تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 12-2-2024 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
تفاصيل خطة تهجير أبناء رفح: «قرى مخيّمات» على ساحل غزة… وميناء إماراتي عائم للمساعدات
ابراهيم الأمين
إعلان العدوّ عن بدء التحضير لعملية عسكرية كبيرة تستهدف منطقة رفح جنوب قطاع غزة، لا تبدو وليدة الأيام الأخيرة، ولا هي نتاج الخلافات القائمة بين الإدارة الأميركية ورئيس حكومة العدوّ بنيامين نتيناهو. وهي عملية تستند إلى القوة النارية، كما تتطلّب عملية برية على غرار ما حصل في بقية مناطق القطاع. لكن إسرائيل، التي تعرف أن هناك مشكلة حقيقية تمثّلها مخيمات 1.4 مليون نازح فلسطيني، باشرت العمل على الخطة منذ وقت غير قصير. وما أعلنته عن الاستعداد، إنما كان صافرة الانطلاق. أما الخطط العملانية بشقّها الخاص بالنازحين، فقد وضعت مسبقاً بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الولايات المتحدة الأميركية ومصر، وجهات أخرى.
يروّج العدوّ بأنّ ما يدفعه للقيام بالعملية، هو «سحق ما تبقّى من قوات حماس العسكرية»، ومن أنفاق ضخمة تمتدّ من رفح باتجاه سيناء، وأن قيادة حماس موجودة هي والأسرى هناك. وهم أخرجوا أرنباً جديداً فقالوا على مسامع السائلين بأن إسرائيل لا تثق بأحد: «ربما تقول لنا حماس بعد وقت: اذهبوا وتسلّموا الأسرى من إيران أو من بيروت، نحن لا ننسى ما حصل مع الطيار رون أراد».
بحسب معلومات «الأخبار»، فإن إسرائيل انتزعت موافقة أميركية ومصرية مشروطة على العملية. واشنطن تريد عملية بسقف زمني ومدى جغرافي يضمن لها عدم تكرار ما حصل في بقية المناطق. ويتحدث الأميركيون كثيراً عن الصورة المقلقة التي تظهر على الشاشات، وأنهم يتلمّسون الحرج أمام الرأي العام، وخصوصاً بعد قرار المحكمة الدولية.
واشنطن لا تعارض هجوم رفح ومصر تريد فقط ضمان عدم النزوح إلى سيناء وإسرائيل تريد إطباق الحصار على القطاع
أما المصريون، فهم يريدون أمراً واحداً فقط: التأكد، وبالمباشر، أن العملية لن تدفع بأيّ نازح فلسطيني الى تجاوز الحدود باتجاه سيناء، وأنهم هم من يقرّرون تشكيل السلطات المحلية الجديدة في غزة.
على هذا الأساس، أنتجت المحادثات خطة متكاملة لتهجير مئات الآلاف من نازحي رفح الى مناطق جديدة. وبحسب ما اطّلعت عليه «الأخبار»، فإن الخطة تقوم على الآتي:
أولاً: إنجاز اتفاق سياسي – أمني بين إسرائيل وكلٍّ من مصر والأردن والإمارات العربية، على كيفية إنشاء وتمويل وإدارة المخيمات الجديدة، على أن تدفع الولايات المتحدة لمصر ما تتعهّد مصر بإنفاقه.
ثانياً: تحديد المكان الجديد لتجمّع النازحين بالمناطق الغربية لقطاع غزة حصراً، وضمن شريط ساحلي يمتد من منطقة المواصي (جنوب غرب القطاع) الى منطقة الشيج عجلين (جنوب مدينة غزة شمالاً)، وقد ثبت العدوّ فكرة أنه لن يسمح بإقامة مخيمات في مناطق الشمال، لكنه وافق على إقامة نقطة جديدة في منطقة مفتوحة تقع في شمال غرب خان يونس.
ثالثاً: تم تحديد بين 12 و15 نقطة تجمّع، يطلق عليها «قرى المخيمات». سيكون أكبرها في بقعتين، واحدة في منطقة المواصي الجنوبية، وثانية في «حديقة شرم» القريبة من وسط القطاع، على أن يصار الى «حشر» نحو مليون فلسطيني في هذه المخيمات.
رابعاً: يتم عزل كامل شمال غزة، من منطقة الشيخ عجلين وكل المنطقة الواقعة شمال وادي غزة باتجاه الشرق، وعدم القيام بأيّ نشاط دعم إنساني هناك، بل دفع ما بقي من السكان (تقول إسرائيل إن المنظمات الدولية أحصت وجود أقل من 300 ألف فلسطيني في هذه المنطقة) عليهم النزوح الى أماكن المخيمات للحصول على الدعم.
خامساً: تتّسع كل «قرية مخيّم» لنحو 25 ألف خيمة، وبعضها أكثر من ذلك، ويجري توزيع النازحين على هذه النقاط، وفق قواعد بيانات تأخذ بالحسبان صلات القربى، أو أن يكونوا من البلدات أو الأحياء نفسها قبل التهجير. وأن تكرّر المحاولة التي جرت في رفح وفشلت، بإلزام الناس لاختيار ممثلين عنهم، سواء من المخاتير أو الوجهاء، لتولّي عملية التنسيق، وضمان عدم وجو أيّ دور مدني أو سياسي أو إداري لأيّ شخص على صلة بحماس.
توزيع النازحين وفق صلاتهم الإنسانية أو الجهوية ومخاتير أو وجهاء منهم لإدارة الحياة اليومية
سادساً: تتولى إسرائيل إقفال كل المعابر الحدودية من الجانب المصري، (إقفال معبرَي رفح وكرم أبو سالم) وجعل الحركة جارية للشاحنات الآتية من مصر أو الأردن عبر المعابر التي تقع عند الحدود الشرقية للقطاع، على أن يتم حصر مسار الحركة بخطّ واحد يدخل من وسط القطاع ثم يتوزع على الطريق البحري (شارع الرشيد) كما هي حال حركة الناس.
سابعاً: أن تلتزم الدول التي تريد إدخال المساعدات بإيداع ما لديها تحت وصاية الجانبَين المصري والأردني، على أن تتولى دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة ميناء عائم، في المنطقة المقابلة لـ»حديقة شرم». ويتم هناك إنزال المساعدات وتوزيعها من خلال سيارات عبر شارع الرشيد، على أن تخضع هذه المساعدات لتفتيش مسبق من قبل إسرائيل.
ثامناً: تتولى السلطات المصرية عملية إقامة المخيمات ونصب الخيام ومراكز الصرف الصحي المؤقتة الى جانب مراكز لتزويد المياه (بتمويل أميركي – سعودي)، على أن تقام «مستوصفات ميدانية»، ويبقى قرار إخراج الجرحى الى خارج القطاع بيد مصر التي تنسقه مع قوات الاحتلال، كما هو حاصل الآن، حيث ترسل القاهرة لوائح المفترض مغادرتهم القطاع، من مدنيين وجرحى الى الجانب الإسرائيلي الذي يمنح الموافقة من عدمها. وحصل أن مات جرحى بسبب رفض إسرائيل خروجهم بـ»شبهة» أنهم من مقاتلي المقاومة. كما ترفض إسرائيل أن يتم نقل جرحى الى إيران أو سوريا أو حتى الى لبنان.
هدف الحصار المفتوح… والأونروا عدوّ جديد!
أكدت مصادر معنية بملف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة أن هدف العدوّ من الحرب على رفح هو ضمان إطباقه على كل حدود القطاع، في سياق مشروعه تشديد الحصار وتركه أمراً معلّقاً الى حين الاتفاق على مستقبل غزة السياسي والأمني. وقالت المصادر لـ»الأخبار» إن ممثلي جيش الاحتلال أبلغوا جميع المعنيين بالملفّ، من دول ومنظمات أنهم لن يسمحوا لأحد غيرهم بإدارة ملف المساعدات الإنسانية أو حتى خطط إعادة الإعمار.
