تميل كفة الجولة التفاوضية غير المباشرة بين العدو الاسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية المتوقع انطلاقها غداً الخميس نحو السلبية. ليس هذا الحكم استباقاً لنتائج الجولة، بل إنه استنتاج لمجموعة من التصريحات والأحداث إضافة إلى أداء العدو، مما يرجح أن تشبه هذه الجولة سابقاتها، ولو أن الأجواء التي سبقتها والتي أشاعها الوسطاء (الولايات المتحدة بشكل أساسي ومصر وقطر) توحي العكس.
لكن من الضروري الابقاء على هامش بسيط لحدوث أي تغير قد يشكل دفعاً ايجابياً للمسار التفاوضي، خصوصاً أنه هذه المرة محاط بظروف شديدة الحساسية بعد عشرة أشهر تقريباً على بدء الحرب الظالمة على غزة مع وقوف المنطقة كلها على حافة تصعيد عسكري كبير بانتظار تداعيات الرد الايراني ورد حزب الله المرتقب على اغتيال العدو كل من القائد الشهيد السيد فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية. وانطلاقاً من هذه النقطة الأخيرة ستعكس نتائج هذه الجولة حقيقة نوايا العدو وحليفته واشنطن التي تزعم في أغلب تصريحات مسؤوليها أنها لا تريد التصعيد، ليأتي الجواب من الجهة المقابلة أن الشرط الوحيد لفرملة توسيع الصراع هو وقف اطلاق النار في غزة.
وفي تفاصيل أهم المواقف والتصريحات التي تأتي عشية الجولة المقرر انعقادها في العاصمة القطرية الدوحة، نقلت قناة “إن بي سي” الأميركية عن مسؤولين أميركيين وأجانب، أن “نتنياهو قدم في أيار/مايو شروطاً جديدة قد تعقد المفاوضات”، موضحة أن الأخيرة ” تشمل استمرار “إسرائيل” بالسيطرة على حدود قطاع غزة مع مصر، إضافة إلى فرض قيود جديدة على الفلسطينيين الساعين للعودة لديارهم”.
وهذا بالتأكيد وكما قالت القناة من شأنه تعقيد المفاوضات، إذ إن حركة حماس، التي اغتال العدو رئيسها لتعين الأخيرة رئيس القطاع يحيى السنوار مسؤولاً عنه، أعلنت وأكدت عقب الإعلان في “بيان الوسطاء” عن اطلاق المفاوضات، أنها لن تفاوض على ورقة جديدة، خصوصاً أنها سبق أن قامت بتقديم خطة لتنفيذ ما قبلته في الثاني من يوليو/تموز الماضي، استناداً إلى رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن، وقرار مجلس الأمن 2735، وإلزام “إسرائيل” بذلك، مشددة على أن عودة النازحين إلى الشمال ووقف اطلاق النار شروط جوهرية لاتمام صفقة تبادل الأسرى، وكذلك انسحاب الاحتلال من القطاع بشكل كامل تحديداً مع بدء المرحلة الثانية من الاتفاق.
وهنا لا بد من الإشارة إلى اصرار نتنياهو في الفترة الأخيرة على تحصيل تعهد خطي من واشنطن على استمرار الحرب من جديد “في حال تبين أي اخلال بحسب تقديرات العدو من قبل حماس للاتفاق”، وهنا قد يتحجج العدو بأي شيء، خصوصاً أن قادته حتى ممن يدعمون الصفقة أكدوا أنه بالإمكان اطلاق الرهائن ثم العودة إلى الحرب “للقضاء على حماس”.
إذاً، فإنه كما في كل مرة فإن من يعرقل ويتعنت ويسوّف هو العدو، في حين أكدت الحركة حرصها، منذ البداية، على “إنجاح جهود الأشقاء الوسطاء بقطر ومصر، للوصول إلى اتفاق وقف النار، ينهي حرب الإبادة الجماعية بغزة”، مشيرة إلى أنها “خاضت جولات مفاوضات عديدة، وقدمت كل ما يلزم من مرونة وإيجابية لتحقيق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني وحقن دمائه”.
وبداية يونيو/حزيران الماضي، طرح بايدن بنود صفقة قيل إنه عرضها عليه العدو لوقف الحرب والإفراج عن جميع المحتجزين، وقبلتها حماس وقتها، لكن نتنياهو أضاف شروطا جديدة اعتبرها كل من وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس الموساد دافيد برنياع، معرقلة لجهود التوصل إلى صفقة.
وتضمنت هذه الشروط منع عودة من أسماهم بـ”المسلحين الفلسطينيين” من جنوب قطاع غزة إلى شماله عبر تفتيش العائدين عند محور نتساريم، الذي أقامه الاحتلال قرب مدينة غزة ويفصل شمال القطاع عن جنوبه، وبقاء الاحتلال بمحور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر.
