيا لبنان، وادت الى سقوط نحو مائة شهيد.
واعلنت هيئة الاسرائيلية ان صاروخا باليستيا انطلق من لبنان جرى اعتراضه بعد تفعيل صفارات الانذار.
وقالت المقاومة الاسلامية: قصنا قاعدة زوفولون العسكرية بصليبات صاروخية، كما استهدفت الماقومة تجمعا لجنود العدو في مستعمرة شتولا بالاسلحة الصاروخية وحققنا فيه اصابات.
كما دوت صفارات الانذار في مدينتي نهاريا وعكا ومحيطهما شمال اسرائيل، وكما شنت المسيرات الانقضاضية على معسكر ألياتيكم.. كما استهدفت موقع راميا بقذائف المدفعية.
كما قصفت المقاومة مستعمرة روش بينا..
ومع الساعات الاولى من صباح السبت، تكشّف حجم الدمار الذي أحدثته الغارات الإسرائيليّة ليل أمس. وبدت شوارع الضاحية فارغة إلّا من بعض الحرائق وركام المنازل والمحال التجارية. وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني استشهاد أحد عناصرها، كما أن حالة عنصر آخر حرجة، خلال تنفيذهما مهمة إغاثة وانقاذ نظرا لكثافة الغارات الإسرائيلية التي طالت ضاحية بيروت الجنوبية. وامس، تعرضت الضاحية الجنوبية لغارات جديدة، وكان اعنفها بعد الظهر حيث استهدفت غارة مبنى على طريق صيدا القديمة مار مخايل.
البناء:
سيد المقاومة شهيداً على طريق القدس… وحزب الله يبدأ مسيرة ملء الفراغات
حداد في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وطهران… وحماس والجهاد تعاهدان
نعاه الخامنئي والسيستاني والأسد والسوداني والحوثي وبرّي وحردان… وموسكو تدين
كتب المحرّر السياسي
غادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الساحة بحضوره الذي كان العلامة الفارقة لثلاثة عقود مضت، كان خلالها صانع الحروب والسياسات وأحد أكبر اللاعبين في الإقليم، ومضى سيد المقاومة شهيداً على طريق القدس، مؤكداً أن مثله لا تليق به غير الشهادة، ولا شهادة أسمى من الشهادة على طريق القدس، في حرب افتتحها لأجل فلسطين التي كانت بوصلته وعشقه وافتداها بروحه ودمه، بعدما خذل العالم حق فلسطين بالحياة وحق شعبها بأرضه ووطنه، وخذلها العرب وتخلّوا عنها وتركوها وحيدة لقدر الاستيطان والتهويد والقتل المفتوح والتدمير، فشحذ السيد همم المقاومين في المنطقة في محور مقاوم أخذ على عاتقه نصرة فلسطين ومقاومتها، مستنداً إلى دعم إيران وسورية ومشاركة اليمن والعراق. وقد نجح المحور في خلق استعصاء للحرب التي شنّها كيان الاحتلال على غزة ومقاومتها وشعبها، وأوصله إلى طريق مسدود، حتى قررت واشنطن توفير أسباب القوة للاحتلال بما يتيح توجيه ضربة للمقاومة في لبنان تتيح فرص السعي لتغيير موازين القوى، فكانت الحزمة القاتلة التي بدأت بتفخيخ أجهزة البيجر والاتصال وانتهت بحملة قصف تدميريّة في الجنوب والبقاع والضاحية ورافقتها حملة اغتيالات لقادة وكوادر المقاومة توّجها اغتيال السيد بغارة نفذتها أول أمس طائرات الـ “إف 35” مستخدمة قنابل ثقيلة تستخدم للمرة الأولى ملقية 85 طناً من المتفجرات، وصلت الى أعماق الأرض، فاستشهد السيد والذين كانوا معه قادة وكوادر وحراساً، ونعاه حزب الله أمس، معاهداً على مواصلة طريقه، بينما قالت مصادر متابعة لمسيرة حزب الله إن قادته منصرفون على النهوض بالبنية وترميم الأضرار التي لحقت بها، وانتخاب أمين عام يخلف السيد نصرالله في خط المقاومة ويقود الحرب حتى النصر الذي وعد به نصرالله.