وقالت المصادر إن حكومة العدو هي من يرسل المتظاهرين لمنع الشاحنات من عبور معبر كرم أبو سالم، وإن قوات الاحتلال تتولى تقييد حركة دخول العاملين في منظمات الإغاثة الدولية، وتلجأ الى أساليب متنوعة، بينها منعهم من الوصول الى مناطق في القطاع بحجة أنها منطقة عمليات عسكرية، أو إطالة البحث في الاجتماعات التي تُعقد الآن، بين الجانب الإسرائيلي والأمم المُتحدة، ومع المصريين، والأميركيين، والتي تركّز على آلية توفير الأمن والمُتطلبات اللوجستية لفرق نقل المُساعدات. ويصرّ العدوّ في كل لقاء على طلب معلومات مفصّلة حول نوع المُساعدات وكمياتها ووجهتها والجهة المانحة وهوية من يتولى إدارة وصولها إلى الناس. كما يطلب العدو ضمانات بعدم تولي رجال السلطة المدنية في غزة أي مسؤولية في هذه العملية. وهم أصلاً يعملون وفق آلية ممنهجة على توجيه ضربات عسكرية الى كل المؤسسات المدنية في رفح، وإلى قتل المسؤولين المدنيين أيضاً، وخصوصاً الفريق العامل على معبر رفح.
عملياً، تريد إسرائيل استمرار تحكّمها بكل شيء في داخل غزة، وهي ترفض حتى في المفاوضات السياسية أن يتم إلزامها برفع الحصار عن القطاع، وتعتبر هذا الأمر رهن تسويات سياسية وأمنية كبرى تتم في وقت لاحق.
كما يتصرف العدو وفق برنامج معدٍّ مسبقاً على تدمير كل ما بقي من عمل وكالة «الأونروا». وبعدما نجح في وقف عمليات تمويل أساسية، يعمل الآن على إطاحة الإمكانات اللوجستية ومنع أفراد من الوكالة من العمل بحجة أنهم إما شاركوا في عملية 7 أكتوبر، أو سمحوا باستخدام مقارّهم لدعم أنفاق حماس. وهم يريدون رفع مستوى الضغط بعد ورود معلومات عن أن الجانب القطري أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استعداد بلاده لتمويل عمليات الوكالة داخل غزة، وقد بحث الأمر بين غوتيريش ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، كما جرت مناقشة تفاصيل الخطة بينه وبين مفوض وكالة الأونروا فيليب لازاريني في الدوحة الأسبوع الماضي.
وفي إطار العرقلة اللوجستية، يعمد جيش الاحتلال الى منع إدخال عدد كافٍ من السيارات والآليات والمعدات اللوجستية التي تحتاج إليها فرق الأمم المتحدة، مثل السيارات المُصفّحة، والدُروع الواقية للرصاص والخوذ والهواتف المُتصلة بالأقمار الصناعية. فإسرائيل تعلم أن بروتوكول العمل الخاص بهذه الفرق، خلال الحرب، يتطلّب كل هذه المعدات، وعدم توفيرها سينعكس تخفيضاً في أعداد العاملين، علماً أنه ليس بإمكان أيّ موظف دولي أو منظمة إنسانية أو دبلوماسي أجنبي التحرك داخل القطاع الا بإذن جيش الاحتلال.
ساترفيلد إلى ميامي… والجميع في خدمة «الملكة» سيغريد!
ليس صحيحاً أن غرف المخابرات هي المعتمة فقط، بل هناك غرف أكثر ظلمةً يجلس فيها المساعدون التنفيذيون لأصحاب القرار، والذين يتولّون إعداد الخطط العملانية، أو برامج تنفيذها، وعند هؤلاء هوامش لإدخال تعديلات لما يرون أنه واقعي وقابل للتحقق.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، قامت غرف كثيرة تحت عنوان «الدعم الإنساني»، من الأمم المتحدة الى دول كبيرة ومنظمات عالمية. ويدخل معهم من يهرب من «وجع الرأس السياسي» ويجد هؤلاء في العمل الإنساني حيلة للتغطية على تورطهم السياسي والأمني في ذبح الشعب الفلسطيني.
«الاستعلاء» الإسرائيلي الذي يسعى الى فرض قيود على كل هؤلاء، وإلزامهم بالعمل تحت إشرافه. يوجد أيضاً الدعم الأميركي والبريطاني غير المحدود من أجل ضبط إيقاع المساعدات الإنسانية على وقع الحرب العسكرية، ومنع أبناء غزة من الراحة لحظة واحدة لأنهم يسعون الى تحويل الورقة الإنسانية كورقة أساسية في الضغط على المقاومة.
لكن صلافة قادة العدوّ تجعلهم في كثير من الأحيان أمام مشكلة مع الحاضرين في هذه الغرف. يتعامل العدوّ مع الدعم العالمي بأنه غير قابل للنقاش أو النقض. ولذلك، تصرّف العدوّ بغطرسة مع كل مسؤول وجّه أسئلة حول ما يجري على الأرض، وصبّ غضبه أساساً على الأمم المتحدة. ويكاد أنطونيو غوتيريش ومساعده مارتن غريفيت أن يصبحا عضوَين سريَّين في كتائب القسام، والعدوّ لا يريد لهما أي حضور في المشهد. وهو طرد مساعدة لغريفيت فقط لأنها انتقدت الجريمة التي ترتكب في غزة.
صحيح أن للعدوّ أعوانه في الأمم المتحدة، مثل النروجي تور ويسلاند ومساعده البلغاري ميروسلاف زافيروف، وغيرهما من الذين يظهرون للعدوّ أنهم يعملون فقط في خدمته، مقابل أن «يوصي بهم عند الجهات العليا». لكن ذلك لا ينفع في معالجة مشكلات تظهر كبيرة، وخصوصاً عندما تكون مع الأميركيين. وقد تبيّن في الآونة الأخيرة أن العدوّ «لم يعد مرتاحاً كفاية» لطريقة عمل الممثل الخاص للرئيس الأميركي السفير ديفيد ساترفيلد. والخلافات بينه وبين ضباط العدوّ ومسؤوليه محصور في كيفية إدارة الملف الإنساني. من قرار إدخال المساعدات وتفتيشها وعرقلة فرق الإغاثة الدولية، مروراً بخطط التهجير المعدّة في أكثر من مكان، وصولاً الى طريقة إدارة العمل مع ممثلي بقية المنظمات الدولية والعواصم المعنية بالملف الإنساني. وقد عبّر قادة العدوّ عن تحفظاتهم عمّا يقوم به ساترفيلد أمام وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأمام مسؤولين آخرين؛ من بينهم مدير الاستخبارات وليام بيرنز.
وعلمت «الأخبار» أن إسرائيل نجحت في انتزاع قرار أميركي بإنهاء مهمة ساترفيلد خلال أسبوعين، وقد أبلغ الرجل نفسه جهات عربية عاملة معه أنّ قرار إعادته الى الولايات المتحدة اتّخذ، وأن تنفيذه سيكون أول آذار المقبل، وأنه بدأ يعد العدّة للانتقال الى منزله في ميامي لقضاء فترة تقاعده، على أن يصبح عمله منوطاً بفريق يترأّسه موظف يتبع مباشرة لرئيس مجلس الأمن القومي جاك سوليفان، وسوف تكون إدارة الفريق مباشرة من واشنطن، على أن لا يتحرك مندوبهم في العواصم أو على الأرض بل يتخذ مكتباً للتنسيق في تل أبيب.
ويبدو أن الانزعاج الإسرائيلي من ساترفيلد بدأ، عندما تراجع عن دعمه فكرة تهجير أبناء غزة الى سيناء. وقد كشفت وثائق ديبلوماسية، اطّلعت عليها «الأخبار»، أنّ ساترفيلد كان قد طلب مباشرة من مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، وكذلك من الأمم المتحدة إدارة وتمويل إقامة مخيم كبير في منطقة المواصي عند الحدود الغربية الجنوبية للقطاع. وقد أبلغته الأمم المتحدة رفضها، قبل أن يحمل الفكرة لمناقشتها مع المصريين.
