“.. من يهددنا بالتوسعة في الحرب نهدده بالتوسعة كذلك”، “.. هذه المقاومة في لبنان تملك من القدرة الصاروخية الهائلة والدقيقة التي يجعلها تمتد يدها من كريات شمونة إلى إيلات…”، كلام واضح من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال الأيام الماضية في مناسبتين عزيزتين على مسيرة المقاومة هما ذكرى “يوم الجريح” وذكرى “القادة الشهداء”، فكان لا بدّ من تذكير العدو الاسرائيلي “المتناسي” بأن قدرات المقاومة عالية وكبيرة وقادرة ان تضرب كل نقطة في فلسطين المحتلة ولا يمنعها مانع طالما ان مصلحة لبنان وصيانة سيادته وحماية أهله تستوجب ذلك.
فالكلمة للميدان، ولا مجال فيها للحديث عن طروحات دبلوماسية او سياسية تحمل تطمينات هشة من هنا او هناك ولا قدرة لها على ردع العدو الصهيوني او حماية لبنان من عدوانيته المعروفة للجميع، والتي يظهر جزءا منها بمواجهة المدنيين العزّل في قطاع غزة دون أي رادع أخلاقي او قانوني او قدرة لمنظمة او دولة او رأي عام دولي او إقليمي على حماية أطفال غزة وشيوخها من حمم الفوسفور المحرم في القانون الدولي، بينما تتفنن طائرات العدو الاسرائيلي في إلقائها على أبناء القطاع المحاصر.
ولا شك ان العدو لا يفهم إلا لغة القوة وبالتالي تعمل المقاومة الاسلامية في لبنان على إيصال رسائلها بالنار ليس فقط لدعم ومساندة غزة وأهلها ومقاومتها، بل أيضا للقول للاسرائيلي إن النار ستقابلها نار مهما توسعت دائرة الحرب، فالسيد نصر الله أعلن عن معادلة رادعة جديدة هدفها حماية المدنيين بعد مجازر ارتكبها العدو في النبطية والصوانة في جنوب لبنان، ألا وهي أن “هذه الدماء سيكون ثمنها دماء وليس مواقع أو آليّات أو أجهزة تجسّس… وليعلم العدو بعد ذلك أنه لا يستطيع أن يتمادى وأن يمس بمدنيينا وخصوصا بنسائنا وأطفالنا”.
وطالما رسمت المقاومة تاريخيا معادلات الردع للعدو الاسرائيلي، بدءا من معادلة حماية المدنيين التي كرستها صواريخ “الكاتيوشا” خلال عدوان نيسان 1996، والتي تثبتت اكثر عبر تفاهم نيسان حيث تم تحييد المدنيين لدى الجانبيين، ومن ثم عملت المقاومة على الاستفادة من ذلك لردع العدو عن تجاوز قواعد الاشتباك القائمة، وبسبب ذلك لم يقدم العدو على الاعتداء على لبنان منذ اندحاره عن الجنوب في العام 2000 حتى شنه عدوان تموز 2006 وخرج منهزما بعد 33 يوم من القتال عاجزا عن تحقيق أي من أهدافه التي أعلنها في بداية العدوان، وكانت المقاومة رسمت معادلات لتحرير الاسرى مقابل اسر جنود صهاينة، ما أدى الى تبييض المعتقلات الصهيونية من الاسرى اللبنانيين وكان آخرهم الاسير الشهيد سمير القنطار، بالاضافة الى تحرير عدد كبير من الاسرى العرب والفلسطينيين.
ومن معادلات المقاومة الرادعة للعدو: تل ابيب مقابل بيروت، الى معادلة تل ابيب مقابل الضاحية، وصولا لمعادلة النفط مقابل النفط(أي انه لا يمكن للعدو استخراج نفطه طالما منع لبنان من ذلك)، وخلال الحرب الدائرة اليوم في غزة فتحت المقاومة جبهة المساندة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة واكدت على معادلة الدعم لغزة باستهداف المواقع الصهيونية على طول الحدود طالما ان العدوان على غزة مستمر، وصولا الى معادلة الدم مقابل الدم التي أعلنها مؤخرا للتأكيد ان الاعتداء الاسرائيلي على المدنيين اللبنانيين لا يمر مرور الكرام.
كل ذلك يؤكد ان العدو الاسرائيلي ليس لديه الحيّز الكبير لاستهداف المدنيين بدون ان يدفع الثمن الذي تقدره المقاومة باستهداف المستوطنين الصهاينة في مدن وبلدات الكيان المؤقت، وبالتالي لن يقدر العدو على التحرك والاعتداء بحرية فهو يعرف ان الرد قادم وبالشكل المناسب والمتوازي مع عدوانه، وبعد ذلك سيكون على القيادة السياسية في الكيان تحمل الاثمان المكلفة التي سيدفعها العدو كخسائر عن قرارات مجنونة او متهورة، كما انتظار وتحمل تبعات الضغوط الداخلية على مقتل الصهاينة، ما يحتم على العدو حساب المسائل جيدا قبل ارتكاب أي جريمة بحق المدنيين في جنوب لبنان أو بقية المناطق.
وهنا لا بد من تنبيه كل اللبنانيين الى مخاطر الاعتداءات الاسرائيلية، ما يوجب رفع مستوى التضامن الوطني الداخلي الى أعلى مستوياته رفضا للعدوانية الصهيونية التي تحاول التمادي تحت ذرائع مختلفة، على الرغم من ان هذا العدو ومن خلفه الادارة الاميركية وكل من يقف خلفها غربيا وإقليميا، يمارسون النفاق بخبث عبر إرسال الموفدين للقول إن هناك رغبة بالتهدئة وعدم توسيع رقعة القتال، بينما الواقع يؤكد ان العدو الغادر لا يترك فرصة لتوسيع دائرة الاعتداءات إلا ويرتكبها خلافا لكل من يتحدث عن رغبته بالحصول على ضمانات للتهدئة، وهذا ما يؤكد ان كل الوفود التي تصل الى لبنان هدفها واحد هو البحث عن “أمن إسرائيل“، الامر الذي لا يجب ان يحصل عليه هذا العدو المتربص لبنان وشعبه. وهكذا، فإن قيادة حزب الله تدرك جيداً أن مراكمة القوة تعني تمتين توازن الردع، وهذا التوازن بدوره يمنع العدو الإسرائيلي ومن يقف خلفه من شن عدوان على لبنان.
يبقى الاشارة الى ان التجارب الحية التي نعيشها يوميا تشهد على العدوانية الصهيونية من القرى الحدوية مع فلسطين المحتلة الى الغازية فجدرا بإقليم الخروب وصولا الى الضاحية الجنوبية لبيروت، تؤكد ضرورة التمسك بكل عناصر قوة لبنان والتي تشكل المقاومة أحد أهم ركائزها، وهذا ما يجب التمسك به وتعزيزه للانطلاق اكثر فأكثر للتطوير والإعداد ورفع القدرات في مختلف الجوانب والمستويات. أما معادلة “من كريات شمونة إلى إيلات” فتبقى معادلة حاضرة على طاولة اتخاذ القرار من قبل قيادة المقاومة الإسلامية، وتفعيلها مرهونٌ بالتطورات، سواء في ميدان الجبهة اللبنانية، أو في ميدان غزة…وربما في ما هو أبعد من ذلك.
المصدر: موقع المنار