بغض النظر عن التنوع الكبير للكائنات على الأرض التي بإمكانها طرح إنزيمات لتحويل ثنائي أكسيد الكربون إلى مركبَّات عضويَّة مثل السكر -كما تفعل النباتات من خلال التركيب الضوئي- كان للجهود التي سعت إلى تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتوجات عالية القيمة مثل الوقود الحيوي والمواد الكيمائيَّة المُتجدِّدة نجاحًا محدودًا. فبينما يُعتبر تزايد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تحديًا، يرى فيه الباحثون فرصةً كذلك.
ويقوم اليوم فريقٌ من معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء الدقيقة الأرضيَّة بألمانيا، بالعمل على القضية. حيث قام بالاستفادة من خبرات المعهد الأمريكي «DOE JGI» من أجل تصميم طريقة جديدة، تعتمد على انزيم مثبت لثاني أكسيد الكربون أسرع بـ 20 مرَّة تقريبًا من الانزيمات الموجودة في الطبيعة والمسؤولة عن التقاط ثاني أكسيد الكربون في النباتات باستعمال ضوء الشمس كمصدرٍ للطاقة.
وفي هذا الشأن يقول (توبياس إرب- Tobias Erb) القائم على الدراسة: «لقد رأينا فشل الجهود التي قامت على تجميع مسارات اصطناعيَّة بشكلٍ مباشر لتثبيت ثاني أكسيد الكربون في كائن حي. لذلك اتخذنا مقاربة مختزلة ومختلفة بشكل جذري، من خلال تجميع مكونات اصطناعيَّة رئيسيَّة من أسفل إلى أعلى في أنبوب اختبار».
وقد بدأ الفريق بالعديد من الطرق النظريَّة لتثبيت ثاني أكسيد الكربون، والتي قد تُنتِج دورة مستمرة للكربون. لكنهم لم يتوقفوا عن ذلك، فيقول إرب: «لم نقم بتقييد تصاميمنا على الانزيمات المعروفة، لكننا قمنا باعتبار كُلّ التفاعلات الممكنة كيميائيًا».
وعلى عكس تسلسل الحمض النووي، حيث تُقرأ لغة الحياة من خلال جينوم الكائن الحيّ، يتطلَّب تركيب الحمض النووي أولًا تحديد عنصر جيني معين -مثل انزيم من أجل تثبيت الكربون من الغلاف الجوي- ثم كتابة تلك الشفرة والتعبير عنها في نظام جديد.
وفي النهاية، استنبط الفريق من خلال التسلسل والتركيب، 17 انزيمًا مختلفًا من 9 كائنات مختلفة في المملكات الثلاث للحياة، ثم قام الفريق بتنسيق تلك الأجزاء من أجل الوصول إلى مسار رئيسي لتثبيت ثاني أكسيد الكربون يفوق أداءه ذلك الموجود في الطبيعة. ويُسمِّي إرب ذلك بـ «دورة CETCH».
وقد اتضح أنَّه «methylsuccinyl-CoA dehydrogenase» (اختصارًا mcd)، من عائلة الانزيمات المعنيَّة في عمليَّة التنفس -التفاعلات الأيضيَّة في خلايا الكائنات التي تُحوِّل مغذيَّات مثل الكربون إلى وحدات طاقويَّة.
ويقول إرب في هذا الشأن: «من أجل تجاوز ذلك الحد، قمنا بهندسة الـ «mcd» لكي يستعمل الأوكسجين كمُستقبِل للإلكترونات، لكن ذلك لم يكن كافيًا. فقد كان علينا استبدال تصميم المسار الأصلي بسلاسل تفاعل بديلة».
وكدعمٍ لمجهودات فريق عمل معهد ماكس بلانك، قام معهد «DOE JGI» بتوليف المئات من متغيِّرات انزيم «Enoyl-CoA Carboxylase/Reductase» (اختصارًا ECR). وهذا ما سمح لفريق ماكس بلانك بصناعة مسارات تثبيت ثنائي أكسيد الكربون اصطناعيَّة أكثر كفاءةً في أنبوب اختبار.
وتستغل هذه العمليَّة الكيميائيَّة أشعة الشمس من أجل تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى سكرٍ بإمكان الخلايا استخدامه كطاقة، مع عمليَّات طبيعيَّة أخرى في الكوكب، ولها الفضل في تحويل حوالي 350 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
فقبل سبعين سنة من الآن، ألهمت هذه الظاهرة خاطر باحث مخبر بيركلي السابق (ملفين كالفين- Melvin Calvin)، الذي وبمساعدة كُلٍّ من (أندرو بنسون- Andrew Benson) و(جيمس باسام- James Bassham)، قام بشرح الدورة التي تحمل اسمهم اليوم في النباتات والطحالب والكائنات الدقيقة، وهي الدراسة التي منحت كالفين جائزة نوبل سنة 1961.
لكن الجيل الحالي من الباحثين مُهتم بطريقة التقاط الفائض من ثاني أكسيد الكربون، ونزعه من الغلاف الجوي وتحويله إلى طاقة ومنتجات طبيعيَّة للاقتصاد. ومُنتشيًا بإعادة التشكيل الناجحة لشبكة انزيميَّة اصطناعيَّة في أنبوب اختبار لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات عضويَّة، يقول إرب أنَّ ذلك يفتح الأبواب لتطبيقات مستقبليَّة.
المصدر: مواقع