ساترفيلد في وثيقة سريّة: نتنياهو يسعى إلى الاستمرار في الحرب لأطول فترة ممكنة لتحقيق إرث سياسي
وبرر ساترفيلد في لقاء مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في القاهرة بتاريخ 29 تشرين الأول الماضي الدعوات الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة الى سيناء بأن المقصود منها «نزوح» الفلسطينيين من شمال القطاع الى جنوبه وليس تهجيرهم على نحو دائم، وأن عودة النازحين الى الشمال مرتبطة بنهاية القتال وفق اتفاق جرى بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي. وبعدما سمع ساترفيلد موقف مصر والأردن، أبدى تفهّمه وقال إن واشنطن تعتبر أن الحديث بهذا الموضوع انتهى. وهو عاد وأبلغ تل أبيب بذلك.
لكن مشكلة ساترفيلد مع حكومة نتيناهو أن الأخير يتّهمه بالتحريض ضده في البيت الأبيض وفي دوائر وزارة الخارجية الأميركية. وتكشف وثيقة ديبلوماسية أخرى أن ساترفيد قدم أمام ديبلوماسيين عرب «تقييمه» لما حدث بعد 7 أكتوبر، وقال «إن نتنياهو يسعى إلى الاستمرار في الحرب لأطول فترة ممكنة لتحقيق إرث سياسي بناءً على نجاحه المفترض في تدمير حماس». لكنه شدّد – وفقاً للوثيقة نفسها – على أن بلاده «لا يسعها إلا أن تسمح لإسرائيل بالعمل لاستعادة الثقة بقواتها، وهي تأمل أن تكون العمليات الحربية ضمن نطاق محدد».
بالتزامن، جاء قرار تعيين الهولندية سيغريد كاغ في منصب كبيرة منسّقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، وكاغ نعرفها عندما عملت منسقة خاصة للأمم المتحدة في لبنان. وهي ناشطة سياسية بارزة في بلدها، ولديها علاقات دولية واسعة. وموقفها لا يغضب الأميركيين ولا الإسرائيليين. برغم أنها زوجة الطبيب الفلسطيني المقدسي أنيس القاق، الذي كان مقرّباً من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وله هذه الفترة موقف منتقد لأميركا وإسرائيل معاً. لكنّ ممثلي الدول كافة يتعاملون مع مهمّتها انطلاقاً من أنها «لا تعدّ معادية للشعب الفلسطيني».
الأهم، هو أن الجميع، ومن دون استثناء، من الأميركيين الى الإسرائيليين وفريق الأمين العام للأمم المتحدة، والدول العربية كافة، وغالبية المنظمات الدولية، يُريدون تسهيل مُهمة كاغ. صحيح أنها تعمل تحت إمرة مارتن غريفيت. لكنها تملك هامشاً واسعاً، والكل يتعامل معها على أنها «الملكة». وبما أن مهمتها الأساسية هي إعادة الإعمار، فهي تعرف أنها عملية سياسية ما يتيح لها القيام بدور يتجاوز الإطار الإنساني، وهي أصلاً صاحبة طموح كبير، وعينها على منصب الأمين العام!
الردع الاستراتيجي لحزب الله يقلّص طموحات العدوّ
يحاول قادة العدو وخبراؤه إسكات أصوات المستوطنين التي تتعالى اعتراضاً على فشل الجيش حتى الآن في توفير الشعور بالأمان لعودتهم. لذلك، تحاول دوائر التقدير والقرار احتواء ضغوطهم عبر تركيز الحديث على جانب من المشهد العملياتي يتمحور حول إنجازات تكتيكية في المعركة الدائرة مع حزب الله، وهو أمر غير مفاجئ بلحاظ تطوّر قدرات جيش العدو.
بالموازاة يقرّ هؤلاء القادة والخبراء أنفسهم بالفشل في تحقيق أي إنجاز استراتيجي. فلا الجيش نجح حتى الآن في إسقاط قواعد الاشتباك التي فرضها حزب الله منذ الثامن من تشرين الأول، ولا تمكّن من فرض معادلة ردع تثنيه عن مواصلة هذا الخيار الاستراتيجي – العملياتي، والأهم أن العدو عجز عن فك الارتباط بين جبهتَي لبنان وغزة.اللافت في القراءات الإسرائيلية أن الرأي العام والخبراء يقرون، أيضاً، بأن حزب الله «حقّق إنجازاً استراتيجياً» تمثّل بـ«إخلاء عشرات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم»، وفق رئيس الاستخبارات العسكرية السابق (أمان) اللواء تامير هايمن. ويتقاطع مع هذا التوصيف عدد من الخبراء والمسؤولين الذين يتفقون على مجموعة مفاهيم، منها: «لا يوجد ردع في الشمال؛ سياسة الاحتواء فشلت؛ ولا يمكن الاستمرار في هذا البينغ بونغ ووجود حزام أمني في أراضينا وتحوّل سكان الجليل إلى حقل رماية لحزب الله».
فرض هذا الواقع على قيادة العدو رفع منسوب الضغوط، ولو من موقع الردود على ضربات حزب الله، عبر توسيع مدروس ومضبوط للنطاق الجغرافي للمعركة. ويعود ذلك، بشكل رئيسي، إلى فشل استراتيجية «الردع الفعّال» التي أعلنها نتنياهو كعنوان للسياسة العملياتية لجيش العدو. لكنه عكس، من جهة أخرى، مفاعيل ضربات حزب الله على المستوييْن الأمني والسياسي، وتداعياتها على صورة الجيش في نظر المستوطنين.
في المقابل، ردّ حزب الله على مساعي العدو بضربات مدروسة اعتبرتها قيادة العدو خارج القواعد الحاكمة على الميدان حتى الآن. تمثّل ذلك بضرب أهداف خارج النطاق الجغرافي للمعركة المستمرة منذ حوالي أربعة أشهر، وصف العدو بعضها بالحساسة، إضافة إلى خصوصيات عسكرية اتّسمت بها أهداف أخرى.
كما شكّل استخدام حزب الله وسائل قتالية جديدة نوعاً من الارتقاء انطوى على رسائل، أكثر من يعي أبعادها العملياتية قادة الجيش، ومن ورائهم المستوى السياسي.
هذا الواقع المتداخل والمعقَّد على المستوييْن السياسي والميداني، وضع تل أبيب أمام تحدٍّ مفصلي، تمّ التعبير عنه في الساحة الإسرائيلية على أنه «صراع إرادات»، تسعى فيه إسرائيل إلى «الفصل بين حماس والمحور الشيعي وانتزاع تهديد (قدرات) حزب الله في التوغّل إلى الأراضي الإسرائيلية»،كما عبَّر هايمن.
مع ذلك، يكشف الحديث عن «صراع الإرادات»، بدلاً من حرب إسرائيلية لاجتثاث قدرات حزب الله، عن مفاعيل قوة الردع الاستراتيجي للحزب، والتي من دونها ما كان استطاع أن يخوض معركة مؤطّرة جغرافياً ومكبوحة على مستوى النيران، ومضبوطة إلى حد عدم الدفع نحو التدحرج إلى حرب واسعة، على خلاف السياسة العدوانية التي يتّبعها في قطاع غزة.
كذلك تجلّت قوة ردع حزب الله في تحديد قادة العدو معايير تكتيكية لأي صيغة مستقبلية، على حساب الطموحات الاستراتيجية، تعبيراً عن إدراكهم لحجم التحوّلات التي استجدّت على معادلات القوة بين الحزب وجيش العدو. فبعدما كان العدو يحمي مستوطناته الشمالية من خلال احتلال «حزام أمني» في الأراضي اللبنانية، بات يقيم «حزاماً أمنياً» داخل «أراضيه».