غياب السيد نصرالله وقع صدمة قاسية على دول المقاومة وقواها، وقد أُعلن الحداد في كل من بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وطهران، بينما صدرت بيانات نعي القائد الشهيد من القادة الذين عاصروه وأصابهم استشهاده بالذهول، وبينما عاهدته حركتا حماس والجهاد الإسلامي على مواصلة طريق المقاومة حتى النصر، كان الإمام علي الخامنئي قد نعاه مؤكداً أن النصر سيتحقق على يد المقاومة، كما نعاه كل من المرجع السيد علي السيستاني، الرئيس السوري بشار الأسد، رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، زعيم حركة أنصار الله اليمنية السيد عبد الملك الحوثي، رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، بينما ندّدت موسكو بالاغتيال.
فيما يسود الترقب لما بعد اغتيال الأمين العامّ لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وتهافت التصريحات الإسرائيليّة التصعيديّة، ومن جملتها تلك التّي تُهدّد باجتياحٍ بريّ إسرائيليّ محتمل للبنان. تواصل قوات الاحتلال الإسرائيليّ عدوانها الواسع على لبنان، بشنّها غاراتٍ عنيفة على عدّة بلدات وقرى في الجنوب والبقاع والضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، ومرتكبةً المجازر بحقّ المدنيين في هذه المناطق.
بالتزامن مع اغتيال السيد الشهيد حسن نصرالله أو بعد اغتياله، استمرّت الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، يعلن معها جيش العدو الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات دقيقة ومحددة وعمليات اغتيال. وصدر عن حزب الله البيان الآتي بشأن مراسم تشييع أمينه العام الشهيد السيّد حسن نصرالله: “تُجري القيادة اتصالات مكثفة ومشاورات على أعلى المستويات مع العراق وإيران، حيث من المقرر أن يُقام تشييع تاريخيّ في بيروت. كما ستُقام صلاة الغائب في إيران. بعد ذلك، سيتمّ نقل الجثمان الطاهر على متن طائرة رئاسيّة إلى كربلاء، ليُوارى الثرى في الصحن الشريف بجوار جده الإمام الحسين”.
من جهة أخرى، كشف مصدران لـ”رويترز” أنّه تمّ انتشال جثة السيد نصر الله من الموقع الذي استهدفه العدوّ الإسرائيليّ يوم الجمعة الماضية في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأضاف المصدر أنّ “جثة نصرالله لا تظهر عليها آثار جروح، ويبدو أنّ سبب الوفاة هو شدّة الانفجار”.
وبعد نعي حزب الله أمينه العام يوم السبت، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت، والهدف كان القيادي في الحزب، الشيخ نبيل قاووق. وقد نعى الحزب قاووق قائلاً إنه نال وسام الشهادة الإلهيّة الرفيع: “لقد تولى الشيخ الشهيد العديد من المسؤوليات التنظيمية في وحدات حزب الله المختلفة جديراً بالأمانة التي حملها، عالماً رسالياً ومجاهداً كبيراً وكان موجوداً بشكل دائم في ساحات الجهاد قريباً من المجاهدين في الخطوط الأمامية وقضى عمره الشريف في ميادين الجهاد والعطاء والتضحية”.
كذلك نعى حزب الله الشهيد القائد علي كركي، الرجل الثالث عسكرياً في الحزب، وقائد الجبهة الجنوبية منذ 8 تشرين الأول 2023.