وفي هذا الاطار أكد القيادي في حركة حماس محمود مرداوي في تصريحات لسكاي نيوز عربية، اليوم الأربعاء أن “الحركة لن تشارك بالمفاوضات من أجل التفاوض فقط”، مضيفاً أن الشعب الفلسطيني هو من يحدد “اليوم التالي” لما بعد الحرب على قطاع غزة.
نفاق واشنطن
وفي توقيت مريب، أبدت الولايات المتحدة ايجابية عالية تجاه ابرام صفقة تؤدي إلى وقف الحرب في غزة. وقد عزا العديد من الخبراء ذلك إلى محاولتها لجم الرد الايراني الذي أكدت طهران أنه مؤثر ومحسوم، إذ إن واشنطن تدرك جيداً أن وقف الحرب على غزة هي أولوية لدى كل محور المقاومة واحدى أهداف جبهاته المفتوحة ضد الاحتلال.
لكن هذه الايجابية تجنح إلى النفاق أكثر منها إلى الجدية، خصوصاً مع عدم ابداء رئيس حكومة الاحتلال أي ليونة تجاه المحادثات، وبروز كم الدعم الذي تلقاه خلال زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض حيث ارتكب مغامرته في بيروت وطهران بعدها.
هذا وقد سبق الجولة الأولى من المحادثات، إعلان واشنطن عن الموافقة على على صفقة لتزويد “إسرائيل” بالسلاح. وتشمل الموافقة بيع طائرات “إف-15” للعدو مقابل أكثر من 18 مليار دولار، إضافة إلى صفقة محتملة لبيعها صواريخ جو جو متوسطة المدى متطورة.
كما وافقت الخارجية الأميركية على صفقة محتملة لبيع مركبات تكتيكية للكيان قيمتها 583 مليون دولار، كما وافقت على صفقة محتملة تتضمن قذائف مدفعية بقيمة 774.1 مليون دولار.
وفي هذا الاطار، قال رئيس ما يُسمى حزب معسكر الدولة الإسرائيلي بيني غانتس إن “الموافقة الأميركية على صفقة لتزويد إسرائيل بالسلاح رسالة واضحة إلى الذين يهددون مصالحنا المشتركة”.
وهنا نذكّر بأن كل التصريحات الأميركية في الفترة الأخيرة تأرجحت بين التحذير من الانزلاق إلى التصعيد وصولاً إلى الحرب الشاملة، وبين الدعم المطلق لما يسمى أمن الكيان ووجوده، ومن هنا شهدت المنطقة تحشيداً عسكرياً أميركياً غير مسبوق: إنه نفاق واشنطن.
من سيحضر مفاوضات الدوحة؟
وقال موقع “أكسيوس” الأمريكي إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز سيشارك غداً الخميس على رأس الفريق الأمريكي بالجولة الأخيرة من المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة.
وأوضح الموقع أنه سيشارك في الاجتماع أيضاً رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني ورئيسي الموساد والمخابرات المصرية، مبيناً أن حماس أوضحت أن ممثليها لن يشاركوا بمحادثات الخميس وسيلتقون الوسطاء بعد الحصول على تحديث. وفي هذا السياق، أعلن عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” كمال أبو عون في حديث لوكالة “شهاب” أن “الحركة لن تكون جزءاً من المفاوضات غداً سواء في الدوحة أو القاهرة.
في وقت قال فيه مسؤول أمريكي لـ”أكسيوس” في وقت سابق “ستستأنف المفاوضات، ولا نتوقع التوصل إلى اتفاق يوم الخميس، هذه البداية وليست النهاية، هناك حاجة ملحة لإعادة هذه العملية إلى مسارها الصحيح”، موضحاً أنه “لا تزال هناك فجوات بين “إسرائيل” وحماس بشأن العديد من القضايا المتعلقة بتنفيذ اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار”، جازماً أن “الفجوات المتبقية يمكن سدها وليس لدينا وقت لنضيعه”، حسب زعمه.
هذا وأفادت القناة “12 الإسرائيلية” أن نتنياهو أجرى اليوم “مشاورات مع طاقم المفاوضات الإسرائيلي لتحديد أعضاء الوفد وصلاحياته”.
العشائر في غزة: مطالب المقاومة تمثلنا… والعدو يريد شراء الوقت
هذا وأكد بيان للعشائر الفلسطينية في قطاع غزة “دعم مطالب المقاومة”، لافتة إلى أنها “تعّبر عن الموقف الوطني الموحد للقوى والفصائل”، وأنها “تمثل الشعب الفلسطيني وتنادي بأقل حقوقه الإنسانية”.
وأشار البيان إلى أن “”إسرائيل” تريد أن تشتري الوقت والمقاومة حذرة ويقظة”، مضيفة أن “شعبنا يذبح يومياً ولا يمكن أن تقبل مقاومته بمنح الوقت الكافي للاحتلال أو اتخاذ التفاوض كغطاء للاستمرار بالجرائم”.
المصدر: موقع المنار