واللافت أن قادته وضعوا ذلك في خانة الإنجازات كونه سلب حزب الله المزيد من الأهداف، وإن عبر تهجير المستوطنين واختباء الجنود والاحتماء في التحصينات!
استخدام حزب الله وسائلَ قتالية جديدة انطوى على رسائل يعي جيش العدو والمستوى السياسي أبعادها
وبعدما كان الخطاب السياسي الرسمي، الأميركي والإسرائيلي، يركّز على المطالبة بنزع سلاح حزب الله والتهديد بتدميره إن لم يتحقق ذلك، أصبح الهم الأول في تل أبيب توفير الشعور بالأمن للمستوطنين، عبر إبعاد قوة حزب الله الهجومية، «قوة الرضوان»، عن الحدود، في إقرار صريح بفشل استراتيجية الردع والدفاع. والأهم، أن المطالبة بإبعاد «قوة الرضوان» تعكس أيضاً عدم ثقة المستوطنين بجيشهم وقدراته في مواجهة حزب الله.
اللافت أن تغليب السقف التكتيكي في المطالب أصبح مهيمناً على الخطاب الإسرائيلي الرسمي، وإن على حساب تكريس وارتفاع المخاطر الاستراتيجية.
فرغم تأكيد هايمن على المطالبة بإبعاد «قوة الرضوان»، إلا أنه أقرّ في الوقت نفسه بأنه «ليس هناك وهم بأن تهديد حزب الله بشن هجوم واسع النطاق (برياً) سيختفي»، مضيفاً أن إسرائيل «ستبقى مع تهديد عشرات آلاف الصواريخ لحزب الله على الجبهة الداخلية». وتقاطع بذلك مع تأكيد قائد الفيلق الشمالي السابق اللواء آيال بن رؤوبين، أن «حزب الله لن يختفي من حياتنا»، في إشارة إلى ضرورة خفض سقف التوقّعات لأسباب استراتيجية، وأيضاً داخلية تتصل بمخاطبة الجمهور الإسرائيلي.
رغم حجم التعقيدات التي تتّسم بها جبهة لبنان، وفشل كل المحاولات السياسية والميدانية حتى الآن، إلا أن التقدير الذي لا يزال مهيمناً في كيان العدو، كما عبَّر اللواء هايمن المقرّب جداً من دوائر التقدير والقرار، هو أن «حرباً شاملة في الشمال ليست حتمية»، من دون أن يستبعد إمكانية التدهور إليها.
إلا أن النظرة التشاؤمية إلى المستقبل كمنت في تأكيده على عودة «الاستيطان على طول الحدود مرة أخرى جزءاً من القصة الصهيونية الطلائعية»، وهو تعبير ينطوي على مضامين ثقافية تاريخية تشكل إقراراً بالعودة إلى الأيام الأولى التي كان يلعب فيها الاستيطان الحدودي دوراً رئيسياً في الدفاع عن الأمن والوجود.
لكنّ المختلف هذه المرة، كما يتم التعبير عنه في جيش العدو، هو «تغيّر التهديد وتغيّر العدو». وبتعبير أوسع دلالة، فإن ذلك مقرون بتغيّر جوهري في البيئتين الإقليمية والعملياتية يساهم في تسارع انحدار مكانة إسرائيل الاستراتيجية والردعية.
اقتراح فرنسي لترتيبات ترضي إسرائيل: انسحاب المقاومة 10كلم وانتشار كبير للجيش
هدفت الزيارات الأخيرة لوفود ديبلوماسية وعسكرية وأمنية فرنسية الى لبنان وكيان الاحتلال، إلى التوصل الى «قاعدة اتفاق» لتسوية الوضع على الحدود. ورغم أن الجانبين الفرنسي والأميركي يدركان جيداً ما سمعاه في لبنان بأن الاتفاق غير ممكن قبل توقف العدوان على غزة، أكّد الفرنسيون أنهم تلقّوا تأكيدات من واشنطن بأن اتفاق الهدنة في غزة وشيك ولن يتأخر الى ما بعد نهاية الشهر الجاري.وأكد مصدر ديبلوماسي لبناني لـ«الأخبار» أن لبنان تسلّم من الفرنسيين اقتراحاً أمنياً «يحتاج إلى نقاش طويل»، ويستند في مضمونه الى فحوى تفاهم نيسان 1996 بعدم التعرض للمدنيين من الجانبين، ويشمل إجراءات على جانبَي الحدود وليس فقط من الجهة اللبنانية.
ويبدو أن الفرنسيين يحاولون – كعادتهم – انتزاع دور خاص، مستندين الى أنهم الطرف الغربي شبه الوحيد الذي يقيم علاقات مباشرة مع حزب الله. غير أن الإسرائيليين، وفقاً لمصادر متابعة يفضّلون إدارة الأمر مع الجانب الأميركي، «القادر على إنجاز هذا الملف كما نجح في إنجاز ملف الحدود البحرية، على أن يعهد التنفيذ إلى فرنسا، وهو ما يقوله الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين الذي لا يعارض ما يقوم به الفرنسيون، لكنه لا يعتبره أساس أيّ حل أو اتفاق».
وفي سياق الترويج لدورها من جهة، وإظهار وقوفها الى جانب مصالح العدوّ، سرّبت الديبلوماسية الفرنسية معلومات الى صحيفة «لو موند» حول «الخطوط العريضة لحل ديبلوماسي». وأشار تقرير للصحيفة الى أن فرنسا «تريد فصل القضية اللبنانية عن الوضع في قطاع غزة، وهي تقدمت باقتراح يدعو إلى تطبيق إجراءات عدم الاشتباك سريعاً». لكنها لفتت إلى أن فشل الهدنة في غزة «يعقّد الجهود الفرنسية والأميركية، لأن شرط حزب الله لبدء المفاوضات هو إنهاء الأعمال العدائية في قطاع غزة».
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي سلّم، الثلاثاء الماضي، المسؤولين اللبنانيين الاقتراح الذي كان «محل نقاش مع إسرائيل خلال زيارة قام بها ممثلان عن وزارتَي الخارجية والدفاع».
وينص الاقتراح على «إجراءات تساهم في التهدئة التدريجية»، ويقضي بسحب حزب الله عناصره الى عمق 8 إلى 10 كيلومترات عن الحدود، وهي مسافة «تعادل مدى صواريخ حزب الله المضادة للدبابات»، إضافة إلى «سحب قوة الرضوان، وعدم إعادة الحزب بناء قواعده ومراكز المراقبة التي دمّرها الجيش الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر».
وأشارت الصحيفة إلى أن ملف ترسانة حزب الله الصاروخية ليس محل نقاش الآن، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي «أن انسحاب حزب الله من 8 إلى 10 كيلومترات يمكن أن يكون بداية». غير أنها لم تشر الى الإجراءات المفترض أن تقوم بها إسرائيل على الجانب الآخر، علماً أن المقترح الأساسي الذي يعمل عليه هوكشتين يتحدث عن انسحاب إسرائيل من النقاط البرية التي لا تزال تحتلّها على طول الحدود من الناقورة حتى قرية الغجر وخراج بلدة الماري، وعن تفكيك نقاط عسكرية إسرائيلية على الحدود مع لبنان، والتزام إسرائيل بوقف كل أنواع الخروقات البرية والبحرية والجوية وفق ما ينصّ عليه القرار 1701.
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة الى أن فرنسا تعمل على برنامج جديد لدعم الجيش اللبناني لنشر قوات إضافية على الحدود، لافنة الى زيارة قائد الجيش الفرنسي تييري بوركهارد لبيروت الجمعة الماضي. ونقلت عن مصدر ديبلوماسي أن الوسطاء يراهنون على أن تموّل الدوحة تعزيز قدرات الجيش اللبناني، وهذا الأمر سيبحث خلال زيارة سيقوم بها أمير قطر تميم بن حمد لباريس نهاية شباط، علماً أن الجانب الفرنسي ناقش مع قيادة الجيش إمكانية إرسال أكثر من 10 آلاف جندي الى الحدود، وسمع أنه لا توجد إمكانية مادية للقيام بهذه المهمة.