واستشهد 18 شخصاً على الأقلّ جرّاء غاراتٍ إسرائيليّة على بلداتٍ في شرق لبنان وجنوبه أمس. كما وأفادت تقارير لبنانيّة عن استشهاد 11 شخصًا جراء غارةٍ إسرائيليّة استهدفت منزلًا في بلدة العين في البقاع الشماليّ شرقي لبنان. كما استشهد 19 في منطقة بزبّود في البقاع، فضلًا عن 5 في حلبتا و7 في الهرمل. وقالت التقارير إنّه تمّ انتشال جثامين 6 من الشهداء جرّاء الغارة، بينما لا تزال أعمال الإنقاذ مستمرة لانتشال جثامين الخمسة الآخرين. من جهته، أعلن الدفاع المدنيّ استشهاد 7 مسعفين في غارتين إسرائيليتين على بلدتي قبريخا وطيردبا جنوبي لبنان. وشن العدو غارات جويّة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى في لبنان، كما أُفيد عن تجدّد الغارات الإسرائيليّة على مواقع في مدينة صور والبقاع ومناطق أخرى جنوبي لبنان. وأفيد عن استشهاد محمد دحروج مسؤول في الجماعة الإسلامية مع زوجته الدكتورة ديانا الدسوقي وابنها بهاء مغامس في غارة جب جنين.
وقالت وزارة الصحة اللّبنانيّة إنّ 4 شهداء و4 جرحى سقطوا نتيجة اعتداءات العدو الإسرائيليّ على جب جنين ويحمر في البقاع الغربيّ. وأفيد عن “مجزرة جديدة في غارة على منازل في حي البساتين في بعلبك، ومناشدات للدفاع المدني والصليب الأحمر من أجل التوجه إلى المنطقة وإسعاف المصابين”.
وأعلن مركز عمليّات طوارئ الصّحة العامّة التّابع لوزارة الصّحة العامّة، في بيان، أنّ “اعتداء العدو الإسرائيلي على عين الدلب، أدّى في حصيلة أوّليّة إلى استشهاد 24 شخصًا وإصابة 29 شخصًا بجروح”.
كما قصفت المدفعيّة الإسرائيليّة، بلدتي كفرشوبا وكفركلا جنوبي لبنان. فيما أغار سلاح الجوّ الإسرائيليّ، وبالتزامن، على بلدات عدّة في منطقة بعلبك وتحديدًا تمنين والنبي شيت، شرقي لبنان. وأعلن جيش العدو في وقتٍ مبكر، أنّه قصف عشرات الأهداف التابعة لحزب الله في لبنان في السّاعات الماضية، ومن بينها “قاذفات موجّهة نحو “إسرائيل”.
في المقابل سقطت 7 صواريخ أطلقت من لبنان في طبريا في الجليل الأسفل شمالي الأراضي المحتلة. وقالت صحيفة العدو “يديعوت أحرونوت” إن صفارات الإنذار دوّت في طبريا والجليل الأسفل وجنوب الجولان قبل سقوط الصواريخ بقليل. وفي سياقٍ متصل، أصدرت السّلطات الإسرائيليّة تعليمات لسكّان الجليل الأعلى وصفد وشمال الجولان للبقاء قرب الملاجئ والمناطق المحمية، تحسبًا لإطلاق صواريخ من لبنان، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
وقال حزب الله إنه استهدف قوة إسرائيلية لدى دخولها إلى موقع راميا بقذائف المدفعية وإنه حقق إصابات مباشرة جراء ذلك. كما وقال حزب الله إنه قصف مدينة صفد المحتلة بصلية صاروخية إسنادًا لغزة ودفاعًا عن لبنان. وشنّ الحزب هجومًا جويًّا بسرب من المسيرات الانقضاضية على معسكر ألياتكيم، مُستهدفةً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بِدقة.
وسياسياً، وصل وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو مساء أمس إلى لبنان، وفق ما أعلنت وزارته. ويعتزم وزير الخارجية “التباحث مع السلطات المحلية وتقديم الدعم الفرنسي، وخصوصاً الإنساني”.
ويستهل وزير الخارجية الفرنسي لقاءاته الرسمية من بكركي بلقاء مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في التاسعة صباحاً ثم يعقد اجتماعات متتالية، حيث يلتقي في العاشرة صباحاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومن ثم قائد الجيش جوزيف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وسيعقد بارو ظهر اليوم اجتماعاً مع منسق الأمم المتحدة في لبنان وقوات الطوارئ اليونيفيل، على أن يختتم الزيارة بمؤتمر صحافي.
