خلال حملتها الإنتخابية تعرضت المرشَّحة السابقة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون الى أشنع الحملات ووُصِفَت بالمتسوِّلة للمال السعودي، سواء على خلفية المساعدة السعودية البالغة 25 مليون دولار لمؤسسة زوجها بيل كلينتون، التي جاءت منذ سنوات عربون العلاقة العائلية الوطيدة بين آل سعود وآل كلينتون، أو من خلال مساهمة السعودية بنسبة 20% من حملة هيلاري الإنتخابية الأخيرة أي ما يوازي 30 مليون دولار، واستفاد المرشَّح الفائز دونالد ترامب من سوء سمعة المرشَّحة الخصم في هذه العلاقة، وصبَّ خلال حملته جام غضبه على العائلة السعودية، واعتبرها البقرة الحلوب التي تُدِرُّ ذهباً ويجب ذبحها بعد أن يجِفَّ ضرعها، وطالبها مع سائر الدول التي تحتاج الحماية الأميركية بوجوب تسديد بدلات هذه الحماية.
وإذا كان ترامب سيُمارس سياسة قلب الطاولة فور وصوله الى البيت الأبيض، فهو سوف ينقل أميركا من عهد “الخيارات الصعبة” الى زمنِ خياراتٍ أصعب بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط، وهو ليس مُخيَّراً في هذا الأمر، بين السعودية ذات النفوذ العائلي والودائع السعودية المُغرية البالغة 750 مليار دولار في المصارف الأميركية، وبين إيران صاحبة النصر في الملف النووي الذي يُطالِب ترامب بضرورة إعادة النظر فيه تزامناً مع قرار الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية بتجديد العقوبات على إيران لمدة عشر سنوات أخرى، لأن ردود فعل الدولتين تتفاوت، وعلى إدارة ترامب اختيار “أهين الشرَّين”، العائلة الحاكمة في السعودية، أم النظام الشعبي الديموقراطي المتماسك في إيران.
العلاقة الأميركية – السعودية لا يبدو أنها ستكون على ما يُرام خلال حُكم ترامب، لأن كل اختبارات جدوى هذه العلاقة قد أجرِيَت خلال عهد أوباما، وجولة على أماكن التحالف الأميركي – السعودي في الشرق الأوسط تُظهِر حجم الخيبات، خاصة في سوريا والعراق واليمن.
وعلى وقع انتصارات الجيش السوري وحلفائه في حلب مؤخراً، وإنجازات الجيش العراقي في الموصل، وعدم جدوى قذف اليمن بالحِمم، بدأت أميركا أوباما تلملم أشلاءها من مستنقع الشرق، وأذعنت لروسيا في سوريا، وفَرمَلت تسليح السعودية في اليمن تحت ذريعة الإعتراض على قصف التحالف السعودي للمدنيين، بينما الواقع، أن تقييم جدوى الإستمرار في الجرائم السعودية على اليمن أظهر أن الشعب اليمني لم يعُد لديه ما يخسره مادياً، واستطاع الصمود أمام أميركا والسعودية وحقَّق الإنتصارات، ولم تحصُد السعودية سوى الخيبة في تطويع الشعب اليمني وفقدان الأمن والأمان داخل الجنوب السعودي تحت وطأة الضربات اليمنية، إضافة الى التبعات الإقتصادية التي ترتَّبت وسوف تترتَّب مستقبلاً نتيجة العدوان.
ولعلَّ من أولى نتائج إعادة التقييم السياسي للعلاقات السعودية بشكلٍ خاص، والخليجية بشكلٍ عام مع الغرب، تلك المشاركة المُلفِتة لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، في اجتماع القِمَّة لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقِد مؤخراً في المنامة، وبحث المصالح المشتركة لدول الخليج التي تحتاج الحماية والدعم العسكري من بريطانيا نتيجة الإنكفاء الأميركي عن المنطقة، في حنينٍ من السعودية الى أواسط القرن الثامن عشر عندما سيطر آل سعود على نجد والحجاز بدعمٍ بريطاني وأعلنوا مملكتهم، مُقابل استثمارات تحتاج إليها بريطانيا حالياً وبصورة عاجلة للتعويض عن خسائر انسحابها من الإتحاد الأوروبي.
وبالإنتقال الى إيران، فإن الأمر يُحتِّم الدخول في المرحلة الإنتقالية بين نهاية ولاية أوباما وبداية ولاية ترامب والمعروفة بـ “البطَّة العرجاء”، حيث تَظهَّرت الخيارات الأصعب التي تواجه الرئيس الأميركي الجديد، لأن ردَّة فعل إيران على حماقات السياسة الأميركية، سواء لناحية تصريح ترامب بضرورة مراجعة إتفاقية الملف النووي مع إيران، أو قرار الكونغرس بتجديد العقوبات عليها، وإذا كان من المتوقَّع أن يوقِّع الرئيس أوباما على هذا القرار بذريعة أنه لا يؤثّر على الاتفاق الدولي مع إيران، فإن ردَّة الفعل الإيرانية هذه جاءت “نووية سياسية” بامتياز، وأمر الرئيس الإيراني حسن روحاني الخبراء الإيرانيين، بمباشرة العمل على تطوير سفن تعمل بالطاقة النووية، والبدء في وضع خطط تصميم وإنتاج وقود نووي ومفاعلات لأغراض النقل البحري، منتقداً في الوقت نفسه، إجراء الكونغرس الأميركي ووصفه بأنه يُناقض الاتفاق، واكد أن القيادة الإيرانية ستتقدم بشكوى قانونية للجنة المراقبة على الاتفاق متهماً الولايات المتحدة بانتهاكه.
إجراءات الكونغرس ( الجمهوري) في عهد أوباما (الديموقراطي) وإن كانت تترافق وتتوافق مع توجُّهات الرئيس الجمهوري القادم، فإن الإتفاق النووي مع إيران ليس مُلكاً لأية إدارة أميركية، خاصة أنه إتفاق دولي مع دول الخمسة زائد واحد وتبنَّته الأمم المتحدة، وسوء علاقة ترامب مع أوروبا مستقبلاً يبدو واضحاً من خلال إزدرائه للإتحاد الأوروبي وتشكيكه بجدوى بقاء الولايات المتَّحدة في حلف الناتو، مما يجعله أمام خيارات التراجع التدريجي عن إعادة فتح الملف النووي، لأن لا الدول الأوروبية المعنية (فرنسا وألمانيا) جاهزة لإعادة البحث بهذا الملف، ولا الدول الحليفة لإيران ( روسيا والصين) على استعداد للمساومة عليه ولا بريطانيا في وضعٍ يسمح لها بفتح ملفات كبيرة، والكلّ يعلم، أن إيران تتَّخذ قرارات حماية مصالحها بكبسة زرٍّ واثقة، أشبه بكبسة الزرّ النووي…
.
المصدر: خاص