ولا تزال الرسائل الديبلوماسية تتوالى، ناقلة تأكيدات على جدّية التهديدات الإسرائيلية في تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الجنوب. إلا أن مصادر مطّلعة أكدت أن «الإسرائيليين يحاولون الاستفادة من هذه الفترة التي يتعرضون فيها لضغط أميركي قوي لتنفيذ أكبر عدد من عملياتهم، سواء في لبنان أو غزة، لكنهم في نهاية المطاف سيكونون مضطرّين الى القبول بوقف إطلاق النار، ولن يستطيعوا أن يفتحوا حرباً مع لبنان»، مشيرة إلى أن «التهديدات هي من باب تحسين شروط التفاوض مع لبنان لا أكثر».
تدمير 90% من الجامعات: هكذا أجهز العدوّ على قطاع التعليم الغزّي
غزة | تفيد المعلومات الأخيرة الآتية من مربّع الجامعات غربي مدينة غزة، والذي تقدّمت إليه الدبابات الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين، بأن جيش العدو نسف أخيراً عدداً من مباني «جامعة الأقصى» الحكومية، ليتمّم بذلك مَهمّته في تدمير نحو 90% من مؤسسات التعليم العالي في شمال وادي غزة.
ويُعد مربّع الجامعات الذي جالت «الأخبار» فيه في مطلع شهر كانون الثاني الماضي، واحداً من أكثر شوارع القطاع ازدحاماً، وهو يشكّل مركز المؤسسات التعليمية العليا في غزة عموماً، إذ يضمّ ثلاثاً من كبريات الجامعات التاريخية. ومن بين هذه الأخيرة، «الجامعة الإسلامية» التي أُسّست عام 1978 وتتربّع على مساحة تتجاوز الـ100 دونم، ويدرس على مقاعدها أكثر من 20 ألف طالب، و«الأزهر» التي افتُتحت عام 1991 (15 ألف طالب)، و«الأقصى الحكومية» العائدة إلى عام 2001، فضلاً عن مبنى التدريب التابع لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)، ووزارة التربية والتعليم، والعشرات من المدارس، وكبريات المكتبات والمطابع والمراكز التعليمية ومراكز الأبحاث.وتعرّضت تلك المؤسسات لنوعين من التدمير؛ الأول هو ما تسبّب به القصف الإسرائيلي والجرافات الإسرائيلية بشكل مباشر، على غرار حالة «الإسلامية» التي تعرّضت مبانيها الرئيسية لقصف مباشر، أتى على أجزاء كبيرة منها، من مثل مبنى المختبرات العلمية، والمكتبات المركزية، وقاعة المؤتمرات، ومباني تخصّصات الطب والهندسة، وعدد من مباني تعليم الإناث. أما المباني التي سلِمت من الهدم، فأتمّت القذائف الحارقة مَهمّة تحويلها إلى رماد، من مثل «جامعة الأقصى»، الجامعة الوحيدة التي كانت قد سلمت من القصف والعبث حتى وصولنا إليها في جولتنا الماضية، والتي أفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بتعرّض مبانيها للنسف بالديناميت.
وبالنسبة إلى الشكل الآخر للتدمير، فهو العبث في كل ما تحتويه الجامعات من كنوز ثمينة، باتت عرضة لعمليات سرقة منظّمة، أو عبث غير مسؤول، وذلك بعدما تركت وحدات أمن الجامعات، تلك المباني، إثر اشتداد حدة القصف الجوي. في مبنى المكتبات المركزية في «الجامعة الإسلامية»، مثلاً، المُكوَّن من ست طبقات، والذي كان يحوي مخطوطات تاريخية ومراجع علمية يعود تاريخها إلى آلاف السنين، من الممكن أن يصيبك ما تشاهده في باحة الجامعة، بالغثيان: الآلاف من الكتب التي سلِمت من القصف، ممزّقة، وجزء منها محروق على الأرصفة. يقول أحد النازحين: «جاءت عصابات من اللصوص، وسرقت مبالغ مالية كبيرة، وعاثت في الجامعة فساداً. الأهالي البسطاء أحرقوا مئات الكتب لطهو الطعام، أو لأغراض التدفئة».
لم تطاول الحرب الإسرائيلية المقدرات المادية للقطاع التعليمي فقط، إنما لاحقت كادره البشري
على أن تلك الخسارة، ليست سوى ذرّة رماد من حجم ما تمّ تدميره، إذ ستشاهد وأنت تتجوّل بين المباني المدمّرة، المئات من أجهزة مبنى المختبرات العلمية، الذي كان يحوي الآلاف من أجهزة الفحص المخبري، ومعدات التجارب العلمية، وقد تعرّضت للتكسير والتخريب والعبث. ويمكن القول إن كل مباني «الجامعة الإسلامية»، بما تحتويه من مراجع ومعدات علمية وأجهزة حاسوب وأثاث، تعرّضت لتخريب ممنهج، مصدره الأول القصف، الذي تسبب بإخلاء الجامعة من حاميتها الأمنية، ثم عصابات السرقة والتخريب التي تعمل جنباً إلى جنب العدو في إتمام مهمته، وأخيراً، العبث الذي تسبب به تحوّل المباني إلى مراكز إيواء سكنها عشرات الآلاف من النازحين، ممّن تباينت بينهم مستويات الثقافة والإدراك لقيمة المكان الذي يقيمون فيه. هؤلاء، اضطروا للاستفادة من محتويات الجامعة لتدبّر حاجاتهم اليومية، كإشعال النار للطهو والتدفئة، ولا سيمّا في وسط حصار تعرّضوا له هناك امتدّ أشهراً، ولم يكن ثمة ما يمكن استخدامه في مواجهته، سوى مقدرات الجامعة وكتبها وأثاثها.
وينعكس كل ما تقدّم، على حال «جامعة الأزهر» التي حازت تاريخياً سبق افتتاح قسم الطب البشري والطب المخبري، وتضمّ أيضاً «مكتبة جواهر لال نهرو» التي لا تقل أهميةً عن مكتبة «الإسلامية»؛ إذ بعدما سلِمت مباني «الأزهر» من القصف، ولم يطاول الهدم سوى أجزاء من مبنى «الدراسات الأزهرية»، طاول النهب والعبث كل مرافق الجامعة، بعد أن حُوّلت في وقت سابق إلى مركز إيواء، سكنه عشرات الآلاف من النازحين.
وكانت الأسوار الخارجية للجامعتين الأخيرتين، هدمتها الجرافات الإسرائيلية تماماً، ما حوّل باحتيْها إلى شوارع يمر بها المشاة. يقول أحد رجال الأمن في «الإسلامية»: «كنا قد أعددنا خطة طوارئ لحماية الجامعة، لكنّ الحملة الجوية خلال الـ20 يوماً الأولى من الحرب، ابتدأت من الرمال الجنوبي، حيث تعرّضت مباني الجامعة ومقرات الأمن الجامعي للقصف. وأمام ذلك، لم تعد متاحة مواصلة العمل، انسحبنا بعدما تعرّض عدد من الزملاء للإصابة ومقتل آخرين، تمركزنا في مكان قريب من الجامعة، لكن بعدما تحوّلت مدينة غزة إلى ميدان قتال عنيف، لم يعد هناك ما يمكن فعله». ويتابع الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»: «عدنا بعد عدة أيام من انسحاب دبابات العدو من المنطقة، وجدنا أسوار الجامعة مهدومة، وأكثر مبانيها مقصوفة، وقد خربت كل محتوياتها بأيدي جنود العدو أنفسهم، من خلال التكسير والحرق، ثم أتم اللصوص والعابثون المهمة». وعلى بعد عدة كيلومترات من مربّع الجامعات، وفي منطقة المغراقة تحديداً، التي تحوّلت إلى مجمّع توسعي لمباني الجامعات الحديثة، حيث كانت قد بنت كل من جامعتَي «الأزهر» و«الإسراء» مبانيَ حديثة الطراز، تعرّضت كل المرافق الإنشائية للقصف العنيف.