وأشار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الى انه “تحدّث مع نظيره الفرنسي بشأن الوضع في لبنان واتفقا على ضرورة وقف إراقة الدماء”، لافتاً إلى أننا “اتفقنا على ضرورة تمكين الدعم الإنساني وإنجاز حل دبلوماسي ينهي الصراع”.
كما ناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اتصال مع وزير الخارجية الفرنسي أهمية جهود تجنب تصعيد الصراع في لبنان”، لافتاً الى أنهما “ناقشا دفع العملية السياسية في لبنان لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701”.
وأمل الرئيس نجيب ميقاتي بأن نصل إلى وقف إطلاق النار”. وأكّد: “اطّلعنا على الإحصاءات المتعلقة بمراكز الإيواء وأعداد النازحين وحاجاتهم وقد يصل عدد النازحين إلى نحو مليون شخص”.
وأضاف ميقاتي: “نقوم بكلّ ما يلزم ضمن إمكاناتنا ولا يمكن إلا أن نتشكّر كل من ساعد وفتح منزله ولكن العدد كبير جدّاً”، متابعاً “موضوع النفايات التي تتراكم في بعض المناطق يجب حلّه وكذلك موضوع المدارس ومراكز الإيواء واتفقنا أن تتابع وزارتا التربية والشؤون هذا الأمر”. وأشار إلى أنّه “بحثنا في دعوة للمحافظين للاجتماع في السراي مع الوزراء المختصين من أجل البحث في الحاجات ونقوم بتسهيل دخول الهبات شرط معرفة المانح”، مؤكداً “نُطالب الدول المانحة بالمساعدة في هذه المرحلة الصعبة التي نمرّ بها وسنجتمع مع الهيئات المانحة الثلاثاء المقبل”.
وعن آخر المستجدات الداخلية، أوضح ميقاتي: “بحثنا في موضوع الأمن وأُطمئن أنّ قوى الأمن تتابع ذلك مع الأخذ بالاعتبار أمن مراكز الإيواء وسنتّخذ الإجراءات اللازمة في ما يخصّ الموجودين على الطرقات”، مشيراً إلى أنّه “طلبنا من وزارة الاقتصاد التشدّد في حماية المستهلك وملاحقة كلّ من يستغلّ الوضع لرفع الأسعار”. وقال: “لا خيار لدينا سوى الدبلوماسية ومهما طالت الحرب سنعود إلى الـ1701 ولذلك فلنوفّر الدماء ولنذهب إلى الاتفاق والجيش اللبناني حاضر لهذا الأمر”، معتبراً أنّ “الوضع اليوم صعب ويجب أن نكون يداً واحدة لتمرير هذه المرحلة و”انشالله الله ينقذ هالبلد وتمرق هالمرحلة على خير””. تابع ميقاتي: “لبنان لا يزال يؤمن بالشرعية الدولية والأمم المتحدة، بينما غيرنا لا يؤمن إلا بشريعة الغاب والقوّة”.
وتلقى رئيس الحكومة اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي جدد “موقف العراق الثابت والمبدئي بدعم لبنان والوقوف معه، واستمرار العراق بتقديم كل المساعدات التي يحتاج إليها الشعب اللبناني الشقيق”، مشدداً على “ضرورة تنسيق الجهود العربية والإسلامية من أجل إيقاف الاعتداءات الصهيونية المستمرة التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها”. كما قدّم السوداني، خلال الاتصال “تعازيّ العراق، حكومة وشعباً، باستشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله ورفاقه”.
وشجبت سورية عملية اغتيال كيان العدو للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله معلنًا الحداد لمدّة ثلاثة أيام. وكان بيان سابق للخارجية السّوريّة وصف اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنه “عدوان دنيء”، وذلك بعد ساعات من إعلان الحزب استشهاده بغارة جويّة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، أننا “خصّصنا 10 ملايين يورو لدعم المتضررين في لبنان من الأعمال العدائية بين حزب الله و”إسرائيل””.
المصدر: صحف