على أن الحرب الإسرائيلية لم تطاول المقدرات المادية للقطاع التعليمي فحسب، إنما لاحقت كادره البشري أيضاً؛ إذ اغتال جيش الاحتلال أكثر من 100 دكتور وعالم وأستاذ جامعي منذ بداية الحرب، من بينهم رئيس «الإسلامية»، البروفيسور سفيان تايه، الذي صُنِّف خلال العام الماضي، واحداً من أفضل 10 كفاءات علمية في العالم في مجال الهندسة المدنية. ووفقاً لبيان نشره «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، نفّذ جيش الاحتلال «هجمات متعمّدة محددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية، العشرات منها قُتلت في غارات مباشرة استهدفت منازلها من دون سابق إنذار، لتُقتل سحقاً تحت الأنقاض مع عائلاتها». ووثّق «الأورومتوسطي»، حتى تاريخ الـ20 من كانون الثاني الماضي، اغتيال أكثر من 94 أستاذاً جامعياً، ومئات المعلمين وآلاف الطلبة، من خلال غارات طاولت علماء الجامعات على نحوٍ مقصود لذاتهم». ولفت إلى أن من بين قائمة المستهدفين «17 شخصية تحمل درجة البروفيسور، و59 تحمل درجة الدكتوراه، و 18 درجة الماجستير»، وهي موزعة على مختلف المجالات العلمية، وغالبتيها تمثل «مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة»، وفق البيان، الذي أشار إلى أن الحصيلة غير نهائية، وسط تقديرات بوجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين. أيضاً، ذكر «المرصد» أن إسرائيل دمّرت على نحو مباشر وممنهج كل الجامعات في قطاع غزة المحاصر، على مراحل.
اللواء:
تخبُّط إسرائيل جنوباً يرفع من مخاطر انهيار كامل لقواعد الاشتباك
ميقاتي يردّ على شكوى أبوصعب لبرّي: نسيِّر أمور البلاد والعباد.. والحريري في بيروت
تسابق التطورات الميدانية الجنوبية المتغيرات الحاصلة في الوضعين السياسي والاقتصادي، على وقع احتدام المواقف الداخلية، واستعار الحملة على الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته، على خلفية تعيين رئيس جديد لأركان الجيش اللبناني، لمنع الوقوع في اي فراغ عندما تنتهي الولاية المهلة لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بعد 11 شهراً، ولم ينتخب رئيس للجمهورية، الامر الذي استدعى ردا من رئيس الحكومة.
ولا ينفصل كلا الوضعين الأمني والعسكري جنوباً وامتداداً الى مناطق خارج قواعد الاشتباك المعروفة عما يجري في المنطقة، سواء في ما خص ما تسميه ادارة الحرب في اسرائيل بالاستعداد لاقتحام مدينة رفح عند الحدود المصرية، وتداعيات ذلك على مجمل الاوضاع في المنطقة، بما في ذلك تعليق العمل بمعاهدة السلام بين مصر واسرائيل،أولجهة العودة الى تحريك ملف المفاوضات مع الاجتماع المرتقب غدا الثلثاء في القاهرة بين رؤساء مخابرات مصر واسرائيل والولايات المتحدة وقطر، استكمالاً للاجتماع الذي عقد في باريس قبل اسبوعين ونيف، بالتزامن مع مغادرة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، والذي كشف عن مفاوضات مع الولايات المتحدة، بهدف خفض التوترات في المنطقة، والبحث عن حل سياسي للازمات المتفجرة، بما في ذلك الحرب في غزة.
سياسياً، أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» أن تراجع الاهتمام بالملف الرئاسي في هذه الفترة مرده إلى انتظار مساعي التهدئة على جبهتي غزة والجنوب. ورأت ان الاسيوع الراهن من شأنه تقدبم اجوبة بشأن مصير هذه المساعي، وفي هذا الوقت لم يشهد الملف الرئاسي أي حراك جديد، على أن المواقف السياسية المحلية تتركز على ذكرى الرابع عشر من شباط.
وفي هذا السياق، قالت ان الأنظار تتجه إلى كلمة الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده وما يمكن أن تتضمن من إشارات حول الواقع السياسي الراهن.
إلى ذلك استبعدت المصادر أن تمر تعيينات المجلس العسكري كخطوة تالية بعد تعيين رئيس هيئة الأركان في الجيش اللبناني، وأشارت إلى أن التيار الوطني الحر الذي لم يبد امتنانه لهذا الإجراء يواصل الحملة على رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي بدوره يعقد لقاءات قبل تحديد موعد مجلس الوزارة لبحث مطالب القطاع العام والعسكريين المتقاعدين وإمكانية صدور سلة واحدة بشأن الرواتب والامور المادية المتصلة بهم.
عودة الحريري
وكان الرئيس سعد الحريري وصل الى بيروت مساء امس للمشاركة في احياء ذكرى استشهاد والده الـ19.
وسيمضي الحريري عدة ايام في لبنان، يلتقي خلالها الرئيس بري وشخصيات اخرى فضلا عن كوادر تيار «المستقبل».
وكان موضوع تعيين رئيس للاركان في الجلسة الاخيرة (السبت الماضي) لمجلس الوزراء موضع تجاذب بالغ الحساسية بين السراي والتيار الوطني الحر.
هجوم أبو صعب واعتراض عند بري
واختار نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب منبر عين التينة، ليشن حملة على الرئيس نجيب ميقاتي، كاشفا انه سجّل اعتراضا عند الرئيس بري، وسأله: اذا قبل وزراؤه ان يكون في هذه الحكومة التي تأخذ هكذا قرارات وهي حكومة تصريف اعمال وتهتم بالشؤون الضيقة من تصريف الاعمال، متمنيا عليه ان يكون الضامن للمستقبل في غياب رئيس الجمهورية و«السلطة» التي تحصل على الصلاحيات.
وقال ابو صعب: أصبحنا نرى تمادياً كبيراً جداً من قبل رئيس الحكومة في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، والأخطر منه الصلاحيات التي بدأ يعتدي عليها، وهي صلاحيات بعض الوزراء، لماذا أقول بعض الوزراء لأنه أكيد لا يتصرف بنفس الطريقة مع كل الوزراء، وكما سبق وقلت من المجلس النيابي وسألته لو كان الوزير زعيتر هو وزير الدفاع كنت تصرفت معه بهذه الطريقة؟ وانا وقتها كنت أعرف لماذا قلت هكذا، واليوم وصلنا لهذه المشكلة، ويقول رئيس الحكومة بأنه لا يسعى لأخذ دور أحد مثلما سمعنا ونحن صدقنا، ولكنه يرسل رسائل باتجاه المرجعيات الدينية ليقول لهم أنا أقف على خاطركم ببعض الأمور، ولكنه يقف على خاطرهم في بعض الأمور الثانوية، أما الأمور السياسية الأساسية مثل التعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وبعض الوزراء طبعاً يمعن في موضوع التعدي على هكذا صلاحيات».
.. وميقاتي يرد
ورد الرئيس ميقاتي على الحملات التي تستهدفه لجهة مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد تعيين رئيس جديد للاركان، ان الحكومة تقوم بتسيير امور الدولة والعباد، فيما سواها يمتنع عن القيام بواجبه في انتخاب رئيس جديد لاعادة الانتظام الكامل لعمل المؤسسات الدستورية.
واشار الى ان تعيين رئيس للاركان جاء بعد امتناع وزير الدفاع عن القيام بواجبه، وكان ضروريا ان يقوم مجلس الوزراء بما له من سلطة جامعة باتخاذ القرار المناسب.
واستدرك قائلاً: من لم يعجبه التعيين، هناك عدة طرق قانونية يمكن سلوكها للطعن به، والحكومة سوف ترضخ لأي قرار قد يصدر في هذا الصدد، مجددا تمسكه باتفاق الطائف، وما يتضمنه من صلاحيات وروحية.
وفي تصعيد جديد، في مناسبة عيد مار مارون رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اننا «امام عملية اقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة بدءا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، واقفال القصر الجمهوري والعودة الى ممارسة حكم الترويكا بالشكل الواضح للعيان، وغير المقبول.
ورحب المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى باهتمام الدول الشقيقة والصديقة، المتمثلة باللجنة الخماسية لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة الدوران في الفراغ الرئاسي، معربا عن امله في ان تثمر حلا قريبا للخروج من النفق المظلم، معربا عن قلقه الشديد من استمرار تعسر وتعثر انتخاب رئيس للجمهورية لا تستقيم من دونه الحياة السياسية، وتتعرض الحياة الوطنية الى المزيد من مخاطر التصدع والانهيار.. مؤكدا على مسؤولية المجلس بانتخاب الرئيس، داعيا الى احترام الآلية الدستورية.
حدّ أدنى وزيادات «العام» تنتظر
معيشياً، رفع مجلس الوزراء في جلسة السبت الحد الادنى للنقل في القطاع الخاص الى 450 الف ليرة لبنانية.
وتطرق رئيس الحكومة الى موضوع التعويضات للعاملين في القطاع العام والعسكريين وبدل الانتاجية للموظفين في القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين، قائلاً: «بالامس عقدت سلسلة اجتماعات مالية، تبين من خلالها استمرار وجود تفاوت ببن العاملين في القطاع العام والعسكريين،ولذلك طلبت التريث في استكمال درس هذا الملف الى حين مراجعة الارقام كلها. وستعقد اجتماعات الاسبوع المقبل مع ممثلين عن قيادة الجيش وقوى الامن الداخلي والمتقاعدين بمشاركة من يرغب من الوزراء. وبنتيجة الاتصالات ايضا مع مصرف لبنان تم التمني بالتريث في بت هذا الملف الى حين مراجعة كل الارقام، منعا لحصول اي تأثير سلبي على الاستقرار في سعر الصرف».
وأعرب تجمع «موظفي الادارة العامة» انه تفاجأ بتأجيل اصدار المرسوم المتعلق بالزيادات على الرواتب كحد أدنى وتعديل ايام الحضور مقابل بدل من المحروقات.
مشددا على مطالبته الحكومة بالإلتزام بوعدها بما يخص المفعول الرجعي وأن يطبق على كامل الزيادة وعدم التملص والتورية بالكلام. ويؤكد التجمع، بأن الإدارة العامة جسم واحد ويرفض تخصيص أي إدارة بتقديمات خاصة، وانطلاقاً من هذا المبدأ، يطالب تجمع موظفي الإدارة العامة الحكومة، بأن تشمل الزيادة كل العاملين في المؤسسات العامة ذات الطابع الإداري ولا سيما تعاونية موظفي الدولة».
ومحذراً من خطوات تصعيدية بالاشتراك مع المتقاعدين، الذين حضر قسم منهم الى رياض الصلح احتجاجا على التباطؤ في اقرار الزيادات على معاشات التقاعد المنهارة يوما بعد يوم.
العدوان المتفجِّر جنوباً
ميدانياً، وعشية اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله غدا في يوم الجرحى، مضى العدو الاسرائيلي قدماً في ارتكاب المجازر ضد الامنين في بلدة حولا الحدودية، حيث ذهب شهيدان وبعض الجرحى، كما سجلت عملية عدوانية، شنتها مسيرة على سيارات مدنية في بلدة جدرا، ادت الى سقوط شهيد لحزب الله واصابة آخرين بين شهيد وجريح.
وحسب تقرير كشف عنه موقع (Calcalist) الجمعة الماضي، ان حرب الشمال اذا وقعت ستكون اكثر تدميرا ودموية مما تتوقعه اسرائيل.
وكشف التقرير: «ستبدأ الحرب متعددة الجبهات من الشمال بإطلاق حزب الله صواريخ ضخمة ومدمرة في كل مكان تقريباً في إسرائيل».
وستكون عمليات الإطلاق ضخمة، وستشمل صواريخ غير دقيقة، وأخرى دقيقة بعيدة المدى. سيركز حزب الله جهوده من وقت لآخر، ويطلق وابلاً هائلاً من الصواريخ على خليةٍ ميدانية واحدة: قاعدة مهمة للجيش الإسرائيلي أو مدينة في دان غوش. وسوف يستمر إطلاق النار يوماً بعد يوم، حتى اليوم الأخير من الحرب.
واشارت هيئة البث الاسرائيلي الى ان القوة المحسوبة من قطاع غزة ستنقل للانتشار عند الحدود الشمالية مع لبنان.
وكانت المقاومة الاسلامية اعلنت عن سلسلة استهدافات لمواقع العدو في جبل نذر وحدب عيتا وراميا وزبدين في مزارع شبعا، وكذلك استهداف موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا.
وامس نعت حركة «امل» شهيدين جديدين، ليرتفع عدد شهداء الحركة، الى ثمانية، فيما اصبح عدد الشهداء الذين سقطوا باستهداف جامع بلدة حولا اثنين.
البناء:
بوتين: أوكرانيا كيان مصطنع… مع الصين تفوّقنا على الغرب… والأميركي منافق
تهديدات إسرائيلية بالهجوم على رفح.. والمقاومة تعده بالهزيمة وتهدّد بوقف التفاوض
عبد اللهيان: رسائل من واشنطن وتواصل مع السعودية… و«إسرائيل» خسرت الحرب
كتب المحرّر السياسيّ
انشغل الغرب عموماً، وأميركا خصوصاً، بالحوار الذي أجراه الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خلفيّة المواقف التي أطلقها بوتين، وما تضمّنته من قراءة للمشهد الدولي، وخلفيات المواجهة مع الغرب.
وكان الرئيس الروسيّ قد قدّم عرضاً تاريخياً تفصيلياً لظروف نشوء الصراع مع أوكرانيا، والظرف التاريخي لولادة الكيان الأوكراني، ككيان حديث مصطنع قام الزعيم السوفياتي السابق جوزف ستالين بتجميعه من أراضٍ روسية وبولندية وهنغارية، موضحاً الحقوق التاريخية لروسيا في الأراضي الشرقية الأوكرانية ووصولاً الى المنافذ على الحبر الأسود، والخلفية التاريخية للجذور الروسية لأبناء هذه المناطق. واستعرض بوتين المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري للتنافس بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى، موضحاً بالأرقام أن الصين تجاوزت منذ زمان المكانة الأولى اقتصادياً في المنافسة مع أميركا، وأن روسيا اليوم الدولة الأولى في أوروبا اقتصادياً، وأن روسيا تجاوزت أميركا عسكرياً بتفوّق غير قابل للمنافسة خصوصاً في الصواريخ الفرط صوتية. وعن علاقته بالرؤساء الأميركيين استعاد بوتين صوراً من الذاكرة لتعهدات سمعها من الرؤساء جورج بوش الابن والرئيس باراك أوباما وكلها انتهت بأكاذيب.
في المنطقة تهديدات إسرائيلية بالهجوم على رفح، ترافقها حملات أميركية وأوروبية وعربية للتحذير من خطر العملية والحديث عن شروطها، وما سوف يرافقها من مذابح بحق المدنيين، وصولاً إلى تحويل التهديد إلى مدخل لتوظيف التهديد تفاوضياً بمطالبة المقاومة بتقديم تنازلات تتيح التوصل الى اتفاق يمنع العملية، بينما قالت قوى المقاومة إنها جاهزة لتلقين الإسرائيلي درساً جديداً وإلحاق هزيمة جديدة بجيشه إذا اختار الاحتكام إلى الخيار العسكري مجدداً، بينما هددت قوى المقاومة بإنهاء الخيار التفاوضي إذا وقع الهجوم.
في سياق مناخ الحرب ذاته في غزة، زار وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان بيروت، والتقى برئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، كما التقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتحدّث عبد اللهيان، عن خسارة “إسرائيل” للحرب، وعن قوة المقاومة في لبنان وقدرتها على إفشال التهديدات بالحرب التي يطلقها قادة الكيان. كما كشف عن تبادل رسائل بين واشنطن وطهران حول الحرب، وعن تواصل إيراني مع السعودية للبحث في الحلول السياسية.
ينتظر الملف الرئاسي مقترحات اللجنة الخماسية التي لم تقدم بعد أي أفكار جديدة في شأن إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية. وتقول مصادر مطلعة لـ «البناء» إن سفراء الخماسية في بيروت سوف يقومون بزيارات إلى رؤساء الكتل والأحزاب السياسية ليس بصورة جماعية، إنما بشكل فردي. وتقول المصادر إن زيارة الموفد الرئاسي جان ايف لودريان إلى بيروت لم تتحدّد بعد وإن لا معطيات حتى الساعة عن أي جدول أعمال للودريان في بيروت. وهذا يعني أن الاتصالات لم تثمر بعد أي تقدم يبنى عليه.
وانشغل الداخل اللبناني يوم السبت بمواقف وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الذي حط في بيروت يوم الجمعة والتقى عدداً من المسؤولين قبل أن ينتقل الى دمشق ليل السبت، وقد أكد دعم المقاومة وركز على أهمية الضغط على كل المستويات لإنهاء الحرب على غزة، وأن ليس هناك رغبة في التصعيد.
كما ركز أيضاً على ضرورة لبننة الاستحقاق الرئاسي، مشدداً على أن بلاده تدعم ما يتوافق عليه اللبنانيون عليه. وقال مصدر مقرب من حزب ألله إن لا نقاش في أيّ أمر يتعلّق بالحدود اللّبنانيّة الجنوبيّة إلّا عند وقف العدوان على قطاع غزة. وهذا أمر محسوم وغير قابل للنقاش.
الى ذلك لم تنته قرارات مجلس الوزراء الذي التأم يوم السبت من دون أخذ ورد لا سيما حيال تعيين رئيس للأركان، فتوحّد التيار الوطني الحر جبران باسيل والبطريرك الماروني بشارة الراعي بينما حاول حزب القوات أن يحيد نفسه قليلا عن التصعيد المسيحي ضد الحكومة ورئيسها.
واستغربت مصادر في فريق 8 آذار الحملة التي شنت على رئيس الحكومة، معتبرة أن توصيف “الدويكا” أثار امتعاض رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله أسوة برئيس الحكومة، والحريّ بالبطريرك الراعي ان يجمع الأقطاب الموارنة من أجل الوصول إلى تفاهم حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن المعضلة الأساس تبقى في الفراغ الذي تمعن القوى المسيحية في استمراره نتيجة خلافاتها السياسية وتضارب حساباتها ومصالحها.
ودعت المصادر التيار الوطني الحر الى الكف عن المهاترات السياسية واستعراض العضلات السياسية خاصة أن وزراء التيار الوطني الحر لا يقاطعون جلسات مجلس الوزراء وأن عدداً منهم يحضر الى السراي ويشارك في بعض الجلسات.
ومنذ صدر قرار مجلس الوزراء بتعيين اللواء حسان عودة رئيساً للأركان، انبرى عدد من السياسيين والصحافيين الى شن حملة على القرار واتهام رئيس مجلس الوزراء والحكومة بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية والانقلاب على اتفاق الطائف.
كما اطلق البعض خياله لسيناريوات مزعومة عن تواصل بين دولة رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس، ولذلك أكد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان الرئيس ميقاتي لم يستشر رئيس مجلس شورى الدولة بشأن مسألة التعيين، ولم يحصل اي تواصل بينهما بشأن هذا الملف او غيره، وبالتالي فان كل ما يقال خلاف ذلك عبارة عن تحليلات وتلفيقات معروفة الاتجاهات.
وأضاف: لقد كان ميقاتي واضحاً في مقاربة هذا الملف لدى عرضه على مجلس الوزراء، حيث شرح الاسباب الموجبة للقرار وضرورته لضمان استقرار مؤسسة الجيش، بعدما امتنع وزير الدفاع عن القيام بواجبه في هذا الملف.
وكان ضرورياً ان يقوم مجلس الوزراء، بما له من سلطة جامعة باتخاذ القرار المناسب. واذا كان القرار لا يعجب البعض، فهناك عدة طرق قانونية يمكن سلوكها للطعن به، كما ان الحكومة سوف ترضخ لأي قرار قضائي قد يصدر في هذا الصدد في حال تقديم اي طعن، وهذا ما صرح به رئيس مجلس الوزراء في جلسة التعيين، مجدداً تمسكه باتفاق الطائف وما يتضمنه من صلاحيات وروحية يشدد دولته على التمسك بها.
وشدد البيان على أن الحملات الاعلامية الممجوجة التي تشنّ على ميقاتي والحكومة في هذا الموضوع تفتقد الى الصدقية والحجة، وهدفها العراضات الاعلامية، بما يثبت ان البعض يفتش عن حيثية مستقلة او ينصّب نفسه وصيّاً وقيّماً على عمل الوزراء والوزارات وعلى حقوق الطائفة التي ينتمي اليها.
وقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: “كفى مخالفات للدستور، ومخالفات قاتلة للدّولة، من أجل مصالح فرديّة أو فئويّة أو حزبيّة أو سياسيّة”، مشدّدًا على أنّ “كلّ هذه المصالح مدانة ومرفوضة، فابدأوا أوّلًا بانتخاب رئيس للجمهوريّة، لكي تنتظم كلّ المؤسّسات”.
واعتبر أنّ “الدستور معطّل عمدًا، ونتوجّه إلى الضّمير الوطني لرئيس وأعضاء المجلس النيابي، لعلّ وخزّ الضّمير يستحثّهم”.
واعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن “العدو الاسرائيلي يعرف أن المقاومة في لبنان تؤذيه وتكيل له الصاع صاعين ولكن يحاول ان يستدرج بعض القوى الحليفة لمشاركته في العدوان مباشرة فيحاول ان يتطاول تارة في النبطية وتارة على طريق الساحل. لماذا هذا التطاول؟ لأنه يريد ان يرسل اشارة الى من يرعاه ويحرص عليه من الأميركيين بأنه ضاق ذرعاً ولا يستطيع ان يتحمل ما تفعله المقاومة ضده في جبهتنا”.
أضاف في احتفال تأبيني في حسينية كفرفيلا: “لا زالت المبادرة بأيدينا ولا زلنا متمكنين في الدفاع عن وجودنا ووطننا وسيادتنا وأمننا ولن يكون في النهاية الا ما تريدون انتم ولن نعطي جوائز ترضية لأحد. نحن بذلنا دماء غالية من ابنائنا وابنائكم من اجل أن نصون مجتمعنا”.
ودانت وزارة الخارجية والمغتربين بأشد العبارات “المخططات الإسرائيلية العدوانية باقتحام مدينة رفح استكمالا للحرب المستمرة على قطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين بصورة قسرية”.
ودعت مجلس الأمن الدولي إلى “ضرورة الاضطلاع بمسؤولياته من خلال اتخاذ قرار بوقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الانسانية للفلسطينيين، وصولا الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”، وفقاً “لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يتوافق مع مبادئ القانون الدولي”.
هذا ووصل الرئيس سعد الحريري أمس الى بيروت للمشاركة في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم بعد غد الأربعاء.
المصدر: صحف